الفصل 246
نظرتُ إلى كارديان بنظرةٍ ضبابيّة كأنّني شخصٌ لم يستيقظ بعدُ من نومه، وفكّرتُ ببلاهة.
‘لقد عدتُ.’
لقد عدتُ من الماضي إلى الحاضر الذي يوجد فيه كارديان.
فجأة، اندفعت الدّموع بعنفٍ إلى عينيّ.
“ليفيا-”
وثبْتُ!
عانقتُ كارديان من رقبته على الفور.
شعرتُ بأنّ كارديان، الذي كان يهمّ بمناداة اسمي، تجمّد من الدّهشة، لكنّني لم أستطع إفلاته.
وهذا لأنّ…
“لقد اشتقتُ إليك.”
“…”
لم يُجب كارديان بأيّ ردّ، لكنّني ضغطتُ بيديّ على عناقه بقوّة أكبر.
‘كنتُ خائفة.’
كانت ذكريات إليشا ثقيلةً جدًا لأتحمّلها وحدي.
الشّعور الذي انتابني وأنا أشاهد المأساة والموت بعينيّ كان مزيجًا من الحسرة والخوف.
ثمّ تذكّرتُ كارديان.
كنتُ فقط أريد رؤيته، واشتقتُ إليه بشدّة.
سيطرت عليّ رغبةٌ عارمةٌ في العودة إلى جانبه.
“…ليفيا.”
سمعتُ صوت كارديان يتمتم بهدوء.
ثمّ،
“كلّ شيءٍ على ما يرام.”
بدأ يمسح ظهري ببطء.
“الآن، كلّ شيءٍ على ما يرام.”
كان نبرته لطيفةً وهادئة كمن يهدّئ طفلاً مرعوبًا، لطيفةً إلى درجةٍ يصعب تصديقها أنّها من كارديان.
‘…إنّه كارديان.’
لكنّ هذا كان بالتأكيد صوته.
عندما أدركتُ ذلك، بدأ التوتّر يتلاشى تدريجيًا. في اللحظة التي هممتُ فيها بإفلات يديّ من حول عنقه،
“آه!”
رفعني كارديان فجأةً وأنا على هذه الحال.
“مهلاً، انتظر لحظة!”
هذا شيءٌ مختلف تمامًا!
حاولتُ التملّص بسرعة، لكنّ كارديان لم يُفلت مني، بل أمسكني بقوّة.
نظر إليّ وأنا أتحرّك كسمكةٍ تمّ صيدها للتوّ، ثمّ قال كلمةً واحدة:
“إن سقطتِ، ستكونين أنتِ الخاسرة.”
يا لهذا الرّجل!
أردتُ الاحتجاج، لكنّ صوتًا سمعته فجأةً قاطعني.
“…لنغادر هذا المكان أولاً. لقد أضعنا وقتًا أكثر ممّا كان متوقّعًا.”
ارتجفتُ ونظرتُ نحو مصدر الصّوت.
رجلٌ بشعرٍ أشقر بلاتينيّ وعينين بلون اللّيمون.
تداخل وجه امرأةٍ ذات شعرٍ بلاتينيّ مع وجهه.
“الآنسة ليفيا؟”
“آه… لا، لا شيء.”
عندما رآني أحدّق به، أمال ليمون رأسه باستغراب.
أدرتُ رأسي بسرعة.
شعرتُ فجأة بضيقٍ في صدري.
لأنّ ليمون أيضًا هو بطلٌ من أبطال المأساة.
و…
“…لديّ شيءٌ يجب أن أقوله لكما عندما نعود.”
نظرا إليّ كارديان وليمون معًا عندما قلتُ ذلك.
سرعان ما أومأ الاثنان برأسيهما.
“الشمس ستبدأ بالشّروق قريبًا.”
عند كلمات ليمون، التفتُّ مذهولة.
كما قال، كانت الشّمس تشرق تدريجيًا من خلف الأفق.
‘كم من الوقت مرّ بحقّ؟’
عندما صعدتُ إلى القمّة، لم يكن حتّى منتصف اللّيل، لكنّ الآن اقترب وقت الفجر.
‘لقد بقيتُ هنا أكثر ممّا كنتُ أعتقد.’
فجأة، شعرتُ بالاستغراب.
خلال كلّ هذا الوقت الطّويل الذي فقدتُ فيه وعيي وانهرتُ، لم يتّخذ الاثنان أيّ إجراء؟
‘ليسا من هذا النّوع.’
شعرتُ بإحساسٍ غريب، لكنّ الأولويّة الآن كانت مغادرة المعبد.
تأكّدتُ من أنّ القلادة والأوراق سليمة، ثمّ (على مضض) ركبتُ المصعد مع كارديان وأنا في أحضانه للنّزول.
بينما كنّا نغادر المعبد على عجل،
“انتظروا لحظة.”
أوقفنا صوتٌ سمعناه فجأة.
تجمّدتُ من التوتّر.
من هذا؟
‘هل اكتشفونا؟’
بينما كنتُ متصلبة، اقتربت خطواتٌ ثقيلة.
ثمّ…
“سآتي معكم.”
رفعتُ رأسي عند سماع هذه الكلمات.
بفضل التفاف كارديان ببطء، تمكّنتُ من رؤية صاحب الصّوت.
“…السّير إيدن.”
“خذني معكم.”
اقترب إيدن، الذي وصل إلينا بالفعل، وقال بلا تعبير.
لكن، هل هو شعوري فقط؟
‘يبدو وكأنّه سينفجر بالبكاء…’
بالفعل، كان تحت عينيه حمراء كما لو أنّه بكى للتوّ.
كان منظرًا يثير الشّفقة تلقائيًا، لكنّ…
“ولمَ يجب عليّ فعل ذلك؟”
لم يكن كارديان من النوع الذي تؤثّر فيه هذه الشّفقة.
عند موقف كارديان الحازم، أغلق إيدن شفتيه للحظة.
بينما كان كارديان يحدّق به بهدوء ويهمّ بتجاوزه،
“ما زلتَ ستحتاجني.”
“…”
التفت كارديان كأنّه يسأل عما يعنيه.
ضيّق ليمون عينيه، وكأنّ هذا الموقف لا يروقه.
“في خططك القادمة، سأكون حليفًا مهمًا.”
“…ستخون المعبد؟”
“…”
عندما سأل كارديان، أغلق إيدن فمه.
لكنّ صمته كان إجابةً أقوى من التأكيد.
“هه… يبدو أنّ المعبد قد بدأ فعلاً بالانهيار. قائد فرقة الفرسان الأولى يقول هذا بنفسه.”
تغيّرت نظرة كارديان بشكلٍ غريب.
كانت نظرةً تحسب الأمور بوضوح.
في تلك اللحظة، التفتت عيناه نحوي.
سألني وهو ينظر إليّ:
“ما رأيكِ، أيتها المعلّمة؟ سأفعل حسب رغبتكِ.”
أنا؟
تفاجأتُ بالمسؤوليّة المفاجئة ونظرتُ إليه.
لكنّ كارديان نظر إليّ بعينين خاليتين من الاهتمام.
“أنا…”
تلعثمتُ في كلامي.
كانت عينا إيدن قد تحوّلتا نحوي بالفعل.
تقابلت عيناي مع عينيه في الهواء.
عضضتُ شفتي السّفلى بقوّة.
واجهتُ صراعًا داخليًا عنيفًا.
‘إيدن هو أحد الأشخاص الذين سيهدّدون كارديان في المستقبل.’
شخصٌ سيقطع ذراع كارديان لحماية سيليستينا.
هل يجوز ترك شخصٍ كهذا قريبًا من كارديان؟
لكن…
‘إيدن في القصّة الأصليّة يختلف عن إيدن الذي أمامي.’
كما أنّ كارديان مختلف، وفينسنت مختلف، وسيليستينا مختلفة، فإنّ إيدن أيضًا مختلف.
ليس من الصّواب الحكم على إيدن الحالي بناءً على إيدن القصّة الأصليّة.
وعلاوةً على ذلك…
‘خطة كارديان…’
تأمّلتُ كلمات إيدن.
لم يخبرني كارديان بتفاصيل خطته، لكنّني استطعتُ استنتاج شيءٍ تقريبي من مجريات الأمور.
العلاقة بين هيستيريون والإمبراطور.
علاقتهما بمرسيدس.
علاقة مرسيدس بالمعبد.
العلاقة بين الإمبراطوريّة والمعبد.
عند التّفكير في كلّ ذلك، ما يخطّط له كارديان الآن هو…
‘لا يمكنني إيقافه.’
ليس لديّ القوّة لإيقافه، ولا يجب أن أفعل.
لأنّه لهزيمة سيليستينا، يجب أن يصبح عدوًا للمعبد والإمبراطوريّة.
إذا كان إيدن في تلك اللحظة إلى جانب مرسيدس…
‘سيكون مساعدةً كبيرة.’
بصراحة، لا أفهم تفكير كارديان جيّدًا.
‘كان يجب أن يكون قد حسب هذا جيّدًا.’
مجرد استقطاب إيدن إلى جانبنا سيُلحق بالمعبد ضربةً كبيرة.
فلماذا يسألني كارديان عن رأيي بدلاً من قبوله مباشرة؟
ما الذي يعنيه رأيي…
‘لكن التّفكير في هذا الآن مضيعةٌ للوقت.’
نظرتُ إلى إيدن.
حسنًا، قل له أن يأتي…
“السّير إيدن، هل تستطيع أن تجعل القدّيسة والكاهن الأعلى أعداءك؟”
خرجت منّي كلماتٌ أخرى.
تفاجأ إيدن بسؤالي غير المتوقّع ونظر إليّ بعينين متسعتين.
‘أعرف.’
أعرف أنّ إيدن أمامي يختلف عن إيدن القصّة الأصليّة.
لكنّ الاختلاف لا يغيّر ماضي إيدن.
لقد كان إيدن مخلصًا للقدّيسة سيليستينا، وكان أقرب المقرّبين للكاهن الأعلى كالبينور.
هل يمكن أن يتغيّر ذلك بسهولة كقلب راحة اليد؟
‘إذا تغيّر قلب إيدن في لحظةٍ حاسمة، سنكون نحن في خطر.’
لذا، يجب أن أتأكّد قبل المضيّ قدمًا.
‘إذا كان إيدن، فلن يكذب.’
نظرتُ إلى عيني إيدن مباشرة.
اقترب منّي ببطء، وبدا وكأنّه غارقٌ في التّفكير.
ثمّ…
“الآنسة ليفيا.”
ركع أمامي ببطء.
من فعله المفاجئ، فتحتُ عينيّ بدهشة.
“السّير إيدن؟”
“أعرف ما الذي تخشينه.”
سحب سيفه المنقوش بنمط المعبد، ووضعه أمام قلبه.
بينما كنتُ في أحضان كارديان، نظرتُ إلى هذا المشهد بذهول.
“كما قلتِ، أنا ملزم بحماية القدّيسة، وعليّ اتّباع الكاهن الأعلى.”
“…”
“لكنّ كلّ ذلك ينبع من إيماني. وفي هذه اللحظة، إيماني هو…”
رفع رأسه ونظر إليّ.
كانت عيناه لا تزالان حمراوين، لكنّ عينيه الزّرقاوين كانتا أكثر صلابةً ونقاءً من أيّ وقتٍ مضى.
“ليفيا بيلينغتون، إيماني هو حمايتكِ.”
“…”
“أقسم ، بالسّيف وإيماني وقلبي، أنّني سأحميكِ بحياتي.”
…الجملة الأخيرة.
كانت تلك قسم الفارس عند تعيينه.
كان يردّد أمامي قسمًا يقيّد الرّوح.
هذا…
‘لا يمكنني إلّا أن أصدّقه.’
إذا لم أثق به بعد كلّ هذا، فلن أستطيع الوثوق بأحدٍ في هذا العالم.
أومأتُ برأسي.
“…حسنًا، سأثق بك.”
“شكرًا لكِ.”
أعاد إيدن سيفه إلى غمده.
“من الآن فصاعدًا، سأرافقكِ لحمايتكِ.”
“…لا أصدّق هذا.”
تدخّل صوتٌ ساخرٌ في تلك اللحظة.
*ੈ✩‧₊˚༺☆༻*ੈ✩‧₊˚
التعليقات لهذا الفصل " 246"