كان الاسم مألوفًا لليفيا حتى قبل أن تستعيد ذكرياتها من الحكاية الأصلية.
طفل غير شرعي… مجهول الأصل.
فور بلوغ كارديان سنّ الرشد، ونيله لقب دوق مرسيدس وهو في التاسعة عشرة، أُعلن وجود فينسنت. كان حينها ابن ثلاث سنوات فقط.
يا لها من صاعقة!
لم يكن في وسع مثل هذا الحدث أن يمرّ بلا شائعاتٍ تعصف في كل اتجاه. حتى مسامع ليفيا، وهي طالبة في أكاديمية الإمبراطورية، لم تسلم من همسات الناس.
لم تسمعها من صديق – إذ لم يكن لها أصدقاء – بل لأن القصة كانت على كل لسان، تتردّد في كل زاوية، كأنها وباء.
لكن… ماذا عن ذاك الطفل؟
ما أفظع أن يُرمى وهو ابن ثلاث سنوات فحسب إلى أنياب العالم، يتناوب عليه الناس كالفرائس، ينهشونه بالغمز واللمز.
“رُهاب الناس…”
خافت ليفيا أن تكون قد نسيت جرحه الأعمق: ذاك الحذر المرعب من الآخرين، ذاك الخوف من أي يدٍ تمتدّ إليه، وتلك الندوب الخفية التي نزفت داخله كلما حاول الاقتراب من إنسان.
تذكّرت سبب رفضه للدروس…
تذكّرت عيون الاحتقار التي لاحقته، الكلمات المسمومة التي تُقال عنه وكأنها نكات.
لقد ذاقت هي نفسها مرارة ذلك.
“البشر… مخيفون.”
أحسّت بصدق مشاعره.
إنه عالقٌ بين القمة والحضيض، يتأرجح بين العظمة والمهانة.
صدى الذكريات قفز في ذهنها:
“إنها مريضة… ستعدينا إن لمستها!”
“لماذا أنتِ دائمًا وحدك؟ لماذا لا تقتربين من أحد؟”
أغمضت ليفيا عينيها، ثم التفتت نحوه وقالت فجأة، بصوتٍ خافتٍ لكن ثابت:
“فينسنت… هل نصبح أصدقاء؟”
التفت إليها بدهشة، كأن الأرض اهتزت تحته.
“… ماذا؟”
ابتسمت ببرودٍ متعمّد، كأن الأمر لا يستحق الدهشة:
“إنه القدر الذي جمعنا هنا. فلمَ لا؟”
لم تتخيل يومًا أنها ستتفوه بجملة مبتذلة كهذه… لكنها خرجت من قلبها.
“هل ترغب أن نكون صديقين؟”
ظلّ يحدّق فيها مذهولًا، ثم تمتم بصوتٍ متهدّج:
“ألا تعرفين… من أكون؟”
كان جسده يفيض بالعدائية، لكن عينيه تكشفان عن خوفٍ دفين، كأنه يعرف مسبقًا أنّ جوابها سيكون خنجرًا في صدره.
سكتت قليلًا، ثم ابتسمت برفق:
“أعرف. أنت فينسنت مرسيدس… ابن دوق مرسيدس.”
انتفض فجأة، قبضته مشدودة، صوته يتهدّج بالغضب:
“وأنتِ… ستصبحين صديقتي؟!”
هزّت رأسها ببساطة:
“نعم.”
حدّق بها بذهول:
“لكن… أنتِ نبيلة، أليست كذلك؟”
أومأت بابتسامة واثقة:
“صحيح. أنا كونتيسة.”
زمّ شفتيه، وأشاح بوجهه.
“إذن… من المؤكد أنك لا تعرفين عني شيئًا.”
عندها رمت له بخيط أملٍ آخر:
“وهل تريدني أن أعرف… أم لا؟”
ارتجفت كتفاه النحيلتان. عيناه كقطّ جريحٍ يختبئ في الظلام.
قالت بنعومة، وهي تحدّق فيه:
“ولِمَ أنت متيقّنٌ أنني لو عرفت حقيقتك… لن أريد صداقتك؟”
تكلم بصوتٍ مشروخ، بالكاد خرج من حنجرته:
“لأنك إن عرفتِ… فلن ترغبي أن تكوني صديقتي.”
وانهمرت الدموع في عينيه.
خنق صوتُه قلبها، فقد كانت تعرف جيدًا ذلك الشعور.
كانت تتذكر وحدتها، كيف أبعدت الناس عنها، كيف خسرت كل من حاول الاقتراب منها قبل أن تدرك أنها هي التي دفعتهم بعيدًا.
لقد فات أوانها، لكن…
“فينسنت… أنت لست أنا.”
هو ليس اللقيط المجهول، ولا الصبي الملعون، ولا القاتل المستقبلي.
هو مجرد فينسنت.
ابتسمت بهدوء وسألته:
“هل ارتكبت جريمة يومًا؟”
حدّق بها بعينين واسعتين:
“ماذا؟ بالطبع لا!”
“هل ضربت أحدًا؟ هل سرقت شيئًا؟ هل نشرت شائعات قبيحة؟”
هز رأسه بعنف:
“لا! أبدًا!”
عندها مدّت ليفيا يدها نحوه، وصوتها يقطر دفئًا:
“إذن لا يوجد سبب يمنع صداقتنا.”
تردّد، والدموع تلمع في عينيه.
سأل بصوتٍ متكسّر:
“أأنا حقًا… لست قذرًا؟”
ابتسمت بعطف، وأجابت بصرامة:
“أبدًا.”
أمسكت بيده الصغيرة المرتجفة، وقالت بصوتٍ يقطر صدقًا:
“أنا لا أؤمن بالشائعات… أنا أؤمن بما رأيته فيك بعينيّ.”
ارتجفت عيناه الحمراوان كموجٍ مضطرب.
قالت أخيرًا:
“اسمي ليفيا بيلينغتون… فهل تقبل أن نكون صديقين؟”
ببطء، وضع كفّه الصغير في يدها.
كلمة واحدة خرجت مرتجفة:
“ن… نعم.”
ابتسمت ابتسامة مشرقة كالشمس بعد العاصفة.
لقد فازت بأول خطوة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 6"