الفصل 230
انقلب جسدي رأسًا على عقب في سقوط عمودي.
لا… ما زلتُ أسقط.
كان الطّابق الثّالث، لكن بما أنّ ارتفاع السّقف كان عاليًا جدًّا، فكأنّنا نسقط من ارتفاع يعادل خمسة طوابق تقريبًا.
كانت سرعة السّقوط مذهلة. أدركتُ ذلك فورًا.
إذا سقطنا بهذه الطّريقة، فلن ينتهي الأمر بكسرٍ بسيط بأيّ حال.
‘هذا أسوأ ما يمكن.’
لا ألوم اختيار كارديان.
ففي النّهاية، لم يكن هناك خيار آخر في تلك اللحظة.
لو أمسك بنا الفارسان، لتعقّدت الأمور أكثر.
لكن… ما أشعر به الآن، كيف يمكن وصفه؟
‘…كأنّنا نموت معًا.’
لو قفزتُ مع شخصٍ ما نحو الموت، ألن يكون هذا هو الشّعور بالضّبط؟
ومع ذلك.
‘لا أشعر بالخوف أبدًا.’
أعرف جيّدًا، أكثر من أيّ شخص، إحساس الموت الذي يقترب بخطواتٍ واثقة. لهذا كنتُ أخشى الموت أكثر من أيّ شخص آخر.
لأنّني أعرف مدى وحدته وحزنه.
ذلك الإحساس بأنّني أتلاشى وحدي في هذا العالم.
تلك الوحدة والحزن اللذين يعتريانني عندما أدرك أنّه لن يحزن أحد على موتي.
كان طعمًا مريرًا لم أرد تذوّقه مرّة أخرى، لذا كنتُ مصمّمة على تجنّبه هذه المرّة بأيّ ثمن.
لكن…
‘إذا كان هذا الموت، فربّما لا بأس به.’
يدٌ كبيرة تحتضن رأسي بقوّة ولكن برفق، كأنّها لن تترك حتّى شعرة واحدة.
دفء الجسد الملاصق الذي ينتقل إليّ.
نظراته البنفسجيّة الثّابتة عليّ حتّى ونحن نسقط في الفراغ، كانت مطمئنة للغاية.
محبّبة للغاية.
سيطرت على ذهني فكرة أنّه إذا كان مع كارديان، فقد لا يضيرني أن أموت هكذا.
في تلك اللحظة.
انفرجت شفتا كارديان.
ثم…
“لا بأس.”
“…”
“لن أدع شعرة واحدة منكِ تُصاب.”
كانت نبرة صوته هادئة تمامًا، مثل عينيه الثّابتتين.
لكن في هدوء صوته، كانت هناك إرادة قويّة للحماية مهما كلّف الأمر.
حينها فقط استعدتُ وعيي.
‘أنتِ مجنونة، ليفيا بيلينغتون.’
أن نموت معًا؟ أنّ الموت مع كارديان قد يكون مقبولاً؟
‘ما هذا الهراء الذي تقولينه!’
لا يوجد شيء اسمه موتٌ مقبول.
كلّ ما هرولتُ من أجله حتّى الآن كان لأجل البقاء.
دخولي إلى مرسيدس، عقد الصّفقة معه، التحقيق في إيغريد، كلّ هذا الرّكض المحموم.
‘كان من أجل العيش مع كارديان.’
في البداية، كنتُ أريد فقط البقاء على قيد الحياة.
أردتُ بأيّ طريقة أن أمدّد هذه الحياة.
لكن الآن، الأمر مختلف.
لا معنى لأن أعيش وحدي.
يجب أن يكون كارديان. يجب أن أعيش مع كارديان.
لذا، لا يمكنني، لا يمكننا، أن نموت هنا.
‘لكن، كيف يمكنني فعل ذلك؟’
في الفراغ الذي نسقط فيه، لم يكن هناك شيء يمكنني القيام به.
حتى هذه القوّة التي أعتبرها كحرزٍ لي لم تكن ذات فائدة في هذا الموقف.
هل شعرت يومًا بمثل هذا العجز؟
في الحقيقة، أنا بخير.
‘لأنّ كارديان يحتضنني.’
بالأحرى، لأنّه يحيطني بإحكام دون أيّ فجوة.
لكن، في المقابل، سيتأذّى كارديان بدلاً عنّي أيضًا.
‘هذا هو إذًا.’
أدركتُ الآن معنى ما قاله.
‘لن أدع شعرة واحدة منكِ تُصاب.’
كان يعني أنّه سيتلقّى كلّ الأذى بنفسه.
صررتُ على أسناني.
‘من قال إنّني سأسمح بذلك؟’
يجب أن نكون أنا وأنتَ بخير.
لكن كيف…
في تلك اللحظة، خطرت فكرة كالصّاعقة.
‘هل سينجح هذا حقًّا؟’
لا أعلم، لكن هذا هو أفضل خيار الآن.
للقيام بذلك…
عندما تحرّكتُ، أرسل كارديان نظرةً كأنّه يتساءل عما أفعل.
حتى في هذه اللحظة, مظهره المعتاد جعلني أضحك بحسرة دون سبب.
بصعوبة، أخرجتُ يدي من بين ضلوعه، ومددتُ ذراعيّ بأقصى ما أستطيع.
ثمّ.
“…!”
اتسعت عينا كارديان عندما اقتربتُ منه.
“الحماية ليست شيئًا يمكنكَ أنتَ فقط القيام به.”
أحطتُ برقبته بكلتا يديّ وسحبته نحوي.
كان يحدّق بي مذهولًا، ثمّ أمال رأسه ببطء.
احتضنتُ رأسه ذا الشّعر الفضّي المتطاير بإحكام في حضني.
‘لا أعلم إن كانت هذه الطريقة ستنجح…’
عضضتُ شفتيّ بقوّة للحظة.
ربّما الطريقة التي أفكّر فيها الآن لن تنجح.
لذا، إذا كانت هذه، بأيّ احتمال، نهايتنا.
‘أريد أن أقول هذا على الأقلّ.’
كارديان، أنا أحبّك…
“…أحبّك.”
“…”
خوفًا، وشعورًا بأنّه قلبٌ لا يجب أن أحمله، لم أنطق بهذا الصّدق أبدًا.
غطّى ضجيج الرّيح صوتي.
كان صوتًا خافتًا لدرجة أنّني بالكاد سمعتُه أنا نفسي.
لكن، هل كان ذلك وهمًا؟
للحظة، بدا أنّ جسد كارديان قد ارتعش.
لكن لم يكن لديّ وقت للتفكير في ذلك أكثر.
لم يبقَ سوى شبر واحد عن الأرض.
أغمضتُ عينيّ بقوّة.
ازدادت قوّة يديّ اللتين تحتضنان كارديان بشكل طبيعي.
وكذلك كارديان.
ثم…
هوو—
قبل أن نلامس الأرض مباشرة، دفعنا نسيمٌ قادمٌ من الأسفل إلى الأعلى مجدّدًا.
بفعل تلك الرّيح، طفونا قليلاً ثمّ هبطنا ببطء.
طق.
بعد هبوطٍ مستقرّ، فتحتُ عينيّ المغمضتين ببطء.
منذ وقتٍ ما، كانت أضواء زرقاء تتراقص حولنا كاليراعات.
لكن سرعان ما التقى بصري بعينين بنفسجيّتين تحدّقان بي بهدوء.
أدرتُ عينيّ لأفحص جسده.
من رأسه إلى أخمص قدميه، تفحّصته بعناية.
أخيرًا، تنفّستُ الصّعداء وهمستُ.
“الحمد لله. لم تُصَب.”
ثمّ لاحظتُ نظراته التي تخترقني، وأدركتُ أخيرًا موقفي.
بدأتُ أتحرّك بارتباك على الفور.
“ا، الآن، أنزلني من فضلك.”
“…”
لكن، لسببٍ ما، لم يُنزلني كارديان.
بل زادت قوّة يديه اللتين تحتضنانني.
“كا، كارديان؟”
ناديته متلعثمة في حيرة، فأنزلني ببطء أخيرًا.
وقفتُ على قدميّ، وحدّقتُ إلى الأسفل مذهولة للحظات.
كيف أصف هذا؟
‘فجأة، أشعر بالفراغ.’
لم يدم حمل كارديان لي أكثر من دقيقة، لكنّ تلك اللحظات بدت وكأنّها أبديّة.
شعرتُ بجسدي، الذي أصبح خفيفًا فجأة، بالفراغ والأسف.
كنتُ أعرف السّبب جيّدًا.
‘أنتِ مجنونة حقًّا، ليفيا بيلينغتون…’
لقد أحببتُ كارديان كثيرًا، لدرجة أنّني اعتقدتُ أنّه لا يمكنني أن أحبّه أكثر.
‘لكنّني أحببته أكثر.’
لذا، حتّى لحظة انفصالنا بعد الالتصاق كانت مؤلمة بشكلٍ قاطع.
تجنّبتُ نظراته دون سبب، محاولة إخفاء مشاعري، لكن فجأة تذكّرتُ لحظةً ما وتصلّب تعبيري.
‘الآن أفكّر في الأمر، لقد قلتُ لكارديان إنّني أحبّه!’
خوفًا من أن تكون هذه آخر لحظة نقضيها معًا، اندفعتُ واعترفتُ بمشاعري المخبّأة في أعماق قلبي.
لكن…
‘…أحبّك.’
‘لقد غطّاها ضجيج الرّيح، فلم تُسمع بوضوح.’
ومع ذلك، قلتُها بالتّأكيد.
‘هل سمِعَها؟ هل سمِعَ؟’
حاولتُ استكشاف ردّ فعل كارديان، لكنّه كان ينظر إلى يده بتعبيرٍ لا يُقرأ.
‘لا أعرف على الإطلاق ما يفكّر فيه.’
مهما فكّرتُ، شعرتُ بالظّلم.
كارديان دائمًا يقرأ أفكاري، لكنّني لا أستطيع أبدًا قراءة أفكاره.
فجأة، التفتَ كارديان نحوي.
التقى نظرينا في الفراغ.
أُمسكتُ متلبّسة وأنا أتسلّل إليه بنظراتي، فأصابني الذّعر وصرختُ.
“السّـ، السّوار!”
ثمّ رفعتُ كمّي بسرعة لأريه السّوار الذي أرتديه.
تغيّر تعبير كارديان بشكلٍ غريب.
“قلتَ، سموّك، إنّ هذا السّوار سيحميني إذا تعرّضتُ للخطر.”
في الحقيقة، نسيته.
ولم يكن ذلك غريبًا، فقد كان السّوار خاملاً في لحظات الخطر السّابقة.
لأكون أدقّ.
‘حتّى عندما خنقني الكاهن الأكبر، لم يُفعَّل السّوار.’
فضلاً عن ذلك، منذ زمنٍ بعيد، عندما حاولتُ حماية فينسنت وأُصبتُ من رئيس المجلس، لم يُفعَّل السّوار أيضًا.
‘لا يمكن أن يكون كارديان قد أعطاني شيئًا معطوبًا.’
فجأة، فكّرتُ أنّ حماية السّوار ربّما تُفعَّل فقط عند تعرّضي لصدمة أكبر.
لذا، توقّعتُ أن يُفعَّل عند اصطدامنا بالأرض.
‘بالطّبع، كان ذلك مقامرة.’
حتّى لو لم ينجح، كنتُ أنوي احتضان كارديان لتخفيف الصّدمة ولو قليلاً.
في النّهاية، نجحت المقامرة.
لكن…
‘لماذا هذا التعبير؟’
*ੈ✩‧₊˚༺☆༻*ੈ✩‧₊˚
التعليقات لهذا الفصل " 230"