024
“ألا يمكنك التأخر قليلًا؟”
انخفض صوتي أكثر فأكثر. ثم أمسك ستيفان بيدي.
“أنا مرافق الأميرة.”
تلك الكلمة القصيرة وغير المتوقعة أصابت قلبي.
فارسي المرافق. فارسي… المرافق.
“ولكن… من الأفضل الصعود إلى مكان أعلى من هنا.”
الجميع سيظن ذلك. إنه سؤال بإجابة محسومة…
بدلًا من أن يجيب، اكتفى ستيفان بالنظر إليّ بعينيه السوداوين.
كان يحرجني أحيانًا بتلك الكلمات الساحرة المختبئة في عينيه.
أغلقت شفتيّ وابتلعت دمعة وحيدة عند رؤيتي لتلك النظرة التي قالت إنه لن يتركني أبدًا، وأنه سيبقى بجانبي دائمًا.
“الناس… سيظنونك أحمق لبقائك هنا.”
قلت بصوت مرتجف قليلًا.
لم يُضِف ستيفان أي كلمة أخرى إلى كلماتي الغاضبة. لم يقل شيئًا ولم يُفلت يدي. كأن كل ما كان عليه قوله قد قيل بالفعل.
عند ذلك، لم أستطع النظر في عينيه أكثر، فخفضت رأسي.
لماذا تحيط بي مجموعة من الحمقى؟
بغض النظر عن كيف أنظر إلى الأمر، لماذا أختار دائمًا الخسارة في مسألة تكون إجابتها واضحة أمامي؟
“لماذا يختار ستيفان السوء على الخير؟”
لم تستطع دوروثي فهم قرار ستيفان.
كان ذلك جيدًا بالنسبة له. فبتلك الطريقة يمكنه أن يصبح فارسًا رفيع الشأن، بل قائدًا.
أن يقضي عمره في هذا الريف، حتى وإن قال الإمبراطور إنه لن يُعينه في أي مكان آخر…
نظر ستيفان إلى دوروثي بهدوء.
“أنا فقط أفعل ما أريد.”
قال ستيفان ذلك وكأنها كل ما لديه ليقوله.
تجمّعت قطرات من الماء في عينيّ الزرقاوين المتّسعتين.
“ستيفان أحمق.”
حتى قبل العودة، كان ستيفان كذلك.
حتى في اللحظة التي كان من المؤكد فيها أن رايموند سيُهزم، حاول ستيفان حمايته حتى النهاية. رغم أن الخسارة كانت واضحة تمامًا. كان رجلاً يتخذ قرارات غبية بدافع الصدق.
“شكرًا، ستيفان.”
رغم أنني كنت أعلم أن ذلك خيار غبي، إلا أنني كنت سعيدة. شكرًا لاختيارك دوروثيا ميلانير، هذا الخيار الغبي الذي لا يختاره أحد.
لا يمكنني إنكار أنني كنت أنانية. دوروثيا ميلانير شخص سيء بطبعه.
رغم أن هذه حياتي الثانية، ما زلت لا أعتاد أن يُتخلى عني، لذا أنا آسفة جدًا، لكنني ممتنة.
خرجت إلى المدينة مع ستيفان.
السبب في خروجي إلى المدينة كان من أجل تحقيق أحد بنود قائمة الأمنيات الخاصة بي.
تدرّب على “العيش بشكل جيد”.
التقاط شيء وقع من أحدهم، أو حمل شيء ثقيل عن أحد، أو حتى إطعام طفل جائع في حال لم يكن الوضع على ما يرام.
رغم أنه أمر مزعج أن أفعله، إلا أنه كان يمنحني شعورًا بالانتعاش وكأنني أنجزت مهمة مهمة.
عندما أخرج إلى المدينة، كنت أرتدي ملابس بالية وعادية لا تكشف عن هويتي.
فإذا عُرِف أنني أميرة، فقد أُصبح هدفًا لأشياء سيئة مثل حادثة الاختطاف الأخيرة، كما أنني لن أتمكن من التحرك بحرية بسبب نظرات الناس المزعجة.
اليوم، تنكّرت بهيئة فتاة عادية وجلت في الشوارع مثل وحش يبحث عن فرصة لفعل الخير.
حينها، لفت انتباهي تجمّع للناس في أحد جوانب الشارع.
ركضت إلى هناك، متسائلة إن كنت أستطيع فعل شيء جيد.
“يجب أن تعرف ما هو مكتوب.”
“ربما يتعلق بمهرجان قادم قريبًا.”
تجمهر الناس أمام لوحة الإعلانات التي نشرتها دوقية برونتي، وهمهموا فيما بينهم.
كان الجميع فضوليين لمعرفة ما أعلنه الدوق، لكن يبدو أنه لم يكن أحد منهم يستطيع القراءة.
“أستطيع أن أقرأ لهم!”
وجدت دوروثي عملاً جيدًا لهذا اليوم!
قراءة الإعلانات لمن لا يستطيعون القراءة.
لكن المشكلة كانت أنني ما زلت قصيرة القامة، لم أكن الأطول بين أقراني، وكانت الحروف مخفية خلف رؤوس الناس المتجمعين.
لم أستطع القراءة حتى عندما وقفت على أطراف أصابعي ومددت عنقي.
ثم، رُفع جسدي إلى الأعلى.
“ستيفان!”
“…”
لقد تجاوزت سنّ أن يُرفَع فيها المرء كالأطفال، لكنني ما زلت، بالنسبة لستيفان، صغيرة وخفيفة.
عندما رفعني ستيفان، استطعت أن أرى رؤوس الناس من فوقهم.
بفضله، أصبح الإعلان الذي لم يكن مرئيًا ظاهرًا أمامي فورًا.
كنت أشعر ببعض الإحراج من حمل ستيفان لي، لكنني سارعت في قراءة الإعلان حتى لا أُثقله كثيرًا.
“في هذا العام، ستُقام مسابقة في المبارزة للهواة! يمكن التقديم في مكتب الاستقبال في الساحة اعتبارًا من اليوم وحتى بعد غد. تُقسم المسابقة حسب الفئات العمرية وتُجرى بطريقة البطولات، وقيمة الجائزة المالية…”
قرأت النص بهدوء. فهزّ الناس الذين كانوا يتحدثون بقلق رؤوسهم وكأنهم فهموا أخيرًا.
وعندما أنهيت قراءة الإعلان، أنزلني ستيفان إلى الأرض.
“ستيفان، إنها مسابقة مبارزة.”
اختلط في صوتي بعض الاهتمام.
كان ستيفان يعلم جيدًا ما كنت أفكر فيه. تحولت نظراته نحو الساحة، وكأنه يسألني: “هل نذهب؟”
عندها، أومأت برأسي ومشيت بخفة.
في الساحة، كما هو مُعلن، كان هناك مكتب استقبال مؤقت على شكل خيمة صغيرة.
فتحت باب الخيمة بفخر ودخلت ببعض الحماس.
“أتيت للتسجيل في مسابقة المبارزة.”
كان المكان هادئًا، لا يُسمع فيه سوى طنين الذباب.
لم يلتفت
إليّ الموظف الكسلان إلا بعد أن دخلت، فحدّق فيّ وفي ستيفان بنظرة كسولة.
“هل أنت هاوٍ؟”
عندما سألني متجهمًا، خفق قلبي بشدة.
هل ظهرت مهاراتي على وجهي؟
هل شعر بهالة الطاغية دوروثيا ميلانير، التي كانت يومًا تجسيدًا للحرب؟ هل كنت مفرطة في الثقة؟
“أي هاوٍ تقصد؟ هو؟”
بينما كنت أغوص في هذه الأفكار، أشار الرجل إلى ستيفان.
كان ستيفان يرتدي ملابس عادية مثلي، لذا لم يكن واضحًا أنه فارس. لكنه، على ما يبدو، شعر بأنه ليس الشخص المقصود من خلال طوله وبنيته.
“لا. المحترفون لا يُسمح لهم.”
“هيه، أنا من يريد المشاركة، وليس هذا الرجل.”
شعرت بأنني تُجاهلت، فتقدّمت خطوة نحوه.
أنا من دخلت وصرخت أنني أريد المشاركة.
“آه… أحقًا؟”
نظر إليّ الرجل بنظرة غير مكترثة وسحب استمارة لمسابقة الأطفال.
“الاسم.”
يبدو أنه اعتاد أن يملأ الاستمارات لمن لا يعرفون القراءة.
لكنني ذُهلت.
مسابقة الأطفال؟
خلف الرجل كانت هناك ملصقات مليئة بالورود وشمس مبتسمة.
لم آتِ إلى هنا فقط لأشارك في مسابقات الأطفال.
“أنا لست طفلة!”
“ماذا تعنين؟ تبدين كطفلة. على الأقل، يبدو أنك تعرفين القراءة، أليس كذلك؟”
حكّ الرجل أذنه وتجاهلني.
هذا وقح!
لو كنتُ دوروثيا ميلانير القديمة، لكانت رأس هذا الرجل قُطعت وتدحرجت على الأرض الآن.
“أنا في الثانية عشرة من عمري. أنا بالتأكيد مراهقة. دعني أشارك في مسابقة اليافعين.”
“يا صغيرتي، يُقال إن إخوة وأخوات أكبر منك بعمر 18 و19 عامًا سيشاركون في مسابقة اليافعين.
هذا ليس مكانًا لطفلة صغيرة مثلك تلعب فيه الحرب بالسيف.”
“شكرًا لاهتمامك، لكنني لم آتِ للعب الحرب.”
“أنا لا أهتم بك، بل لا أريد من أطفال مثلك أن يركضوا هنا ويثيروا الفوضى.”
مرّ صوته الساخر عبر أذنيّ. نبرة تهكم، ولا مبالاة مزعجة، وجهل متغطرس.
كان يتجاهل طلبي لمجرد أنني طفلة.
“كوني لطيفة، كوني لطيفة…”
كرّرت عقيدتي داخليًا، مهدّئة سيف الدفاع عن النفس الذي كان يبكي على خصري.
لا يمكنني الذهاب إلى المدينة لأفعل الخير ثم أبدأ في ارتكاب الشرور.
“يا صغيرة، إن لم تعجبك مسابقات الأطفال، فاشربي حليب أمك وعودي عندما تبلغين 15 عامًا على الأقل.”
هل يريدني أن أشرب المزيد من حليب الأم؟
كلماته الطفولية أصابت أعصابي.
أنا التي نشأت دون أن أشرب قطرة واحدة من حليب أمي. كلمات هذا الرجل ضايقتني أكثر. لم أرَ وجه أمي حتى في لوحة.
“كما ترى، لقد تجاوزتُ سنّ الرضاعة بكثير. ووفقًا للقوانين، من تجاوز العاشرة يمكنه المشاركة…!”
“تبًا، الأسوأ من ذلك أنك تجادلين بوقاحة. من علمك فتح عينيك بهذه الطريقة؟ هل علمك والدك هذا؟”
قاطعني الرجل ونقر بلسانه. عندها شعرت بألم ينبض في صدري.
هل والدي يُعلمني بهذه الطريقة؟
“هو لا يُعلمني.”
“ماذا؟”
“أبي لم يُعلمني شيئًا أبدًا.”
كارنان لم يكن يريد مني الذهاب إلى إيبيستيم، لذا لم يُعلمني شيئًا. لم يزرني أبدًا، ولم يحبّ خروجي وتعلمي.
“لكن يمكنني أن أنجح دون أن أتعلم.”
أستطيع أن أنجح دون حب والديّ.
“من أنت لتتحدثي هكذا؟ والداك سيندمان على إنجاب فتاة مثلك.”
هزّ الرجل رأسه وتنهد بعمق وهو ينظر إليّ.
عضضت على شفتيّ.
هل أنا مخطئة لدرجة أن أتلقى تنهيدة من شخص مثله؟
هل من الخطأ أن أنمو دون أن أشرب حليب أمي؟ أن لا أتعلم شيئًا من والدي؟ أن أتعفن في قصرهم لمجرد وجودي؟
في النهاية، لم أعد أستطيع كتمان مشاعري وحاولت أن أستل سيفي.
لو سحبت سيفي وأثبت نفسي هنا، فإن هذا الرجل بالتأكيد…
شششش!
لكن ستيفان هو من استل سيفه قبلي.
في غمضة عين، كان سيف ستيفان مغروزًا في طاولة الاستقبال. لقد تفادى بالكاد أصابع الرجل.
“ستيفان!”
استدرت نحوه بدهشة، فوجدته ينظر إلى الرجل بنظرة مهيبة.
لم تكن ملامحه أصلًا مريحة أو طيبة، أما الآن فكانت أكثر رعبًا من المعتاد.
“القانون. طبّقه.”
قالها بكلمة قصيرة وجريئة.
“أأنت تهددني الآن؟”
قال الرجل وهو يرتجف من الخوف.
“طبّقه.”
تقدّم ستيفان خطوة نحو الرجل. فسقط ظله الكبير عليه.
***
تـــرجــمــــــة: غـــــيـو… ♡
التلي: https://t.me/gu_novel
التعليقات لهذا الفصل " 24"