لم يكن القصر الجميل، ولا الطيور النفيسة، ولا الزهور أو المجوهرات، كفيلًا بجعل التسول مستحيلاً لبقية حياتي، لكن بدا أن الشفقة والرحمة يمكن أن تفعلا ذلك.
للأسف.
“لهذا السبب أخبرتُ جلالة الإمبراطور أولًا أنني أريد أن أذهب معك.”
“…”
“هل وجودي يُزعجكِ؟”
سأل ثيون بحذر. لم أكن أعلم كيف أُجيب. نعم، أشعر بعدم الراحة، لكنني لا أريد أن أقول ذلك صراحة.
شعور متناقض خنق حلقي.
لقاء ثيون كان مؤلمًا بالتأكيد. لكن، في الوقت ذاته، كان ممتعًا. بلمسة واحدة من يده، وبنظرة واحدة من عينيه، كنت أشعر بوضوح بوجودي.
لذا لا يمكنني القول إنني أشعر بعدم الراحة.
إذا قلت ذلك، سيبتعد ثيون عني من دون أن يلتفت حتى. سأُهدر الفرصة الصغيرة التي يمنحني إياها.
عليّ أن أختار.
“لستُ منزعجة…”
في النهاية، كان خياري محسومًا منذ البداية.
دوروثيا ميلانير لا تعرف كيف تتخلى عن ثيون فريد.
نظر إليّ ثيون بعينين حانيتين، وكأنه شعر ببعض الارتياح.
“ولكن، لماذا تحملين دائمًا تلك النظرة حين ترينني؟”
سألني وهو يتأمل في عينيّ، أنفي، شفتي، وخدي.
تلك النظرة؟
لم أكن أعرف تحديدًا أي تعبير أقوم به. لكنه بالتأكيد لم يكن تعبيرًا جميلاً.
حاولت أن أجعل ملامحي عادية قدر الإمكان.
“أنا… أنا فقط أريد أن أكون على وفاق مع الأميرة.”
انحنى ثيون قليلًا ليصبح بمستوى نظري.
تحدث وكأنه يطلب الصفح. وكأنه يقول: لا تكرهيني.
وبكلمة واحدة فقط، انهار الحصن الذي شيدته من حولي بصعوبة.
“أريد أن أكون على وفاق معكِ.”
قلتُها لكَ مئة مرة، ثيون.
خفق قلبي، ولم أعد أستطيع السيطرة على تعابير وجهي.
لم يكن لدي وقت حتى لأفكر في رسم ابتسامة لطيفة أو التصرف بلطف.
أمامك، أنتَ الذي تتعاطف معي بعينين جميلتين كالجواهر وتطلب اللطف…
“الأميرة.”
وفي تلك اللحظة، جاء شخص ما بيني وبين ثيون.
“خدي يؤلمني كثيرًا، هل توجد أية أدوية؟ وأصابعي أيضًا…”
غطت وجنتا إيثان المتورمتان وجه ثيون كالقمر الذي يحجب الشمس.
“نعم؟”
كأن موجة ضخمة دفعتني إلى الواقع من جديد.
نعم، لقد جلبت إيثان. لقد صُدمتُ من ظهور راي وثيون حتى نسيت وجوده تمامًا.
“نعم! أدوية… لأني تأذيت.”
تهربتُ من نظرات ثيون، وأومأت بسرعة.
شعرت أنني كلما أطلت النظر في عينيه، كلما ازداد خفقان قلبي وضيقي.
“آسفة يا ثيون. إيثان جُرح ويحتاج دواء. هو ضيف، لكني نسيت أمره.”
تحدثتُ بسرعة دون أن أنظر إلى عيني ثيون. تجاهلتُ كلماته، وأخذتُ إيثان وركضتُ نحو غرفة العلاج حيث تُخزَّن الأدوية.
كان ذلك تصرفًا غبيًا.
الشخص الذي أحبّه قال إنه يريد أن يكون على وفاق معي، ومع ذلك هربتُ.
لكني لم أستطع السيطرة. لم أعتد على مثل هذه الأمور، لذا لم أعرف كيف أتعامل معها.
دخلتُ غرفة العلاج مع إيثان وأغلقت الباب.
“أميرة…؟”
“آه، لقد جلبتك، ثم جاء ضيف آخر ولم أنتبه لك. كان يجدر بي أن أبحث عن دواء فور وصولنا.”
جلستُ إيثان بهدوء في أحد الكراسي، وبدأت أُثرثر بينما أُفتّش في الرفوف.
فتحت أدراجي المبعثرة وأخرجت صناديق ورفعتها، وبدأت أُفتش بين الأشياء وأضعها هنا وهناك.
“أوه، أين الدواء؟ لا بد أنه هنا.”
جلس إيثان بصمت على الكرسي يراقبني.
وبينما كنت أفتّش، انزلقت بعض الأشياء وسقطت أرضًا.
“يا إلهي…!”
تنهدتُ وأنا أنظر إلى الأشياء المبعثرة.
لماذا يحدث كل هذا اليوم؟
منذ رسالة كارنان التي استلمتها هذا الصباح، إلى تقديم طلب مسابقة المبارزة، وظهور راي المفاجئ… كل شيء فوضى.
انحنيت لجمع الأشياء من على الأرض.
اقترب إيثان بهدوء وساعدني.
“شكرًا.”
لم أستطع النظر في وجهه.
كنت أشعر أن ملامحي ستفلت مني من جديد.
كل شيء خرج عن السيطرة اليوم.
حاولتُ ترتيب الأشياء على الرف وأنا أكبح مشاعري.
أردتُ أن أبتسم، أن أبدو عادية أمام إيثان.
“أوه، لا أستطيع إيجاده. ربما يجب أن أسأل كلارا أين هو.”
ابتسمتُ ابتسامة باهتة، وهممتُ بالابتعاد، لكن إيثان أمسك بي.
“لا أحتاج إلى دواء. مجرد انتفاخ في الخد.”
“لكنني أريدك أن تضع بعض الدواء…”
“لا بأس.”
ابتسم إيثان ابتسامة مشرقة رغم وجنتيه المتورمتين.
“أليست الأميرة بحاجة للدواء أكثر مني؟”
“أنا؟ لماذا؟”
“فقط… تبدين وكأنكِ مريضة قليلًا.”
ضاقت عيناه وهو يتأملني، واختفت ابتسامته فجأة.
تذكرت إيثان الذي عرفته قبل عودتي، وسحبتُ يده فورًا.
“لست مريضة.”
“لا… هل لديك حمى؟”
اقتربت يده ولمست جبهتي.
كانت رائحته العطرة تملأ المكان. عبير الأزهار الذي ينبعث منه وكأنه يملأ غرفة العلاج بأكملها.
“أنا حقًا بخير!”
هززت رأسي بسرعة، ودفعت يده وتراجعت.
رفع إيثان طرفي شفتيه وكأنه يرى الحقيقة.
“أعتقد أنني فهمت لماذا جاءت الأميرة إلى هنا لتتعافى.”
همسها وكأنها حقيقة.
شعرت وكأن قلبي يهبط فجأة.
كانت عيناه الذهبيتان تنظران مباشرة إلى أعماق قلبي… إلى حيث يسكن ثيون.
حتى قبل عودتي، كان إيثان يقرأني كما لو كان يرى روحي، وكان
دائمًا يسبق الجميع في فهمي.
“ليس الأمر كما تظن. لقد جئت لأنني كنت مريضة حقًا.”
“غريب… ألم تقولي الآن إنكِ لستِ مريضة؟”
شعرت وكأنني وقعتُ في فخ كلماته.
نظر إليّ بوجه بريء، ينتظر جوابي.
يا لك من شخص شرير.
“عُد الآن إلى قصر الدوق.”
دفعته بعيدًا. لم أكن أرغب في الاستمرار معه.
فجأة، أزاح خصلتي شعر من على وجهي وهمس في أذني:
“هل تريدينني أن أساعدكِ… مع هذا المرض؟”
ابتسامة مخادعة تسللت إلى وجهه. كانت أشبه بثعبان بلع ثمرة الزمان، وكأن الوقت توقف لوهلة بيني وبينه.
“أنا أحب الأميرة.”
همس بها بهدوء كنسمة هواء.
أردت أن أنظر في عينيه لأتأكد من صدقه، لكنني لم أستطع مواجهته.
لا، لا حاجة لذلك. إنها كذبة.
“توقف عن المزاح. أنا أكره هذه النكات.”
دفعته مجددًا.
“أوه؟ ظننتك ستضحكين، ألم تكن مزحة لطيفة؟”
هز كتفيه وابتسم.
“ليست لطيفة على الإطلاق.”
“لا بد أنكِ تتألمين كثيرًا لدرجة أنكِ لا تستطيعين الضحك، حقًا.”
بدت كلماته جارحة، فحدقت به بغضب.
“أنا بخير. فقط غادر.”
“وماذا عنكِ؟”
“سأبقى هنا قليلًا.”
“لكن ألم تقولي إنكِ لستِ مريضة؟”
“أخرج.”
دفعتُه خارج غرفة العلاج.
“إن أردت العودة إلى قصر الدوق، أخبر كلارا. سأجهز لك العربة.”
دفعته حتى نهاية الممر وأغلقت الباب بعنف.
وقف إيثان أمام الباب المغلق بقسوة. نظراته، التي كانت تحمل دعابة خفيفة، بردت فجأة.
“غريبة…”
همس لنفسه، وهو يلامس شفتيه بأطراف أصابعه.
ثم مرّ أحدهم في الممر، فالتفت إيثان نحوه.
ذلك الفتى ذو العينين الحمراوين.
“أوه، ذلك الفتى…”
ابتسم إيثان ببرود.
“تشرفت بلقائك.”
كانت ابتسامة مهذبة، لكن وجه ثيون كان جامدًا.
“من أنت؟”
“اسمي إيثان برونتي، من دوقات برونتي. عائلة برونتي تحكم هذه المنطقة.”
حيّاه بابتسامة بريئة.
“هل كنت تبحث عن دواء؟”
“بالتأكيد. الأميرة دوروثيا وضعت الدواء بنفسها، لذا لم أعد أشعر بالألم. بالمناسبة… هل أنا الوحيد الذي قدم نفسه؟ لا أعرف من أنت، سيدي.”
كان حديثه ناعمًا مليئًا بالإيحاء، ففهم ثيون ما يقصده.
“ثيون فريد.”
أجاب باختصار.
آه، ابن الدوق الأكبر فريد.
تذكّر إيثان أصوله بسخرية.
الدوقية الكبرى المرتبطة بالعائلة الإمبراطورية. ميلانير وفريد، من الأسطورة.
منذ الجدّ الأول، يبدو أن دماء ميلانير تسري فيهم، وهذا يُزعج إيثان كثيرًا.
“واو، إنه أمر مهيب أن تكون من دوقات فريد. لم أتوقع أن أراك، إنه لشرف.”
صفق إيثان مرتين وقالها بابتسامة.
لكن ثيون تجاهله وتوجّه نحو غرفة العلاج.
رفع يده ليطرق الباب، لكن إيثان أمسك بها بلطف.
“الأميرة متعبة جدًا اليوم. قالت إنها تريد أن تستريح بهدوء.”
وأشار إلى جروحه وأضاف، “كما ترى، حتى أنا طُردت من الغرفة وأنا مريض.”
حدّق ثيون في إيثان بنظرات حازمة.
لكن إيثان قابل تلك النظرة بابتسامة.
ثيون فريد… الجو العام حوله تغيّر كثيرًا.
في السابق، كان يتوسل لدوروثيا لتسامحه كجرو، أما الآن… فهو مزعج.
“اليوم، تدربت على المبارزة كثيرًا، وتجولت معي في المدينة… لا بد أنها مرهقة، أليس كذلك؟”
ابتسم إيثان، فاشتدت شفتا ثيون.
“هل أنت قريب من الأميرة دوروثيا؟”
فتح ثيون شفتيه أخيرًا ليسأل.
كره إيثان سماع اسم “دوروثيا” من فم ثيون.
“لا. الأميرة دوروثيا وأنا لسنا مقربين. كما ترى، فقط نضع الدواء إن جُرحنا.”
ابتسم بوجه متواضع. فتجمّدت ملامح ثيون.
“لا يمكنني حتى مناداتها بلقب دوروثيا مثلك. نحن فقط نعيش بجوار بعضنا، ولا أصدقاء لدينا، فنلتقي أحيانًا… ربما مرة واحدة في الأسبوع؟”
حكّ خده بابتسامة خجولة، أمام ثيون الذي كان قد التقى بدوروثيا لأول مرة منذ سنوات.
***
تـــرجــمــــــة: غـــــيـو… ♡
التلي: https://t.me/gu_novel
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 27"