مهما أمعن في التحديق أو حاول أن يشكك نفسه، فإن ما سقط من حقيبة ليفيا بيلنغتون لم يكن إلا شهادة الروبي، ذلك الوسام الأسطوري الذي لا يُمنَح إلا لأفضل خريج في دفعة الأكاديمية الإمبراطورية.
النخبة من بين النخبة.
عبقرية بين العباقرة.
كان معنى الشهادة واضحًا لا لبس فيه.
ومع ذلك، حاول ونستون أن يقنع نفسه بالشك:
هل يمكن أن تكون مزيفة؟
لكن ختم الأكاديمية، المنقوش عليها بقوة سحرية يستحيل تقليدها، كان مطبوعًا بوضوح على تلك الوثيقة المهيبة.
ثم جاء الدليل القاطع: الاسم محفور أسفلها بخط ثابت لا يقبل الخطأ.
ليفيا بيلنغتون.
تسارع نبضه.
هذه أول مرة يرى فيها الشهادة بعينه. لقد استقدم إلى بيت الدوق أفضل العقول، لكنه لم يرَ قط حاملًا لشهادة الروبي.
وكيف يراها؟ كل من حازها صار أستاذًا في الأكاديمية، أو استقطبته العائلة الإمبراطورية نفسها.
ثمة أمر غير طبيعي هنا…
أعاد ونستون الوثيقة إلى ليفيا وهو يحاول أن يخفي اضطرابه بابتسامة متكلّفة:
“آ… آنسة بيلنغتون، إن لم يكن في سؤالي وقاحة… ما خططكِ للمستقبل؟”
ابتسمت ليفيا ابتسامة فيها شيء من الأسى وقالت:
“كنتُ أفكّر بالذهاب إلى القصر.”
“……! القصر الإمبراطوري؟!”
“نعم.” أجابت بخجلٍ متعمّد وهي تضع أصابعها على شفتيها.
ثم أضافت بنبرة أخفض وكأنها تكشف سرًا:
“في الحقيقة… قبل أن آتي إلى هنا، طُلِب مني أن أكون معلّمةً لسمو الأمير.”
كادت أنفاس ونستون تنقطع.
الأمير…!
رآها في تلك اللحظة بهالة نورانية تكاد تحيط بها من الخلف.
وقبل أن يستفيق من ذهوله، همّت ليفيا بالرحيل قائلة بنبرة محسومة:
“بما أن الأمر صار كذلك، فعليّ التوجّه إلى القصر الإمبراطوري قبل فوات الأوان.”
واستدارت خارجة من غرفة الاستقبال.
صوت خطواتها المتناغم مع أرض الرخام أخذ يتلاشى شيئًا فشيئًا…
حتى دوّى صوت ونستون فجأة:
“انتظري!!”
اندفع جسده كالسهم ليقطع الطريق أمامها، متلهّفًا حتى احمرّ وجهه وتقطّعت أنفاسه. لم يعد يهمه مظهره أو هيبته، كان الأهم ألّا يفلت هذه الفرصة من بين يديه.
قال بصوت مرتجف:
“لحظة واحدة فقط…!”
وبعد أن التقط أنفاسه، صرّح دون التفاف:
“إذا وافقتِ… نود أن تكوني أنتِ المعلّمة يا آنسة بيلنغتون.”
كان يتوقّع أن تبادر فورًا بالقبول.
لكنها أمالت رأسها قليلًا وسألت ببرود ساخر:
“ألم تقل إنكم قد وجدتم معلّمًا بالفعل؟”
تصبّب العرق من جبينه وهو يجيبه بارتباك:
“هذا صحيح… لكن بما أنني المسؤول عن تعليم السيّد فينسنت، أرى أنه لا مانع من وجود أكثر من معلّم.”
“آها…” هزّت رأسها وكأنها تستوعب الأمر، ثم أطلقت ابتسامة ناعمة وهي تقول:
“اتخذت قرارًا سريعًا جدًا إذن.”
ارتجف ونستون من كلماتها التي أصابته كطعنة باردة، لكنه أجبر نفسه على الانحناء من جديد:
“إن بدر مني ما يسيء إليكِ… فأنا أعتذر هنا وأمامك.”
اتسعت عينا ليفيا بدهشة خفيفة، لكنها لم تُطِل الصمت.
وارتفع صوتها الرقيق فوق رأسه:
“لا بأس… ما دمت تعتذر، فلا حيلة لي سوى القبول.”
رفع ونستون رأسه ببطء، فإذا بها تبتسم له بودّ.
ومجدّدًا، بدا له وكأن هالةً نورانية تشعّ خلفها.
“أقبل عرضكم.” قالتها بنبرة هادئة راسخة.
في تلك اللحظة، غمر الندم قلب ونستون: لماذا لم أدرك قيمتها منذ البداية؟
لقد غفرت له إساءته بسخاءٍ نادر.
صرخ متأثرًا:
“العقد! سأحضره حالًا!”
وبالفعل، جاء ونستون بالعقد بسرعة خاطفة، بينما جلست ليفيا تحتسي شايها الدافئ وتتفحّص الأوراق.
وفاض قلبها إعجابًا:
كامل… إنه عقد كامل بكل المقاييس.
لكنها توقفت عند بندٍ معين ورفعت رأسها:
“في المادة الثالثة، الفقرة الأولى: إذا ألحق الموظف ضررًا بالطالب أو بالعائلة، يُنهى العقد فورًا مع اتخاذ إجراءات قانونية وتعويضات.”
أشارت ليفيا بذكاء:
“ألا ترى أن مفهوم الضرر هنا غامض؟ ماذا لو صرخ فينسنت يومًا: لقد تضررت! ألن ينتهي كل شيء؟”
ابتسم ونستون مطمئنًا:
“لا تقلقي. هذا البند يُطبّق فقط إذا مُسّت سمعة السيد الصغير أو الدوق بضررٍ واضح. إنه لحمايتهم، ولن يُستخدم ضدك.”
“حسنًا.” أومأت برضا. كان البند منطقيًا بالفعل.
وبعد أن أنهت مراجعتها، قالت فجأة:
“لكن… أيمكنني أن أضيف بندًا خاصًا للعقد؟”
اتّسعت عينا ونستون بدهشة:
“بند خاص؟!”
لم يسبق أن تجرأ أحد على مثل هذا الطلب.
فمن ذا الذي يفاوض دوق مرسيدس نفسه؟!
غير أن ليفيا نظرت إليه بثقة أربكته.
كان يعلم في قرارة نفسه أنه لن يقدر على رفضها، لا بعد أن رآها تحمل شهادة الروبي.
قالت بصرامة:
“شرطي هو…”
وحين أفصحت عنه، تغيّر وجه ونستون، لكن ليفيا بقيت واثقة، تنظر في عينيه دون أن تهتز.
وبعد الانتهاء من العقد، قادها ونستون إلى غرفتها الجديدة.
وهي تمشي بجواره سألته بخفة:
“بالمناسبة… من هو المعلّم الآخر الذي عيّنتموه؟”
أجاب بابتسامة هادئة:
“آنسة بيلنغتون— بل يجب أن أناديكِ معلّمة الآن. مثلُك تمامًا، تخرّجت من الأكاديمية بامتياز. كما أنها في مثل سنّك تقريبًا، وأظن أنّكما قد تصبحان صديقتين.”
ابتسمت ليفيا بمرارة وهمست:
“…..لعلّ ذلك يحدث.”
لكنها في داخلها لم تؤمن بذلك قط.
في حياتها الماضية، وفي هذه أيضًا، لم يكن لها شيء اسمه صديقة.
معلمة أخرى…؟ فكّرت وهي تلمس ذقنها.
في القصة الأصلية، كان هناك معلمٌ أيضًا…
وكان لذلك المعلم أثر عميق على العلاقة بين كاردين وابنه بالتبنّي فينسنت.
تذكّرت ليفيا ما قاله فينسنت لكاردين يومًا:
“أنت لا تراني ابنًا لك… الشخص الوحيد الذي يفكّر بي هو…”
كانت الأسباب كثيرة لتلك القطيعة بينهما، لكن دور المعلّم كان كبيرًا فيها.
وإن كانت ليفيا تريد في النهاية أن تقترب من كاردين، فالجسر الوحيد للوصول إليه الآن هو فينسنت.
وصلت إلى الغرفة التي خُصّصت لها. فتح ونستون الباب قائلًا:
“من الآن فصاعدًا… هذه غرفتك.”
شهقت ليفيا من الدهشة.
أهذه غرفة معلّم؟!
كانت غرف المعلّمين عادة لا تتعدى غرف ضيوف بسيطة، أما هذه… فكانت غرفة فاخرة تتلألأ بالزينة والأثاث الباذخ.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 3"