1
«الأميرة…؟»
انتبهت إيلي من قيلولتها على وقع نداء غريب لم تألفه.
«ها…؟»
وإذا بها تجد نفسها محاطةً بأناس لا تعرفهم.
«هاه؟ مـ… ما هذا؟ من أنتم؟»
وما إن استفاقت من دهشتها حتى زال أثر النوم عن جفونها.
سحبت اللحاف نحو صدرها، قابضةً عليه بكلتي يديها، تتلفّت حولها في حذر.
غرفة غريبة… ووجوه أغرب.
«آه! لقد نهضت الأميرة!»
«…؟»
صحيح أنني قد استيقظت، لكن… أنا لستُ بأميرة!
رمقت إيلي القوم بعينين ذاهلتين، وهم يضجّون فرحًا.
«هل تؤلمك نفسك في موضع ما؟ أأنت بخير؟»
«مولاتي الأميرة! الحمد لله أنك أفقْتِ!»
أمسك بعضهم بيديها وقد اغرورقت أعينهم بالدموع.
«الأميرة…؟»
«نعم، الأميرة!»
«أنا… أميرة؟»
«…أميرة؟»
توقّف البكاء شيئًا فشيئًا، وحلّت الدهشة في أنظارهم.
«مولاتي… لعل ذاكرتك…»
«أيها الطبيب! الطبيب!»
وإذ أدركوا أن ذاكرة الأميرة ليست على ما يُرام، أسرعوا في طلب الطبيب.
لكن الأمر ليس فقدانًا للذاكرة… بل إن جسدي هو الذي غدا غريبًا عني…
ومع ذلك، آثرت إيلي الصمت، ولم تشأ أن تصحّح لهم.
«حين تجهل حقيقة الموقف… فالواجب أن تظل ساكنًا!»
كان ذلك مما أوصاها به أخوها يومًا.
أترى… أكان يعلم أن يومًا كهذا سيأتي؟
أخي لودِن!
تملّكها الخوف من هذا العالم المجهول، وكادت دموعها تفيض، فاستدعت أخاها في قلبها. لكن أخاها، الذي كان يلبّي ندائها في أي وقت وكأنه يهبّ على جناح الريح، لم يكن في مكان قريب.
«مولاتي!»
الطارق هذه المرة لم يكن أخاها، بل الطبيب نفسه.
دخل مسرعًا وقد التصق فتات خبز بخده، وارتسم الإرهاق على قسماته. كان يشبه أخاها حين ينهمك طويلًا في مختبره.
«أفاقت مولاتي؟ هل يؤلمك شيء؟»
«يبدو أن الأميرة قد أصاب ذاكرتها خلل، فهي لا تعرفنا.»
تولّت امرأة كانت تبكي بجانبها الإجابة بدلًا منها.
«أوه… مولاتي. أنا الطبيب جيريان. أما تعرفينني؟»
مدّ جيريان يده نحو المبخّر، يخاطب إيلي.
وكانت هذه المرة الأولى التي تراه فيها… لكن اسمه كان مألوفًا في سمعها.
جيريان…؟
اتسعت عينا إيلي فجأة.
إنه اسم تعرفه جيدًا!
«جيريان!»
«نعم، أنا هو جيريان.»
«أنت الذي كنتَ ملازمًا للأميرة إيليا منذ مولدها، ثم أعلنت فجأة رغبتك في اكتشاف أدوية جديدة في القارّة الجديدة، فاعتزلت!»
نطقت إيلي بحماسة وهي تشير إليه، إذ وجدت في الاسم رابطًا مألوفًا.
فهو شخصية ثانوية في كتاب ضخم بعنوان حكاية الملكة، كان أخوها يقرؤه لها كل ليلة قبل النوم.
«هاه… لم أفكّر في ذلك بعد، لكن… أترى الأميرة تتوقع مني أن أفعل هذا؟»
حكّ جيريان خدّه متسائلًا.
فأطبقت إيلي فمها، إذ تذكّرت أن ذلك الحدث لم يقع إلا حين بلغت الأميرة إيليا الثانية والعشرين.
مهلًا…؟
راحت إيلي تجمع الخيوط المتناثرة في ذهنها:
جيريان شخصية في الكتاب → هذه الشخصية تقف أمامي الآن.
جيريان كان طبيب الأميرة إيليا → وهذا الطبيب يناديني الآن «مولاتي الأميرة».
= أنا الآن الأميرة إيليا!
…هاه؟
نظرت إيلي إلى القوم حولها، وسألت في حذر:
«قولوا لي…»
«نعم، مولاتي!»
«أأنا… الأميرة إيليا؟»
«أووووه! لقد تذكّرتِ اسمك!»
تعالت صيحات الفرح من أفواههم.
أما إيلي، فلم تجد في الأمر ما يُفرح.
لقد بات واضحًا… ما الذي جرى لي.
لقد دخلتُ إلى عالم كتاب!
كم حلمت بأن تكون أميرة…
لكن إيلي، ذات الأعوام السبعة، قد غدت حقًّا الأميرة إيليا التي في الكتاب الذي كان أخوها يقرؤه لها قبل النوم!
—
أخذت إيلي تستحضر آخر ما تتذكّره.
كان يومًا عاديًّا… إلا في أمر واحد.
كانت تعيش مع أخيها في كوخ وسط الغابة.
وكان أخوها يقول إنها هناك لأنّه ساحر عبقري.
كان يعتكف في مكتبته، يقرأ كتبًا عسيرة الفهم، يكتب، أو يجري تجارب. لم يكن أحد يفرض عليه عملًا، لكنه بدا دائم الانشغال، وكأن حياة الساحر العبقري لا تعرف الفراغ.
ومع ذلك، لم يُهمل أمرها يومًا.
ولا سيّما قراءة القصص لها قبل النوم، فقد كان طقسًا ثابتًا لا يتركه مهما كانت الظروف.
وكانت إيلي تحب تلك اللحظات، تنتظرها طوال اليوم.
«هيا يا إيلي، لِنستلقي.»
«الوقت لا يزال مبكراً هذه الليلة؟»
«نعم، اليوم نختم القصة، فلنبدأ مبكرين قليلًا.»
«نعم!»
ألصقت إيلي جسدها بأخيها وهو يسند ظهره إلى مسند السرير، فمسّد شعرها مرة، ثم فتح الكتاب السميك الموضوع بجانبه. كان الغلاف مبقّعًا، وأطراف الصفحات قد احترقت مواضع منها.
لم يكن يتأنّى في غيره من الكتب، لكن هذا… كان يقرؤه بتمهّل شديد، سطرًا فسطرًا. حتى طال زمنه.
وكان يقرأ لها كتبًا شتّى، منها ما كان يُبقي عينيها يقظتين حتى بعد فراغه منه، ومنها ما كان يغشيها النعاس قبل أن ينتهي من الصفحة الأولى.
وبين تلك الكتب، قصص عن أناس يدخلون إلى عوالم الكتب نفسها، وهو ما يُسمّى بلغة السحرة: الانغماس في الكتاب.
لذلك، كانت إيلي تعرف معنى أن «تُمتلك» داخل قصة.
«أريد أن أنغمس في كتاب أنا أيضًا! أريد أن أكون أميرة!»
ضحك أخوها ابتسامة باهتة، وأومأ إيماءة خفيفة.
«نعم… سيأتي يومك.»
لكنها لم تتخيّل أن ذلك اليوم سيأتي حقًّا…
آنذاك، كانت تردد ببراءة: «واو! متى سأصير أميرة؟»
قلّب أخوها الصفحات الملطّخة حتى بلغ آخر ما قرأه.
«ها نحن نقترب من الخاتمة.»
«نعم!»
طالما ظنّت أن تلك القصة لن تنتهي، لكنها ها هي تقترب من آخرها.
وردّدت بفرح، وقد شعرت بالفخر.
لكن أخاها نظر إليها بنظرة حزينة، وسألها سؤاله المعتاد:
«أتحبين أن أذكّرك بما قرأناه أمس؟»
كانت حكاية الملكة تحكي عن الأميرة إيليا التي اعتلت عرش المملكة وهي في السابعة.
وكان اسمها يقارب اسم إيلي، فرق حرف واحد، فشعرت بالقرب منها.
أحبّت المشهد الذي ترتدي فيه الأميرة الثياب الفاخرة وتنهال عليها المدائح، حتى أنها حلمت به تلك الليلة.
لكن القصة ما لبثت أن اتخذت منحى مأساويًا…
«مات أبواها الملك والملكة في حادث، فآلت المملكة إليها وهي طفلة. وكان من حولها يتظاهرون بالإخلاص وهم في باطنهم أهل مكر وخيانة!»
«صحيح.»
«وكانت الأميرة تصدّقهم وتلهو كل يوم، حتى فسدت أحوالها وصارت ملكة جائرة، فنُفيت، وتجرّعت الشدائد.»
كانت إيلي تحفظ القصة في قلبها.
«هذا صحيح.»
ربّت على رأسها إعجابًا بذاكرتها.
وبعد أن لخّصت القصة، سأَلها سؤاله المعتاد:
«فما الذي كان ينبغي على الأميرة إيليا أن تفعله؟»
«أن تجتهد كالأميرة إيلي!»
«صحيح.»
«وأن تُصغي إلى الآخرين!»
«نعم.»
«وأن تحاول فعل الأمور بنفسها!»
«هذا صحيح.»
أومأ راضيًا، ومنحها «درجة النجاح».
«وما الذي ستفعلينه أنتِ لو صرتِ الأميرة إيليا؟»
«سأدرس كثيرًا! وأحيط نفسي بالصالحين! وأكون ملكة عظيمة تفعل الخير لرعيتها!»
«أحسنتِ. إيلي عبقرية، ويمكنها أن تبلُغ ذلك ولو من دون أخيها، أليس كذلك؟»
«هاه؟»
اتّسعت عيناها، إذ لم تعتد أن تسمع مثل هذا السؤال منه.
كان كثيرًا ما يطرح أسئلة «ماذا لو» على سبيل اللعب، لكن هذه المرة… رسم صورةً لعالم لا وجود له فيه.
«لكن… أنا أكره أن لا أكون معك…»
مجرد التفكير في غيابه أحزنها.
فاحتضنها أخوها، وهي تطرق رأسها.
«لكن… إن حدث ذلك فعلًا؟»
«سأبحث عنك.»
«…ماذا؟»
كانت تلك أول مرة ترى فيها الدهشة في وجهه بهذا القدر.
وراحت تحدّق فيه مذهولة.
«لماذا…؟ لأني أريد أن أبقى معك، ولا أريد الفراق.»
كان أخوها هو كل حياتها.
ولمن لا تعرف والديها ولا موطنها، كان أخوها هو الأب والأم والأخ والأخت.
لم ترد أن تتخيّل حياة بدونه… بل لم تستطع.
حدّق إليها طويلًا، ثم ابتسم ابتسامة واهية.
«وأنا كذلك.»
لم تعرف إيلي بم ترد، فضحكت معه.
«لكن لا تضيّعي وقتك في البحث عني، بل عيشي حياتك هناك.»
«ولمَ ذلك؟»
«لأنني… إن حدث الأمر… فسأكون أنا من يبحث عنك.»
حينها ظنّت أنها مجرّد عبارة حنونة…
لكنها الآن تدرك… أنه كان إنذارًا.
لقد كان يعلم… أن إيلي ستغدو الأميرة إيليا داخل الكتاب.
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
قناتي على التيليجرام
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"