الفصل 250
“هذا…”
تردّدتُ للحظةٍ من كلام كارديان الحادّ الذي أصاب الهدف بدقّة.
لكن سرعان ما تنهّدتُ بخفّة وكشفتُ بصراحة.
“في الحقيقة… رأيته بنفسي.”
“…رأيته؟”
“نعم.”
أومأتُ برأسي وأشرتُ إلى القلادة التي يمسكها كارديان.
“روح القدّيسة السّابقة، التي كانت كامنة في هذه القلادة، أظهرت لي ذكرياتها. من خلال تلك الذكريات، عرفتُ عن القدّيسة السّابقة والدوق السّابق، و…”
تحوّلت نظرتي تلقائيًا إلى اليسار.
كانت عينان بلون اللّيمون تحدّقان بي بهدوء.
شعرتُ وكأنّ شوكةً عالقةً في حلقي، لكنّني أكملتُ كلامي.
“حتّى موت الأشخاص المحيطين بها…”
“…”
غرقت عينا ليمون، الذي فهم على الفور من أعني بـ”الأشخاص المحيطين”، في ظلامٍ عميق.
“علمتُ أيضًا من خلال الذكريات أنّ تراث العائلة مخفيّ في هذه القلادة.”
في الحقيقة، أخبرتني إليشا بذلك مباشرة، لكنّ الأمر كان يصعب تصديقه حتّى بالنّسبة لي، فخشيتُ أن يقلّل من مصداقيّة كلامي، فغيّرتُ العبارة قليلاً.
“بالطّبع، قد يكون من الصّعب تصديق ذلك…”
لكن جاء ردٌّ غير متوقّع.
“أصدّقكِ.”
نظرتُ إلى ليمون بدهشةٍ من رده المفاجئ. كان ليمون يعقد حاجبيه قليلاً، كأنّ شيئًا يزعجه.
ثمّ…
“حتّى لو…”
من صوتٍ جاء من الجانب، ارتجفتُ كتفاي.
أمسكتُ قبضتي ثمّ أفلتها دون سبب.
تنفّستُ وأدرتُ رأسي ببطء.
على الرّغم من أنّها لحظاتٌ قليلة، شعرتُ وكأنّها تمتدّ إلى الأبد.
كنتُ خائفة.
‘خائفة ألّا يصدّقني.’
بالطّبع، أعلم أنّ كارديان سيصدّقني.
لقد كان دائمًا كذلك.
لكن هذا القلق منفصلٌ عن ذلك، إنّه ينبع من قلبي.
خوفٌ طفيفٌ من أن يتجاهلني كارديان، ولو قليلاً.
ثمّ…
“حتّى لو أخبرني كلبٌ عابر، فكلامكِ سيكون صحيحًا.”
“…”
“لأنّكِ كنتِ دائمًا على حقّ.”
تلاشى ذلك القلق الغامض بكلمةٍ واحدة من كارديان.
كان تعبيره ونبرته وحركاته ونظراته كالمعتاد.
شعرتُ بغبائي لخوفي من تجاهله، ولو للحظة.
حدّقتُ به مذهولة، فضحك كارديان بخفّة وسأل:
“تعبيركِ يبدو كأنّكِ كنتِ قلقة من ألّا أصدّقكِ.”
على الرّغم من نبرته الخفيفة، أصاب الهدف بدقّة.
لم أجد ردًا، فأغلقتُ شفتيّ، فقال كارديان:
“قلقٌ لا داعي له.”
“…لكنّها كلماتٌ غير واقعيّة.”
“لم يكن شيءٌ ممّا حقّقتِه واقعيًا.”
كان هذا صحيحًا أيضًا.
“وعلاوةً على ذلك، هذا التراث حقيقيٌّ بالتأكيد، فلا مجال للشّك في كلامكِ.”
“…شكرًا لثقتكَ.”
“حسنًا، ليس هذا السّبب الوحيد.”
“…؟”
ماذا يعني هذا؟
كانت جملة كارديان الأخيرة غامضة.
في تلك اللحظة، تدخّل ليمون، الذي كان يتابع حديثنا بهدوء.
“في الحقيقة، لدينا شيءٌ نريد إخباركِ به، الآنسة ليفيا.”
“أنا؟”
من كلام ليمون المفاجئ، أشرتُ إلى نفسي، فأومأ برأسه بتعبيرٍ جادّ.
ما الذي يجعله بهذا الجديّة؟
وعلاوةً على ذلك…
‘قال “نحن”، أليس كذلك؟’
الأشخاص الذين يمكن أن يضمّهم ليمون في كلمة “نحن” هنا…
‘لا يمكن إلّا أن يكون كارديان.’
متى أصبحا بهذه القرب؟
“نظرتكِ مزعجة.”
عندما نظرتُ إليهما بهذا التّفكير، عبّر كارديان عن انزعاجه صراحة.
يبدو أنّهما لم يصبحا مقربين بعد.
نظرتُ إلى ليمون ليحلّ هذا اللغز.
عندما تقابلت أعيننا، أومأ ليمون قليلاً وأكمل.
“عندما فقدتِ وعيكِ… ربّما عندما كنتِ ترين ذكريات القدّيسة السّابقة المختومة في القلادة.”
“آه، نعم.”
فهمتُ على الفور متى يقصد.
أغلق ليمون شفتيه للحظة، ثمّ قال بتعبيرٍ مصمّم:
“في ذلك الوقت، التقينا بوجودٍ آخر. بمعنى…”
“التقينا بالقدّيسة السّابقة التي استعارت جسدكِ.”
“…ماذا؟”
توقّف عقلي للحظة من كلام كارديان.
من استعار ماذا والتقى بمن؟
“كما توقّعتُ، لم تكوني مدركةً لذلك.”
أومأتُ برأسي بقوّة على كلام ليمون.
‘بالطّبع!’
كنتُ غارقةً في ذكريات إليشا آنذاك.
‘لهذا السبب.’
عندما استيقظتُ، بدت تصرّفات كارديان وليمون غريبةً قليلاً.
كان من الغريب أيضًا أنّهما تركاني في تلك الحالة لساعات.
‘بينما كنتُ أرى الذكريات، كانت إليشا في جسدي…’
التفتُ تلقائيًا.
كان كارديان يحدّق بي بعينين أرجوانيّتين لا يمكن قراءتهما.
ابتلعتُ ريقي وسألتُ بحذر:
“إذن… ماذا قالت القدّيسة السّابقة التي استعارت جسدي؟”
كانت نظرتي إلى كارديان شبه انعكاسيّة.
إذا استعارت إليشا جسدي، فهذا يعني أنّ لديها شيئًا مهمًا يجب قوله.
وكان كارديان حاضرًا هناك.
كارديان مرسيدس، أخ ديلرون مرسيدس، حبيبها.
حدّق كارديان بي بهدوء، ثمّ أجاب ببطء.
“قالت إنّها آسفة.”
“…آسفة؟”
“لأنّها سلبته عائلته. ولأنّها أثقلت كاهله بعبءٍ ثقيل.”
“…”
كان كلامًا غير متوقّع، لكنّه في الوقت ذاته يشبه إليشا جدًا.
عقد كارديان حاجبيه كأنّه منزعج، ثمّ عقد ذراعيه واتّكأ على المقعد وقال:
“بالأحرى، قالت إنّها تنقل كلام ديلرون مرسيدس. كان يشعر دائمًا بالذّنب تجاهي، وآسف لأنّه ترك المسؤوليّة لي بلا مسؤوليّة.”
كأنّه أمرٌ مضحك.
تشوّهت شفتا كارديان.
“ثمّ تحدّثت عن الانفجار السّحري.”
“الانفجار السّحري…؟”
فجأة؟
اتّسعت عيناي من الموضوع غير المتوقّع.
في الوقت ذاته، شعرتُ بالأمل.
ربّما أخبرته بطريقةٍ لعلاج انفجار كارديان السّحري.
لكن الكلمات التالية حطّمت أملي بلا رحمة.
“قالت إنّ استعادة التراث لن تعالج الانفجار السّحري.”
“…ماذا؟”
شعرتُ وكأنّ السّماء تنهار، وتوقّف نفسي من الصّدمة.
بالكاد أخرجتُ صوتًا.
“لماذا؟ كيف؟ تراث مرسيدس يمكنه التحكّم بكلّ السّحر في العالم. إذن، الانفجار السّحري بالتأكيد…”
“قالت إنّه ليس سحرًا.”
“…ليس سحرًا؟”
شعرتُ وكأنّ عقلي لا يستطيع مواكبة الحديث.
أعراض الجنون ناتجة عن انفجارٍ سحري، لكنّها ليست سحرًا؟
إذن، ما هو الشّيء الذي يغرق كارديان في جحيمٍ مروّع…
‘لحظة.’
من فكرةٍ مفاجئة، شعرتُ وكأنّ قلبي توقّف.
نظرتُ إلى كارديان، آملة ألّا يكون ما أفكّر به صحيحًا، لكنّه ظلّ ثابتًا دون حراك.
كأنّه يؤكّد أنّ تخميني صحيح.
على الرّغم من أنّني أعتقد أنّه مستحيل، إذا لم يكن سحرًا، فهل هو…
“…القوّة مقدسة؟”
من كلمتي الحذرة، أطلق كارديان ضحكةً ساخرة.
كأنّه لا يصدّق، وفي الوقت ذاته يشعر بالفراغ.
‘سيليستينا…’
وإيغريد.
لماذا لم أفكّر في هذا؟
‘من البداية، إيغريد هي جماعةٌ دينية.’
القوّة التي يستخدمونها هي بالطّبع القوّة مقدسة.
“…لم يكن انفجارًا سحريًا، بل تعويذة. تلك التّعويذة…”
هي التي دمّرت حياتكَ بشكلٍ بائس.
التّعويذة التي وضعها إيغريد على كارديان، متنكّرةً في صورة انفجارٍ سحري، كانت تعذّبه.
لكن الأخبار المؤلمة لم تنتهِ عند هذا الحدّ.
“قالت إنّ ترك هذه التّعويذة سيؤدّي إلى السيطرة على عقله قريبًا.”
“السيطرة على عقله؟”
حدّقتُ بكارديان مذهولة.
نظر إليّ كارديان بنفس الدّقة.
حرّك شفتيه وقال:
“سيُغرق في الرّغبات، وسيتحوّل إلى وحشٍ يدمّر كلّ شيءٍ حوله لتحقيق تلك الرّغبات.”
“…”
“هكذا قالت القدّيسة. وأنا أتّفق جزئيًا مع كلامها.”
كانت نبرة كارديان هادئة، لكنّ الكآبة الكامنة فيها لم يمكن إخفاؤها.
ثمّ…
“وحشٌ ابتلعته الرّغبات…”
أغمضتُ عينيّ بقوّة.
أعتقد أنّني أعرف.
‘هذا نهاية كارديان، أليس كذلك؟’
الشرير الذي دمّر كلّ شيءٍ من أجل امتلاك القدّيسة سيليستينا، البطلة، وأدّى في النّهاية إلى هلاكه.
كارديان مرسيدس.
‘الآن، تكتمل الصّورة.’
إذا كانت التّعويذة التي وضعها إيغريد على كارديان في القصّة الأصليّة قد تفاقمت،
فإنّ رغبة كارديان كانت سيليستينا، والتّعويذة غذّت تلك الرّغبة.
أصبح كارديان فريسةً للتّعويذة، فجنّ من أجل امتلاك سيليستينا، وفي النّهاية قتله ابنه فينسنت.
‘ربّما فينسنت أيضًا…’
لم يظهر إيغريد في القصّة الأصليّة.
هذا يعني أنّنا لن نعرف إذا كان سيغموند، الذي عاد إلى القصر، قد فعل شيئًا.
‘ليس سيغموند فقط.’
كان من السهل على من سيطر على عقل كارديان أن يقترب من فينسنت.
‘لحظة.’
من فكرةٍ مفاجئة، رفعتُ رأسي فجأة.
حدّقتُ بكارديان مذهولة.
على عكس القصّة الأصليّة، لم يعد كارديان يرغب في سيليستينا.
إذن، ما هي الرّغبة التي تُغذّيها التّعويذة الآن؟
حدّقتُ بكارديان مذهولة.
لسببٍ ما، شعرتُ أنّ عينيه سوداويّتان.
*ੈ✩‧₊˚༺☆༻*ੈ✩‧₊˚
التعليقات لهذا الفصل " 250"