لم يُكشف في العمل الأصلي السبب الذي دفع فينسنت إلى قتل والده بالتبنّي.
كل ما فعله أنّه بصق كلمات قليلة، فيما كانت سيفه يشق صدر كارديان، والدم ينزف من رجلٍ يذوي مثل من حُرم من اختيار سيليستينا.
«لم أفكّر بك يومًا كأبٍ… ولا حتى للحظة واحدة.»
أسندت ظهري ورأسي إلى جذع الشجرة، وعيناي تهبطان نحو قصر الدوق.
«كارديان مرسيدس…»
في رواية «الجميع يعشق القديسة» ظهر ثلاثة من أبطال القصة.
الأمير الوريث هيستيليون راير لاغراناسيا، والفارس المقدّس إيدن أشيلليوم، اللذان التفّا حول البطلة في إخلاصٍ لا يلين.
أما الثالث، فكان ذاك الظلّ الغامض، الدوق كارديان مرسيدس… الشرير الخفيّ.
كان هيستيليون بطل القصة الحقيقي، وإيدن الحامي المقدّس، ينالان قلب البطلة بسهولة بفضل مكانتهما وحقوقهما.
لكن كارديان… لم يُمنح حظًا كهذا.
«وجود لم يُحب… حتى من البطلة نفسها.»
سيليستينا، القديسة المتسامية، وحدها لم تنظر إليه كالمجنون الذي يتهامس الناس عنه.
حين مزّقته نوبات فيض المانا، كانت تضع يدها عليه، تُخفّف ألمه، وتهمس قربه بكلماتٍ تذيب وحدته القاتلة.
فكان طبيعيًا أن يقع كارديان في حبّها.
تحوّل إلى “شرير” لأنه في الخفاء أزاح كل حجرٍ تعثّرت به طريقها.
لكن بعد انقضاء الحكاية، لم يبقَ له سوى فراغٍ مفزع… خسارة قاتلة.
ولو أنّه لم يتذوّق حلاوة لطفها، لكان أفضل له.
ومع ذلك، انتهت خسارته المريعة بموتٍ أبشع… حين قتله ابنه.
الزمن الحالي كان قبل لقائه بالقديسة.
ففي وليمة عيد ميلاد الإمبراطور بعد معموديةٍ قريبة، رآها كارديان لأول مرة.
قبل ذلك، لم يكن يعنيه أمرها البتّة.
قالت ليفيا متمتمة:
«إذن… فلا بد أنّك مرهق ووحيد الآن.»
شعرت فجأة أنّها تشبهه…
وحيدة، مريضة، منفية عن الدفء.
ضحكت من نفسها، وقد بدا لها الأمر مثيرًا للسخرية:
«هل أشعر بالقرابة مع دوق مرسيدس؟!»
أي سخرية! كيف تشبهه، وهي لا تملك حتى مأوى يحميها من البؤس؟
كان ذلك إهانة له بلا شك.
«حسنًا… يكفي تفكيرًا.»
هزّت رأسها، رفعت عينيها نحو السماء، والغيوم بدأت تنقشع. المطر الغزير خفّ.
فينسنت لن يأتي.
لكنها لم تندم. فقد كان أفضل له أن يبقى بعيدًا عن المطر القاسي وحده.
ثم إنّها وجدت مكانًا حسنًا.
وما إن همّت بالوقوف، لتعود في يومٍ مشمس… حتى سمعت:
خشخشة.
التفتت، فتجمّدت ملامحها.
«شَعرٌ فضّي؟»
خلف حجاب المطر المنسدل، لمحت خصلاتٍ فضيّة مبتلّة.
هل هو كارديان؟
لكنها سرعان ما أنكرت، فالجسد أصغر بكثير.
لم يكن سوى شخصٍ واحد…
الوجه الصغير، الخدود البيضاء الممتلئة وقد تلونت بحمرة، والعينان الحمراوان كالياقوت.
إنه هو!
فينسنت مرسيدس.
الوريث الوحيد لدوقية مرسيدس… والصبي الذي سيقتل والده يومًا ما.
لقد التقت به فعلًا!
جاءت ليفيا إلى هنا بحثًا عنه، لكن حين تخلّت عن أملها… ظهر فجأة، فأصابها الارتباك.
«ماذا أفعل الآن؟!»
قالت مترددة، مبتسمة بحذر:
«آه… مرحبًا؟»
تراجع فينسنت خطوة، كحيوان صغير واجه خصمه الطبيعي.
لكنها تابعت ببطء:
«أنا… في القارب ذاته معك.»
أثار كلامها فضوله.
فسارعت قائلة ببراءة:
«بدأ المطر فجأة… فاختبأت هنا مثلك.»
كانت تعلم أنّه سيشك، لكن المهم أن تهدم أسوار قلبه.
فلو قدّمت نفسها كـ”معلّمة”، لفرّ من أول لحظة.
إذ كان كرهه للمعلّمين قد بلغ ذروته.
همست بلطف:
«لا داعي أن تبقى بعيدًا… تعال.»
ظلّ يتأملها بعينين حمراوين فاحصتين، يتحقق هل هي آمنة.
فاستلقت بوضعٍ مريح، متظاهرة باللامبالاة، بينما كل حواسها مشدودة نحوه.
وأخيرًا… قال ببرود متردّد:
«……لا بأس.»
اقترب ببطء وجلس بعيدًا قليلًا عنها، وأذناه محمرّتان.
ضمّ ركبتيه، ولفّ ذراعيه حول جسده، ناظرًا نحو القصر.
أما ليفيا، فنظرت إلى ملامحه…
يا له من طفلٍ لطيف! وجهه المستدير، عينيه المضيئتين، ملامحه التي تخبّئ رجولة واعدة.
كادت أن تمدّ يدها لتقرص خدوده، لكنها تماسكت.
«إن فعلتُ ذلك… فلن يقترب مني أبدًا.»
ظلّت تتأمله بصمت.
هذا الصبي، الذي سيكبر بعد ثلاث سنوات ليقتل والده بدمٍ بارد…
أي ظلامٍ يسكن قلبه؟
التفت فجأة، فالتقت عيناه بعينيها.
ارتبكت، فتحت فمها لتقول شيئًا، لكنه أعرض بسرعة.
ظنّت أنّه انزعج من نظراتها… همّت بالاعتذار.
لكنها لاحظت شيئًا أبشع:
إنه يرتجف.
وجهه شاحب، عيناه غارقتان في خوفٍ خفي.
حينها، أدركت ليفيا أنها ارتكبت خطأً قاتلًا.
التعليقات لهذا الفصل " 5"