كانَ إحساسًا غريبًا.
“…….”
بَدَت كأن كُل الضِّياء الباهر في هذا العالَم قد انصَبَّ على إليانور وحدَها.
كان مديحًا لا يمكن أن يقوله إلا أحمق، مديحًا لا يُعقل أغمضَ لوغان عينيه ثمّ فتحهما ساخرًا من نفسه كانت الحديقة المنسَّقة كما كانت من قبل، وكانت إليانور العاديّة كما كانت، هناك أمامه.
“هل قضيتِ ليلةً هادئة؟”
“نعم، بفضلك يا صاحبَ السعادة.”
سألَ لوغان بنبرةٍ عاديَّة أمّا إليانور، فكانت ملامحُها نقيَّةً خاليةً من كلِّ خوفٍ أو تَحفُّظٍ أبدتْهُ حينَ لقائهما الأوَّل.
“ومع ذلك، رأيتُكِ تمشين بصعوبة.”
كانت جملةً تنتهي بنقطةٍ، لكنّها انطوت على سؤالٍ: هل أُصِبتِ وأنتِ تبحثين عن أوليفيا في كلّ مكان؟
“آه…….”
رمشتْ إليانور بعينَيْها في ارتباك، وسرعانَ ما احمرَّ وجهُها بخجلٍ بدا عليها الحَرَج انتظرَ لوغان بصبرٍ جوابَها.
“إنْ لم تكوني على ما يُرام، فسأخبرُ أوليفيا اليومَ مسبقًا…….”
“آه، لا، لا داعي أنا بخير.”
أسرعتْ إليانور في رفضِ اقتراحِ لوغان، فظنَّ لوغان أنّه رفضٌ بدافعِ اللباقة، فرفعَ حاجبًا واحدًا.
“الآنسة هدسون.”
“إنّـ… إنّما هو صداعُ ما بعدِ الشُّرب!”
لم تَقوَ إليانور على الكذب، فنطقتِ الحقيقةَ بصراحة.
في الحديقةِ الساكنةِ التي خمدَتْ فيها أصواتُ الحشراتِ الطنينَ، لم يبقَ سوى النسيمِ يُداعبُ طرفَ تنورتِها ثمّ يمضي مبتعدًا.
“……أعتذر.”
قالها لوغان سريعًا احمرَّ وجهُ إليانور أكثرَ خجلًا، وانحنتْ تُخفيه.
وبينما استعادَ لوغان حديثهما الأخير، رفعَ يده في هدوءٍ ليُخفي فمَهُ، وعروقُها بارزةٌ بخفوت، كان كتفَيْه العريضَيْن تحت القميصِ قد ارتجفا من ضحكةٍ كتمها
“هل تصعدين قليلًا؟”
سألَ لوغان بصوتٍ لطيفٍ بعدَ مضيِّ برهةٍ من الوقت.
***
“لِنَذهَب إلى دوقية كْلاڤِن.”
قال أَشَر بهدوءٍ فيه شيءٌ من الحزم، وما زال يتذكّرُ وجهَ إليانور الشاحب حين عَلِمَتْ باختفاءِ أوليفيا المفاجئ في اليومِ السابق، يتراءى أمامَ عينيه كلَّما تذكَّرَ تلك اللحظة
لم يَغْفُ طَوالَ الليلِ قَلَقًا عليها؛ إذْ لم يَدْرِ أي لومٍ قد يكونُ لوغان وجّهَه إليها بل حتى لو لم يُوبِّخْها، فمجردُ حضوره وهيبَتِه كانا كفيلَيْن بإرعابِها فمَن ذا الذي لا ينكمشُ قلبُه حين يُطلِقُ لوغان نظراتِه الحادّةَ بوجهٍ خالٍ من التعبير؟
كانت تلك الفتاةُ الصغيرةُ، التي كادت تبكي وهي تبحثُ عن أوليفيا، قد تمالكتْ دموعَها فقط لئلّا تُفزع الطفلة حين وجدت وربّما ظنّتْ إليانور أنّ أَشَر لم يُلاحظْ شيئًا، لكنَّ كلَّ شيءٍ كان واضحًا لعينيه.
“هل يمكنك أن تسرع قليلًا؟”
عندَ طلب آشر ، أومأ السائقُ برأسِه وزاد السُّرعة.
وسرعان ما انزلقت السيارةُ بسلاسة عبرَ حديقةِ القصر، حتى توقّفت أمامَ الممر الطويل الذي تصطف على جانبيه أشجار الدُّلبِ الكثيفةُ في ذروةِ الصيف
“أراكَ كثيرًا هذه الأيام يا جورج.”
“الجوُّ جميل ولا ضير في ذلك.”
ضحكَ جورج ضحكةً خافتةً وهو يُرحِّبُ بضيفِه آشر.
كان في سِنّ والد لوغان تقريبًا، لذا رأى في زيارات أَشر المتكرِّرة دليلَ حماسة الشباب.
“هل أطلبُ أن يُحضِروا لك الشاي؟”
“يكفيني كأسُ ماءٍ فقط.”
أجاب لوغان بصوتٍ فاتر ، وكأنَّه لا يَرحب بالزيارة أمّا أَشَر، فظلَّ مبتسمًا رغمَ تجاهُل لوغان له كضيف.
“على أيِّ حال، وجودي هنا عابرٌ فحسب، أليس كذلك؟”
كان لوغان، سيّدُ هذا القصر، يعلمُ تمامًا أنّ دوره في هذه الزيارة مجرد واجهة فزيارةُ أَشَر، في الحقيقة، لم تكن لأجله، بل لأجل أحدِ الخدم. وبما أنّ ذلك لا يليقُ بمقامهم، فقد اضطرّ لوغان إلى تقبّل الأمر مكرهًا وكان أَشَر يعلمُ ذلك تمامًا.
“أتساءل عمّا كنتَ تنوي قولهَ أمس قبل أن تُخرِجني.”
سألَ أَشَر بهدوءٍ بعد أن خرجتِ الخادمةُ من المكتبةِ تاركةً كأسَ الماء كان ذلك هو السَّببَ الحقيقيَّ لقدومِه المُبكِّر.
“بما أنَّك جئتَ باكرًا إلى هذا الحدِّ، فلا بُدَّ أنّك قَلِقٌ جدًّا.”
كان صوت لوغان ينطوي على حدَّة خفيفة، لكنَّ أَشر لم ينكمشْ، بل ابتسم ببشاشة مألوفة.
“هل يُعقَلُ أنّ صاحبَ السعادةِ الدوقَ يُرهِبُ فتاةً رقيقةً مثلها؟”
كان يعلمُ أنّ لوغان النبيلَ لن يُهددَ إليانور، لكنَّ القلقَ ظلَّ يُساوره لعدمِ رؤيته بنفسِه ما جرى ربّما كان وجهُ لوغان الخالي من التعابيرِ، ونبرته الحاسمة، قد أَخافَا إليانور أكثر ممّا ظنَّ.
“كلُّ ما في الأمر أنّي لم أُرِدْك أن تَرى كيف أُوبخ أوليفيا، فطلبتُ منك الخروج ما عدا ذلك، لم أقلْ لآنسة هدسون شيئًا خاصًا م سوى خفضِ راتبِها.”
قالَ لوغان وهو يُخرِجُ سيجارًا من الدُّرج ويضعُه بين شفتيه وما إنْ اشتعلَ طرفُه حتّى تصاعدَ منه خيطٌ من الدخان.
” إن كنتَ قلقًا لهذه الدرجة، فلِمَ لمْ تذهبْ مباشرةً إلى الآنسة هدسون عند وصولِك؟”
تجهم أَشَر قليلًا؛ فهو لم يكن ممَّن يُحبون السجائرَ أو الخمر.
“لأنّها لن تقولَ شيئًا سوى أنّها بخير.”
“يبدو أنّ هذا العشقَ من طرفٍ واحدٍ لن يُثمرَ أبدًا.”
قال لوغان ببرودٍ، كأنّه يُلقي ملاحظةً عابرة، لكن نبرتَه حملتْ شيئًا من السخرية ارتجفتْ شفتا أَشَر وقد تلقّى تلك الضربةَ غيرَ المتوقَّعة.
“ما رأيُكَ أن تُساعِدَني قليلًا قبل أن تسخَرَ منّي؟”
“لا داعي لذلك.”
كان ردُّ لوغان باردًا، يُظهر قلّةَ اهتمامه الكامل بشؤون صديقِه العاطفية، فهو في الأصل معارضٌ لها ومع ذلك، أَشَر تنفّسَ بصوتٍ خافتٍ من أنفه، كعلامة على استياءٍ خفيف
“ساعدني فقط في أن أتناولَ الغداءَ معها اليوم.”
“يكفي أن أسمحَ لكَ بالدخولِ دونَ أن أصدَّكَ، فاشكُرْني على ذلك.”
حقًّا، ما الذي يُمكِنُ أن يرجوهُ من رجلٍ كالصَّخر مثل لوغان؟ تنفَّس أَشَر بعمق وهز رأسَه مستسلمًا.
“لديَّ أمنيةٌ واحدة.”
رفعَ لوغان حاجبَه مستغربًا دونَ أن يتكلم.
“أتمنّى أن تقع يومًا في حبٍّ مستحيلٍ، حبٍّ يلتهمك بكلِّ جوارحك، حينها ستدرك قليلًا ما أشعر به الآن.”
“……سخيف.”
نظرةٌ مشبعةٌ بالازدراءِ اخترقتْ صدرَ أَشَر.
“أعدُّوا الغداء وبلِّغوا أوليفيا والآنسة هدسون أنّنا سنتناولُه معًا.”
“نعم، يا صاحبَ السعادة.”
يبدو أنّ لوغان، على برودِه، قد فهمَ صدقَ مشاعرِ صديقه، لذا أمرَ الخدمَ بإعدادِ الغداءِ ودعا إليانور إليه أيضًا.
“كُلْ ثمَّ عُدْ من حيث أتيت.”
“وهل أملكُ خيارًا غير ذلك؟”
ابتسمَ أَشَر ابتسامةً شقيّةً كصبيٍّ صغير، لكنّها لم تدمْ طويلًا.
عندما جلسَ إلى المائدةِ المعدَّةِ للغداء، بدأ يتحرَّك كقطعةِ حديد صدئة تصدر صريرًا خفيفًا.
“اللورد أَشَر.”
بمجرّدِ أن نادتْه إليانور بابتسامةٍ لطيفة، حتى حين رمقَه لوغان بنظرةٍ مملوءةٍ بالاحتقار، لم يستطعْ التصرّفَ بطبيعيّة لا يعلم لِمَ، لكنَّ تلك المرأةَ تُحوِّله إلى أحمقٍ تمامًا، كأنّه لم يَرَ امرأةً من قبل.
“فكّرتُ أنّكما بذلتما جهدًا كبيرًا في البحثِ عن أوليفيا، لذا أعددتُ هذه المائدة تفضَّلا بالجلوسِ بارتياح.”
كان اتّزانُ لوغان يُلهمُ الإعجاب، أما أَشَر، فقد حاول أن يظهرَ بمظهرٍ جذّاب، لكنه خشي أن يبدو مبتذلًا أو ساذجًا
“أوليفيا، اجلسي في الجهةِ المقابلة للأطباق.”
سواءٌ كان ذلك حظًّا أم سوءَ حظّ، فقد كانت إليانور مشغولةً بتعليمِ أوليفيا آدابَ المائدة، فلم تُعِرْ أَشَرَ اهتمامًا يُذكَر شعرَ بخيبةٍ طفيفة، لكنّها منحته وقتًا ليفكّرَ في طريقةٍ مناسبةٍ ليُفاتِحَها بما في قلبه.
وبينما يُحرِّكُ الطعامَ بلا وعي، تذكّرَ الحديثَ الذي دارَ بينه وبين والدتِه في الصباح.
“إلى أينَ أنتَ ذاهبٌ منذُ الصباح؟”
توقّفَ أَشَر عن تعديلِ ثيابِه عند سماعِ صوتِ أمِّه، السيدةِ جين فيتسمان.
“أنوي زيارةَ دوقية كلافن .”
“أصبحت تذهبُ هناك كلَّ يومٍ تقريبًا ولكن، هل تحتاجُ إلى كلِّ هذا التأنُّقِ لمجرّدِ زيارةٍ هناك؟”
بدتِ السيدةُ جين محبَطةً، إذْ ظنّت أنَّ ابنَها ذاهبٌ لمغامرةٍ عاطفيّة فإخوته جميعًا قد تزوّجوا، وأمّا هو فلم يجدْ بعدُ خطيبةً مناسبة.
“أَمَا يزالُ دوقُ كلافن رافضًا فكرةَ الزواج؟”
رفعَ أَشَر كتفيه وكأنّه يقول: وكيف لي أن أعرفَ ما في نفسِه؟
“حتّى مفاوضاتُ الزواجِ مع أسرةِ الماركيز بيرسِس أفسدها الملكُ بنفسِه، فمن يدري؟”
أومأتْ جين موافقةً، فالجميعُ يعلمُ أنّ الملكَ كان يُراقبُ لوغان عن كثبٍ ويُحاولُ تقييدَ نفوذِه.
“ومع ذلك، ألا تظن أن الأمور ستتحسن قليلًا بعد زواج الأميرة دافني؟ على الأقل لن يكون هناك احتمال أن نصبح قريبين للعائلة المالكة بعد الآن.”
“الأميرة دافني ستتزوج؟”
“وصلتنا دعوة هذا الصباح، ويبدو أن الأمر صحيح.”
هزَّ آشر رأسه وهو يستحضر وجه الأميرة دافني حين جاءت بكل جرأة إلى الأكاديمية العسكرية، وطلبت أمام الجميع أن يتزوجها كان ذلك اليوم الوحيد الذي لم يستطع فيه لوغان أن يخفي اضطرابه، هو الذي نادرًا ما يظهر على وجهه أية تعابير سوى الازدراء أو الضجر.
“سيكون الوضع أريح قليلًا بالفعل.”
لقد رفض لوغان عرض زواجها، ومنذ ذلك الحين استخدم الملك قلب ابنته الجريح وسيلة للانتقام منه، فأصبح يضايقه بأساليب دنيئة لم يكن أحد يعرف السبب، لكن عقدة الملك تجاه لوغان كانت أعمق مما يتخيله أيٌّ كان.
“دع عنك دوق كلافن الآن، واهتم بأمر زواجك أنت.”
“ولم القلق؟ ما زلت في ريعان الشباب!”
ردّ آشر بخفة ظل، فابتسمت جين ابتسامة صغيرة، وكأنها استسلمت أمامه.
“أريد أن أرى أحفادي يا آشر.”
“لكن لديك خمسة أحفاد بالفعل!”
“أعني أحفادك أنت، أبنائك أنت.”
نظر آشر إلى عينيها البنفسجيتين اللتين كانت ترمقه بنظرة عتاب لطيفة، وابتسم ابتسامة خفيفة.
“أنا لا أطلب شروطًا عظيمة في زوجتك، أليس كذلك؟ كلُّ ما أريده هو أن تأتي بفتاةٍ في مثل سنِّك، سليمةِ الجسد، تعيشان معًا بسعادةٍ وتنجبان أطفالًا فحسب…”
“وأنا أيضًا أودُّ أن أُخبرك بخبرٍ سارٍّ، لكن…”
اتَّسعت عينا جين دهشةً
“آشر، أنت؟!”
لقد لاحظتْ في ملامح ابنها أمرًا غريبًا؛ فبدلًا من أن يجيبها كعادته بأنه يريد أن يعيش حرًّا لبعض الوقت، بدا عليه شيءٌ من التردّد والاضطراب.
“إنها مشاعر من طرفٍ واحدٍ فقط… أنا أحبُّها وحدي.”
فصاحت جين وهي تضربه بخفّةٍ على ظهره
“لك جسدٌ سليم وسيمٌ، فماذا كنتَ تفعل طوال هذا الوقت!”
ولم تكن ضربتُها مؤلمةً، إذ لم تعتد القسوة في حياتها.
«”لا، هذا لا يجوز ستذهب إلى زفاف الأميرة دافني هذه المرّة!”
” ماذا؟! “
عندما رأت جِينُ وجه ابنها المندهش، اتخذت تعبيرًا حاسمًا
“ستذهب لتُمثل أسره كونت فيتسمُان، وادعُ تلك الفتاة لترافقك هناك بصفتها شريكتك!”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
The Time When Love Intersects
تحتوي القصة على موضوعات حساسة أو مشاهد عنيفة قد لا تكون مناسبة للقراء الصغار جدا وبالتالي يتم حظرها لحمايتهم.
هل عمرك أكبر من 15 سنة
التعليقات لهذا الفصل " 14"