026
“إنه يكرهني لأني ابن غير شرعي جاء من خارج العائلة.”
أفهم الآن… لا بد أن ثمة علاقة يستحيل تجاوزها، مهما بلغ الجمال.
لو كان الأخ الأصغر الذي جلبه والدي من الخارج بهذا القدر من الجمال والجاذبية، فلربما كنت سأغار منه بدوري، ولما أحببته من البداية.
“إذا لم تكن الأميرة تمانع، هل يمكنني البقاء بجانبك حتى يهدأ غضب السيد جوناثان؟”
شدَّ إيثان طرف ثوبي بأطراف أصابعه بخفة.
ابتلعت ريقي تحت وقع نظراته. تلك العينان الذهبيتان الساحرتان أسرتاني بقوة لا تقاوم. كنتُ أنا من أخرجته، ولكن لم يكن من الجيد أن أعيده الآن.
“نعم، إيثان.”
لم أستطع إلا أن أومئ برأسي موافقة.
لماذا لم أتوقّع أن يحدث هذا عندما رأيتُ جوناثان ينزل من أكاديمية إيبيستيم لقضاء العطلة؟
“دورودوروثيا!”
شعر أشقر لامع ومجعد، ابتسامة مشرقة، وعينان زرقاوان تتلألآن أكثر من الجواهر.
“راي…؟”
رايموند ميلانير. لقد جاء في عطلة أيضًا.
“اشتقت إليكِ، دوروثيا!”
ركض راي، وقد أصبح أطول قامة، نحوي، وضمني بقوة، ثم دار بي حول نفسه. فارتفعت قدماي عن الأرض، وتطايرت تنورتي كبتلات الزهور.
“هل اشتقتِ إليَّ، دوروثيا؟”
“دعني.”
لا أريد رؤيتك.
كنت أودّ أن أُعيد راي كما يُعاد منتج معيب. من يريد هذا الشخص؟
“لقد اشتقتُ إلى دوروثيا كثيرًا. أردت الهرب من إيبيستيم والمجيء لرؤيتك.”
عندما مدّ راي شفتيه ليطبع قبلة على خدي، أوقفته براحة يدي.
أين تظن أنك تضع فمك القذر؟
وفجأة…
“الأميرة دوروثيا.”
صوت قوي اخترقني كما لو أنه ضربني.
لا يعقل…
تسارَع نبض قلبي.
ترك راي يدي، فاستدرتُ ببطء برأسي.
“مر وقت طويل.”
كان واقفًا خلف راي. شعره الداكن يتطاير مع الريح، وعيناه الحمراوان كالياقوت تتجهان إليّ.
“ثيون…؟”
كيف وصل إلى هنا؟
لقد أصبح أطول، وأعرض في بنيته. بات أقرب إلى تلك الهيئة التي أحببتها يومًا.
“يا للراحة… لقد تذكرتِني.”
ابتسم ثيون، وارتعش قلبي بلا مقاومة.
“كيف لي أن أنساك، وأنا لم أنسكِ يومًا في حياتي…”
كان قلبي يخفق بجنون لرؤيته، وأردت تمزيقه لو استطعت. تمنيت لو أنني أُنهي هذا الخفقان المزعج بلا تفكير.
“لماذا ثيون هنا؟”
“أنا من طلبت منه أن يأتي معي. إيبيستيم في عطلة، فقلت له لِنذهب معًا.”
قال راي بحماس، وكأنه كلب يهز ذيله فرحًا، ظانًّا أنه أحسن صُنعًا.
انقبض فمي غضبًا، وأمسكتُ بمعصمه بشدة وسحبته إلى القصر الخاص بي.
“دوروثيا، انتظري!”
لم ألتفت، وواصلت السير حتى غرفتي، رغم خطوات راي المتعثرة خلفي.
دفعتُه إلى الداخل.
“دوروثيا…”
نظر إليّ بعينين متسعتين، متفاجئًا من تصرفي العنيف.
“لماذا أنت هنا؟!”
“لأني أريد رؤيتك.”
“ماذا؟ هل تعرف كيف يكون العيش في أقصى زاوية من البلاد؟”
“دوروثيا…”
“لماذا جلبت ثيون معك؟”
لماذا؟
أردت أن أنسى، لا أريد أن أراه، لا أريد أن أتأرجح مرة أخرى. فلماذا تأتي إلى هنا لتزعجني؟
إذا كان هذا هو الحال، فلا حاجة لهروبي إذن!
“لأن ثيون يعرفك، فقلت لنذهب سويًا إلى القصر الخاص. وثيون وافق، والدوق فريد أيضًا سمح لنا.”
“وماذا عني؟”
سألتُه بانفعال.
“أين طبيبي؟ أين موافقتي؟ أين قلبي؟”
طبيبي لم يكن موجودًا.
ومع ذلك، قرارات راي وثيون والدوق فريد تحدد كل شيء. وكأن هذا المكان لا يخصني.
لا، قد يكون الأمر كذلك فعلًا.
هذا القصر تابع للعائلة الإمبراطورية، لذا حتى وإن كنت أعيش فيه، يمكن لولي العهد أن يزوره متى أراد.
ولا حاجة للطبيب أصلاً.
“كنت متأكدًا أنكِ ستحبين ذلك أيضًا…”
حقًا؟ هل تظن أنك تفهم مشاعري؟
كيف تتخيل وتُقرر شعور الآخرين كما يحلو لك؟
“لماذا تتصرف وحدك دائمًا؟ ألا تفكر في موقفي؟ هل من المفترض أن تكون سعيدًا على حساب الآخرين؟”
“كنت فقط أريد أن أجعل دوروثيا سعيدة، كهدية مفاجئة…”
“هذه كارثة، وليست مفاجأة!”
عندما صرخت، تجمّد راي متفاجئًا، ثم أطبق شفتيه وكأنه على وشك البكاء.
“أنا فقط… كنت خائفًا أن تكوني وحيدة هنا…”
سقطت دمعة من خده وبللت الأرض.
يبكي؟ ومن المفترض أن يبكي الآن؟
على ماذا تبكي؟
راي يجعلني أبدو وكأنني شريرة قاسية.
أجل، سيظن الجميع أنني مخطئة.
ولي العهد العظيم جاء من مسافة بعيدة في وقت فراغه، وأنتِ تعاملينه بهذا الشكل.
“توقف عن البكاء.”
“أنا آسف، دوروثيا…”
هل تعرف على ماذا تعتذر؟
لعقتُ شفتيّ.
لماذا يبدو اعتذاره فارغًا؟ لماذا تبدو دموعه مزعجة؟
أستطيع الآن سماع صوت تنشّقه.
“توقف عن البكاء.”
لم تكن لدي نيّة لمواساته. لم أكن قادرة حتى على فعل ذلك.
اللعنة.
لو بقيتُ مع راي أكثر، لانفجرتُ غاضبة.
تركتُه وحده، وخرجتُ من الغرفة وأنا أفتح الباب بعصبية.
“الأميرة.”
“…!”
بمجرد خروجي، وجدتُ ثيون واقفًا أمام الباب.
نظر إليّ بعينين تحملان القلق.
هل سمع كل شيء؟
هبط قلبي في صدري.
ليت الأمر كان بسيطًا مثل السؤال: “هل سمعت شيئًا؟” لكن لا.
أتمنى أن لا يكون قد سمعني وأنا أغضب
لا تفهمني بشكل خاطئ، ثيون.
لا تظن أنني أكرهك.
لا تراني شخصًا سيئًا.
مرة أخرى، بدأت أرتجف تحت وطأة خوفي من أن لا يحبني. كنت خائفة جدًا من أن يكرهني. كنت أنانية حتى بعد أن فعلت ما يجعلني غير محبوبة، فهربت من ثيون.
“الأميرة دوروثيا، لحظة من فضلك!”
عندما وصلت إلى غرفتي، أمسك ثيون بيدي. شعرتُ بحرارة يده وكأنها نار مشتعلة، حتى ظننت أن يدي ستذوب.
“هل تمانعين أن تمنحيني بعض الوقت؟”
صوته اخترق صدري بلطف.
كان ثيون يتحول من فتى إلى رجل ناضج.
كنت أتنفس بصعوبة، فاضطررت أن آخذ نفسًا عميقًا وأزفر.
هل كنت دائمًا بهذا التوتر؟
هل أحببتك إلى هذا الحد؟
عمق مشاعري التي خفيت منذ زمن بعيد أحرجني. كنت أظن أنني اعتدت الأمر، بعد كل هذه الأيام في قصر منفصل.
“أولًا، أنا آسف حقًا لأنني أتيت فجأة. كان من المفترض أن أرسل شخصًا لإبلاغك مسبقًا.”
صوته من خلفي جعلني أرتعش، كما لو أن جرسًا قد دقّ بداخلي.
كنت واقفة بظهري إليه، عاجزة عن سحب يدي من يده.
والسبب أن تلك اليد التي كانت تمسك بي كانت ثمينة جدًا. لأني كنت أنتظر وأتمنى أن يُمسكني هكذا منذ وقت طويل.
لكن السبب الذي منعني من مواجهته هو أنني لم أكن واثقة أنني أستحق أن أُحَب.
“أخبرني صاحب السمو في رسالة سابقة أنه سيزورني خلال العطلة، لكن لم يُحدد الموعد بعد لأن جدول الرحلة لم يكن مؤكدًا.”
رسالة… تذكرت الرسائل التي لم أقرأها من راي.
كان راي لطيفًا جدًا، وقد أخبرني في تلك الرسائل، لكن اللوم يقع عليَّ لأنني لم أقرأها.
“بالطبع، لا بد أنك شعرتِ بالإهانة عندما جئت مع راي دون سابق إنذار. أنا حتى لست من العائلة الإمبراطورية… أعتذر بصدق.”
كان ثيون مهذبًا ولطيفًا.
ولم يكن ينبغي له أن يعتذر. أنا فقط من سيئة التصرف.
كانت الكلمات على طرف لساني، لكنني لم أستطع النطق بها.
منذ أن التقيت ثيون، انفصلت روحي عن عقلي، وكأنني لم أعد أتحكم في نفسي.
“أتيت… لأنني أردت رؤية الأميرة مجددًا.”
كلماته المستحيلة اخترقت قلبي كالسهم.
أراد رؤيتي؟
لكنه لم يُبدِ اهتمامًا بي من قبل!
قبل عودتي بالزمن، لم يقل كلمة واحدة تعني أنه أراد رؤيتي رغم زواجنا. بل كان يبتعد عني وكأن رؤيتي تؤذيه، ويكره الوقوف في مكاني.
وعندما التفتُ لأنظر إليه، كان ثيون ينظر إليّ بعينين صادقتين. عند تلك النظرة، ضغطت على قلبي بقوة.
الكلمات التي كنت أشتاق لسماعها، والعينان الجميلتان اللتان تمنيت رؤيتهما، أصبحت الآن أمامي بسهولة، بعد أن ظننت أنني تجاوزته.
لماذا تنظر إليّ الآن؟
“كنت قلِقًا جدًا.”
غاصت عيناه الحمراوان بجدية بالغة.
“قلِق…؟”
ابتسم ثيون بمرارة.
“عصير الرمان… هذا كل ما في الأمر.”
كان ثيون خائفًا من أن يؤلمني الحديث المباشر عن الاختطاف، لذا تحدث بصورة غير مباشرة.
اهتمامه… كان غريبًا، لكنه حنون إلى حد لا يُطاق.
***
تـــرجــمــــــة: غـــــيـو… ♡
التلي: https://t.me/gu_novel
التعليقات لهذا الفصل " 26"