فصل 012
جسدي لم يتعافَ بسهولة.
بعد أن تناولت حبوب النوم وامتنعت عن الطعام لثلاثة أيام، بالكاد تمكنت من إخماد جوعي بالحليب والخبز.
في الواقع، لقد قاتلت رجلًا بالغًا، وسرت في البرية ليوم كامل، لذا كان من الطبيعي أن يصل جسدي إلى حدوده.
بعد أن عدت بأمان إلى القصر الإمبراطوري وأُصبت بحمى شديدة لمدة تقارب الأسبوع، انخفضت درجة حرارة جسدي أخيرًا إلى مرحلة الحمى الخفيفة.
رغم أنني كنت أتعافى تدريجيًا، لم تكن هناك تغييرات ملحوظة في حالتي.
“أميرة، هل أنتي بخير؟” سألت المربية الجديدة.
نعم، المربية التي كانت تعتني بي حتى الآن تم طردها من القصر الإمبراطوري بسبب حادثة الاختطاف.
ولم يكن ذلك حتى خطأها.
لم يكن هناك شيء كان بإمكانها فعله.
وشعرت أن ما حدث لها كان بسببي.
لكن، ولحسن الحظ، لم تُعاقب بأي شيء آخر.
“أعتقد أنه من الأفضل أن تذهب الأميرة إلى مكان آخر للتعافي.”
“ولكن بعد ما مرت به في الخارج، ألا ينبغي لها أن تبقى في القصر الإمبراطوري، حيث الأمان؟”
كان الطبيب والمربية الجديدة يتحدثان بصوت منخفض.
التعافي؟
كانا يتحدثان بحذر شديد، لكن تلك الكلمة جذبت انتباهي.
إذا ذهبت إلى مكان آخر، فلن أستطيع البقاء بالقرب من كارنن، وراي، وثيون، وجوليا.
و…
أحتاج إلى استعادة قوتي السابقة.
لقد جعلتني هذه الكارثة أدرك أنني، حتى وإن رغبت في أن أعيش حياة طيبة، لا بد أن أكون قادرة على حماية نفسي.
كنت بحاجة لأن أكون قوية.
حتى الآن، كنت خائفة من أنني إن أصبحت قوية، فلن أستطيع التحكم في تلك القوة مرة أخرى.
كنت أخشى أن أستخدمها لسلب الأرواح، وأن أسير مجددًا في طريق الطغيان.
لكن القوة كالسيف.
إذا استُخدمت بشكل خاطئ، تؤذي الآخرين، ولكن إذا استُخدمت بشكل جيد، يمكنها أن تساعد في طهي وجبات لذيذة، أو إنقاذ الأرواح.
يمكنني استخدام ما حدث كذريعة للذهاب إلى مكان بعيد عن هنا، وبناء قوتي.
لا أستطيع فعل ذلك هنا، لأن العيون تراقبني دائمًا.
طالما أن كارنن، وراي، وثيون قريبون، فلن أجد الشجاعة لحمل السيف مجددًا.
“أريد الذهاب إلى مكان آخر للتعافي.”
“أميرة!”
“إنه خانق جدًا هنا.”
كانت هذه المرة الأولى التي أعبر فيها عن رأيي بوضوح بعد الاختطاف، لذا نظرت المربية والطبيب إلى بعضهما البعض بدهشة.
ثم، طرق أحدهم الباب.
“طَرق، طَرق. مرحبًا، أنا زهرة~”
فُتح الباب، ودخل راي، ووجهه مغطى بباقة زهور كبيرة.
“تا-دا”
أظهر راي الزهور بابتسامة ناعمة على شفتيه، لكنني لم أبتسم على الإطلاق.
بدت تصرفاته سخيفة في نظري. لقد كان يزورني كل يوم منذ حادثة الاختطاف، لذا لم يكن اليوم مفاجئًا.
“هل وصلت يا صاحب السمو ريموند؟”
“دوروثيا، هل أنتي بخير اليوم؟”
سلّم راي باقة الزهور للمربية، وكأنه يسأل إن كانت محرجة من عدم ردي عليه.
كان يرتدي شارة “إبيستيم” على قميص أبيض، لذا من المرجح أنه أتى مباشرة بعد إنهاء دروسه.
“عن ماذا كنتم تتحدثون؟”
اقترب مني بشكل طبيعي، وجلس، وابتسم. لكنني لم أنظر إليه.
“كنا نتحدث عن كيفية مساعدة الأميرة على التعافي لأنها لا تشعر بأنها بخير.”
“التعافي؟”
“هناك قصر منفصل في سيريتيان سيكون مثاليًا لصاحبة السمو. المناخ معتدل وهو قريب من الشاطئ، لذا ستشعر الأميرة بالانتعاش هناك.”
“ولكن صحة دوروثيا قد تحسنت كثيرًا. هل من الضروري أن تذهب؟”
كان يبدو أن راي يعارض خروجي بشكل غير مباشر.
“أريد الذهاب”، قلت أخيرًا.
“لكن دوروثيا، إذا ذهبتِ هناك، ستكونين وحدك.”
“لا يهمني.”
ليس وكأنني لست وحدي هنا.
“دوروثيا…” تذمّر راي، وهو يحدق بي.
كانت عيناه مثل عيون جرو يتوسل من أجل الطعام، وهذا المنظر جعلني أعبس.
لماذا تنظر إليّ بهذه العيون؟
ثم حوّل نظره فجأة وقال:
“صحيح. ستذهبين قريبًا إلى إبيستيم. عمرك مناسب تمامًا لأداء اختبار القبول هذا العام.”
هاه، ولماذا عليّ أن أبقى هنا وفي إبيستيم؟
انفجرت ضاحكة.
“لن أذهب إلى إبيستيم.”
“لماذا؟ دوروثيا، إذا خضعتِ للامتحان، ستتمكنين من دخول إبيستيم كطالبة متقدمة لأنك ذكية…”
“لا يمكنني الذهاب.”
“ماذا؟”
“قلت إنني لا يمكنني الذهاب.” كررت ذلك.
“ولماذا تعتقدين أنك لا تستطيعين الذهاب…؟”
لماذا أعتقد أنني لا أستطيع الذهاب؟ هل هو جاد؟
“هل تشعرين بالخوف لأن الناس يقولون إن الدراسة هناك صعبة؟” سأل راي ببراءة.
لقد بدا نقيًا لدرجة أنه كان مزعجًا.
راي عانى كثيرًا للدخول إلى إبيستيم. لقد اجتاز امتحان الدخول بأدنى درجة ممكنة.
وحتى هذه الدرجة المتواضعة كانت بفضل التعليم الخاص الصارم الذي تلقاه مسبقًا في الأسرة الإمبراطورية.
تاريخ العائلة الإمبراطورية الطويل وتقاليدها تجعل من الواضح أن الأمير يمكنه الانسحاب من إبيستيم في مرحلة ما، لكنه يجب أن يلتحق بها أولًا.
راي عانى بسبب هذا التقليد، وكان هناك عدة مرات شكا فيها أمامي من عدم رغبته في الدراسة.
ومع ذلك، لا يعرف حتى كيف أشعر.
“أنا بالكاد تمكنت من فعلها، لكن دوروثيا ذكية بما فيه الكفاية، لذا يمكنك بالتأكيد فعلها. لا تستسلمي بهذه السهولة.”
“أستسلم بسهولة؟”
انعوجت شفتاي بسخرية من كلماته الرقيقة التي يُقصد بها المواساة.
هل أنا أستسلم بسهولة؟ في ما يخص إبيستيم؟ هل تعرف كم تعبت في البداية للدخول هناك؟
هل تعرف كم بكيت واحتججت في اليوم الذي أمرني فيه كارنن بألا أذهب؟
كانت هناك مرات تسللت فيها خارج القصر لأداء امتحان القبول، لكن تم القبض عليّ وحُبست في غرفتي.
تكرر ذلك مرارًا وتكرارًا، حتى تخلّيت تمامًا عن إبيستيم…
كم من الأمور اضطررت لتحملها، وكم من الوقت مضى حتى تحطّمت عزيمتي؟
ومع ذلك، هو هنا يتحدث عني وكأنني أستسلم بسهولة؟ هذا الشخص الذي كان يُقدّم له كل شيء على طبق من ذهب؟
“ليس لدي ما أقوله لك بعد الآن، راي. اخرج.”
“دوروثيا…”
“اخرج!!!”
حين صرخت بحدة، اهتزت عينا راي وظهر فيهما بريق من الذهول والارتباك.
كما أن المربية والطبيب نظرا إليّ بنفس النظرة.
“أنا آسف، دوروثيا… لم أقصد أن أزعجك. أنا فقط أردتك أن تبقي هنا وتكوني معنا.” انحنى راي رأسه واعتذر.
مما جعل تعبير المربية والطبيب يتحول إلى الشفقة.
هاه… انظروا إلى هذا، لقد أصبحت تلك الفتاة الحقودة مجددًا.
يا له من مشهد بديع نصنعه؛ أخ أكبر طيب القلب يقلق على أخته الصغرى، وأخت صغرى متضايقة بشكل هستيري من ذلك الأخ.
هذه كانت العلاقة بين ولي العهد الشرعي، والأميرة غير المرغوب بها.
كنت أتمنى حقًا لو أنني أستطيع أن أكون طيبة ونقية القلب مثل راي.
عضضت شفتي ولم أجب على اعتذاره.
“سأذهب إذًا.” نظر إليّ راي نظرة أخيرة قبل أن يقف بهدوء ويغادر.
بعد أن غادر راي الغرفة، اقتربت مني المربية قائلة:
“صاحب السمو رايموند فعل ذلك لأنه كان قلقًا على الأميرة.”
أنا أعلم! أعلم!
راي جيد وأنا سيئة. هذه حقيقة يعرفها الجميع.
لم أرغب بسماع كلمات المواساة العذبة من المربية، لذا غطيت رأسي بالبطانية.
الآن، أصبح لدي سبب حقيقي للمغادرة.
لأول مرة، شعرت بالامتنان للامبالاة كارنن.
لقد تعامل مع طلبي وكأنه لا يهمه أبدًا إن كنت سأغادر للتعافي أم لا.
وبعد مناقشة قصيرة مع المربية وبعض الخدم، تم اتخاذ القرار.
لذا، توجهت إلى القصر الجنوبي، الذي يُستخدم أحيانًا كمنزل صيفي للعائلة الإمبراطورية.
“أهلًا وسهلًا، الأميرة دوروثيا.”
استقبلني مدير القصر المنفصل وفتح الباب.
كان مبنى حجري أبيض يواجه البحر الزمردي.
لا راي، ولا كارنن، ولا ذكريات قديمة مدفونة في كل ركن.
القصر الإمبراطوري في العاصمة لم يكن فقط المكان الذي وُلدت وترعرعت فيه، بل كان أيضًا المكان الذي قتلت فيه راي، حيث مات حبي ثيون.
وكان أيضًا المكان الذي جاء فيه شعبي وخدمي وجعلوني أركع كالمجرمة وسحبوني إلى الساحة.
عندما أسترجع الماضي، أدهش كيف أنني تمكنت من البقاء في ذلك القصر حتى الآن.
لكنني تجنبت الأماكن التي كانت الذكريات السيئة أكثر حضورًا فيها…
أنا سعيدة لأنني جئت إلى هنا.
كلما فكرت في الأمر، شعرت برضا أكبر، واستنشقت نفسًا عميقًا من الهواء النقي.
كنت بحاجة إلى مكان بلا ندوب قديمة.
“اسمي كلارا، وسأكون من ترافق الأميرة هنا.” رحبت بي امرأة ترتدي مئزرًا أبيض.
كانت كلارا أول خادمة تأتي من لامباس، ولم تكن مسؤولة عني من قبل.
وعلى الرغم من أنها بدت شابة، إلا أنها بدت وكأنها نُفيت إلى هذا الركن من البلاد بعد أن تم إبعادها من صفوف الوصيفات.
“من الآن فصاعدًا، ستقيمين في هذه الغرفة.”
قادوني إلى غرفة ذات شرفة تطل على البحر. كانت غرفة نظيفة، مشمسة، يدخلها نسيم البحر البارد من الشرفة المفتوحة.
كنت راضية لأن المنظر كان مختلفًا تمامًا عن غرفتي في القصر الإمبراطوري.
بينما كنت أتفقد الغرفة، طرق أحدهم الباب.
وعندما التفتُّ، رأيت رجلًا ضخمًا يملأ إطار الباب واقفًا هناك.
“هذا هو الفارس ستيفان غرينوال، الذي سيكون مع الأميرة من الآن فصاعدًا.” قالت كلارا، مُعرِّفة الفارس المرافق الذي سيبقى بجانبي أثناء إقامتي في هذا القصر المنفصل.
كان الفارس يملك شعرًا أسود قصيرًا، وبشرة سمراء، وندبة تعبر فوق إحدى عينيه.
كان طويلًا جدًا، ذو أكتاف عريضة، وعضلات قوية.
“ستيفان…!”
كدتُ أتصرف وكأنني أعرفه.
فارسي المرافق كان ستيفان!
رجل سيصل إلى رتبة نائب قائد فرسان “بريليانس”، أفضل فرقة فرسان في الإمبراطورية.
لقد كان واحدًا من أفضل خمسة أشخاص موهبةً عرفتهم في حياتي كلها.
لكنني لم أكن أحبه.
إلى درجة أن ستيفان أيضًا مات على يدي.
قبل العودة، لم تكن علاقتي بستيفان عميقة.
في ذلك الوقت، بعد أن قُدتُ جيشي عبر الجزر واستوليتُ على القصر الإمبراطوري دفعة واحدة، لم يتبقَّ سوى رايموند.
وكان ستيفان هو الفارس الذي كان يحرس البوابة الأخيرة بيني وبين راي.
“تشرفت بلقائك، سير ستيفان.” قلت له حينها، وأنا أمسح سيفي الملطخ بالدماء.
لم أكن قد قابلته من قبل قط.
كنت مهتمة به لأنه كان مشهورًا بين الفرسان، لكن ستيفان لم يكن من النوع الذي يمكنني التوافق معه.
كانت شفاهه المتغطرسة والمغلقة بإحكام كما هي الآن تمامًا.
“لقد حيّت الأميرة، لكنك لم ترد. ما زلت غير مهذب.” علّقت.
“…”
“يا لك من متغطرس!”
لم أحب ستيفان الذي بقي صامتًا حتى النهاية.
عندما نظرت إليه ولم يُجب، شعرت وكأنه لا يعتقد أن كلمات الأميرة تستحق الاستماع إليها.
ذكرني ذلك بكل فترات التجاهل التي عانيت منها طوال حياتي.
وبدلًا من الرد على كلماتي، أخرج ستيفان سيفه، الذي كان أطول بكثير من سيوف الفرسان العاديين.
***
«[ترجمه ساتوريا]»
التعليقات لهذا الفصل " 12"