مددتُ يدي نحو مكتبه، فنظر إليّ الكاهن الأكبر بتعبيرٍ متعجّب.
أدركتُ فجأة أنّ حركتي كانت مفاجئة، فسارعتُ بشرح السّبب.
“آه، يبدو أنّ الحبر قد نفد…”
“آه، مفهوم.”
تحوّلت نظرة الكاهن الأكبر إلى زجاجة الحبر على المكتب.
كما قلتُ، كانت الزّجاجة فارغة تمامًا.
“هل يمكنني إزالتها؟”
“بالطّبع. شكرًا لكِ.”
“هذا واجبي بالطّبع.”
ابتسمتُ برفق، ثمّ أزلتُ زجاجة الحبر الفارغة، وأخرجتُ واحدة جديدة من الرّف ووضعتها على مكتبه.
كان الكاهن الأكبر يراقب تصرّفاتي بهدوء.
لكن بعد أن استبدلتُ زجاجة الحبر، عادت عيناه لتتركّز على الأوراق مجدّدًا.
نظرتُ بهدوء إلى مؤخّرة رأس الكاهن الأكبر.
“لكن…”
فجأة، سمعتُ صوت الكاهن الأكبر.
توقّف عن الحركة تدريجيًّا، واستدار نحوي ببطء. كانت عيناه البنيّتان تلمعان بحدّة.
“هل التقينا من قبل في مكانٍ ما؟”
“…”
جمّدني سؤاله المباغت الذي اخترقني.
‘هل تعرّف عليّ؟’
شعرتُ بتنميل في أطراف أصابعي من التّوتّر.
أصبحت نظرة الكاهن الأكبر نحوي أكثر عمقًا.
‘اهدأي.’
أخذتُ نفسًا عميقًا داخليًّا، ثمّ قلتُ له بتعبيرٍ مشرق:
“رأيتك من بعيد عندما زرت فرع كيليس لأداء الحجّ.”
بالطّبع، لم أكن أعلم إن كان الكاهن الأكبر قد زار فرع كيليس للحجّ فعلاً، لكن كان لديّ أساسٌ ما.
‘قرأتُ مقالاً عن اكتشاف أثرٍ مقدّس في كيليس.’
تذكّرتُ مقالاً قرأته أيّام الأكاديميّة.
المناطق التي تُكتشف فيها الأثار المقدّسة تُعتبر أراضٍ مقدّسة من قِبل المعبد. وفوق ذلك، يقوم الكاهن الأكبر بالحجّ إلى الأراضي المقدّسة مرّة كلّ أربع سنوات.
‘ربّما زارها مرّة.’
كانت مقامرة—
“آه، نعم، قد يكون…”
لحظة موافقته وإيمائه برأسه، نجحت مقامرتي.
“هه…”
ضحكتُ بإحراج وتجنّبتُ نظراته.
عاد الكاهن الأكبر إلى عمله.
وقفتُ خلفه، أساعده بينما أراقبه.
مع مرور الوقت، بدأت الشّمس تغرب ببطء.
على الرّغم من مرور ساعات، ظلّ الكاهن الأكبر منهمكًا في عمله دون أيّ تشتّت.
بينما كنتُ أعجب بتفانيه، شعرتُ فجأة بغرابة هذا المكان.
‘…هادئ.’
على عكس الصّخب الخارجيّ بسبب استعدادات عيد الميلاد، كان هذا المكان، حيث يوجد الكاهن الأكبر، هادئًا بلا حدود، كأنّه عالمٌ آخر.
لكن سرعان ما كسر أحدهم هذا الصّمت.
طق طق.
“ادخل.”
بإذنه، فُتح الباب بهدوء.
لكن، على عكس فتح الباب الهادئ، بدا تعبير الكاهن الزّائر مضطربًا جدًّا.
شعر الكاهن الأكبر، على ما يبدو، بالجوّ الغريب، فوضع القلم ونظر إلى الكاهن.
“ما الأمر؟”
“آه! ليس شيئًا، لكن…”
تردّد الكاهن قليلاً، ثمّ قال بصوتٍ عالٍ:
“لقد جاء زائر!”
“زائر؟ هل كان هناك زائرٌ مقرّر اليوم؟”
“لا.”
تجهّم وجه الكاهن الأكبر عند إجابة الكاهن.
كنتُ أشاركه حيرته من تصرّف الكاهن.
إنّه الكاهن الأكبر، الذي يُضاهي الإمبراطور نفسه.
ومع ذلك، ينقل أخبار زائرٍ غير متوقّع مباشرة إلى الكاهن الأكبر؟
بهذا الاضطراب؟
‘ليس كاهنًا عاديًّا إذا كان يستطيع الوصول إلى مكتب الكاهن الأكبر.’
بينما كنتُ أحاول فهم تسرّعه، اقترب الكاهن من الكاهن الأكبر بعد أن نظر حوله، وهمس بشيءٍ في أذنه.
أمِلتُ أذني قليلاً، لكن لم أسمع ما قاله.
لكن…
“…سأذهب الآن.”
“حسنًا!”
أجاب الكاهن بصوتٍ عالٍ وغادر الغرفة فورًا.
تظاهرتُ بعدم سماع شيء وراقبتُ الكاهن الأكبر.
‘ما الذي يحدث؟’
كان تعبير الكاهن الأكبر أكثر جديّة من أيّ وقت مضى.
من الذي جاء ليُثير هذا الرّد؟
‘هل هو الإمبراطور نفسه؟’
إن لم يكن كذلك، فلا تفسير لهذا الموقف.
بينما كنتُ أخمّن في ذهني، تنهّد الكاهن الأكبر بخفّة ونهض.
نظرتُ إليه وهو يتّجه نحو الباب، ووقعتُ في حيرة.
ماذا أفعل؟
‘هل يجب أن أتبعه؟’
إذا بقيتُ في هذه الغرفة وحدي…
‘ربّما أستطيع اكتشاف شيءٍ عن الكاهن الأكبر.’
تأمّلتُ أن يتركني الكاهن الأكبر ويغادر.
لكن الأمور لم تسر كما أردتُ.
توقّف فجأة عند الباب واستدار نحوي.
“ألن تأتي معي؟”
“آه… نعم.”
بالطّبع، لن يكون الأمر بهذه السهولة.
كبحتُ تنهيدة وتبعته بسرعة.
نظر إليّ بهدوء ثمّ واصل المشي.
عبرنا الممرّ الهادئ بسرعة.
بينما كنتُ أنظر حولي، توقّفت خطوات الكاهن الأكبر فجأة أمام باب.
“انتظري هنا.”
قال الكاهن الأكبر وهو ينظر إليّ.
‘إذن لن يأخذني معه.’
توقّعتُ ذلك لأنّه أحضرني إلى هنا، لكن…
بالطّبع…
‘لن يكون شخصًا عاديًّا.’
لا يمكنه أن يأخذني، وأنا مجرّد كاهنة مؤقّتة، إلى مكانٍ لا يُعرف ما الذي سيُناقش فيه.
طق.
دخل الكاهن الأكبر، وبقيتُ وحدي، فنظرتُ حولي للحظات.
ثمّ أدركتُ شيئًا.
“…لا أحد هنا.”
مكانٌ يقيم فيه الكاهن الأكبر، حيث يتمّ التحكّم بالدّخول والخروج بصرامة، في قلب المعبد.
“…”
ولا يوجد أحدٌ يراقبني أو يحرسني الآن. هذا يعني…
“فرصة.”
السّبب الآخر لتسلّلي إلى المعبد اليوم.
بدأتُ أتحرّك فورًا.
لأتجنّب إثارة الشّكوك، كان عليّ التحرّك بسرعة قبل عودة الكاهن الأكبر.
عدتُ عبر الممرّ الذي مررنا به بسرعة.
تجاوزتُ مكتب الكاهن الأكبر وتقدّمتُ أكثر حتّى وصلتُ إلى مفترق طرق.
نظرتُ إلى الممرّ المقابل.
هل هو شعوري فقط؟
كان ذلك الجانب، الذي لا تصله الشّمس كثيرًا، يبدو مظلمًا ورطبًا بطريقةٍ ما.
كأنّه يقول: “لا تقتربي أبدًا.”
لكن…
طق، طق.
تحرّكتُ بجرأة نحو ذلك الجانب.
تردّد صدى خطواتي في الممرّ الخالي دون أيّ تردّد.
كلّما تقدّمتُ، تلاشى الضّوء.
لأنّ الغروب قد انتهى وبدأ اللّيل يحلّ. ثم… توقّفتُ.
توقّفت قدميّ، اللتان كانتا تتحرّكان بلا توقّف.
“…وجدتها.”
حدّقتُ مذهولة في الشّجرة الضّخمة أمامي.
“الشّجرة المقدّسة.”
هي نفس الشّجرة المقدّسة التي رأيتها أثناء هروبي بمساعدة ليمون عندما هاجم إيغريد خلال مراسم التّعميد.
لكن، الفرق عن تلك المرّة…
“أصبحت أكثر ضعفًا.”
حتّى في ذلك الوقت، كانت الشّجرة المقدّسة ذابلة وملتوية، كأنّها ستموت في أيّ لحظة.
لكن الشّجرة أمامي الآن كانت أكثر نحافة وجفافًا.
كأنّ لحاءها سينهار بمجرّد لمسه.
شعرتُ بانقباضٍ مفاجئ.
شعرتُ بأسى تجاه هذه الشّجرة المحتضرة…
لأنّني رأيتُ نفسي فيها.
لكنّني هززتُ رأسي فورًا.
‘لا تنغمسي في العواطف.’
لم أخاطر بالقدوم إلى هنا لأغرق في الحسرات.
قوّيتُ عزيمتي ونظرتُ إلى الشّجرة مجدّدًا.
سبب بحثي عن الشّجرة اليوم.
“ظهرت في حلمي.”
بعد أن سمعتُ قصّة الكونتيسة أسفول، ظللتُ أرى نفس الحلم.
امرأتان وشجرة تموت ذابلة.
كانت الشّجرة وسيطًا بين المرأتين.
أمام الشّجرة، ماتت إحدى المرأتين، وحاولت الأخرى قتلي بغصن الشّجرة، ثم…
“كانت تشير إلى هذه الشّجرة.”
في كلّ مرّة أواجه فيها أزمة، كانت امرأة مصنوعة من الضّوء تظهر في أحلامي.
في نهاية الحلم، كانت تشير إلى هذه الشّجرة ثمّ تختفي.
كأنّها تقول لي أن أجد هذه الشّجرة.
“قد يقال إنّه مجرّد حلم…”
لكن بالنّسبة لي، الحلم ليس مجرّد حلم.
دائمًا، في كلّ مرّة.
لذا…
“لقد جئتُ.”
على الرّغم من علمي أنّ الشّجرة لا يمكنها سماعي، تحدّثتُ إلى الشّجرة المقدّسة.
‘بصراحة، لا أعرف ماذا يجب أن أفعل.’
لقد جئتُ إلى هنا متّبعة المرأة في الحلم، لكنّني لا أعرف ماذا أفعل بعد ذلك.
لكن…
“يبدو أنّك كنتِ وحيدة جدًّا.”
شعرتُ بأسى شديد تجاه الشّجرة المحتجزة هنا، وهي تموت في وحدة، لدرجة أنّني شعرتُ وكأنّها نادتني…
وضعتُ يدي بحذر على الشّجرة.
وفي تلك اللحظة.
هوووو—!
━━━━⊱⋆⊰━━━━
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 221"