لم تلتقِ إليانور بأوليفيا، التي ستتولى تعليمها، رسميًا إلا بعد ظهر اليوم التالي بكثير، إذ أن سيندي كانت قد استدعتها في ذلك الوقت بالذات.
“سررت بلقائكِ، آنسة هدسون.”
“يمكنك مناداتي بإليانور ببساطة، يا سيدة كْلافِن .”
مالت سيندي برأسها قليلًا وابتسمت ابتسامة رقيقة كانت الزينة على شكل فراشة المعلقة في شعرها ترتجف برقة مع حركتها.
“يبدو أنك قضيت بعض الوقت مع لوغان البارحة.”
“نعم، التقيته صدفة أثناء نزهة.”
“وقد سمعتِ عن أوليفيا أيضاً.”
عندما تمتمت بذلك، لم تجب إليانور بشيء سوى الابتسام بصمت لم تؤكد ولم تنفِ، لكن سيندي بدت راضية عن هذا الرد.
“يبدو أن عائلة بيلوود اختارت الشخص المناسب.”
كانت الشروط التي وضعتها لاختيار معلمة لأوليفيا تتمثل في قدرتها على تهذيب تصرفاتها، وصمتها الثقيل.
ورغم أن توصية جاءت من عائلة بيلوود، فإن سبب اختيارها لإليانور التي تنتمي إلى أصل متواضع، كان لأنها تناسب هذه المواصفات.
شابة من عائلة نبيلة متعلمة تعليماً مناسباً، لكنها بحاجة للمال، ومن النوع الذي لا يفشي الأسرار بسهولة تلك كانت إليانور.
“لا أطلب من إليانور الكثير فالحقيقة أن أوليفيا…”
ما إن ذكرت سيندي اسم أوليفيا حتى قطبت حاجبيها بامتعاض من الواضح أنها لم تكن أماً محبة لابنتها.
“أريد فقط أن تبدو كإنسانة على الأقل، إلى أن تبلغ السادسة عشرة وتتزوج وتغادر هذا القصر علميها الأساسيات، من الأخلاق العامة إلى آداب المجتمع الراقي.”
“…”
“لا بأس بالعقاب الجسدي لقد سئمت من هروبها المتكرر، وصراخها، وتصرفاتها الجنونية، وملابسها الملطخة بالتراب.”
هزّت سيندي رأسها وهي تنقر لسانها من الضيقركانت نبرتها تنم عن اشمئزاز من ابنتها ذات الثماني سنوات لم يظهر على وجهها أي ملامح للأمومة التي تعرفها إليانور.
“سأبذل قصارى جهدي.”
“أنا أثق في اختيار عائلة بيلوود.”
شجعتها سيندي بابتسامة مصطنعة.
“أين أوليفيا الآن؟”
“الآنسة ترتاح في غرفتها.”
“خذي إليانور لتلتقي بأوليفيا وإن تصرفت تلك الفتاة بغطرسة، فلا تترددي في ضربها على مؤخرتها.”
أمرت سيندي الخادمة لم تستطع إليانور إظهار أي رد فعل، فنهضت من مقعدها وتبعت الخادمة.
رغم كره سيندي الشديد للطفلة، كانت غرفة أوليفيا في مكان جيد ضمن القصر، ربما بفضل حماية لوغان لها.
“آنسة أوليفيا، معلمتكِ الجديدة وصلت.”
طرقت الخادمة الباب مرتين ثم فتحته فجأة لم يصدر أي صوت من داخل الغرفة رغم ذلك نظرت إليانور إليها بدهشة، ثم أخذت تتفقد الغرفة التي بدت خالية.
“يا إلهي، هل خرجت مجددًا؟”
تمتمت الخادمة، وقد شحب وجهها من القلق.
“سأذهب للبحث عنها.”
تمتمت بكلمات ضجر، كأنما اعتادت هذه التصرفات ثم أسرعت تهرول على الدرج، قبل أن تتمكن إليانور من إيقافها
كذلك بدأت إليانور بتفقد أنحاء القصر، باحثة عن أوليفيا.
“يا آنسة!”
ك”آنسة أوليفيا!”
كان جميع الخدم منشغلين بالبحث عن أوليفيا يبدو أنها كانت معتادة على الاختباء بين الأعشاب.
“أوليفيا، هل أنتِ هنا؟”
نادتها إلينور بصوت خافت وهي تتجول في أنحاء الحديقة المحيطة بالقصر فجأة، سمعت ضحكة خفيفة من مكان ما، تلاها سقوط شيء أبيض يشبه شبكة فوق رأسها كان شرشفًا أبيضًا واسعًا، حاصر إليانور فجأة رمشت بدهشة، محاطة بالقماش.
“أوليف، هل لعبتِ مزحة أخرى؟”
جاء صوت رجل غريب اتسعت عينا إليانور عندما سمعته لم يكن صوته قاسيًا كالوغان، بل كان فيه نبرة مرحة وضحكة عفوية لا بد أن أوليفيا هي من فعلت ذلك.
ما إن استوعبت الموقف، حتى هدأت دهشتها بسرعة وبينما كانت تهم بإزاحة الشرشف، ارتفع الشرشف فجأة بصوت خفيف.
“آه…؟”
أول ما وقعت عليه عيناها كان لون بنفسجي غير مألوف لكن الوجه الذي ظهر أمام خلفية الحديقة الخضراء لم يكن غريبًا عليها للحظة، بدا الوقت وكأنه توقف حدّقت إليانور فيه، وقد نسيت حتى أن ترمش.
“نلتقي مجددًا.”
قال آشر ، مبتسمًا ببريق في عينيه البنفسجيتين الدافئتين.
“إذاً هذا هو مكان عملك؟ قصر دوقية كْلافِن ؟”
“…نعم.”
بينما كان يبعد عنها الشرشف، داعب شعرها بلطف ارتجفت إليانور بحدّة من تلك اللمسة الخفيفة.
“لم أتوقع أن أجدك بهذه السهولة كنت بانتظار فرصة لأحادثك مجددًا منذ نزلتِ من القطار، لكنك اختفيتِ بسرعة.”
تنهد بأسف خفيف.
“كنت تبحث عني؟ لكن لماذا…؟”
لم يكن بينهما أي رابط سوى حديث عابر وبينما كانت إليانور تحاول تذكر إن كانت قد أساءت له بشيء، قال
“لم أرد أن أبدو فظًا وأسألك عن اسمك منذ لقائنا الأول.”
لم يكن هناك سبب حقيقي لمعرفة اسمها، لكن الآن فهمت إليانور ما يريده آشر.
لم تكن خبيرة في الحب أو العلاقات، لكنها فهمت من تصرفاته أنه يكن لها إعجابًا واضحًا.
“أنا إليانور هدسون وسأعمل كمعلمة لأوليفيا كْلافِن .”
كانت تعلم أن انشغالها بكسب رزقها سيجعل آشر يبتعد لاحقًا، لكنها لم تجد مانعًا في إخباره باسمها.
“إليانور… اسم جميل ويليق بكِ.”
قالها وهو يبتسم بلطف بادلت إليانور ابتسامته بابتسامة محرجة بدافع المجاملة.
“أوليفيا كْلافِن !”
في تلك اللحظة، دوّى من خلف النافذة صراخٌ حادّ، كان صوت سيندي المفعم بالغضب.
فارتاعت أوليفيا لرؤية والدتها الغاضبة وأطلقت صرخة فزع.
أما إليانور، فقد نسيت أنها كانت تتحدّث مع أشر، وأسرعت تركض إلى داخل القصر.
فمجرّد سماعها لصوت سيندي جعلها تدرك أن أوليفيا لن تسلم من غضبها.
“هل يصعب عليكِ كثيراً أن تبقي ساكنة في غرفتكِ؟”
“هَه… أواه…”
استمر الصوت يتسرّب من جهة غرفة أوليفيا وعندما وصلت إليانور إلى هناك، وجدت سيندي توبّخ ابنتها بحدّة
“من أين التقطتِ هذا الغبار ثانية؟ هل أنتِ متسوّلة؟ ما هذا المظهر المزري؟!”
ارتجف جسد أوليفيا الصغير بلا حول ولا قوّة تحت قبضة أمها التي أمسكت كتفيها بقسوة، ولم تستطع احتمال غضبها العارم، حتى ابتلّ أسفل ثوب نومها.
“أيتها الحمقاء…”
تبولت أوليفيا من شدّة الخوف، فازداد غضب سيندي اشتعالاً وما إن همّت برفع يدها لتصفع ابنتها على وجهها، حتى اندفعت إليانور مسرعة إلى الداخل.
(أنتِ ولدتِ فقط كي تفضحيني، أيتها الفتاة!)
لم تكن ترغب أن ترى مشهداً شبيهاً بما عاشته هي، طفلةً ترتعد لمجرّد رؤية ظلّ أبيها وتنهال عليها الضربات.
“سيدة كْلافِن !”
توقّفت سيندي عند سماع صوت إليانور، وكأنها أفاقت فجأة لو كان من حولها مجرّد الخدم، لصفعت ابنتها في الحال، لكن أمام إليانور، التي تراها لأول مرة اليوم، لم يكن بوسعها أن تكشف عن هذا الوجه القبيح.
“اهدئي، من فضلكِ.”
عضّت سيندي على شفتها السفلى وشدّت يدها المكورة.
“لقد تصرّفتُ تصرّفاً مشيناً.”
“يبدو أن الآنسة أوليفيا قد ارتاعت كثيراً هذا مشهد لا يليق أن يراه ضيف كريم، لذا سأهتمّ بالأمر.”
قالت إليانور وهي تحتضن كتف أوليفيا، فيما سيندي ما زالت تحدّق بابنتها بعينين يملؤهما الاحتقار.
“سيدة كْلافِن .”
“آه، السير أشر.”
لكن سرعان ما غيّرت ملامحها حين سمعت صوته خلفها، فاستقبلته بابتسامة، كأنها لم تكن قبل لحظة توبّخ أوليفيا وتصرخ في وجهها بدا وجهها على هيئته المألوفة في الصالونات.
“ما الذي جرى لأوليفيا؟”
“لقد عبثت قليلاً، فاضطررت لتأديبها إنها ما تزال ضعيفة ولم تتعلم الجرأة بعد.”
بدت كلماتها كاذبة بالمقارنة مع الشتائم التي انهالت بها على ابنتها قبل لحظات.
تحدثت سيندي بنبرة هادئة، وكأن ما حدث لم يكن سوى عتاب عابر، بينما كانت الطفلة قد ارتعبت بنفسها من تلقاء ذاتها.
أما إليانور، فكانت منشغلة بمسح ساقي أوليفيا المبتلّتين والأرض حولها بقطعة قماش جافة جلبتها إحدى الخادمات، مكتفية بالاستماع إلى حديثهما بشكل عابر.
“أتمنى أن تتعلّم الكثير من المعلّمة الجديدة لكن ما سبب زيارتك اليوم؟”
“أردت التحدث مع لوغان بشأن ما جرى في دوڤ.”
“لوغان لم يعد بعد هل تودّ أن تنتظر وتتناول معي الشاي ريثما يصل؟”
قالت سيندي بلطف مصطنع.
“إن كان لي أن أنال كرم ضيافتك، فهذا يسعدني.”
فلم يرفض أشر اقتراحها، بل قبله برحابة صدر كان رجلاً لبقاً.
“إذن أترك أمر أوليفيا بين يديكِ، يا إليانور.”
“اطمئني، سيدتي كْلافِن .”
خرج صوت خطواتها وهي تغادر الغرفة، تاركة أثر حذائها المنزلي خلفها.
نظرت إليانور خلفها قبل أن تنزع ثوب النوم عن أوليفيا فمع أنها ما تزال في الثامنة من عمرها، لم يكن يليق أن تعرّضها للحرج أمام رجل بالغ يراقب المشهد.
“تزدادين جمالاً يوماً بعد يوم، سيدة كْلافِن .”
“ولا تزال بارعاً في الكلام، يا سير أشر.”
وحين خطت سيندي أولى درجات السلم الكبير، التفت أشر نحو الغرفة، والتقت عيناه بعيني إليانور، ثم غمز لها قبل أن يتبع سيندي نزولاً.
“هل ارتعبتِ كثيراً يا أوليفيا؟”
آنذاك فقط، أدركت إليانور السبب في أن أشر أظهر نفسه وقبل دعوة سيندي إلى الشاي.
لقد أراد أن يبعدها عن الطفلة، ليمنح أوليفيا فرصة لالتقاط أنفاسها بعيداً عن رعب والدتها فطالما أنه بجانبها، فلن تجرؤ على الانفجار مجدداً.
لم يكن قلبها مطمئناً كلياً، غير أنها أحسّت بشيء من السكينة تسلّل الضوء عبر النافذة، ممتداً على الدرج الذي غاب فيه أشر، وكأن الدفء الذي خلّفه لا يزال هناك.
“لا بأس، هيا لنغتسل قليلاً.”
وفي الطابق الأول، دوّى صوت جرس الاستدعاء الذي كانت سيندي تهزّه لاستدعاء الخدم، بصوت أشبه بالجرس الذي سمعتُه يوماً على الرصيف في المحطة ولم يكن بمقدور إليانور منع نفسها من استحضار وجه أشر مجدداً مع ذلك الصوت
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
The Time When Love Intersects
تحتوي القصة على موضوعات حساسة أو مشاهد عنيفة قد لا تكون مناسبة للقراء الصغار جدا وبالتالي يتم حظرها لحمايتهم.
هل عمرك أكبر من 15 سنة
التعليقات لهذا الفصل " 4"