أدرك لوغان عندها فقط قليلًا مما كان آشر يحاول قوله له من قبل.
لم يكن ذلك لأن إليانور بدت له كقدر محتوم.
بل لأن الضوء الذي انسكب فوق رأسها في تلك اللحظة، وابتسامتها الخفيفة المعلقة بشكل خجول، جعلا المشهد يبدو كأنه جزء من لوحة فنية.
فكم من السهل أن يخطئ المرء فيظن أن صورةً تنغرس في قلبه في لحظةٍ واحدة هي الحب بعينه.
: “تجيدين التعامل مع أوليفيا.”
“كان لي أخت صغيرة.”
كانت أوليفيا لا تزال تركّز كل انتباهها على الملعقة التي تمسك بها، وكأن مهمتها الكبرى هي أن تتناول طعامها دون أن تُسقط قطرة واحدة من الحساء.
تمتمت إلينور
“ربما كان بإمكانها أن تكون صديقة جيدة لأوليفيا.”
لم يجد لوغان صعوبة في تخمين ما الذي حدث لأخت إلينور.
ولعله لهذا السبب لم تكن تشعر بأي نفور من أوليفيا، بل تقترب منها بهذه السهولة.
“أفهم.”
وكانت نظرتها نحو أوليفيا، المليئة بالحنان والمشوبة بشيء من الحزن، نابعةً من فقدانٍ عاشته إليانور.
وقد فهم لوغان ذلك، ولم يشأ أن يسأل المزيد.
“ألن تسألني أكثر؟”
سألت باستغراب، وكأنها استهجنت بروده في التعامل مع ما كان بالنسبة لها اعترافًا مؤلمًا.
ظنت أنه سيسألها عن أختها، وعن كيفية التعامل مع أوليفيا، وإن كانت أوليفيا قد تتغير، وغير ذلك من الأسئلة التي قد تنهمر عادةً في مثل هذه المواقف.
“أنتِ موظفة عندي، وأنا رب العمل، هذا كل ما في الأمر.”
“……”
“مجرد كونكِ تتقاضين أجرًا مني لا يعني أنكِ مضطرة للكشف عن حياتك الخاصة هذا ليس من صلب عملك.”
قطع لوغان الحديث بجفاء، رافضًا الخوض في حياتها الخاصة، لكنه لم يكن بذلك الجهل ليفوته أن ذلك الرفض كان في حقيقته نوعًا من مراعاة مشاعرها.
برغم وجهه الخالي من أي انفعال، كما لو أن قنبلةً سقطت أمامه لما رمش له جفن، إلا أن تصرفه كان ينم عن لطف خفي.
في الحقيقة، كان رجلًا أكثر رقة مما يبدو، ويكفي النظر إلى الطريقة التي يعامل بها أوليفيا، والتي قد يراها الآخرون مجرد فتاة ناقصة عقل.
“……شكرًا لك.”
أجاب لوغان، وهو يبتلع جرعة من النبيذ حادّ الطعم بنبرة عادية “لا داعي لأن تشعري بالامتنان.”
كان عشاءً هادئًا كعادته، ولوغان رأى أنه لم يختلف عن غيره من الأيام.
***
نزل آشر من العربة، وتفحّص مظهره المنعكس في نافذة السيارة مرة أخرى لقد أصبحت عادة جديدة له منذ أن بدأ يتردد على دوقية كلافن.
“لقد وصلت، سيدي.”
وإن كان قد مضى ما يقارب العشرين عامًا منذ بدأ آشر في زيارة دوقية كلافن، فإن الأمر بدا مثيرًا للسخرية بعض الشيء.
وربما لهذا السبب كان الخادم جورج يرسم على وجهه ابتسامة خفيفة كلما رآه مؤخرًا.
“وأين لوغان؟”
“إنه في انتظارك، سيدي.”
لكن جورج، حتى وهو يبتسم، لم يكن من أولئك الذين ينسون واجبهم.
فبمجرد أن أخبر آشر أن لوغان بانتظاره، بدأ يرشده إلى مكتبه المعتاد فيه.
“يبدو أن أوليفيا هادئة هذه الأيام.”
قالها آشر بصوت خافت وهو يعبر الباب الرئيسي ففي العادة، كان يُتوقّع أن يُسمع في هذا الوقت صوت شيء يتحطم أو صرخة ما، لكن الجو كان ساكنًا.
لم يفُت جورج ذلك التعليق، فهزّ رأسه تأييدًا.
“ربما لأنها في درسها الآن، فهي تحب معلمتها الجديدة كثيرًا.”
وفعلًا، كان من المعروف داخل دوقية كلافن أن أوليفيا تعلّقت بإليانور بشدة منذ قدومها.
لم تعد تفارقها، وبذلت جهدًا حقيقيًا للتركيز في ما تطلبه منها.
“لقد أصبح جو القصر أكثر لطفًا.”
“لا شك أن السيدة الدوقة تشعر بسعادة أيضًا.”
أجاب جورج بابتسامة، مؤكّدًا ما افترضه آشر.
إذ أصبح على أوليفيا إتمام واجباتها، ولم تعد تجوب القصر كأحد الأشباح الصغيرة التي تعبث بكل شيء، ما جعل سيندي تشعر براحة أكبر، وبالتالي توقفت عن صب غضبها على الخدم.
فانعكس ذلك على أجواء القصر ككل.
“سيدي الدوق، السيد آشر من بيت إيرل فيتسمان قد وصل.”
“دعه يدخل.”
دخل آشر إلى مكتب لوغان كان المكتب فسيحًا، لا يحتوي إلا على رفوف كتب وأريكة ومكتب، دون أي زينة أو إضافات.
“هل حصلت على الإذن؟”
كان ذلك بسبب طبع لوغان المنظّم والدقيق.
وحتى عندما وجه سؤاله إلى آشر، لم يكن أكثر من لمحة سريعة وكلمة مقتضبة أزاح آشر قبعته وجلس على الأريكة، ظنًّا منه أنه يجلس بارتياح نسبي، لكن طباعه جعلته يجلس باستقامة تامة، كما لو أنه ما زال في حضرة رسمية.
“ليس بعد.”
“وما السبب؟”
توقّف لوغان عن توقيعه، إذ لم يكن يتوقع هذا الرد.
“الملك يرفض منح الإذن.”
تنهد لوغان بصوت منخفض.
لم يكن خافيًا عليه أن الملك يحسد ويخشى دوقية كلافن ومقاطعة سَاذَرن لكن أن يرفض بهذه الصراحة؟ كان ذلك مقلقًا.
“رغم أني شرحت له المكاسب الاقتصادية والفوائد المتوقعة، لم يُجدِ ذلك نفعًا.”
كانت سَاذَرن مركز مشروع السكك الحديدية الغربية، وتقع قرب العاصمة، ما يجعل المرور بها إلزاميًا لمن يتنقل من الغرب إلى العاصمة أو العكس.
وعندما أعلن لوغان خطته لربط الغرب بالجنوب الشرقي عبر سكة حديد، بدأ الملك بوضع العراقيل.
السبب كان بسيطًا: الملك لم يكن يطيق رؤية سَاذَرن تستفيد اقتصاديًا أو تكسب شهرة تفوق شهرة العائلة المالكة.
وربما لو كان لوغان أقل صرامة، لكان سهّل الأمور ببعض المجاملات أو الرشاوى، لكن لوغان لم يكن من ذلك النوع.
تخرّج من الأكاديمية العسكرية في سن مبكرة، وتسلّم رتبة مقدم، وكان معروفًا بتمسّكه الصارم بالمبادئ.
لذلك، لم يكن من النوع الذي ينحني لأحد، خاصةً دون سبب وجيه وكلما ازداد الضغط عليه، ازداد إصرارًا وعنادًا.
“يبدو أنه غاضب لأن هناك حديثًا عن زواج من بيت ماركيز بيرسيس.”
من وجهة نظر الملك، فوائد المشروع من حيث نقل البضائع أو الدعم اللوجستي في حال الحرب لا تعني شيئًا بل كان الأمر كله يتمحور حول شعور بالتهديد.
فانضمام بيت بيرسيس، الذي يسيطر على مزارع الجنوب الخصبة، إلى هذا المشروع أزعج الملك أكثر.
بدا وكأن العائلة المالكة تتصرف بدافع الغيرة أكثر من أي شيء آخر وهذا السلوك، رغم ضيقه، لم يكن غريبًا عمّن في مراكز السلطة.
“من الأفضل تأجيل الحديث عن الزواج في الوقت الحالي يبدو أنه يصب الزيت على النار.”
كان ذلك رأي آشر.
ورغم أن النظام الملكي لم يعد يملك السلطة المطلقة، إلا أن العديد من القوى السياسية ما زالت تدين له بالولاء.
حتى الشعب، الذي أصبح الآن مواطنًا، لم يتخلص بعد من عادة الانحناء للملك فالعادات القديمة يصعب التخلص منها.
“أو يمكنك فقط أن تقدّم له رشوة، ببساطة.”
قطب لوغان جبينه عند هذا الاقتراح لكن آشر، الذي توقّع رد الفعل هذا، لم يُعره اهتمامًا.
“لو كنت جئت فقط لتخبرني أنك لم تحصل على الإذن، فكان بإمكانك توفير عناء المجيء.”
وهو ما كان يعني: إن لم يكن لديك جديد، يمكنك أن تنصرف.
“في الحقيقة، زيارتي لها أكثر من غرض.”
رفع لوغان حاجبًا بدا وكأنه أدرك فجأة أن آشر صار يتردد على القصر مؤخرًا أكثر من اللازم، بحجج متعددة.
“هل أنت تلاحق الآنسة هَدسون؟”
“لا ألاحقها، فقط أُظهر نفسي، حتى تعتاد على وجودي.”
ضحك آشر ببراءة، كأنه لا يرى في الأمر حرجًا.
“وهل الاعتياد يؤدي إلى الحب؟”
“مع الوقت، يقل النفور، أليس كذلك؟”
سؤال بلا معنى، وجواب لا حاجة له فالشخص المعني لم يكن موجودًا لتقول رأيه.
“اذهب إذًا اذهب لرؤية آنسة هدسون التي تعجبك.”
تنهد لوغان مجددًا كان مشغول البال، ولم يكن لديه وقت أو طاقة للتفكير في قصة حب آشر غير المكتملة.
“هذا ما كنت سأفعله على أي حال.”
نهض آشر من مكانه، وأخذ يرتّب سترته بأناقة وكأنه طاووس يستعرض ريشه.
أما لوغان، فكان يرى أن الوقوع في الحب، إن كان يبدو بهذا الشكل السخيف، فالأفضل له أن يظل بعيدًا عنه.
لكن آشر، الذي لم يكن يعرف ما يدور في ذهن لوغان، خرج من المكتب في أبهى حلّة، ثم أوقف إحدى الخادمات المارّة وسألها:
“أود رؤية أوليفيا قبل المغادرة هل لا تزال في درسها؟”
ترددت الخادمة في الرد.
فقد كانت مسؤولة عن التنظيف، ولم تكن تتابع تحركات الآنسة أوليفيا بدقة.
“سأصعد لأرى ما إذا كانت في غرفتها.”
“لا حاجة، سأذهب بنفسي.”
وقف أشر على الدرج ليمنع الخادمة التي كانت تتحرك بتردد من الاستمرار على أي حال، إذا كانت أوليفيا وحدها، فيكفي أن يحييها قبل أن يمضي، وإذا كانت مع إليانور، فيمكنه التظاهر بأن اللقاء كان مصادفة.
“حسنًا، كم كان هذا؟”
كان الممر هادئًا جدًا، حتى أن صوت إليانور الناعم وصل عبر الباب الخشبي.
اثنان!”
جاء صوت أوليفيا بوضوح، ربما لأنها كانت تعرف الأرقام جيدًا.
“وماذا عن هذا الشكل؟”
“أربعة؟”
كانت أوليفيا تجد صعوبة في فهم مفهوم الأعداد وإذا لم تفهم، كانت سيندي تصفع كفّها على الفور، لذا لم تجرؤ على التعلم لكن طريقة إليانور في الشرح بدت مناسبة لها، فكانت تتابع جيدًا.
“ماذا لو وضعت الأزرار هكذا؟ اثنان زائد اثنان.”
همهمة مترددة ترددت في الأجواء، وكأنها صوت تفكير عميق.
نسي آشر تمامًا أنه كان ينوي أن يتظاهر بلقاء عابر ليحيي إليانور، وكل ما فعله هو انتظار إجابة أوليفيا بقلب متلهف.
فقد كانت أوليفيا، بالنسبة لآشر، الأخت الصغيرة العزيزة التي راقبها تكبر منذ ولادتها.
“أربعة!”
“أحسنتِ!”
صفقت إليانور بحرارة، سعيدة كأن النجاح كان لها، فقفزت أوليفيا فرحًا.
“أوليفيا أصابت! سأخبر لوغان!”
ثم فتحت الباب فجأة.
كان آشر يهم بتحية أوليفيا بلطف، لكنه تجمّد في مكانه، فاغرًا فاه، حين وقع بصره على إليانور التي ظهرت خلف الباب المفتوح.
توقفت إليانور أيضًا عن الحركة، غير قادرة حتى على رمش عينيها من شدة الدهشة.
“آشر؟”
تلك المهرَة الصغيرة، التي بدت وكأن النار أمسكت بمؤخرتها لشدة حماسها للذهاب إلى لوغان، أمالت رأسها باستغراب حين رأت الزائر غير المتوقع واقفًا أمام بابها، ونادت باسمه.
أما آشر، الذي خطف نظره صدر إليانور العاري الذي بان بوضوح فوق ملابسها الداخلية البيضاء، فلم يستطع أن ينطق بكلمة.
“آه…”
…صدر؟
سرعان ما أدرك آشر الواقع، واحمرّ وجهه كما لو كان شعلة من نار.
أما إليانور، فلم تستطع حتى أن تصرخ، فاكتفت بأن تدير جسدها وتحاول إعادة ترتيب بلوزتها التي كانت مفتوحة جزئيًا لتغطي جسدها وتستعيد مظهرها الطبيعي
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
The Time When Love Intersects
تحتوي القصة على موضوعات حساسة أو مشاهد عنيفة قد لا تكون مناسبة للقراء الصغار جدا وبالتالي يتم حظرها لحمايتهم.
هل عمرك أكبر من 15 سنة
التعليقات لهذا الفصل " 7"