الفصل 268
الجوّ غريب.
الآن فقط أدركتُ أنّ تشيلسي كانت تتصرّف بشكلٍ غير معتاد. ربّما بسبب قلقها، لكنّها بدت تحاول إبقائي في الغرفة أكثر من المعتاد.
“…”
شعرتُ بإحساسٍ سيّء. حدث شيءٌ لا أعرفه.
هل هناك شيءٌ يجب ألّا أعرفه؟
إذا كان الأمر كذلك…
“سيادته بالداخل، أليس كذلك؟”
يجب أن أعرف.
خاصّةً إذا كان يتعلّق بكارديان.
كما توقّعتُ، بدا ونستون مرتبكًا عند سؤالي.
“حسنًا… هو بالداخل، لكن الآن…”
“آسفة، لن يستغرق الأمر سوى لحظة.”
“معلّمة بيلينغتون!”
فتحتُ الباب بعنف قبل أن يتمكّن ونستون من إيقافي.
“…ما هذا؟”
وقفتُ مذهولةً أنظر حولي.
تنهّد ونستون، الذي تبعني بسرعة، بإحراج.
التفتُّ إليه وسألتُ:
“…لمَ لا يوجد أحد؟”
“…”
“قلتَ إنّه بالداخل.”
ربّما ليس أمرًا غريبًا.
قد يكون خرج للعمل، أو عاد إلى غرفته للراحة.
لكن لمَ ينقبض قلبي هكذا؟
هل بسبب تعبير ونستون المتأسّف الذي لم يكمل كلامه؟
أم بسبب ذكريات سيليستينا التي رأيتها قبل أن أستيقظ؟
“…السيّد ونستون.”
“…نعم، معلّمة.”
“ما الذي حدث لسيادته؟”
“…”
أغلق ونستون شفتيه بإحكام.
نظرتُ إلى تشيلسي خلفه، فأشاحت بنظرها.
الآن أنا متأكّدة.
حدث شيءٌ لكارديان.
شيءٌ كبيرٌ لا أعرفه.
“معلّمة، لنرجع الآن…”
حاول ونستون تهدئتي، لكنّني نظرتُ إليه بجديّة وقلتُ:
“خذني إلى سيادته… إلى كارديان.”
“…لكن يجب أن ترتاحي أنتِ أيضًا…”
“لن أرتاح هكذا. أنتَ تعرف ذلك.”
كنتُ أتشبّث بونستون دون أن أدرك.
بدأ مرتبكًا ولا يعرف ماذا يفعل.
“أرجوك… من فضلك.”
فجأة، سمعتُ صوتًا.
“سأرافقكِ.”
التفتُّ بسرعة.
كانت تشيلسي.
“تشيلسي…!”
صاح ونستون مذهولًا.
لكن تعبير تشيلسي لم يتغيّر.
قالت لونستون بوجهٍ خالٍ من التعبير:
“كلام المعلّمة صحيح. لن تستطيع الراحة هكذا.”
“آه…”
“أنتَ تعرف ما هو الأفضل للمعلّمة وسيادته.”
“…أنتِ محقّة.”
تنهّد ونستون بعمق.
يبدو أنّ تجاعيده ازدادت عمقًا.
نظر إليّ وقال:
“سأرافقكِ إلى حيث سيدي، معلّمة.”
ابتسمتُ بسعادة.
“شكرًا، السيّد ونستون. تشيلسي.”
كانت تعبيراتهما معقّدةً وهما ينظران إليّ.
لكنّني كنتُ سعيدةً فقط لأنّني سألتقي كارديان.
دون أن أعرف ما ينتظرني.
* * *
“…هذه الغرفة.”
كانت الغرفة التي أرشدني إليها ونستون هي غرفة نوم كارديان.
تردّد وهو يحاول الطرق، ثمّ أنزل يده.
فتح مقبض الباب دون كلام.
“ادخلي.”
كان تصرّفًا لم يكن ليفعله ونستون عادةً، لكن ذلك لم يهمّ.
هرعتُ إلى داخل غرفة النوم.
وجدتُ كارديان فورًا.
كان مستلقيًا على السرير، مغمض العينين بإحكام.
لكن…
“…كارديان؟”
حالته غريبة.
كانت بشرته داكنة، وكانت هالةٌ سوداء تحيط به.
“ما… ما هذا؟”
لم أستطع إكمال جملتي، فاقترب ونستون وقال بصوتٍ متعب:
“منذ عودته، لم يستعد وعيه. منذ أمس، بدأت بشرته تصبح داكنة، وبدأت هالةٌ غريبة تتدفّق.”
“…والطبيب؟”
“أظهرناه للطبيب الخاص، لكنّه قال إنّه لا يعرف السبب. أردنا مساعدة القوّة المقدّسة، لكن المعبد الآن…”
لم أحتج لسماع البقيّة.
المعبد والقصر الإمبراطوريّ مدمّران بسبب الثورة.
لا يمكن أن يأتي كاهنٌ في مثل هذه الظروف.
“فكّرنا أنّكِ ربّما تستطيعين إيقاظه. لكن كان عليكِ الراحة، فلم نجرؤ على إخباركِ.”
تنهّد ونستون وأشاح بنظره.
منذ قضيّة آنا ليفر، كان ونستون يستشيرني في الأمور الكبيرة.
إن لم يخبرني، فلأنّه قلقٌ عليّ، ولأنّ حالة كارديان خطيرةٌ لدرجة أنّه اعتقد أنّني لا أستطيع فعل شيء.
‘وهو محقّ.’
بعد هزيمة سيليستينا، استنفدتُ قوتي تقريبًا.
أشعر أنّ القوّة التي كانت تملأني قد نضبت.
ربّما يمكنني استخدامها مرّةً واحدة، لكن ذلك قد يعرّضني للخطر.
في هذه الحالة، اعتقد ونستون وتشيلسي أنّ رؤيتي لكارديان ستزيد قلقي دون أن أستطيع فعل شيء.
لهذا أخفوه عنّي.
لكن…
“سأحاول.”
“…! هل هذا ممكن؟”
اتّسعت عينا ونستون.
هرع إليّ وأمسك ذراعي.
تشوّه وجهه الهادئ عادةً، وتجمّعت الدموع في عينيه.
“هل يمكنكِ حقًّا إيقاظه؟”
“…لا أستطيع الجزم.”
“…”
“لكن…”
لأنّني لا أستطيع تخيّل حياةٍ بدون كارديان.
اتّفقنا أن نعيش معًا.
“سأنجح. بأيّ طريقةٍ كانت.”
“معلّمة بيلينغتون…”
“لا تجهدي نفسكِ…”
حين حاولت تشيلسي التدخّل، هززتُ رأسي بحزم:
“ليس إجهادًا.”
نعم، هذا ليس إجهاد.
إنّه فقط…
“تصرّفٌ من أجلي.”
ابتسمتُ ببراءة لتشيلسي وونستون.
“أنا أكثر أنانيّةً ممّا تعتقدان.”
“…”
“…”
ذهل تعبيراهما.
أرخيتُ ابتسامتي ونظرتُ إلى كارديان مجدّدًا.
كانت الهالة السوداء حوله تزداد كثافةً.
كأنّها تبتلعه.
‘سأنتزع منكِ أغلى ما تملكين.’
لا، سيليستينا. لن تستطيعي أخذ أغلى ما أملك.
‘لأنّني لن أسمح بذلك.’
تقدّمتُ نحو كارديان.
“انتظرا بالخارج.”
“…حسنًا.”
“إذا حدث شيء، أخبرينا.”
“سأفعل.”
“…”
بوم.
أُغلق الباب خلفي.
وقفتُ أنظر إلى كارديان.
تذكّرتُ لحظةً مشابهة.
‘كانت في المكتبة.’
قبل فترةٍ من دخولي قصر مرسيدس.
في غرفة “ممنوع دخول الغرباء” في مكتبة مرسيدس.
كان كارديان نائمًا هكذا.
بدا وكأنّه يرى كابوسًا، فعندما حاولتُ لمسه، أمسك يدي فجأة. لا زلتُ أتذكّر دفء يده وعينيه الباردتين.
مددتُ يدي نحو كارديان مستعيدةً تلك الذكرى.
توقّعتُ أن يفتح عينيه فجأة كما فعل حينها.
…لمس.
لم يتحرّك كارديان حتّى عندما لمست خدّه.
‘بارد.’
بشرته باردةٌ كالجليد، ونفسه ضعيفٌ جدًّا.
يبدو وكأنّه قد يتوقّف عن التنفّس في أيّ لحظة.
تساءلتُ فجأة.
ماذا سيحدث لي إذا مات كارديان وأنا داخل حلمه؟
هل سأموت معه؟
‘ربّما ليس سيّئًا…’
ضحكتُ بلا معنى.
لو سمع كارديان هذه الفكرة، لكان غضب بشدّة.
بما أنّه يقرأ الأفكار، لن أستطيع إخفاءها عنه.
ربّما من حسن حظّي أنّه لا يراني الآن.
“هه…”
تلاشى ضحكي الخافت تدريجيًّا.
كانت الليلة قد حلّت بالخارج.
أضاء ألمع ضوءٍ غرفة نوم كارديان.
فقدتُ ابتسامتي وهمستُ لكارديان.
“ربّما ترى كابوسًا الآن أيضًا.”
كما كنتَ دائمًا.
تلك الكوابيس التي عذّبتكَ بعنادٍ ربّما لا تزال تؤلمكَ حتّى النهاية.
“ربّما ستغضب من قراري.”
خفضتُ رأسي ببطء.
قبّلتُ جبهته المستوية.
“لأنّ عقدنا لا يزال ساريًا.”
أنتَ تجد الإرث لتنقذني، وأنا أستخدم قوتي لإنقاذك.
“سأذهب إلى حيث أنتَ.”
حتّى لو علقتُ هناك معكَ.
فجأة-
ملأت القوّة الأخيرة التي استجمعتها الغرفة بضوءٍ أقوى من أيّ وقتٍ مضى.
عندما فتحتُ عينيّ مجدّدًا.
هووو-
“آتشو!”
كنتُ أقف في وسط زقاقٍ تعصف به رياحٌ باردة.
…أين أنا؟!
*ੈ✩‧₊˚༺☆༻*ੈ✩‧₊˚
التعليقات لهذا الفصل " 268"