الفصل السادس
*********
في الرسالة كان مكتوبًا باختصار أن الدوق سيصل غدًا، فعليها أن تستعد لاستقباله.
(لقد قلتها بوضوح. إن سيادة الدوق سيعود في وقت قريب.)
والدليل على ذلك أن الإمبراطورة منحت إذن الدخول.
ومع ذلك، ماذا لو لم يكن هناك أي استعداد لاستقبال الدوق؟ وفوق ذلك، ماذا لو علم أن الإمبراطورة اتخذت غرفة منفصلة بإرادتها؟
من المؤكد أن الدوق سيغضب غضبًا عارمًا.
فهو يكره بشدة أن يجرؤ أحد، أيًّا كان، على تجاوز سلطته.
(إذا تلقّت توبيخًا من والدها الذي تتوق بشدة إلى محبته، فستنكسر معنوياتها بلا شك.)
وعندها لن تتمكن الإمبراطورة من المساس بي، أنا التي أنتمي إلى الدوق.
*****************
في تلك الأثناء، كانت إيزايا تقلّب الدفتر الذي أعطته إياها ميلاني.
(الموجود في المخزن ظاهر بوضوح، لكنه غير مدوَّن هنا… كما توقعت، دفتر مزوَّر للتمويه.)
لم يدم ابتسامها الساخرة طويلًا، إذ سرعان ما تذكّرت نظرة ميلاني الواثقة وتنهدت.
(ما زالت متعجرفة… ولا تدري أنه سيقضى عليها مستقبلًا بيد الدوق لاوشين.)
قبل العودة بالزمن، قُضي على ميلاني بيد الدوق لاوشين.
(كانت التهمة الظاهرة اختلاسًا، لكن السبب الحقيقي كان تافهًا وصغيرًا لأقصى حد.)
إيزايا لم تعد ترغب في رؤية أي شخص يُقتل بيد الدوق.
ومهما كانت ميلاني غير مخلصة، فهي تظل من تابعيها.
سرعان ما حدّقت إيزايا في الدفتر بعينين باردتين.
(نعم، لن يكون سيئًا أن أمنح ميلاني فرصة… لكن بعد أن أرسّخ الانضباط جيدًا.)
ثم وجهت نظرها إلى قصر الإمبراطور، وارتسمت على شفتيها ابتسامة رقيقة.
(لعله قد نام الآن؟)
غرفة غريبة، ولأول مرة تفترق عن زوجها في المبيت، فلا بد أن النوم لن يأتي بسهولة.
لكن بما أن أمامها الكثير لتفعله، عقدت العزم على أن تؤجل للغد وسحبت الستائر.
(عليّ أن أنام ولو قسرًا)
****************
في عمق الليل، كان سيف إيرْن يرسم خطوطًا أنيقة تحت ضوء القمر.
وبالقرب منه، لم يستطع هانس النوم وهو يراقبه.
“جلالة الإمبراطور، لقد تأخر الوقت.”
لكن إيرْن تجاهل رجاء خادمه الملح، وظل يحدّق نحو قصر الإمبراطورة.
ثم شدّ قبضته على مقبض السيف.
ومضى السيف يرسم قوسًا فضيًا وهو يشطر الدمية التدريبية.
ضربة بالغة السرعة، لا يمكن لمبارز عادي أن يتتبعها بعينه.
غير أن هانس لم يرَ سوى تفريغ لغضب ناتج عن افتراقه عن الإمبراطورة.
(آه… لو لم ينم وأرهق جسده فستكون مصيبة.)
عندها لاحت له فكرة وهو يحدّق في نصل السيف البالي قليلًا.
“مولاي، أظن أن نصل السيف قد تضرر. يجب إرساله للإصلاح، فلتتوقف عن التدريب الآن وتنال قسطًا من النوم.”
عندها نظر إيرْن إلى السيف.
(إذا تعلمت السيف، فسيكون نافعًا لك.)
كانت كلمات إيزايا يوم أهمل دروس المبارزة بحجة المرض وأهدته سيفًا للتدريب.
فشدّ إيرْن على أسنانه بقوة.
“ارمه.”
ثم قذف بالسيف بعصبية.
طَنين!
فالتقطه هانس وانحنى.
“نعم، سأرسله للتلف والإتلاف.”
وكان يهم بإلقائه في مكان يجمع فيه السلاح التالف، فإذا بيد تمسك بكتفه.
“سيظل قيد الاستعمال، أصلحه وأحضره.”
تراجع عن قراره! ابتسم هانس ابتسامة مجبرة وهو يخفي ألمه.
(يا له من عذاب.)
إن بقي الحال هكذا، فسيضطر إلى السهر مع الإمبراطور حتى الفجر.
لابد من إيجاد وسيلة لإنجاح نوم هذا الطاغية الصغير.
وبينما كان يفكر، سمع أصوات فرسان يتحدثون من وراء الجدار:
“ماذا؟ تشاجرت مع زوجتك بسبب نوبة حراسة ليلية؟”
“نعم، ظلت مستيقظة تنتظرني غاضبة… لا أدري ما أفعل.”
قطّب هانس جبينه.
(يا للصدفة السيئة! في هذا الوقت بالذات حيث جلالته متأزم من شأن الحياة الزوجية!)
وكاد يتوجه ليوبّخهم، لكن إيرْن أوقفه.
“لا تتدخل.”
تنهد هانس، وحزم أمره.
(يا هانس، أنت كبير الخدم الأقرب إلى الإمبراطور. إن غضب، فعليك أن تخاطر بحياتك لتهدئته.)
فأنصتا معًا لما يُقال:
“طلبت منها أن تشرح السبب، لكنها لم تفعل سوى الغضب. لست أفهمها، فيؤلمني ذلك.”
“ألم تقل إنها لا تنام وتظل تنتظرك؟ هذا لأنها لا تستطيع النوم من دونك.”
“أحقًا؟”
“طبعًا. يبدو أن حبها لك كبير، لكنها حزينة لتأخرك. في هذه الحال، خذ معك باقة من الزهور وأعدها بنفسك إلى البيت عند عودتك. سيسعدها ذلك.”
“زهور؟ وكم أحتاج منها؟”
“ألم تهدها زهورًا من قبل؟”
“للأسف كنت أكلف الخدم دائمًا، فلا أدري. أرشدني.”
“كلما كثرت كان أجمل. زهرة أو اثنتان تُسعد، لكن باقات كثيرة أجمل بكثير.”
“أهذا صحيح؟”
فجأة قاطعهم صوت، فالتفتوا مرعوبين.
وإذا هو الإمبراطور نفسه!
“ج… جلالتك؟ ما الذي أتى بك هنا؟”
فتجهم إرْن قليلًا وقال:
“أجب أولًا.”
“ن… نعم! إنه كلام زوجتي شخصيًا، فهو مؤكد!”
ارتسمت على شفتي إيرْن ابتسامة صغيرة.
“حسنًا، شكرًا لك.”
ثم التفت إلى هانس:”كافئهم.”
(كافئهم؟ إذا…)
هنالك فقط أدرك هانس مقصد سيده.
(إذن لم يكن غاضبًا بسبب الشجار مع الإمبراطورة، بل كان يضرب السيف لأنه لا يعرف كيف يصالحها!)
ربما إذن لن يضطروا إلى السهر حتى الفجر.
فأسرع يقول:
“سمعًا وطاعة. سأسرع في شراء الزهور…”
“سأشتريها بنفسي.”
“ماذا؟ كيف ذلك…؟”
لكن الإمبراطور كان قد اختفى عن ناظريه.
(لم يُهْدِ زهورًا بنفسه يومًا… فكيف ينوي فعلها الآن؟)
أحس هانس بقلق شديد.
(أتُرى سيمضي الأمر بخير؟)
ولم يكن يدري أن قلقه سيتحقق واقعًا.
**************
في ركن قَصي من حديقة قصر الإمبراطورة،
كان أحدهم قد جمع أكوامًا من الورود ينظر إليها برضا.
(هذا يكفي ليزيل غضبها )
نظر إيرْن إلى قصر الإمبراطورة، بل تحديدًا إلى الغرفة التي باتت إيزايا تشغلها اليوم.
لكن سرعان ما اتسعت عيناه صدمة.
(انطفأ الضوء؟)
لم يمضِ يوم بعد على انفصالهما في النوم.
أفنامت بالفعل مطفأة السراج؟
(ألم تقل إن زوجتك لا تنام في غيابك، بل تظل تنتظرك؟)
استعاد قول الفارس، وقبض يده بشدة.
“سأبقى دومًا مع جلالتك.”
لقد صدّق تلك الكلمات، وعدّها أمرًا مسلّمًا، بأن إيزايا ستكون دائمًا معه.
لكن مشهد الغرفة المظلمة في قصر الإمبراطورة كشف له الحقيقة:
أنها لا تبالي فعلًا بالانفصال عنه.
اندفع شعور بالخيانة كالطوفان.
“كاذبة.”
تمتم بها بخفوت، ثم استدار عائدًا إلى قصر الإمبراطور.
لكن خطاه أبت أن تتحرك بسهولة.
***************
في ساعة متأخرة، بأحد المباني البالية قرب العاصمة.
دخل رجل أسود الشعر، فانحنى له الحاضرون.
“مرحبًا بقدومك، يا سيدي الدوق.”
“لا بد أن ثمة أمرًا يستوجب إخباري أولًا.”
فأخرج رجل راكعٌ أمامه ورقة من صدره وسلمها.
“الفيكونت إيلبيور، أثناء بحثه في جبال غارتن الشمالية، بعث بتلغراف قال فيه إنه رأى شخصًا يشبهه.”
“وهذه المرة مؤكدة؟”
لكن الرجل صمت.
إذ لطالما ضلّلته بلاغات كاذبة في الشرق.
“كيف؟ أعجزتم عن العثور على شخص واحد؟ أليس لديّ سوى رجال عاجزين؟”
ساد الصمت، حتى دخل آخر يحمل شيئًا.
“سيدي الدوق، هذا…”
أخذ الرسالة، وما إن قرأها حتى اشتعلت عيناه الزرقاوان بالغضب.
“أكل هذا صحيح؟”
ناول الرسالة لرجل بزي الحرس الملكي، فقرأها وأومأ.
“نعم، وفق ما فيها، فإن جلالتي الإمبراطور والإمبراطورة منفصلان الآن.”
لقد كان يشك، لكنه تبيّن أن الأمر حقيقة!
“وما السبب؟”
“لا أعلم التفاصيل، لكن جلالتها الإمبراطورة انتقلت فجأة إلى مقر آخر.”
فعَضّ الرجل على الرسالة وغضب.
“إيزايا، أيتها الغبية!”
ثم استدار.
“سأمضي إلى القصر كما هو مقرر.”
عادةً، لا يُسمح بدخول مساكن العائلة المالكة إلا بإذن، لكنه سبق أن نبّه ابنته، فلن يواجه مشكلة بالدخول.
*******************
تسلل نور دافئ يداعب وجهها، ففتحت إيزايا عينيها ببطء.
(إنه الصباح.)
أحسّت بالفراغ إلى جانبها في الغرفة الغريبة، فغمرها شعور بالوحشة.
(هل نام جيدًا؟)
لا بد أنه نام، فحتى في حياتها السابقة كان إيرْن يتجاهل وجودها وينام دون اكتراث.
حدّقت في المرآة بابتسامة مُرة.
(المشكلة عندي أنا، لا عنده.)
لقد رأت في المنام إيرْن يبكي ويصرخ:
“إيزايا، أرجوكِ… لا تموتي!”
رغم يقينها بأنه في الواقع لن يفعل ذلك أبدًا، لم تستطع طرد صورته باكيًا من مخيلتها.
فأسرعت تهز رأسها بعنف.
(ليس وقت هذا الآن.)
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"