الفصل 231
كانت تعابير وجه كارديان جادّة على نحوٍ غير معتاد.
…لا، دعني أصحّح.
‘كان يظهر هذه التعابير كثيرًا من قبل.’
عينان متقلّصتان قليلًا، نظرة تبدو حادّة، وشفتان مضمومتان بقوّة.
كانت هذه التعابير تظهر عليه عندما يكون منزعجًا من شيء، أو غارقًا في التفكير.
لكن، كيف يمكنني قول هذا؟
‘يبدو أنّ النّكهة مختلفة قليلًا هذه المرّة.’
وفجأة، تحرّكت عيناه، اللتين كانتا تنظران إلى الأرض، نحوي بهدوء.
التقى نظرينا في الهواء.
ثمّ…
“……”
“……؟”
“……”
“ما، ما الذي يحدث؟”
تحت نظرته الثّابتة الصّامتة، ارتبكتُ وبدأتُ أتلعثم في كلامي.
شعرتُ بالخوف دون سبب واضح من مظهر كارديان المختلف قليلًا عن المعتاد.
لماذا يتصرّف هذا الرّجل بهذا الشّكل فجأة؟
يقولون إنّ الإنسان إذا بدأ يفعل أشياء غير معتادة، فإنّ موته يقترب.
‘هل يعقل؟’
كانت فكرة سخيفة، لكنّ كارديان الذي أمامي بدا غريبًا إلى هذا الحدّ.
في تلك اللحظة، انفرجت شفتا كارديان، وسُمع صوته المنخفض.
“معلّمة، عندما سقطتِ منذ قليل-”
لكنّ كارديان لم يستطع إكمال جملته.
“يبدو أنّ صوتًا جاء من هناك، أليس كذلك؟”
لأنّ صوت شخص آخر بدأ يقترب تدريجيًّا.
استعدتُ رباطة جأشي حينها، وقفزتُ من مكاني.
‘ليس هذا وقت الوقوف هكذا!’
نسيتُ للحظة خطورة الموقف وسط ارتياحي للهبوط دون إصابة.
لم ينتهِ اليوم بعد.
التفتُّ إلى كارديان وقلتُ بنبرة عاجلة:
“لنغادر هذا المكان أوّلًا.”
إذا اكتُشفنا هنا، فستذهب قفزتنا المتهوّرة هباءً.
كانت أصوات الأقدام تقترب شيئًا فشيئًا.
وكلّما اقتربت، ازداد قلقي، لكنّ كارديان، لسبب ما، ظلّ جالسًا دون أن يتحرّك.
بل إنّه لم يبدُ وكأنّه يسمع صوتي بوضوح.
ما الذي يحدث لهذا الرّجل اليوم تحديدًا؟!
“سيّدي الدّوق، سيُقبَض علينا هكذا!”
“……”
“سيّدي…”
حثثتُ كارديان الذي لم يتحرّك، ثمّ أغلقتُ شفتيّ بقوّة.
هذه الطّريقة لن تنجح أبدًا.
‘لا مفرّ.’
هوو…
أخذتُ نفسًا عميقًا وشددتُ قبضتي.
ثمّ.
طق.
“كارديان!”
“……!”
أمسكتُ وجنتيه بيديّ، ونظرتُ في عينيه، وصحتُ باسمه.
دهش كارديان من تصرّفي المفاجئ، فاتّسعت عيناه بشكل لا يليق به.
نظرتُ في عينيه مباشرة وقلتُ بجدّيّة:
“انتبه. ليس هذا وقت التّشتت.”
“……آه.”
حينها، ألقى نظرة على المحيط وتنهّد بهدوء.
“أعتذر.”
بعد اعتذار موجز، نهض كارديان بهدوء.
نظرتُ إليه بعينين قلقتين.
‘هل هو بخير حقًا؟’
حالة كارديان اليوم تبدو غريبة جدًا.
أردتُ أن أسأله إن كان هناك شيء، وإن كان بخير، لكنّ الوضع لم يسمح بذلك.
“علينا تغيير مكاننا أوّلًا.”
خلال هذا الوقت، اقتربت أصوات الأقدام أكثر.
إذا تجاوزوا الزّاوية، سيقابلوننا مباشرة.
أومأ كارديان برأسه.
“هل فكّرتِ في مكانٍ ما؟”
“برج الجرس.”
أجبتُ دون تردّد.
لم يقترب الموعد المتّفق عليه فحسب، بل بما أنّ كارديان اكتشفني، يجب أن نتحرّك معًا.
‘ليمون سيتفهّم بالتأكيد.’
فكّرتُ في نفسي وحثثتُ كارديان مجدّدًا.
“أعرف الطّريق.”
كنتُ قد حفظتُ مسار الوصول إلى برج الجرس مسبقًا.
“اتبعني… آه!”
بينما التفتُّ لأرشد الطّريق، رُفع جسمي فجأة.
غطّيتُ فمي على الفور ونظرتُ إلى كارديان بذهول.
بالأحرى، إلى كارديان الذي يحملني بين ذراعيه.
“ما، ماذا تفعل؟!”
حاولتُ التملّص طالبةً النزول فورًا، لكنّ كلمات كارديان اللاحقة جعلتني أرتجف.
“كاحلك.”
“……هل كنتَ تعلم؟”
كيف عرف؟
عندما هبطتُ منذ قليل، التوى كاحلي قليلًا.
لكنّه كان التواءً طفيفًا جدًا، لم أشعر بحاجة لإخفائه.
حتّى أنا نسيته للحظة، فكيف عرف كارديان؟
أردتُ السّؤال، لكنّه لم يعطني فرصة.
“أرشديني.”
“لحظة، يمكنني المشي. أنا بخير حقًا.”
لكنّ سيّدنا الدّوق كارديان مرسيدس، كعادته، تجاهل كلامي تمامًا.
“أليس هذا وقت التّسكّع؟”
“……”
هذا غير عادل.
لكن، كما قال كارديان، لم يكن لدينا وقت للنّقاش.
عضضتُ شفتيّ بقوّة.
ثمّ أشرتُ بإصبعي إلى اتّجاه معيّن.
“…هناك. استمرّ مباشرة حتّى تصل إلى الزّاوية.”
ما إن تكلّمتُ حتّى تقدّم كارديان.
بسبب سرعته اللافتة، شددتُ جسدي.
“إذا شعرتِ بالقلق، تمسّكي بي، أيّتها المعلّمة.”
سقط صوت كارديان من فوق رأسي.
كما قال، لو تمسّكتُ بحافّة ثوبه، لشعرتُ بأمان أكبر.
لكن…
‘قلبي سينفجر.’
كان المكان الذي يلامسه يحترق وكأنّني أصبتُ بحروق.
كان جسدانا متلاصقين، ووجهينا قريبان جدًا.
حتّى عندما سقطنا، كنا متشابكين كجسد واحد، لكنّ الشّعور كان مختلفًا تمامًا.
‘لأنّ الموقف كان عاجلًا حينها.’
فضلًا عن أنّنا كنا نفكّر في الموت، لم يكن لديّ وقت لأشعر بهذه التّفاصيل.
لكن الآن، الوضع مختلف.
رغم أنّه لا يزال خطيرًا، إلّا أنّني أصبحتُ أكثر هدوءًا مقارنةً بالسابق.
لكنّ هذا الهدوء أصبح سمًّا بالنّسبة لي.
لأنّني أشعر بكارديان بوضوح الآن…
إذا اقتربنا أكثر، أخشى أن يكتشف حالتي.
‘صوت قلبي، لا يُسمع، أليس كذلك؟’
هل شعور الإعجاب بشخصٍ ما يجعل القلب يخفق بهذا الشّكل؟
أخاف جدًا أن يكتشف كارديان هذا الشّعور، وأن يصبح استمرار علاقتنا الحاليّة مستحيلًا.
نظرتُ إليه خلسة لأتبيّن تعابيره.
ثمّ التقى نظرينا.
“……!”
منذ متى؟
منذ متى كان كارديان ينظر إليّ؟
عيناه البنفسجيّتان الهادئتان بدتا كأنّهما تخترقان أعماقي.
لذا، دون وعي، أشحتُ بنظري.
لو استمرّ التقاء عينينا، شعرتُ أنّ مشاعري المخفيّة ستنكشف كلّها.
لكن، هل لأنّني أصبحتُ واعية له؟
تحوّل كلّ تركيزي إلى كارديان.
لهذا، حتّى دون النّظر، علمتُ.
علمتُ أنّه لا يزال ينظر إليّ حتّى بعد أن أشحتُ بنظري.
ربّما يكون هذا مجرّد شعور، لكنّ يديه اللتين تحملانني بدتا كأنّهما تشدّدان قبضتهما.
* * *
لحسن الحظّ، وصلنا إلى برج الجرس دون أيّ مشاكل.
‘واو… إنّه طويل جدًا.’
نظرتُ إلى برج الجرس وأنا أعجب في داخلي.
حتّى من وسط العاصمة البعيدة عن المعبد، كان برج الجرس بارزًا بوضوح بسبب حجمه الهائل.
نظرتُ إلى الأعلى مذهولة، ثمّ تفحّصتُ المحيط.
‘هل لم يصل ليمون بعد؟’
أو ربّما هو في الأعلى.
مهما كان، الوقوف هنا قد يثير الشّبهات دون داعٍ.
“هل ندخل إلى الدّاخل أوّلًا؟”
أومأ كارديان برأسه وتحرّك.
فكّرتُ أن أطلب منه إنزالي، لكنّني تخلّيتُ عن الفكرة.
حاولتُ مرارًا خلال الطّريق، لكنّ كلامي لم يؤثّر فيه.
لقد استسلمتُ.
لحسن الحظّ، لم يكن هناك حرّاس يحمون برج الجرس.
‘بسبب احتفال عيد ميلاد الإمبراطور، تمّ سحب الأفراد.’
هذا منطقي.
في النهاية، برج الجرس لا يحتوي سوى على الجرس.
لذا، اختيار برج الجرس كمكان للقاء كان قرارًا ذكيًا.
يمكن العثور عليه بسهولة، والحراسة فيه ضعيفة.
أعجبتُ من جديد بـ ليمون الذي اختار هذا المكان، ودخلتُ مع كارديان إلى داخل البرج.
صرير-
أصدر الباب الحديدي الصدئ صوتًا مخيفًا وهو يُفتح.
بمجرّد دخولنا، رأيتُ سلّمًا بيضاويًّا طويلًا…
وإلى جانبه، مصعد.
‘الحمد لله.’
تنفّستُ الصّعداء.
كدتُ أصعد هذا السلّم بين ذراعي كارديان.
مجرد التفكير في الأمر يجعلني أرتجف.
“هناك مصعد، لذا يمكنك إنزالي الآن.”
“……”
“سيّدي الدّوق؟”
نظرتُ إلى كارديان باستغراب لعدم ردّه.
تنهّد بهدوء، ثمّ أنزلني ببطء.
بمجرد ابتعادي عنه، تجاهلتُ شعور الأسف، وتوجّهتُ إلى المصعد.
تبعني كارديان وصعد إلى المصعد.
عادةً، يتمّ تشغيل المصاعد بسحب رافعة.
كنتُ معتادة على استخدامها في نقابة، لذا كان المصعد جهازًا مألوفًا بالنّسبة لي.
لهذا كنتُ واثقة.
لكن…
‘ما هذا؟’
عندما فحصتُ الدّاخل، ارتبكتُ للحظة.
*ੈ✩‧₊˚༺☆༻*ੈ✩‧₊˚
التعليقات لهذا الفصل " 231"