8
بعد أن اجتاز ونستون الممر الطويل داخل قصر دوق ميرسيدس، توقفت قدماه أمام غرفةٍ يُغلق بابها دائمًا مع حلول الليل، كأن أسرار الليل كلّها حُبست في داخلها.
تأمل هيئته للحظة، رتّب ملابسه بعناية، ثم طرق الباب بوقار.
“سيدي… أنا ونستون.”
لم يأت الرد مباشرة، بل ترك الصمت يخيّم كستارٍ ثقيل، حتى انشق أخيرًا بصوتٍ منخفض عميق، يليق بالليل وسكونه:
“ادخل.”
فتح ونستون الباب بهدوء، وكأنّه يخطو إلى عالَمٍ آخر.
غمرت الغرفة أشعة القمر، حتى بدت كأنها بُنيت لتكون عرشًا للليل نفسه. وأكثر الغرف انغماسًا في نور القمر داخل القصر، بلا جدال، كانت غرفة ربّ البيت.
الليلة كان القمر أكثر بهاءً، فقد غسل المطر وجه السماء من غبارها، فأصبح نوره يفيض كبلّور مصقول. ولهذا لم يكن ثمّة حاجة إلا لشمعة وحيدة، رغم الامتداد الهائل للعتمة.
هذه الغرفة كانت تُعرف بـ”غرفة الليل”، أما الرجل الذي يسكنها فهو “الرجل الذي وُلد ليكون سيّدها”.
دخل ونستون مطأطئ الرأس، بينما عينَا الدوق لم تتحرّكا عن الأوراق بين يديه. ومع ذلك، ظلّ الخادم واقفًا، متشبّثًا بصبرٍ صامت، كمن ينتظر أمرًا مقدّسًا.
ومضت لحظات، ثقيلة كأنها دهور.
وأخيرًا، وضع الدوق الأوراق على المكتب، ومد يده إلى شيءٍ يلمع على طرفه.
كان أنبوبًا فضيًا، محفورًا عليه بدقة رمز الدوق: الهلال وزهرة الونكة. امتدّت خطوطه بانحناءات أنيقة، تحاكي سيفًا جُرّد من غمده، لكنه في الوقت ذاته أداة سحرية لا يملكها سواه.
تقدّم ونستون بخطواتٍ محسوبة، وفتح غطاء جرة موضوعة على الجانب. انبعثت منها رائحة أعشابٍ مجففة، هادئة لكنها عميقة، كأنها تحمل ليلًا آخر داخلها.
ملأ بها الأنبوب بعناية، ثم سلّمه لسيّده.
وحين عضّ الدوق كارديان طرفه واستنشق، انطلقت الشرارة تلقائيًا، فأصدر الأنبوب طقطقة خفيفة، وارتفع دخان رفيع، ينساب في الغرفة كأنما يحمل معه همسات الأرواح القديمة
لبرهةٍ أغمض الدوق كارديان عينيه، يستنشق بعمق دخان الأنبوب السحري، كأنّه يتذوّق سرّ الليل نفسه.
أما ونستون فظلّ واقفًا، ينظر إلى سيده بصمتٍ مطبق، لا يجرؤ أن يقطع رهبة اللحظة.
وبعد مضي وقتٍ بدا أثقل من حبات الرمل في ساعة رملية، فتح كارديان عينيه ببطء.
عيناه البنفسجيتان الجافتان، الخاليتان من الحياة، جالتا في الفراغ أولًا… ثم استقرتا على خادمه الوفي.
عندها فقط تجرأ ونستون على الكلام:
“لقد استأجرنا معلِّمًا جديدًا للسيد فينسنت. إنها امرأة موهوبة، تخرّجت من الأكاديمية الإمبراطورية ونالت شهادة الياقوت…”
لكنه لم يُكمل عبارته.
فالسبب كان الكلمات الخافتة التي تمتم بها الدوق وهو يعيد إغماض عينيه:
“تعليم فينسنت مُفوَّض إلى كبير الخدم… فلا حاجة أن ترفع إليّ هذه التفاصيل.”
انكمشت شفتا ونستون عند وقع تلك الجملة الجافة، الخالية من أي دفء.
بالطبع، كان يعلم جيّدًا… كان يدرك أن هذا التقرير بلا ضرورة.
ومع ذلك…
بعد لحظة صمتٍ قصيرة، التقط أنفاسه وأعاد فتح الموضوع، لكن هذه المرة بحديثٍ آخر:
“كما استدعيت الطبيب، لأن السيد الصغير لم يكن على ما يرام. وقد وصف له دواءً، وهو الآن نائم.”
ساد سكون ثقيل، حتى تمتم الدوق بصوتٍ متقطّع، وكأن شيئًا في داخله قد ارتجف:
“……فينسنت؟”
فتح كارديان عينيه فجأة، وأبعد الأنبوب عن فمه، وحدّق في ونستون بصرامةٍ غامضة امتزجت فيها البرودة مع قلقٍ خفي.
فانحنى ونستون بعمق، وصوته ينخفض وكأنما يعترف بسرّ خطير:
“سيدي… ثمة أمرٌ عليكم أن تعلموه.”
قال ونستون بصوتٍ خافت، كأنّه يحمِّل نفسه ذنبًا لا يُغتفر:
“يبدو أنّه أصيب بالحمّى بعدما ابتلّ تحت المطر وهو يرتدي ملابس خفيفة… إنه تقصيرٌ من جانبي، أعذرني يا سيدي.”
ارتفع رأس الدوق فجأة، وصوته اخترق الصمت بنبرةٍ حادّة، تحمل قوةً مخفيّة بين حروفها:
“تحت المطر؟”
ازدرد ونستون ريقه، وكأنه ابتلع حجراً ثقيلاً، ثم أجاب بتردد:
“……حين علم بأن معلّمًا جديدًا سيأتي لتدريبه.”
ارتسمت على شفتي كارديان ابتسامة باردة، ابتسامة أشبه بشفرةٍ من ثلج:
“أمرٌ مفهوم…”
خفض ونستون رأسه أكثر، وهمس:
“أعتذر يا سيدي.”
لكن الدوق أطلق زفيرًا بطيئًا مع دخان الأنبوب، ثم قال بجفاء عميق:
“هذا ليس ذنب كبير الخدم.”
ثم سكن لحظة، كأنّ فكره انجرف إلى مكان آخر، قبل أن يرفع عينيه مجددًا ليسأل:
“وماذا يفعل فينسنت الآن؟”
أجاب ونستون بسرعة، وكأنه يخشى أن يتأخر عن نبض سيده:
“لقد تأكدت أنّه نائم بعد أن أخذ دواءه، ثم خرجت.”
أومأ كارديان إيماءة بطيئة، وعيناه تلمعان تحت ظلّ القمر:
“أفهم.”
في تلك اللحظة، نهض من مقعده دفعةً واحدة، يستنشق من الأنبوب بقوة، فارتفع الدخان من حوله كضبابٍ يرافقه أينما سار.
ارتجفت عينا ونستون وهو يراقب سيده يتحرك، كأنّه لم يعد مجرد رجلٍ جالس خلف مكتب، بل قوةٌ جبارة تنهض من سكون الليل.
قال الدوق بصوتٍ قاطع:
“فلنذهب.”
تجمّد ونستون لوهلة، يحدّق في ظهر سيده وهو يبتعد بخطواتٍ ثابتة تُشبه وقع القدر نفسه. ثم استفاق متأخرًا، وأسرع ليلحق به، كظلٍّ لا يجرؤ أن يتخلف عن سيّده.
كانت الغرفة الأخيرة في الطابق الثالث… أليس كذلك؟”
تسلّلت ليفيا بخطواتٍ حذرة، تستحضر في ذهنها خريطة قصر الدوق كما رأتها في القصة الأصلية.
كان معطفها الأسود الطويل يغطيها تمامًا، مما جعلها تشعر وكأنها لصّة تتخفى بين الظلال.
“أنا لست لصّة… أنا مُعلِّمة.”
لكنها لم تستطع إنكار الحقيقة: مظهرها الآن لا يوحي إلا بالسرقة والتسلل.
لم يكن مسموحًا لها أن تلفت الأنظار، فما زال كثير من الخدم يجهلون وجودها، وأي ضجةٍ قد تُثير شكوكًا لا تُحمد عواقبها.
اقتربت أخيرًا من غرفة فينسنت، تتفادى خيوط القمر المتسللة عبر النوافذ كما لو كانت أضواء فخٍ منصوب.
ألصقت أذنها بالباب… لا صوت. لا حِراك.
ازدردت ريقها، ثم دفعت المقبض بحذرٍ شديد، حتى بدا وكأنها تخشى أن يئن الباب فيفضح حضورها.
كان في نيتها أن تنسحب بهدوء لو وجدت ونستون في الداخل.
لكن–
“هاه؟! لا يوجد أحد؟”
حدقت بعينيها متسعة، مصدومة من خلو الغرفة. لقد توقعت أن ترى ونستون جالسًا بجوار الطفل المريض، لكن السرير كان بلا حارس، وفينسنت يرقد وحده.
لم تنتظر أكثر، فاندفعت إلى الداخل بخطوات سريعة.
كانت الغرفة دافئة، حرارة لطيفة تنتشر كما لو أن أحدهم أعدّها بعناية كي لا يبرد الصغير. لكن ذلك لم يبدّد غضبها.
“إلى أين ذهبت تاركًا طفلًا مريضًا وحده؟!”
صرخت في داخلها، تُوبّخ ونستون في ذهنها بقسوة.
ألم يكن الأجدر به إن اضطرّ للمغادرة أن يترك خادمةً على الأقل لتسهر بجانبه؟!
إهماله ذاك جعل دمها يغلي بغضبٍ لا تستطيع كبته.
وفي تلك اللحظة–
“هـ…هـك…”
اخترق سكون الغرفة صوتٌ أشبه ببكاءٍ مكبوت. تجمّدت ليفيا، واستدارت بسرعة، تحدّق نحو مصدر الصوت.
كان البكاء ينساب من السرير.
ابتلعت ريقها الجاف بعصبية، واقتربت بخطواتٍ حذرة، حتى وقفت إلى جوار الطفل.
وهناك… تجمّدت تمامًا.
عيناه مغلقتان، لكن دموعًا صافية كانت تنحدر على خديه الصغيرين. كان فينسنت يبكي وهو غارق في نومه.
وبين أنفاسٍ متقطعة، خرج صوته المرتعش:
“أمي… لا تذهبي…”
تشنّج قلب ليفيا للحظة. لم يكن بكاءً عاديًا، بل نحيبُ طفلٍ غارق في حلمٍ لا رحمة فيه.
تذكرت ما قرأته في القصة الأصلية عن أفكار فينسنت الداخلية:
“وظهري مسنودٌ إلى شجرةٍ وحيدة جميلة، كنت أفتقد من لن يعود أبدًا.
وفي تلك الليالي، كانت الحمى تلتهمني بلا رحمة.
وكنت أتحمل وحدي… دون أن أخبر أحدًا.”
شهقت ليفيا بمرارة، وهمست كأنها تكلم نفسها:
“……لم تكن مجرد حمى.”
هل كان يحلم بهذا المشهد في كل ليلةٍ ممطرة؟
أي فراغٍ ساحقٍ كان يستيقظ عليه… وهو لا يجد حوله أحدًا؟
نظرت إلى ملامحه الصغيرة المتألمة، ودموعه العاجزة التي بلّلت الوسادة، ثم قالت بصوتٍ يقطر حنانًا مكتومًا:
“أنت ما زلت طفلًا…”
أي قلبٍ صغير يستطيع احتمال هذا القدر من الألم؟
كان ثِقلاً يفوق ما يطيقه جسدٌ ضعيف وروحٌ غضّة.
حتى لو لم أستطع تغيير الواقع…”
مدّت ليفيا يدها بخفّة، لتستقر على جبين فينسنت المحموم، المبلّل بعرق الحُمّى.
ابتسمت بمرارة، وهمست بصوتٍ يشبه وعدًا مكتومًا:
“… يمكنني أن أغيّر حلمك.”
وفي اللحظة التالية، انبثق من تحت كفّها نورٌ فضّي، ناعم كالقمَر حين يلامس سطح بحيرة ساكنة.
انتشر الضوء في الغرفة، كأنّه يفتح بوابةً إلى عالَم آخر.
كان فينسنت يركض وسط عتمةٍ لا نهاية لها.
لكن الحقيقة أنّه لم يكن يركض عبثًا… بل كان يطارد ظلًّا يتراجع أمامه، ظهر امرأةٍ يبتعد أكثر فأكثر.
“أمي! لا تذهبي!”
تحوّل الطفل الصغير في الحلم إلى نسخةٍ أصغر من نفسه، يركض بجسدٍ غضّ، وذراعين قصيرتين تتأرجحان بلا قوة، يحاول اللحاق بالمرأة التي تخطو بعيدة.
لكنه كان يعرف… يعرف جيدًا النهاية الحتمية لهذا الكابوس.
يعرف أنّه مهما ركض، فلن يُمسك بها.
كان سيظل يركض بلا نهاية… حتى ينتهي به الأمر وحيدًا، غارقًا في ظلامٍ أبدي.
ومع ذلك، لم يستطع أن يتوقف.
“أمي! أرجوكِ، لا ترحلي!”
صوته المبحوح تمزّق في الفراغ، لكن المرأة لم تلتفت. لم تُظهر ذرة رحمة، ولم تعكس خطواتها.
“في النهاية… حتى هذه المرة…”
وهنا… حين كانت ركبتا الطفل توشكان على الانهيار من ثِقَل اليأس…
وفجأة… شعر فينسنت بيدٍ دافئة تمسح على ظهره برفق.
توقّف في ذهول، واستدار ليرى… فإذا بالفضاء المظلم الذي كان يبتلعه منذ قليل قد تبدّل.
الظلمة انسحبت كسراب، والفراغ القاسي امتلأ نورًا مشعًّا، ناعمًا كخيوط الفجر.
ذلك المكان الموحش، الذي كان دومًا قيدًا مظلمًا، صار دفعةً واحدة فضاءً مغمورًا بالضياء.
“فين–”
سمع صوته… الصوت الذي خفق له قلبه الصغير حتى كاد ينفطر.
التفت بخوفٍ ورجاء، وهناك… تجلّت المعجزة.
“تعال إليّ، يا صغيري.”
المرأة التي لطالما ابتعد ظهرها عنه… كانت هذه المرة واقفة أمامه، تبتسم بعينين تفيض دفئًا، وذراعاها مفتوحتان لتضمه.
حدّق بها فينسنت بدهشةٍ تكاد تشلّ أنفاسه، ثم، ببطءٍ خجول، خطا خطوةً نحوها… ثم أخرى… ثم أخرى أسرع.
وما إن استوعب ما يحدث، حتى انطلق بكل ما أوتي من قوة، يركض بقدمين صغيرتين، يلهث بدموعٍ تتطاير من عينيه.
قفز في أحضانها بكل شوقٍ مكدّس في قلبه، وتعلّق بها كأنّه يخشى أن تذوب بين يديه.
“أمي… أمي…!”
دفن وجهه في دفئها، دفءٌ لم يذقه منذ زمنٍ طويل حتى نسي مذاقه.
دموعه انهمرت بغزارة، لكنّها لم تكن دموع وحدةٍ هذه المرة… بل دموع لقاءٍ طال انتظاره.
“ليت هذه اللحظة لا تنتهي أبدًا…”
“أمي… هـك…”
استفاق صوته المرتعش في الغرفة من جديد.
حدّقت ليفيا بفينسنت، الذي ما زالت دموعه تسيل، لكنّها أدركت على الفور أنّ معناها تغيّر.
ابتسمت ابتسامة حزينة، وهمست في داخلها:
“لقد التقيتَ أمّك يا صغيري.”
(حسرة عليكي ي ولدي )🥲🥲🥲😭😭
في القصة الأصلية، لم يكن هناك أي ذكرٍ لوالدة فينسنت.
لم يُذكر سوى أنها تركت صغيرها أمام باب ميتمٍ بارد… ثم اختفت إلى الأبد.
“لم تعد قط.”
معرفة هذه الحقيقة جعلت قلب ليفيا يثقل أكثر، وكأنها تحمل وزرًا لا يخصّها.
هل يمكن أن تفعل شيئًا لأجل هذا الطفل؟ أي شيء يخفف من وحدته؟
لكن ما لبثت أن أطلقت ضحكةً باهتة على نفسها.
“ما الذي أفكر فيه؟… حتى أنا لا أعلم ما سيؤول إليه قدري غدًا.”
ثم إنها لم تجد في القصة أي خيطٍ يقود إلى والدة فينسنت.
ربما كان كارديان يعرف شيئًا… لكن أي مكان لها، مُجرّد معلمة دخيلة، في هذه المسألة؟ لا مكان.
وبالنهاية… لم يكن هناك ما تستطيع فعله.
إلا شيءٌ واحد…
أن تسمح له بأن يلتقي بأمه في عالم الأحلام، حيث الألم يتبدّد ولو لحظة.
خفضت عينيها إلى الطفل المستغرق في نومٍ أكثر هدوءًا، وقد هدأت دموعه.
مدّت يدها تمسح جبينه بلطف، وهمست برقةٍ لا يسمعها إلا قلب الليل:
“أحلام سعيدة، يا فينسنت.”
ثم نهضت، وغادرت الغرفة بخطواتٍ حذرة، كمن يحمل سرًا يجب ألا يُكتشف.
لم ترد شيئًا سوى العودة إلى غرفتها بصمت… لكن–
“من هناك؟!”
انفجر الصوت الحادّ من خلفها، صارمًا كالسيف في الظلام.
ارتجفت ليفيا في مكانها للحظة، لكنها أدركت على الفور صاحب ذلك الصوت
ونستون…!”
لقد وقعت الكارثة. بدا واضحًا أنه قد عاد أخيرًا.
“ما الذي عليّ فعله الآن؟”
تصلّبت ليفيا في مكانها، عاجزة عن الرد، فيما أخذ وقع الأقدام يقترب أكثر فأكثر، يدوّي كنبضٍ ثقيل في ممرّات القصر الصامتة.
لكن…
“هاه؟”
هل كان ذلك وقع خطوات أكثر من شخصٍ واحد؟
ثم فجأة، توقّفت الخطوات خلف ظهرها مباشرة.
“من الذي يتجول أمام غرفة السيد الصغير في مثل هذه الساعة؟”
جاء صوت ونستون جادًا صارمًا، وكأنه يوبّخ خادمًا أحمق تجرّأ على مخالفة النظام.
ارتبكت ليفيا، تسابق عقلها بين خيارين:
“هل أهرب؟”
لكنها صرخت في داخلها:
“أي هروبٍ هذا؟! إذا فررت الآن، سأثير الشبهات أكثر… لقد فات الأوان أصلًا.”
لم يبقَ أمامها سوى خيارٍ واحد.
تنفّست بعمق، وارتسمت على شفتيها ابتسامة باهتة، أشبه بابتسامة مذنبة تحاول أن تبدو بريئة.
التفتت ببطء، وعيناها تتألقان بخجلٍ مضطرب تحت الظلال، وهمست:
“……إنه أنا، يا كبير الخدم.”
وبينما كانت الكلمات تتردّد في الممر، انقشعت الغيوم فجأة عن وجه القمر، فانسكب نورُه الفضّي فوق رأسها.
انغمرت ليفيا في هالةٍ من الضوء، كأنها تجلّت أمامه في صورةٍ غير متوقعة، نصفها واقعي ونصفها أشبه بحلمٍ غامض.
اتّسعت عينا ونستون بدهشةٍ لم يستطع إخفاءها، وعجز لوهلة عن الكلام وهو يتعرف عليها
المعلِّمة؟”
لم يكن ونستون وحده المندهش.
رفعت ليفيا بصرها بدهشة، تحدّق بلا وعيٍ في الرجل الذي يقف بجانبه.
ذلك الرجل…
شَعره الفضي بدا وكأنه سُحب من أصفى خيطٍ قمري، لامعًا ببريقٍ باردٍ يسحر العيون.
عيناه البنفسجيتان، جافتان كأنهما خاليتان من الحياة، ومع ذلك كان فيهما عمقٌ مظلمٌ يبتلع القلب، كأن الليل نفسه اختار أن يسكن فيهما.
تحت جفونه ارتسمت ظلالٌ ثقيلة، تزيد ملامحه غموضًا وجاذبية، كأنها وُجدت لتعلن أن هذا الرجل لم يُخلَق ليكون بشرًا عاديًا، بل ليكون جزءًا من القمر والليل معًا.
(ولدنا مزز يا ناس )🤤🤤🤤🤤اذوب اذوب )
كارديان ميرسيدس.
الاسم ارتجف في صدرها كصرخةٍ صامتة.
“لماذا… لماذا هو هنا؟!”
في تلك اللحظة، شعرت ليفيا وكأن القمر قد أزاح كل سُحُبه فقط ليكشفه لها، ليضعها أمامه عارية من كل حيلة، تحت سطوة حضوره الطاغي الذي لا يُقاوَم… حضورٌ يبعث الرهبة، لكنه في الوقت ذاته يشدّها نحوه بجاذبيةٍ لم تفهمها
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 10 - “ابتسامات مسمومة” ✦ منذ 41 دقيقة
- 9 - ✨ “بين شهيةٍ وجحيم” ✨ منذ 4 ساعات
- 8 - ✨ “لقاء تحت ضوء القمر” ✨ منذ 5 ساعات
- 7 - قلب يخشى الانكسار 💔 رفيق وسط العاصفة 🌧️ منذ 13 ساعة
- 6 - يدٌ تمتد نحو الجرح” 2. “الصداقة الأولى… وسط الشائعات منذ 14 ساعة
- 5 - لقاء على التل الغربي منذ 15 ساعة
- 4 - لعنة المطر • وعد العشر ليالٍ • مخبأ تحت الشجرة • طفل المطر المنسي • حين يبتلع المطر الأمهات منذ 22 ساعة
- 3 منذ 24 ساعة
- 2 منذ يوم واحد
- 1 منذ يوم واحد
التعليقات لهذا الفصل " 8"
استمر او لا 🌚🌚🌚