الفصل 232
‘أين الرّافعة؟’
كان هذا منطقيًّا، فالمصعد، إن كان مصعدًا، يجب أن يحتوي على رافعة، لكنّني لم أرَ واحدة في أيّ مكان.
لكن هذا لا يُعقل.
‘إذن، كيف يمكن تشغيل المصعد؟!’
بدلًا من ذلك، بحثتُ عن شيء آخر.
‘أين حجر الطّاقة؟’
عادةً، يحتوي المصعد على حجر طاقة مدمج فيه، لأنّ قوّة هذا الحجر تحلّ محلّ الكهرباء.
لكن، مثل الرّافعة، لم يكن هناك أيّ أثر لحجر الطّاقة.
اجتاحني شعور بالإحباط.
‘إذن، هل هذا المصعد مجرّد زينة؟’
هذا لا يعقل .
من سيضع مصعدًا كزينة؟
فضلًا عن ذلك…
‘من أجل دقّ الجرس في أوقات محدّدة، لا بدّ أنّهم أعدّوا وسيلة راحة.’
فلا يمكن أن يصعدوا هذا السّلّم في كلّ مرّة لدقّ الجرس.
والتّسهيلات المقصودة هي، على الأرجح، هذا المصعد الذي أنا وكارديان داخله الآن.
إذن، لا بدّ أنّ هناك طريقة لتشغيله…
شعرتُ أنّ رأسي سينفجر بسبب هذا المتغيّر غير المتوقّع.
في تلك اللحظة.
“ معلّمة، هناك شيء هنا.”
“ماذا؟”
التفتُّ عندما سمعتُ صوت كارديان فجأة، فوجدته يشير إلى زاوية ما.
ما الذي يقصده؟
اقتربتُ منه وخفضتُ بصري نحو المكان الذي أشار إليه.
وسرعان ما فتحتُ عينيّ على وسعهما.
“هذا حجر مقدّس!”
“حجر مقدّس؟”
أومأتُ برأسي بقوّة ردًا على تساؤل كارديان.
ثمّ نظرتُ بعيون متعجّبة إلى الحجر البيضاويّ الذي ينبعث منه ضوء أزرق خافت.
‘لا شكّ في ذلك.’
رغم أنّها المرّة الأولى التي أرى فيها الشّيء الحقيقيّ، إلّا أنّني أتذكّر رؤية الحجر المقدّس في مكان آخر.
‘أتذكّر قراءته في كتاب <خفايا المعبد>.’
كتاب كتبه أستاذ اللاهوت السابق، سيليفيل ناديل، قبل اختفاء جيفري.
كتاب وجدته وعكفتُ على قراءته في المكتبة بعيدًا عن أعين الطّلاب.
كان ذلك الكتاب كأنّه يحتوي على كلّ شيء عن اللاهوت.
ومن بينها…
‘كان هناك ذكر للحجر المقدّس.’
‘الحجر المقدّس’ هو، كما يوحي اسمه، حجر يتفاعل مع القوّة المقدّسة.
يشبه حجر الطّاقة من حيث المفهوم، لكنّ الفرق يكمن في أنّ حجر الطّاقة يحتوي على طاقة سحريّة يمكن تسخيرها.
‘أمّا الحجر المقدّس، فيبدو كحجر عاديّ من الخارج، لكنّه يتفاعل مع القوّة المقدّسة.’
من الطبيعيّ أنّ ‘القوّة المقدّسة’ هنا تعني القوّة الإلهيّة.
باستثناء الضّوء الأزرق الخافت المنبعث منه، يشبه الحصى العاديّ، لذا لا يمكن لمعظم النّاس تمييزه.
لو لم أقرأ كتاب <خفايا المعبد>، لما تعرّفتُ عليه أنا أيضًا.
لكنّ الأمر المفاجئ هو…
‘ألم يُقل إنّ الحجر المقدّس اختفى منذ زمن طويل؟’
بينما لا يزال هناك إمدادات قليلة من أحجار الطّاقة بسبب وفرتها، قيل إنّ الحجر المقدّس نادر جدًا ونفد منذ زمن بعيد.
لذا، في العصر الحديث، كان يُعتبر تحفة نادرة.
لم أتوقّع رؤيته في مكان كهذا…
لكنّ هذا حلّ اللغز.
“بدلًا من الرّافعة، يتمّ تحريك المصعد بقوّة هذا الحجر المقدّس.”
لأنّ الكاهن الذي يستطيع استخدام القوّة المقدّسة يمكنه تشغيل الحجر المقدّس.
المشكلة هي…
‘نحن هنا، أنا وكارديان فقط.’
نظرتُ إلى كارديان بعيون محرجة.
يبدو أنّ كارديان فكّر في الشّيء نفسه، فنظر إليّ.
‘ماذا نفعل الآن؟’
من حسن الحظّ أنّنا وجدنا طريقة لتشغيل المصعد، لكنّ الوضع محرج.
في تلك اللحظة، سمعتُ صوت كارديان.
“ما المشكلة؟”
“ماذا؟”
هل لديه حلّ جيّد؟
نظرتُ إليه بعيون مليئة بالتوقّع.
فابتسم كارديان وقال:
“إذا لم يعمل المصعد، يمكننا صعود الدّرج.”
“لكن…”
“لا تقلقي. سأتكفّل بنقلكِ إلى القمّة.”
لا، هذا هو أكثر ما يقلقني.
على أيّ حال، كارديان لن يتفهّم حتّى لو حاولتُ الشّرح.
تنهّدتُ بهدوء ونظرتُ إلى الحجر المقدّس مجدّدًا.
ثمّ تمتمتُ بهدوء.
“…ربّما يكون ذلك ممكنًا.”
شعرتُ أنّ كارديان ينظر إليّ من الأعلى بنظرة غريبة.
نظرتُ إلى الحجر المقدّس بتوتر.
ثمّ وضعتُ يدي بحذر فوق الحجر المقدّس.
و…
فشش.
تدفّق ضوء فضّي من تحت كفّي، ليحيط بالحجر المقدّس ببطء.
ساد الصّمت للحظة.
‘هل أخطأتُ؟’
في اللحظة التي فكّرتُ فيها بذلك.
طقطق.
“آه!”
“ معلّمة.”
مع اهتزاز مفاجئ، بدأ المصعد بالحركة.
عندما تعثّرتُ بسبب اهتزاز المصعد المفاجئ، أمسك كارديان كتفيّ بسرعة.
لم يكن الاهتزاز هو المفاجأة الوحيدة. انتفضتُ عندما لمست يده كتفي.
“هل أنتِ بخير؟”
لكنّ صوته جعلني أستعيد هدوئي، فابتسمتُ وكأنّ شيئًا لم يكن وقالت:
“بفضلك. أنا بخير الآن.”
ثمّ ابتعدتُ عن يده بهدوء.
نظر كارديان إلى يده بصمت.
أشحتُ بنظري عنه.
بالمناسبة…
‘هل نجح الأمر حقًا؟’
داخل المصعد الذي يصعد ببطء، نظرتُ إلى يدي التي أطلقت القوّة بذهول.
‘كنتُ أتوقّع ذلك…’
عندما أعدتُ شجرة إلى الحياة وهي تحتضر، كنتُ قد توقّعتُ ذلك.
‘إنّها قوّة مقدّسة حقًا…’
تفاعلت شجرة والحجر المقدّس مع قوّتي.
لا يوجد دليل أوضح من هذا.
ومع ذلك، كنتُ متزلزلة لأنّ-
‘لم أرَ أو أسمع قطّ عن قوّة مقدّسة كهذه.’
بما أنّني تخصّصتُ في اللاهوت، وكنتُ قريبة من جيفري، أستاذ اللاهوت، فأنا أعرف الكثير عن اللاهوت أكثر من أيّ شخص آخر.
فضلًا عن ذلك، لديّ معرفة من العمل الأصليّ <الجميع يحبّ القدّيسة فقط>.
لكن، لم يكن هناك أيّ ذكر لـ‘قوّة مقدّسة تتحكّم بالأحلام’.
لأنّ القوّة المقدّسة تعتمد أساسًا على ‘الشّفاء’.
حتّى القدّيسة سيليستينا، التي تمتلك قدرة شفاء أقوى قليلًا من الآخرين، لم تمتلك أيّ قدرات خاصّة أخرى.
‘إذن، ما أنا؟’
أنا متأكّدة أنّ هذه قوّة مقدّسة، لكنّها لا تزال لغزًا.
‘هل هي نوع من الطّفرة؟’
ما إن خطرت هذه الفكرة حتّى شعرتُ بقشعريرة في ظهري.
حتّى في حياتي السابقة، كنتُ مصابة بمرض عضال لم يُعرف اسمه، كنتُ كائنًا متفرّدًا.
لم أنتمِ إلى أيّ مكان، واضطررتُ للموت وحيدة على سريري.
شعرتُ وكأنّ ظلّ حياتي السابقة، التي ظننتُ أنّني محوتها، يلوح فوق رأسي.
في تلك اللحظة.
“…ليفيا بيلينغتون!”
“آه.”
رفعتُ رأسي مذعورة عند سماع صوت فجائيّ.
“…سيّدي الدّوق؟”
نظرتُ إلى كارديان، الذي نادى باسمي فجأة بصوت عالٍ، فحدّق بي بهدوء ثمّ ابتسم قليلًا.
“جرّبتُ ووجدتُ أنّ مناداة الاسم هي أفضل طريقة لجعل الشّخص ينتبه.”
“……”
“لا أعرف ما الذي تفكّرين فيه الآن، أيّتها المعلّمة.”
قال بنبرة هادئة:
“لن يحدث ما تتخيّلينه. لن أدع ذلك يحدث.”
“……”
“لن أترك الأمور تصل إلى ذلك.”
فجأة، شعرتُ بالفضول.
متى أصبحت نظرة كارديان دافئة إلى هذا الحدّ؟
‘كأنّ الشّتاء قد مضى.’
عندما رأيته أوّل مرّة، كان باردًا وجافًا كأرض متجمّدة.
لم يكن يبدو إنسانًا، إذ لم يُظهر ذرّة من العاطفة.
لكن، منذ لحظة ما، تغيّر كارديان.
أصبح ألطف وأدفأ، وأكثر من أيّ شيء، أصبح صلبًا.
في البداية، كنتُ أنا من يحميه، لكنّه منذ وقت ما بدأ هو يحميني.
مثلما انقلبت أجواؤه وعلاقتنا.
‘منذ متى؟’
متى أصبح قلبي مملوءًا به؟
‘لا أعرف حقًا.’
كلّ شيء تجاوز نطاق التوقّعات، فلم أعد أستطيع التأكّد من أيّ شيء.
‘…نعم، هذا صحيح.’
لا يمكن توقّعه.
التوقّعات تفشل.
‘لن يحدث ذلك.’
حتّى لو حدث.
“نعم.”
“……”
“أثق بك، سيّدي الدّوق.”
لأنّني أثق بكارديان.
أخيرًا، شعرتُ براحة في قلبي.
‘كأنّه سحر.’
ثمّ، فجأة، شعرتُ بالفضول.
‘كارديان لطيف جدًا الآن.’
تذكّرتُ الوقت الذي كان يتجنّبني فيه قبل أن نأتي إلى المعبد، عندما اختبأ في الجناح المنفصل.
لم يخبرني كارديان أبدًا لماذا تجنّبني.
‘ربّما يمكنني معرفة ذلك الآن.’
عندما هممتُ بفتح فمي للسّؤال.
طق.
توقّف المصعد المتصاعد فجأة.
*ੈ✩‧₊˚༺☆༻*ੈ✩‧₊˚
التعليقات لهذا الفصل " 232"