فصل 013:
(سبحـــــــــــــــــان الله وبحمــــــده سبحــــــــــان الله العظيـــــــــــــــــم
لا تدع القـــــــــرائه تلهيك عن الصــــــــــلاه)
“ألن تستسلم يا سيد ستيفان؟”
كنت أود أن أُظهر له الرحمة.
القصر كان قد أصبح ملكي بالفعل، والمكان الذي كان يحرسه لم يكن سوى الحصن الأخير: غرفة الإمبراطور حيث يختبئ راي.
الفرسان الآخرون الذين كان من الممكن أن يساعدوا ستيفان قد ماتوا بالفعل أو استسلموا لي.
كان ستيفان فارساً ممتازاً، لكن حتى أنا لا أستطيع مواجهة مئات الجنود وحدي.
“…”
“من الأفضل أن تجيب بحكمة في مثل هذا الموقف.” ابتسمت لستيفان الذي ما زال صامتاً.
شعرت بالأسف عليه بسبب إرادته الحمقاء في الموت من أجل راي، مع أن ذلك كان من الممكن تفاديه. لكن لم تكن لديّ أي نية لإظهار الشفقة له بعد الآن.
“كنتُ حقاً أريد أن أقاتلك، لكن ليس هذا وقت اتباع المشاعر الشخصية.” قلت وأنا أرفع يدي مشيراً إلى الرماة بالتقدُّم.
ففي النهاية، راي ما زال هناك.
وكانت معركتي معه أكثر أهمية.
كنت أعلم جيداً أن راي لم يكن خصماً سهلاً أبداً. ولذلك، لم أُرد أن أرتكب خطأ إضاعة الوقت والطاقة على ستيفان.
على الأقل في تلك اللحظة، كنتُ شخصاً قادراً على اتخاذ قرارات حكيمة من أجل الحصول على ما أريد.
“أتمنى ألا تندم على اختيارك.”
ما إن نطقت كلماتي الأخيرة، حتى طارت عشرات الأسهم نحو ستيفان. وبما أن سيفه لا يمكنه صدها جميعاً، استقرت عدة سهام في أطرافه.
في الممر الضيق، اندفع ستيفان للأمام دون أن يحاول تفادي الأسهم، ولوّح بسيفه نحو الرماة.
“أوغـه!”
“آآاااه!”
كانت هناك عاصفة فتحت أبواب الموت، لكن ستيفان، الذي لطالما كان صامتاً، لم يُصدر أنيناً واحداً.
لكن الدم الذي تسرب من زوايا فمه المغلق بإحكام خان حالته.
ومع ذلك، وبتصميمه الذي لا يُقهر، واصل ستيفان قتال جنودي بإصرار.
ولم يعجبني ذلك.
ففي نهاية تلك الإرادة التي لا تنكسر، كان هناك فناء.
“حتى لو أوقفتني هنا، ماذا ستفعل بجسدك الذي لن يصمد طويلاً؟”
على أي حال، ستيفان لن يتمكن من إيقافي.
أمسكت بسيفي ونقرت بلساني، قبل أن أصد ضربة سيفه التي كانت قادمة نحوي.
فوجئت قليلاً بالقوة التي انبعثت من جسده الممتلئ بالسهام.
لم تكن قوة تفوقني، لكنها كانت أقوى مما توقعت.
رأيت ستيفان يضغط على أسنانه بقوة لدرجة أني ظننت أنه سيكسرها، حينما كنت أصد هجماته بسهولة.
أنظر، أنت تعلم بالفعل أنك ستموت.
قرأت ذلك في عينيه.
كان خائفاً. أراد الهروب من ألم الموت.
رؤوس السهام الحادة التي استقرت في ذراعه الممسكة بالسيف، وساقاه الملطختان بالدم، كانت تنهشه ببطء.
لقد بدا تماماً كإنسان عادي يخشى الاستسلام للقوة العظمى ويرغب في تفادي الألم.
لكن شجاعته وإرادته كانتا أعظم من خوفه. رغم أنه كان خائفاً من فقدان حياته هنا، كان هناك شيء أكثر قيمة يريد حمايته.
“هذا… مشهد جميل.”
من الأفضل أن يكون المرء نيراناً مشتعلة تنفجر، على أن يكون جمرة باهتة تنطفئ في لحظاته الأخيرة.
ولهذا، وبفرح عظيم، قطعت جسده إلى نصفين.
شق السيف صدره العريض، لتتفجر الدماء، قبل أن يسقط على ركبتيه.
وفي تلك اللحظة، نظر ستيفان إليّ.
ونظراته السوداء اخترقت دماغي كالأشواك، وأشعرتني بشعور لم أختبره من قبل.
حاولت تفسير ما تعنيه تلك النظرة، لكن عينيه سرعان ما بردتا ولطختهما الموت.
ركع ستيفان كتمثال حجري.
“هل مات؟” سأل أحدهم.
من حولي كانوا حذرين من ستيفان العظيم الذي كان راكعاً، وجسده ما زال واقفاً كما لو أنه حي.
كانت نظرته الأخيرة شديدة لدرجة أنني حدقت في جثته لحظة طويلة.
لم تكن عينيه تحتويان على خوف، ولا حقد، ولا استسلام.
كنت أريد أن أسأله عمّا كان يحاول قوله، لكن للأسف، لقد رحل بالفعل.
“تقدّموا.” أمرت في النهاية، ولم أعد أهتم بستيفان.
لم يكن لدي رفاهية التأمل في معنى نظرته حقاً. لم يكن هناك وقت لأضيعه على فضولٍ سخيف.
لأن أمامي معركة أخرى.
توجهت نحو غرفة رايموند وسيفي مشتعل بحرارة الأرواح التي أزهقتها.
والآن، تلك العينان التي أرادت ترك وصية غير منطوقة كانت تحدّق بي.
نظرت إلى عيني ستيفان السوداوين.
كما توقعت، لم يكن شعوراً جيداً أن ترى شخصاً قتلته يقف أمامك حياً.
هل سنتفاهم جيداً هذه المرة؟
كنت قلقة بالفعل.
شخصية ستيفان كانت معروفة.
كان جافاً لدرجة تجعلك تشعر بعدم الاحترام، قليل الكلام، ومخلصاً.
ولأنه لم يكن يملك مظهراً ودوداً، فحتى حينما كان صامتاً، كان الناس العاديون يخافون منه ويهربون عند رؤيته.
ومع ذلك، أنا سعيدة لأنه لا يتكلم.
على الأقل، لن يستفزني كما كان راي يفعل.
اقتربت من ستيفان.
كنت أعلم أنه طويل، لكن في هذا الجسد ذو التسع سنوات، بدا أطول بكثير.
هل كان طوله سبعة أقدام؟
بسبب طوله وضخامته، بدا ستيفان في منتصف أو أواخر العشرينات، لكن ابن الثامنة عشرة كان قد بدأ للتو في ترسيخ مكانته في رتبة الفرسان.
جاء إليّ في الوقت الذي ما زال فيه يبني مهاراته ويتسلّق السلم الاجتماعي.
ومع ذلك، إذا أصبح مرافقاً لي، فسيبدو الأمر وكأنه تنازل.
شعرت بالأسف قليلاً عليه.
تقنياً، أن تكون فارس حراسة أميرة يُعتبر جيداً للسيرة الذاتية، لكن من المزعج أن يضطر فارس إلى النزول إلى مقاطعة نائية لحماية أميرة صغيرة.
المدينة التي يقع فيها القصر المنعزل كانت هادئة، مما يعني عدم وجود حوادث تساهم في تطوير المهارات أو تكسب الشهرة.
“شكراً لك.”
مددت يدي إليه، معبرة عن أسفي العميق لمسيرته المهنية.
حسناً، نظراً لفارق الطول، سيكون من الأدق أنني رفعت يدي في اتجاهه.
“….”
وقف ستيفان هناك وهو يحدق بي بلا تعبير، رغم أنني بوضوح طلبت مصافحته.
نعم، هذه مشكلته الكبرى.
ولهذا لم نكن نتفاهم.
ولهذا السبب لم يصل أبداً إلى منصب الرئيس، بل توقف عند نائب الرئيس.
مع أنه جاء من لا شيء، وكان الأفضل بين الفرسان من حيث المهارة، لكن بسبب شخصيته الباردة والجافة، كان هناك حد لتقدمه.
فحتى مناصب القائد العام والجنرالات كانت تُعيَّن من قِبل الدولة فوق منصب نائب الرئيس.
رغم أن لديه القدرة على التقدُّم، إلا أنه لم يتجاوز منصب النائب حتى اليوم الذي قتلته فيه في سن العشرين.
“يا فارس، صافحها…” قالت كلارا، التي كانت تراقب من الجانب، بخوف واضح من طول ستيفان وعرض كتفيه ووجهه المشوّه بالندوب.
عند كلمات كلارا، نظر ستيفان إليّ مجدداً، ومدّ يده.
لكن ما زال لا يمسك بيدي.
هل طلبت منه ضربة كف؟
يبدو وكأنه لا يريد لمس يدي حقاً.
ما زال متعجرفاً، فعلاً.
“من الجيد أنني لم أقل شيئاً.” ألغيت فكرة الحديث معه.
على عكس راي، لم يكن البقاء مع ستيفان مزعجاً لدرجة تفجيري من الداخل.
جلست على مكتبي وأمسكت بريشة.
عضضت شفتي وكتبت بعض الكلمات أعلى الورقة.
ثم نظرت إليها طويلاً بتعبير مرتبك.
[قائمة الأمنيات لحياة طيبة.]
جربتُ كتابتها مرة، لكن شعرت أنها مبالغ فيها، فبدأت بالتلاعب بطرف الريشة الصغيرة بيدي الصغيرة.
سبب قراري في كتابة هذه القائمة المحرجة، هو أنه خلافاً لعزيمتي بأن أكون طيبة، لم تسر الحياة كما أردت.
كلما التقيت راي، عدتُ لأكون دوروثيا الشريرة، وكلما قابلت ثيون، كانت عزيمتي تتحطم.
لكن الآن، لا راي، لا ثيون، ولا كارنان اللعين.
ألن يكون من الممكن حقاً أن أعيش حياة طيبة في هذا القصر المنعزل والهادئ؟
نعم. الآن عليّ أن أضع قائمة تساعدني على تحقيق أهدافي.
حتى في حياتي السابقة، كنت أكتب دائماً الأشياء التي أحتاجها لتحقيق أهدافي.
أعدت الإمساك بالقلم.
لكن… كيف يعيش المرء حياة طيبة؟
لا بد من معرفة ذلك قبل البدء بالتطبيق…
قطبت حاجبي ونظرت إلى الورقة الفارغة.
لم يعلّمني أحد كيف أكون طيبة.
الطيبة… ما هي الطيبة أصلاً؟
“أميرة، ماذا تفعلين؟” سألت كلارا وهي تنظر إليّ وأنا لا أكتب شيئاً بالقلم.
“كلارا، ماذا أفعل إذا أردت أن أعيش حياة طيبة؟”
حقاً، ماذا أفعل؟ هل أكون إنسانة طيبة بمجرد أني لا أقتل الناس؟
“إذا أردتِ أن تعيشي حياة طيبة، يجب أن تستمعي أولاً إلى والديك.” ابتسمت كلارا وهي تعطيني هذه النصيحة عديمة الفائدة.
أستمع إلى والديّ؟ هذه الكلمات لا وجود لها في قاموسي!
“ليس هذا ما أقصده.” رددتُ بصرامة.
رؤية أنني كنت جادة جعلت كلارا تقترب مني.
“ما هذا؟ ‘قائمة أمنيات لحياة طيبة؟'” قرأتها بصوت عالٍ.
انفجرت كلارا ضاحكة عندما رأت ما أكتبه بالضبط.
ثم اقترب ستيفان من خلفي، مدفوعاً بالفضول، ليلقي نظرة على القائمة.
“لماذا… لماذا تضحكين؟” تمتمتُ، أشعر بالخجل دون سبب، وأحاول تغطية ما كتبته بيدي الصغيرة.
كان وجهي ساخناً ومشتعلاً بالحرج.
كنت أعلم أنني قررت أن أعيش حياة طيبة، لكن كلمة “طيبة” نفسها كانت محرجة لكتابتها.
“إنها لطيفة، فكرة العيش حياة طيبة. لماذا تكتبين هذه القائمة، أميرتي؟”
لماذا تسألين شيئاً بديهياً؟ لأنني أريد أن أعيش حياة طيبة!
وفوق هذا، ليست لطيفة، فلا تحاولي جعلها كذلك!
هذا شيء كنت أسمعه كثيراً منذ كنت صغيرة، لكن مهما سمعته، لم أستطع الاعتياد عليه.
فخلافاً لكلمات مثل “جميلة” أو “رائعة”، كانت كلمة “لطيفة” دوماً تبدو مبتذلة جداً.
ذلك الإحساس المزعج والمتصنع لا يُناسبني. لذلك كنت دائماً أكره هذه الكلمة وأشعر بعدم الارتياح نحوها.
“حسناً، ما رأيك بهذا؟
‘قدمي لوالدك عشر جلسات تدليك!'”
“كلارا ابنة طيبة.” قلت لها.
كل ما خرج من فمها حتى الآن كان عن والديها.
ذكرتني براي. بعبارة أخرى، كلماتها كانت عديمة الفائدة ومزعجة.
فكرة تدليك كارنان كانت مرعبة ببساطة.
كم ستدفعين لي لأقوم بتدليكه؟
آه، ربما سيخفف ذلك من توتري. ربما تكون فرصتي الوحيدة لضرب الإمبراطور كارنان بيدي العاريتين.
ومع ذلك، هذا لا يُعد شيئاً جيداً، على الأقل وفقاً لمعاييري.
“لا تُعجبك؟ إذاً، ماذا عن الابتسام عشر مرات يومياً؟”
“ماذا عن الابتسام عشر مرات؟ الآن بعد أن فكرت بالأمر، لم أرَ الأميرة تبتسم بشكل صحيح من قبل.” قالت كلارا وهي تلمس ذقنها بتفكير.
نظرت إلى المرآة في أحد أركان الغرفة، فرأيت فتاة في التاسعة من عمرها بوجه صارم ينعكس فيها.
كطاغية، كنت نادراً ما أبتسم، وهذا ما جعل الناس أكثر خوفاً مني.
لم يكن لأنني لا أحب الابتسام. فقط لم يكن هناك ما يستحق أن أبتسم له. حتى بعد أن أصبحت الإمبراطورة، عندما امتلكت كل شيء، لم أتمكن من الابتسام.
كلام كلارا منطقي.
حينما أفكر في صورة شخص طيب، غالباً ما أتخيله وهو يملك ابتسامة لطيفة على شفتيه.
لا يوجد شخص طيب بوجهٍ عابس.
لذا، نظرت إلى المرآة مرة أخرى ورفعت زوايا فمي بلطف.
لكنني شعرت بالحرج من المظهر غير الطبيعي، فأنزلت زوايا فمي بسرعة قبل أن تراهما كلارا وستيفان.
***
«[ترجمه ساتوريا]»
التعليقات لهذا الفصل " 13"