2
كان الألم شديداً.
فجأةً شقّ صدري عذاب كالنار المحرقة.
فلمّا نظرت إلى صدري رأيت طرف سيف قد برز منه.
‘من عساه يكون؟ من ذا الذي أجهز على حياتي؟’
وما كادت الخواطر تستطيل في ذهني حتى أظلم بصري.
“لقد نلت جزاء خطيئتك.”
سمعت صوت من طعن قلبي.
‘من يكون؟’
كان صوتاً غريباً، غير أنّي شعرت أنّي قد سمعته يوماً ما…
لكن لم يكن ثمّة متّسع للتفكير.
إذ كنت أسرع في سكرات الموت، وقواي السحرية في داخلي بدأت تثور جامحة.
‘لا…!’
بجهد جمعت ما تبقى لي من السحر.
إن انفلتت هذه القوى وتدفقت بلا ضابط فلن يسلم هذا العالم من الهلاك.
لقد كانت حياتي شاقّة.
في كل حين أسأت الاختيار، فإذا حاولت أن أصلح ما اقترفت، لم أزد الأمر إلا سوءاً.
فاستجلبت بغضاء الناس أجمعين، وفقدت كل شيء، وانتهى بي الأمر إلى مأزق قاتل.
لقد كان هذا العالم قاسياً عليّ.
غير أنّي لم أرد له الفناء.
فلقد أحببت هذا العالم.
‘فما كان حريّ بي أن أفعل؟ كيف لي أن أتخلّص من هذا البلاء وأصون هذا العالم؟’
وهكذا أسدل الستار على سيرة الأميرة إيليا.
أطبق لودِن الكتاب وقال:
“أجل، كيف لها أن تحمي عالمها؟”
هكذا تمتم لودِن مع نفسه.
فحتى عبقريّ السحرة الكبار، لودِن، لم يكن يملك جواباً.
ثم نهض مطبقاً الكتاب، ومضى صامتاً إلى مكتبته، فما زال لديه من البحوث ما يشغله.
***
أخذت إيلي نفساً بطيئاً عميقاً.
“من أنا؟”
فأجابه الصوت: “مولاتي، إنك الأميرة الوحيدة لهذه المملكة، نيرنديس، ووارثة العرش الأولى، إيليا ليدن بِيُورت نيرنديس.”(؟)
وسواء سألت مرة أو عشراً، لم تكن تسمع إلا ذات الجواب.
فما كان منها إلا أن أقرت به أخيراً.
‘لقد صرتُ الأميرة إيليا!’
وما إن أدركت ذلك حتى غمرتها الكآبة.
طالما تمنت أن تكون أميرة يوماً ما: ترتدي أجمل الثياب، وتتلذذ بأشهى الأطعمة، وترقص مع أمير وسيم في بهاء الحفلات.
‘لكن أن تكوني الأميرة إيليا بالذات، فهذا ظلم بيّن!’
فالأميرة إيليا لم تذق من لذّة العيش إلا أوائله، ثم سرعان ما صار وجودها جحيماً، حتى ثارت قواها السحرية وأفضت إلى فناء العالم.
وذلك وهي بعد في السابعة والعشرين من العمر.
فأي حياة هذه التي مآلها إلى ميتة مأساوية؟
‘أجل، تلك سنّة روايات التقمّص في الكتب!’
فإمّا أن يكون بشخصيةً هالكة مبكّراً، أو عديم الأثر لا يكاد يُذكر.
لهذا ما كان عجيباً أن يقع أبطال تلك الروايات في هوّة اليأس.
‘حسناً، فلا بد لي أولاً أن أحيا كالأميرة إيليا.’
كانت تعلم أنّ قولاً كـ”أنا لست إيليا بل شخص آخر تلبّسها!” لا طائل منه.
‘ثم إنني، ما دمت سأعيش حياتها، فجدير بي أن أعيشها على أحسن وجه!’
لقد كان قدر الأميرة إيليا أن تجلس على العرش في السابعة من عمرها، ثم تسقط في انقلاب وهي في الثانية والعشرين. ثم تقضي خمس سنين تتيه في الأرض كالمشردة حتى يبرعم السحر في صدرها، فلا تقدر على ضبطه فيقودها إلى الجنون، وفي آخر الأمر تُقتل. لكن بعد أن يكون سحرها قد ابتلع العالم، فيهلك كل شيء.
‘لكنني أستطيع أن أمنع هذا.’
نعم، فلأصد أولاً كارثة الفناء، ثم أرى بعد ذلك ما يكون.
ولأصبر حتى يأتي أخي فيلقاني.
‘لقد وعدني أخي أن يأتي.’
ورغم أن هذا عالم آخر في كتاب، إلا أنّ أخاها سيجد السبيل للوصول إليها، كيف لا وهو ساحر عظيم عبقري؟
فمجرّد أن استذكرت الأمل في قدومة، أشرق في قلبها نور بعث في نفسها حياة بعد الوهن.
“مولاتي الأميرة، ذكرياتك ستعود رويداً رويداً، فلا تقلقي.”
كان ذلك صوت السيدة التي بكت بجوارها عند صحوتها.
فما إن فرغت إيلي من خواطرها حتى خطت خطوة أولى إلى التكيّف مع واقعها.
“ومن تكونين أنتِ؟”
“آه، مولاتي، أما عرفتني؟”
قالت ذلك والدموع في عينيها.
“أنا السيّدة لاڤال، البارونة، وصاحبة شرف أن أكون وصيفة مولاتك منذ مولدك.”
‘آه! السيّدة لاڤال!’
كان اسماً تعرفه.
شخصيةٌ طالما ترددت في صفحات الكتاب، لا تفارق الأميرة من أول القصة إلى آخرها.
فما كان غريباً أن تظل بجانبها بعد موت الملكين، والديها، تحرسها وتحنو عليها حتى آخر لحظة من حكمها.
غير أنّ هذا الإفراط في الحنان والتدليل أورث الأميرة طبع الدلال، والعناد، والأنانية، وكان ذلك من أسباب سقوطها عن العرش.
‘إنها طيبة، لكن لا بد من الحذر!’
بلا شك كانت السيّدة لاڤال سنداً لا يُستغنى عنه، لكنها كذلك قريبة أكثر مما ينبغي.
وكانت إيلي تذكر من مناقشاتها مع أخيها أنّ الخلاصة دوماً: ‘اقبلي الحب، ولكن حافظي على المسافة.’
“آه، مسكينة مولاتي، أفلا يربكك فقدان الذاكرة ويملؤك خوفاً؟”
هكذا قالت لاڤال وهي تمسح دموعها.
لكن إيلي ردّت بجرأة: “بل أشعر بالاضطراب، غير أنّي بخير.”
“يا للعجب! متى كبرت مولاتنا هكذا؟!”
شهقت لاڤال وقد غمرها التأثر، حتى كفّت وجهها بيديها.
ونظراتها تنطق: ‘ما أجملها! ما أعجبها! ما أظرفها!’
فما كان من إيلي إلا أن حادت ببصرها في خجل.
“هاتِ حديثك عني. كم عمري الآن؟”
“سبع سنوات، مولاتي.”
‘سبع سنوات؟’
إذن فهي عند بداية الكتاب.
فتذكرت كيف ابتدأت القصة:
「لقد انقلب العالم.
سقطت في دوامة من الاضطراب، وأحسست بذراعي أبي وأمي يحتضناني بقوة.
لكن حين فتحت عينيّ ثانية، كنت وحدي.
‘لقد رحل أبوي عن هذه الدنيا.’
فصرت يتيمة.」
وكان ذلك في حادث العربة الملكية.
فسألت إيلي مسرعة: “أبي وأمي؟!”
فارتبكت لاڤال وقالت: “معذرة، مولاتي… كان حادث عربة عظيم، وحين أسعفناهم كانا قد فارقا الحياة. ولولا أنهما أحاطاك بذراعيهما لكنت هلكتِ أنتِ أيضاً.”
“…هكذا إذن…”
كانت تأمل أن تجد منفذاً للنجاة، إذ لو عاش والداها لكان حملُ حياة الأميرة أيسر عليها. لكن الأوان قد فات.
“ومتى وقع هذا؟”
“قبل ثلاثة أيام، مولاتي.”
‘ثلاثة أيام؟’
حقّاً، إنها الصفحة الأولى من الرواية.
‘إذن…’
فما الذي فعلته الأميرة إيليا حين فتحت عينيها لأول مرة؟
لم يمض وقت طويل حتى تذكرت إيلي: “والجنازة؟”
قالت لاڤال في دهشة: “مولاتي، من أين عرفتِ؟”
“قرأتُه في كتاب.”
“لكن مولاتنا لا تحب قراءة الكتب.”
ارتبكت إيلي.
كانت، وهي إيلي، طفلة نابغة تربّت على يدي أخيها الساحر، ففاقت أقرانها علماً وذكاءً. حتى أنه كان يسميها ‘عبقرية’. ولما لم يكن من عادته أن يبالغ، فقد صدّقت قوله.
لكن، على العكس، فإن الأميرة إيليا لم تكن تحب الكتب، بل تفضّل الثياب البهيّة وحفلات الشاي.
فبادرت إيلي بحيلة: “إن الطفل يكبر سريعاً! والإنسان بطبيعته يتغيّر.”
فكادت عينا لاڤال تسقطان من الدهشة: لقد تغيّرت آنستها!
تلك التي لم تكن لتدخل الخلاء دونها، صارت فجأة ناطقة كالعلماء.
‘لا بد أنّ فقدان الذاكرة قد أثّر حتى على الطبعها’
“على أي حال، فقد مضت الجنازة بالفعل.”
“آه…”
كان الأمر موافقاً لما في الكتاب.
“في الأيام الثلاثة التي غبتِ فيها عن وعيك، أُنجزت كل المراسيم، وما بقي إلا أن تودّعيهما.”
قالت ذلك وهي تتفقد وجه إيلي، لكنها تلقّت جواباً ثابتاً لا اضطراب فيه.
وكيف لا، وهي لم ترهما قط، بل كانت تعلم بالأمر من صفحات القصة.
“ومتى أذهب؟”
“حين تستعيدين عافيتك يا مولاتي.”
“بل سأذهب الآن.”
ففي الكتاب هرعت الأميرة إلى الجنازة فور استيقاظها. ومعناه أنّ جسدها الآن بخير.
وكانت تريد، ما دامت مضطرة أن تحيا كالأميرة إيليا، أن تؤدي حق الوداع لوالديها.
فنزلت عن سريرها.
وإذا بالوصيفات يحطن بها من كل صوب.
“مولاتي، دعينا نغسلك أولاً.”
“وأي طعم للمعجون تحبين؟ الفراولة؟ الشمام؟ أم الكيوي؟”
“وليديك أي كريم نضع؟ لا بد أن يكون بلا رائحة فاليوم جنازة.”
أطبقن عليها دفعة واحدة.
“أ.. أ… مهلاً…”
فقدت إيلي صوابها: أفيغسلها غيرها؟ أويفرش أسنانها أحد سواها؟ أويُدهن كفّاها بكريم؟
كانت تعلم أن حياة الأميرات كذلك، لكن التجربة نفسها بدت خانقة.
فصرخت: “قفن جميعاً!”
“نعم، مولاتي؟”
فتوقّفن منتظرات أمرها.
فشهقت نفساً عميقاً، وقالت معلنة…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"