الفصل 2
********
كم من الوقت مرّ يا ترى؟
ظهر أمام عينيها أقارب يحيطون بالسرير الكبير بوجوه كئيبة، ووالد يذرف الدموع، وأم قد بان عليها أثر المرض واضحًا.
قالت الأم بصوت خافت:
“عاهدي نفسك. تعهدي أن تصبحي دوقة عظيمة تكملي مسيرة أبيك.”
“نعم… أتعهد.”
“حتى تبلغين سن الرشد، أصغي جيدًا لكلام والدك. مفهوم؟”
كانت الأم امرأة صارمة، وكانت إيزايا ابنة مطيعة تتبع أوامرها بإخلاص.
حين أومأت برأسها وهي تكتم دموعها، قبضت الأم على يدها وهمست:
“أثق بك.”
وكانت تلك كلماتها الأخيرة.
وسرعان ما تبدّل المشهد كما لو أنّ خشبة المسرح قد غُيّرت.
“ابنتي، لقد جئتُ بأسرة جديدة من أجلك.”
زوجة أب جميلة، وإخوة غير أشقاء بملامح ملائكية.
لم تكن إيزايا صادقة في ترحيبها بهم، لكنها أظهرت القبول.
(الآن لم يتبق لي سوى أبي، عليَّ أن أُطيع كلامه. لقد وعدت أمي أيضاً.)
لكن ما كان من ثمرات ذلك إلا التجاهل والإيذاء من زوجة الأب وإخوتها.
ومع ذلك، لم تستطع إيزايا أن تُظهر ضعفها، فقد كانت تخشى أن يصيب أباها، وهو أسرتها الوحيدة، خيبة أمل أو حزن.
(صحيح، يكفيني أبي وعائلتي.)
رغم أنّ والدها أوقف كل المعلّمين قائلاً لها إنها لم تعد بحاجة إلى الدراسة المرهقة، إلا أنّها تابعت التعلّم وحدها.
(لقد أقسمتُ لأمي… سأصبح دوقة عظيمة بلا شك.)
وحدث في أحد الأيام أن قال لها والدها فجأة:
“مبارك لك. لقد تمّ اختيارك أخيراً لتكوني زوجة جلالة الإمبراطور.”
كان الخبر كالصاعقة من السماء الصافية، فشحب وجهها من الرعب.
(زواج… من جلالة الإمبراطور؟)
لقد كانت ترى أن مصيرها أن تصبح وريثة منذ طفولتها.
لم تكن ترغب أن تُدفع دفعًا إلى زواج مع إمبراطور تحيط به الشائعات السيئة.
قالت بشجاعة:
“أبي، أُفضل أن أبقى إلى جانبك بدلاً من أن أصبح إمبراطورة.”
فأجابها وهو يمسح على رأسها برفق:
“أنا أفضل أن تكون ابنتي إمبراطورة.”
فهمت عندها أنّه لا خيار أمامها سوى القبول إن أرادت ألا يهجرها والدها.
“نعم، فهمت.”
“حسنٌ جداً. أن تكون ابنتي إمبراطورة… لن يبقى شيء أخشاه بعد الآن! هاهاها!”
ابتسمت إيزايا وهي تهمس لنفسها:
(صحيح، إنه يحبني، ولهذا منحني أعظم مكانة.)
وهكذا قررت أن تصبح إمبراطورة، كما أراد أبوها، وكابنة تفتخر به.
وكان عمرها آنذاك أربعة عشر عامًا، لم تشارك بعد حتى في حفل دخول المجتمع.
************
في يوم الزفاف، كان الناس يمدحون جمال العروس المدهش، وفي الوقت نفسه يبدون شفقة عليها.
“ما أجملها… لكن يا للأسف.”
“أيعقل أنهم يجهلون تلك اللعنة؟”
كان يُقال إن الإمبراطور ملعون من قِبل مبعوث سماوي.
فقد ماتت والدته، وحيوانه الأليف الذي كان يحبه، وسائر أفراد العائلة الإمبراطورية عدا هو نفسه.
حتى إيزايا لم تستطع أن تتجاهل تلك الشائعات، لكنها لم تُظهر قلقها.
(أن يُهجرني أبي أخوف عندي من الزواج بالإمبراطور.)
وبينما كانت تكبت خوفها، نُودي:
“ليدخل جلالة الإمبراطور إلى حضرة السيدة إيزايا سيرنيزه لاوشين.”
رفعَت بصرها قليلاً لترى عريسها، فإذا بها تتسع عيناها.
(ذلك الطفل هو الإمبراطور؟)
فتى بشَعر فضيّ وعيون بنفسجية يرمقها بحدة.
الإمبراطور الذي قيل إنه في العاشرة من عمره، كان جميلاً بشكل يفوق التوقع، حتى هي التي لم تهتم يوماً بالمظهر انبهرت.
لكن سرعان ما التقت نظراتها بعينيه، فرأت فيهما وحشة تفوق كل وحدة.
(قيل إنه بلا دموع ولا قلب…)
لم يطل تردّدها حتى قاطعها صوت الخدم:
“حان وقت الدخول.”
أرادت أن تنهض من مقعدها، لكن ساقيها لم تطيعاها.
(تماسكي! هذا ليس وقت الضعف…)
وبينما كانت تعضّ على شفتيها قلقاً، امتدّت يد صغيرة نحوها.
“إنها أوامر. خذي يدي وانهضي.”
تذكرت فجأة ما يُقال عنه، فلم ترغب بلمسها.
لكنها لم تجرؤ على عصيان أمر الإمبراطور، فأخذت يده بوجل.
وإذ بها تفاجأ بشعور لم تعرفه من قبل:
(إنها دافئة… ومريحة.)
كان إحساساً جديداً يتسلل إلى قلبها فيثير فيه قشعريرة رقيقة.
وبغير وعي منها، قبضت على يده الصغيرة بإحكام.
************
انتهى حفل الزفاف.
وحين أُغلق باب المهجع وبقيا وحدهما، قال لها الإمبراطور:
“سواء أديتِ دور الإمبراطورة أم لا، لا يهمني. فقط لا تُظهري نفسك أمامي. إن أزعجتني، سأُبعدك عن ناظري.”
أدركت حينها بوضوح قسوة الواقع.
إنها ليست سوى زيجة سياسية قائمة على الواجب والمصلحة، لا على العاطفة.
ولذلك كان رد فعله طبيعياً.
ابتسمت إيزايا بسخرية حزينة.
(لكن لا يمكنني الاستسلام.)
كان أبوها يحتاج إلى ابنة تحمل لقب الإمبراطورة.
وسلطان أهل الزوجة يُستمد عادةً من حظوتها عند الإمبراطور.
ولهذا عقدت العزم أن تبذل جهدها لتكسب وده.
***********
بسبب زواجها المبكر، لم تُشارك في حفل المجتمع، وبسبب انشغالها بالدراسة منذ صغرها، لم تعرف كيف تُخالط أقرانها.
فلم تجد وسيلة للتقرب من الإمبراطور سوى ملاحقته والحديث إليه بلا توقف.
“مولاي، ستخرج في نزهة؟ اسمح لي أن أرافقك…”
“ابتعدي.”
مضى عام على الزواج، والإمبراطور ظل يعاملها بالإهمال ذاته.
الجميع كانوا يرونه طاغية صغيراً ويخشونه، لكن إيزايا رأت غير ذلك.
(على الأقل لم يضربني ولم يُهِنني كما فعلت زوجة أبي وإخوتي.)
بل إنه، رغم ملازمتها المستمرة له، لم يُبعدها كما حذّرها في البداية.
(هذا بحد ذاته لطف منه. ثم إن…)
قبل الزواج كانت تعيش فراغاً موحشاً، دائماً تتوجّس أن يُطبق أحدهم على عنقها فجأة.
لكن بعد زواجها به، بدأ ذلك القلق وذلك الفراغ ينحسر شيئاً فشيئاً.
(في الحقيقة، إنه يمنحني الطمأنينة.)
وفيما هي تتبعه مبتسمة، فجأة اتسعت عيناها رعباً.
ففي الطابق الثاني من مبنى يطلّ على الطريق الذي يمر به الإمبراطور، اهتزّ أصيص نبات بفعل الرياح وكاد يسقط.
كاد قلبها يتوقف.
وبلحظة خاطفة، جذبت الإمبراطور إليها قبل أن يسقط الأصيص فوقه.
تحطّم الأصيص بجانبهم، ونجيا بفضلها، لكنهما سقطا معاً على الأرض.
“مولاي! هل أصابك أذى؟”
نظر إليها الإمبراطور مذهولاً للحظة، ثم انعقد حاجباه بغضب.
“ما الذي تفعلينه؟ كان من الممكن أن تموتي!”
كانت تلك المرة الأولى التي تسمع فيها صوته يخرج بانفعال.
وفهمت عندها سبب رفضه الدائم للآخرين.
(إذا… كل ذلك بسبب الشائعات. لذلك أبعد عن نفسه الجميع.)
لطالما ظنت أنّ الأمر لا يعدو زواجاً سياسياً،
لكنها لم تستطع تركه وحيداً، فذلك البريق الجافّ والموحش في عينيه كان يوجع قلبها.
(صحيح، في الحقيقة أنا لا أريده أن يبقى وحيداً.)
فقد عانت هي نفسها من فراغ ووحشة لعدم حصولها على أي حنان، لكنها معه بدأت تشعر بالسكينة، ولم تعد تشعر بالوحدة بوجوده.
لأنه شريكها، ولأنها قضت أوقاتاً كثيرة معه.
لم تدرك معنى “العائلة” إلا بعد أن التقت به.
(إنه أول من منحني الدفء… عائلتي.)
كان كلامه قاسياً، لكن يداه ونظراته كانت تحمل دفئاً.
وحين أمسكت يده، قال ببرود:
“ما الذي تفعلينه؟”
“سأُثبت أن جلالتك لست واقعاً تحت أي لعنة. إن بقيتُ إلى جوارك دوماً، سينسى الناس تلك الأباطيل.”
ثم ابتسمت بمرارة، إذ ظلّ وجهه خالياً من التعبير.
(كم هو قاسٍ… لا تذرف دمعة واحدة حتى الآن.)
لكنها كانت تعلم أنّ السبب ليس القوّة، بل اليأس؛ لأنه لا أحد يستقبل دموعه.
فأضافت وهي تنظر في عينيه:
“لا بأس أن تبكي أمامي.”
“بكاء؟ أنا… لماذا؟”
لم يُكمل جملته، فقد باغتته وهي تعانقه فجأة.
“سأبقى معك دوماً يا مولاي.”
لم يبكِ، لكن إيزايا تابعت تربّت على ظهره وتواسيه.
وبعد مدة، نطق أخيراً:
“جربي.”
“ماذا تقصد؟”
“ما قلته… أن تبقي معي. اثبتيه.”
بصوت خشن كأنه يتحدّاها، فردّت مبتسمة:
“نعم، سأكون دوماً بجوار جلالتك.”
عندها قال بهدوء:
“إيرنفريت.”
“عذراً؟”
أجابها بفتور:
“حين نكون وحدنا، ناديني هكذا.”
بقيت واجمة.
(لقد سمح لي أن أناديه باسمه…)
غمرها شعور عظيم، إنها أول مرة تشعر بأنها اقتربت من إنسان حقاً.
وأخذت تردّد اسمه في سرّها:
(إيرنفريت… إيرن…)
لكن صوتاً قاطع تفكيرها:
“ما بالك واقفة؟ ألن تتبعيني؟”
كان ينتظرها، فترددت لوهلة أمام المشهد الغريب.
ثم مدّ يده نحوها وقال:
“أمسكيها. ولا تزعجيني بالجري خلفي مجدداً.”
أمسكت بيده وضحكت في سرّها:
(لقد منحني مكاناً بجانبه… كم هو رحيم.)
ومنذ ذلك الحين، صار إيرن يسمح لها بالبقاء قريبة منه شيئاً فشيئاً.
أذن لها أن تناديه باسمه وبلقب الدلال، وبات يقضي معها جلّ وقته خارج ساعات الحكم.
وكانت تلك الحياة اليومية سعيدة وغالية عندها لدرجة أنها أصبحت تدعو من قلبها:
(ليتنا نظل هكذا سعداء للأبد.)
لكن ذات يوم… تغيّر إيرن فجأة.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 2"