الفصل 264
‘ما الذي يجري بحقّ الجحيم؟’
لقد رمشت عينيّ للحظة، فإذا بكارديان قد أصبح زوجي.
بل إنّه…
“معلّمة، جربي هذا أيضًا.”
“إنّه جيّد…”
“هيّا، تذوّقيه.”
“…آه.”
زوجٌ لطيفٌ بشكلٍ مخيف!
بينما أمضغ الطماطس التي وضعها كارديان في فمي، حاولتُ استيعاب الموقف.
سرعان ما أدركتُ ما يحدث.
هذا…
‘هذا من فعل سيليستينا.’
كانت تتحدّث عن تحقيق رغباتي وما إلى ذلك.
‘إذن هذا ما كانت تعنيه.’
مع إدراكي للموقف، هدأت أفكاري وبدأت أرى الأمور بوضوح.
“ما الأمر؟ أليس الطعام لذيذًا؟”
فهم كارديان تعبير وجهي الباهت بشكلٍ خاطئ، فرفع يده على الفور.
فجأة، هرع رئيس الطهاة المنتظر إليه مسرعًا.
“ألقوا هذه الأطعمة كلّها فورًا وأعدّوا غيرها-”
“آه! لا، إنّها لذيذة!”
ليس غريبًا أن يكون والد فينسنت، فتصرفاتهما متشابهة تمامًا.
قبل أن يتسبّب ذلك بمزيدٍ من المتاعب لرئيس الطهاة المسكين، أسرعتُ بحشو الطعام في فمي وابتسمتُ ابتسامةً عريضةً.
بدا كارديان راضيًا عن تصرّفي، فأشار إلى رئيس الطهاة بالمغادرة.
حتّى في الحلم، كان استبداد صاحب القصر لافتًا.
لكن…
‘إنّه شعورٌ غريب.’
طوال حياتي، جعلتني أحلم بأحلام الآخرين فقط، ولم أحلم يومًا بما أريده أنا.
‘هل هذه هي رغبتي الحقيقيّة؟’
وضع كارديان الأطباق جانبًا ونظر إليّ وهو يبتسم بخفّة.
شعرتُ بالحرج من مظهره، فتذمّرتُ وسألته.
“لماذا تضحك هكذا؟”
“لا شيء. فقط، منظركِ وأنتِ تأكلين جميل.”
“…”
“من الغريب أن يبدو منظر شخصٍ يأكل جميلاً. أليس كذلك؟”
“…نعم، بالفعل.”
شعرتُ أنّ مظهر كارديان الذي بدا طائشًا ومختلفًا عن طباعه المعتادة كان غريبًا ومألوفًا في الوقت ذاته.
في الوقت نفسه، شعرتُ بدغدغة في قلبي.
‘بالتأكيد…’
حتّى لو كان حلمًا، فهذا حلوٌ للغاية.
مغريٌ بدرجةٍ يصعب مقاومتها.
“هل انتهيتِ من الأكل؟ هل ننهض؟”
بعد انتهاء الطعام، خرجتُ أنا وكارديان للتنزّه في الحديقة جنبًا إلى جنب.
فجأة، خطرت لي فكرة.
هل يمكنني السؤال؟ بينما كنتُ أتردّد، سمعتُ صوت كارديان.
“لا داعي للحذر. قولي ما تريدين قوله.”
“…”
حتّى في الحلم، كان كارديان ذكيًّا في قراءة الأمور.
حسنًا، إذن سأسأل بصراحة.
“إذن، أنا وسيادتك متزوّجان، أليس كذلك؟ بمعنى، زوجٌ وزوجة.”
“إذا كنتِ تسألين إن كنّا زوجين، فالجواب نعم. أنا زوجكِ، وأنتِ زوجتي.”
“إذن، لماذا ما زلتَ تناديني بـ’معلّمة‘؟”
كان مجرّد فضولٍ بريء.
نظرتُ إليه بعينين متسعتين، فنظر إليّ للحظة ثمّ ضحك بخفّة وقال بنبرةٍ مرحة:
“لقبٌ خاص.”
“…”
“لأنّني الوحيد في هذا العالم الذي يمكنه أن يناديكِ بـ’معلّمة‘.”
“آه…”
“أم تريدينني أن أناديكِ بشيءٍ آخر؟”
“لا، أعني-”
“زوجتي.”
“…”
توقّفت كلماتي في حلقي.
“أليس هذا كافيًا، زوجتي؟”
خطرٌ حقيقيّ.
كارديان، الذي ينظر إليّ وحدي بصوتٍ لطيفٍ وهو يقول “زوجتب”، مع الحديقة الخضراء والشمس في الخلفية، كان…
‘خطرًا حقيقيًّا.’
رنّ جرس إنذارٍ في رأسي.
يجب أن أهرب من هنا فورًا.
وإلّا…
“لحظة، انتظر!”
“معلّمة!”
سمعتُ كارديان يناديني، لكنّني تجاهلته وهرعتُ للأمام.
خرجتُ من الحديقة وعدتُ إلى داخل المبنى.
“هاه، هاه…”
تأكّدتُ أنّ كارديان لم يتبعني، فاسترخيتُ وتنفّستُ بصعوبة.
“ما هذا؟ الحلم واقعيٌّ جدًّا!”
أليس من المفترض أن لا نشعر بالتعب في الأحلام؟
كان قلبي يخفق بسرعة، ووجهي يحترق، والعرق البارد يتصبّب. كلّ هذه الأحاسيس كانت واقعيّةً جدًّا.
لا يمكن تصديق أنّ هذا مجرّد حلم.
لذلك…
“…لا أريد أن أستيقظ.”
كنتُ واثقةً من نفسي.
كنتُ واثقةً أنّني لن أقع في فخّ سيليستينا، مهما فعلت باستخدام رغباتي.
لكن هذا كثيرٌ جدًّا.
على الرغم من علمي أنّه حلم، إلّا أنّه واقعيٌّ لدرجة أنّني أردتُ أن أجعل هذا المكان واقعيًّا وأستسلم له.
‘اهدئي. ركّزي…’
بينما كنتُ أردّد في ذهني لأتماسك، سمعتُ صوتًا.
“المعلّمة فيا؟”
التفتُّ برأسي بسرعة.
“ماذا تفعلين هناك؟”
“…آه.”
يا إلهي.
اقترب منّي فتى ذو شعرٍ فضيٍّ بخطواتٍ سريعة.
نظرتُ إليه مذهولةً وكأنّني مسحورة.
مال الفتى، الذي وصل إليّ، برأسه قليلاً وقال بقلق:
“لماذا تعرقين هكذا؟ تبدين شاحبةً… ألم تقولي إنّكِ ستتناولين الغداء مع والدي؟ هل حدث شيء؟”
“…فينسنت.”
“نعم، أنا هنا. هل أنتِ بخير؟ ألستِ مريضة؟”
كانت عينا الفتى الياقوتيّتان تعكسان قلقًا خالصًا تجاهي.
نعم، هذا الفتى…
فينسنت الذي أمامي لم يكن الطفل الصغير الذي أعرفه.
كان طوله قريبًا من طولي، وخدّاه أقلّ امتلاءً، وكان يبدو كفتى في منتصف سن المراهقة.
“هذا لا يصح! تعالي معي إلى العيادة.”
“لا، أنا-”
“لا تستطيعين المشي؟ سأحملكِ على ظهري!”
انحنى فينسنت أمامي مباشرة.
كان يبدو وكأنّه سيحملني فورًا إن لم أوافق.
“لا، أنا حقًا بخير.”
“هيّا! ألم أقل إنّني سأحميكِ؟ هذه إحدى طرق حمايتكِ.”
“لكن…”
“هل تخشين أن أسقطكِ؟”
نظرتُ إلى عيني فينسنت، فبدت مليئةً بخيبة الأمل، وكأنّه سينفجر باكيًا إن رفضتُ.
آه، لا أعرف!
“حسنًا، حسنًا! شكرًا!”
إنّه حلمٌ على أيّ حال.
شعرتُ بالذنب لتحميل فينسنت ثقلي، لكنّني تجاهلتُ ذلك وتسلّقتُ على ظهره.
نهض فينسنت بسهولة دون أيّ جهدٍ واضح.
لكنّني لمحتُ تعبير وجهه يتجهّم.
ما الخطب؟ هل أنا ثقيلةٌ جدًّا؟
بينما كنتُ أفكّر في طلب النزول، سمعتُه يقول:
“ما الذي فعله والدي؟”
“ماذا؟”
“أنتِ، أنتِ أخفّ من الريشة. لا بدّ أنّكِ تعانين من مشكلةٍ صحيّة.”
“…”
شعرتُ أنّه لا ينبغي أن أردّ أكثر.
طوال الطريق إلى العيادة، ظلّ فينسنت يردّد أنّني خفيفةٌ جدًّا، وأنّه يجب أن أتناول المزيد، وأنّ المعلّمة نحيفةٌ جدًّا، بكلماتٍ محرجةٍ لو سمعها أحد.
عندما وصلنا إلى العيادة، وضعني فينسنت بحذرٍ على السرير.
يبدو أنّ الطبيب غائبٌ مؤقّتًا.
“سأذهب لإحضاره. ابقي هنا وارتاحي.”
“حسنًا، شكرًا.”
“هذا واجبي. فأنتِ أمّي أيضًا، أليس كذلك؟”
“…”
“سأعود قريبًا!”
غادر فينسنت العيادة بحماس.
بقيتُ وحدي، أنظر إلى الباب المغلق في ذهول، ثمّ أغمضتُ عينيّ.
آه…
‘أنا سعيدة.’
قد يكون هذا مبالغًا فيه بعض الشيء، وقد يكون سلسلةً من المواقف غير المتوقّعة، لكنّ السعادة التي يمنحونها لا تُضاهى.
ولهذا شعرتُ بالحزن أكثر.
‘هذا ليس الواقع.’
لا كارديان، ولا فينسنت، ولا أشعّة الشمس الدافئة التي تتسلّل من النافذة، ولا خفقان قلبي، ولا دغدغة يديّ وقدميّ.
‘كلّها أوهام.’
واقعي ليس هنا.
لذا، لا تتزعزعي، ليفيا بيلينغتون.
هذا مجرّد حلمٍ تمنّيته…
“…نعم، حلم.”
ردّدتُ في نفسي وأغمضتُ عينيّ.
غريبٌ أنّني أشعر بالنعاس رغم أنّه حلم.
استسلمتُ للنوم دون مقاومة.
مع أمنيةٍ ألّا أستيقظ من هذا الحلم.
* * *
“آه!”
بينما يقاوم إيدن العاصفة السوداء بجسده، نظر بصعوبةٍ إلى الأمام.
كانت ليفيا وسيليستينا مقيّدتين معًا بطاقةٍ سوداء.
بدأت يد سيليستينا تطبق على ليفيا تدريجيًّا.
“اللعنة!”
تفوّه إيدن بشتمٍ ممزوجٍ بالقلق.
لكنّه لم يستطع سوى أن يثق بليفيا وينتظر.
فجأة…
بوم!
فتح الباب بعنف وظهر شخصٌ ما.
التفت إيدن ورأى بعينين متسعتين.
“…الدوق مرسيدس؟”
كان كارديان.
بل، بالأحرى، كارديان الذي بالكاد يحتفظ بهيئته.
“كيف…”
كان يبدو وكأنّه سيسقط في أيّ لحظة.
كان جسده مغطّى بالدماء، وملابسه ممزّقة منذ زمن، وقطرات دمٍ مجهولة الهويّة تتساقط من طرف سيفه. كانت عيناه بلا تركيز.
“انتظر-”
حين حاول كارديان الاندفاع داخل العاصفة، أمسك إيدن كتفه بسرعة.
دون أن يلتفت، قال كارديان بوجهٍ بارد
“اتركني.”
“لا يمكن ذلك. كلّ هذا جزءٌ من خطّة ليفيا-”
“قلتُ اتركني.”
“دوق!”
لم يبدُ كارديان مستعدًا للاستماع، فانفجر إيدن غاضبًا.
لكنّ كارديان لم يتفاعل حتّى مع هذا الغضب، واستمرّ في التقدّم نحو ليفيا فقط.
لم يتوقّف عن المضيّ قدمًا، حتّى وإن مزّقت العاصفة السوداء جلده وأمسكت بكاحليه.
كانت ليفيا أمامه مباشرة.
وفي اللحظة التي كادت يده أن تمسّها…
بوم!
*ੈ✩‧₊˚༺☆༻*ੈ✩‧₊˚
التعليقات لهذا الفصل " 264"