الفصل 001:
الدروس التي تعلمتها طوال حياتي كانت في الغالب سيئة، رغم أن بعضها كان جيدًا. حسنًا، أظن أنني كنت أستحق ذلك؛ فأنا كنت شريرة في النهاية.
لقد امتلكت كل ما رغبت به.
المال، السلطة، وحتى الرجال.
تخلصت من كل من أزعجني، ومنحت القوة لمن أحببتهم.
كان العالم بأسره بين يدي.
لكن في النهاية، امتلاك كل شيء كان سبب هلاكي.
من كان يظن أن الحياة التي ظننت أنها ستجلب لي السعادة، ستنتهي بقبضة من الرماد الباهت؟
وربما، لم تكن الأشياء التي اعتقدت أنها ملكي، لي في الأصل، فقد تلاشت كسراب…
الرجل الذي أحببته كرهني، وفضّل الموت على أن يكون معي.
الأصدقاء الذين شاركتهم قوتي خانوني.
الناس أشاروا إليّ بأصابع الاتهام، ولقبوني بالـ”طاغية”، وبغضبهم أحرقوا قصري حتى الأرض.
ومع ذلك، وسط الدمار، بدا المشهد جميلاً – متلألئًا وهو يحترق.
حينها أدركت، وفهمت أن هذا يكفيني.
نعم، أخيرًا تعلمت دروسي.
ولهذا، تقبّلت الموت بسعادة.
“هاها، كوكو بخخ!”
لكن، ما هذا الموقف؟ تساءلت، وأنا أرى وجهًا مألوفًا يرفرف أمامي.
لحظة، أهذه مربّيتي القديمة؟
حاولت جاهدًا أن أحرّك أطرافي، لكن لم يكن لي سيطرة على جسدي.
وبدلًا من اليدين البالغتين اللتين اعتدتهما، كانت هناك يدان صغيرتان ممتلئتان – بيضاوان كالقطن – تتحركان في الهواء بلا حول ولا قوة.
“الأميرة دوروثيا، انظري إلى هنا”، قالت المربّية وهي تلوّح بلعبة فوق رأسي، لكني كنت منشغلة للغاية بما قالته للتو لأنتبه لها.
دوروثيا؟ هل قالت دوروثيا؟
كاسمي، دوروثيا ميلانير؟
أنا، إمبراطورة أوبيـرا الحاكمة – التي وُلدت أميرة وصعدت العرش بعد أن قتلت أخي، ولي العهد، بيديّ؟
لكن، كيف يكون هذا؟ لقد تم إعدامي أمام الجميع لتوي.
لقد… متُّ.
“الأميرة دوروثيا، إنكِ جميلة جدًا. كيف لا تبتسمين ولو لمرة؟” قالت المربّية وهي تنظر إليّ بحزن.
حسنًا، قبل لحظات فقط، كان الناس يصفونني بالطاغية ويطالبون بإعدامي. فليس من المستغرب ألا أضحك!
ومع ذلك، اختفت تلك التجربة البائسة والمؤلمة كأنها وهم…
هل كنت أتخيل كل ذلك؟ هل كان مجرد كابوس؟
بصراحة، كنت أفضل لو كان مجرد حلم…
لكن الذكريات الحية لا تزال تبعث قشعريرة في رقبتي، تطاردني كواقع مؤلم.
مغمورة بالحزن، شعرت بثقل في صدري، وفاضت الدموع من عيني الطفلتين الضعيفتين.
“يا إلهي! هل أنتِ جائعة، أيتها الأميرة؟”
احتضنتني المربية بسرعة بينما كنت أبكي بحرقة. فجأة، أحاطتني دفء لم أتلقاه من قبل، لكنني كنت أشتاق إليه منذ زمن، فذابت همومي على الفور.
وفكرت أن ما رأيته ربما كان نذيرًا.
تحذيرًا لأعيش حياة صحيحة.
فرصة للهروب من حياة ملطخة بالبؤس والندم.
رغم أنني كنت مرهقة، وفاقدة للشغف بالحياة، لم يكن أمامي خيار سوى تقبّل هذه الفرصة الثانية.
نعم، لا يمكنني السماح لنفسي بأن أعيش النهاية نفسها مرة أخرى. لقد تعلمت درسي، ولن أكرر أخطائي السابقة.
لذا، فلنحيا جيدًا.
هذا هو هدفي من هذه الحياة الثانية.
ومع ذلك، سرعان ما أدركت أنه، كرضيعة عاجزة لا تستطيع الكلام أو المشي، لم يكن هناك الكثير مما يمكنني فعله.
كل ما يمكنني فعله هو الاستلقاء في المهد، وأتلوى وأنا أنظر إلى اللعبة الدوّارة فوقي، وآكل عندما يُطعمونني، وأنام.
لذا، قررت أن أكفّ عن التذمر، وأكون ممتنة لهذه الحياة المريحة التي مُنحت إياها.
كانت الأيام القليلة الماضية نعيمًا حقيقيًا ومليئة بالسعادة..
لقد مرّ وقت طويل منذ أن نمت بهذا الهدوء، فتلك اللحظات بدت كأنها جنة حقيقية لشخص بالغ مثلي كان يعاني من الأرق..
وبينما كنت على وشك أن أستسلم مجددًا للنوم – الذي بات أغلى من الجواهر بالنسبة لي – كسر صوتٌ مزعج سكوني.
“دورو… دوروثيييييا!” ناداني صوت غريب…
“أوه، أختي الصغيرة!” قال صبي صغير بحماس وهو يطلّ فوق مهدي.
“هل نمتِ جيدًا؟” سألني.
ملأت عيناي الزرقاوان لأخي رايموند – الصافيتان كالبحر في يوم مشمس – وشعره الأشقر المموج وخدّاه الممتلئان كلّ مجال رؤيتي.
هذا الفتى هو أخي الأكبر، رايموند ميلانير، الذي مات على يديّ.
“اشتقت إليكِ، صغيرتي!” تابع راي بابتسامة مشرقة. خدّاه الورديان كانا أشبه بالخوخ، وكان يفوح منه عطر الحليب الطازج.
عينيه المستديرتين، النقيّتين والخاليتين من أي دفاع، نظرتا إليّ بمحبة.
آه، لقد نسيت أنه كان يملك تلك النظرة. النظرة التي قادتني إلى درب الطغيان؛ كانت مقززة بالنسبة لي.
“سأحميكِ يا صغيرة”، تابع.
نعم، كان دائمًا هكذا.
رايموند ميلانير، الأمير الشرعي، كان يقول دومًا إنه سيحميني، لكنه لم يفعل أبدًا.
عيناه، المليئتان بالإخلاص، بدتا سخيفتين للغاية لدرجة أنني زمجرت باستياء.
ربما لا يتذكر، لكنني قتلته، أخي، بيديّ، وأخذت العرش الذي كان من المفترض أن يكون له. لذا، سماعه يقول إنه سيحميني يبدو وكأنه نكتة.
يوم طعنته في قلبه لا يزال محفورًا في ذاكرتي. شعور دمه وهو ينساب من بين يديّ كان حيًّا للغاية، وكأنني ما زلت أشعر به الآن.
لا يمكنني أن أكرر الأخطاء نفسها مجددًا.
كان قتل رايموند هو البداية لكل ندم شعرت به.
لا يمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى.
لا أستطيع تحمّل الألم مرة أخرى.
يجب أن أتخلى عن الكراهية التي كنت أكنّها لرايموند، وأتحمّل ما يفعله…
“إنها لزجة وناعمة.” قال راي مجددًا، وهو يربّت على وجهي بقوة حتى شعرت بأن خديّ تمزّقا.
عليّ أن أتحمّل، عليّ أن أتحمّل ولا أقتله. عليّ أن أتحمّل… ظللت أكرّر ذلك كتعويذة لأهدّئ نفسي.
“لطيفة جدًا!”
لكن راي استمر في سحب وجنتيّ ومدّهما.
لذا، نفد صبري بطبيعة الحال.
“آآه!” بكيت بأعلى صوت استطاعت رئتاي الصغيرتان إصداره، وقرصت يد راي.
“لا تبكي، صغيرتي!”
ربما كانت القرصة مؤلمة حقًا، لأن راي أسرع في ترك وجهي، ثم ركض مبتعدًا.
وبما أنني حصلت أخيرًا على بعض الهدوء، توقفت عن البكاء فورًا بعد أن رحل.
آآه، أحاول أن أعيش حياة صالحة، لكنه لا يتوقف عن لمسي!
لكن، للأسف، عاد بعد وقت قصير ومعه المربّية، التي بدت مصدومة ورفعتني بسرعة إلى حضنها لتواسينـي.
“الأمير راي!” قالت بنبرة توبيخ.
“لم ألمسها بقوة…”
“خدّا الأميرة محمران بشدة. لذا لا تكذب عليّ، يا سموّ الأمير!”
عند توبيخ المربية، عبس راي وأخرج شفتَيه بتجهم.
“لكنها لطيفة جدًا.” تذمّر، ثم أمسك بذراع المربية واقترب لينظر إليّ مجددًا.
وجهي المستدير الشاحب ملأ مجال رؤيته.
يا إلهي، ألا يمكن لأحد أن يأخذ هذا الفتى بعيدًا؟
وبما أنني قتلته بنفسي في حياتنا الأولى، أعتقد أنه من الواضح أنني لم أكن أحب أخي كثيرًا. كنت أكره غبائه، وطيبته المزعجة، وغباؤه. لم أستطع أن أجعله يرى كم كان محظوظًا مقارنة بي، وكم كانت حياتي لا تُحتمل.
وبينما كنت أشعر بالأسف لإنهاء حياته، لم يكن ذلك يعني أنني سأقبل بأنفاسه الحارّة تقترب من وجهي.
مقرف. وكأن حمارًا كان يشمّني من الأعلى.
وبينما كنت أقطّب حاجبيّ باشمئزاز، ابتسم راي وسأل قبل أن يدفع بشفتيه الورديتين إلى الأمام:
“صغيرتي، أعطيني قبلة!”
ماذا؟
ثم أصدر أبشع صوت سمعته في حياتي. نظرت إليه برعب وهو يطبع شفتَيه الممتلئتين باللعاب على خدي، حتى صدر صوت بلل مقرف ومزعج.
جحيم انفتح في عيناي.
أوووف! مقزز!
“آآه! هواااه!” قاومت بأقصى ما لديّ من اشمئزاز، ولحسن الحظ، ارتعب راي من بكائي وتراجع إلى الخلف.
أرجوك يا الله، أبعد هذا الفتى عني لكي أعيش حياة طيبة هذه المرة!
لكن كان لدي شعور بأن الأمر لن يكون سهلاً بوجوده.
نموي كان سريعًا.
كنت لا أزال في نفس طول أقراني، لكنني تحدثت ومشيت أسرع منهم بكثير.
بالطبع، كان من الطبيعي أن أكون أسرع، فأنا كنت أعرف كيف أفعل ذلك وتمرّنت عليه عمدًا.
وبدون شك، كانت المربية وراي مندهشين من قدراتي المذهلة.
“الإنسانوية؟ ما معنى هذه الكلمة؟” سأل راي بصوت عالٍ بجانبي.
“إنها موقف فلسفي يُبرز أهمية وقيمة البشر.”
“كيف تعرف دوروثيا هذا؟ واو، انظروا إلى عبقريتنا الصغيرة!”
عانقني راي بشدة.
كانت رائحته تشبه رائحة العشب الطازج، وكان شعره الأشقر المجعد يغطي وجهي فقلت له بانزعاج: “ابتعد عني.”
“دوروثيا، أنتِ صغيرة ولطيفة جدًا. كيف تعرفين كل هذه الكلمات الجميلة؟”
“قلت لك دعني وشأني.”
“لا يوجد طفل آخر لطيف وذكي مثل دوروثيا في العالم!”
تجاهل راي احتجاجي، وأمسك بي – أنا ذات الثلاث سنوات – وعانقني مجددًا. رفعتني ذراعيه عالياً كدمية قماش ثم حبسني في حضنه..
لماذا هو قوي هكذا؟
راي، الذي أصبح الآن في الخامسة من عمره، كان قويًا لدرجة أنه كان يرفعني ويهزّني صعودًا ونزولًا.
وبينما كنت مشتتة قليلًا، سرق قبلة من خدي بخمس قبلات متتالية بشفتيه الورديتين!
لكن، على عكس عندما كنت رضيعة تمامًا، كنت الآن قادرة على الكلام والتعبير عن رأيي بوضوح.
لذا، فعلت ذلك بالضبط.
“أوووف، مقزز!” صرخت نصف صرخة وأنا أمسح المكان الذي قبّلني فيه بظهر يدي.
{الترجمه : غيو}
التعليقات لهذا الفصل " 1"