الفصل 217
وقفتُ لحظةً لأنظر إلى يد ليمون.
كانت القفّازات البيضاء النّاصعة تناسب يده تمامًا كما لو كانت مُصمَّمة خصيصًا له.
لكن، لسببٍ ما، بدا وكأنَّ يدًا أخرى تتداخل مع يده.
يد رجلٍ يرتدي قفّازات سوداء عنيدة، كأنّها رمزٌ لهويّته.
‘الآن تذكّرتُ، كارديان قال إنّه سيخرج اليوم أيضًا.’
أنا من جهةٍ، لكن ما الغرض الذي يخرج من أجله؟
كان يبدو في حالةٍ سيّئة…
‘الآن تذكّرتُ أيضًا، لم أكتشف بعد لماذا لا يزال إيدن يقيم في قصر مرسيدس… آه.’
“الآنسة ليفيا؟ هل هناك مشكلة؟”
قبل أن أمسك يده، توقّفتُ لحظةً، فتحدّث إليَّ ليمون بنظرةٍ متعجّبة.
نظرتُ إليه بهدوء.
‘إذا كان ليمون، ألن يكون يعرف السبب؟’
ليمون يعرف حتّى الممرّات السريّة في قصر مرسيدس.
ربّما يعرف الغرض الذي يبقي إيدن في مرسيدس.
“هذا…”
فتحتُ فمي لأتحدّث، لكنّي أغلقته فورًا.
هززتُ رأسي ببطء وأمسكتُ بيده.
“لا شيء.”
قد أنتهي بكشف معلوماتٍ غير ضروريّة إذا حاولتُ استدراج المعلومات.
وعلاوةً على ذلك…
‘إن لم يخبرني كارديان، فلابدّ أنّ هناك سبب.’
“همم.”
ضيّق ليمون عينيه كما لو كان يحاول قراءة نواياي، لكنّه سرعان ما أومأ برأسه كأنّه فهم، ثمّ ساعدني على الصّعود.
“آه!”
في لحظةٍ، وجدتُ نفسي جالسةً خلف ليمون، فانكمشتُ قليلًا بسبب ارتفاع الرؤية المفاجئ.
“سنصل بسرعة. تمسّكي جيّدًا بخصري.”
“آه، حسنًا.”
بطلبٍ من ليمون، أمسكتُ بخصره بقوّة.
في تلك اللحظة، شعرتُ بجسده يرتجف قليلًا.
“…”
“؟”
تبع ذلك صمتٌ.
عندما لم يتحرّك، نظرتُ إليه بتعجّب.
همس ليمون بهدوء.
“بهذه الطريقة… يجعلني أرغب في خطفكِ.”
“…ماذا؟”
ما الذي يتحدّث عنه فجأةً؟
ظننتُ أنّه ربّما يتحدّث إلى كاي، فنظرتُ إليه، لكنّ كاي كان ينظر إلينا بوجهٍ يقول:
‘لمَ لا ننطلق؟’
عندما استدرتُ إلى ليمون مجدّدًا، ابتسم وكأنّ شيئًا لم يكن، وقال:
“حسنًا، لننطلق.”
“انتظر…”
أردتُ أن أسأله عن معنى كلامه، لكنّ ليمون لم يعطني الفرصة.
“هيّا!”
صهل الحصان، وفي لحظةٍ، اندفع الحصان فوق الأرض المغطّاة بالثّلج.
‘آه!’
بسبب السّرعة الزّائدة عن توقّعاتي، أمسكتُ بخصر ليمون بقوّة أكبر.
دفنتُ رأسي في ظهره هربًا من الهواء البارد الذي بدا وكأنّه سيجمّد بشرتي.
دق، دق.
اندفع الحصان الأبيض عبر غابة أشجار البتولا، متّجهًا نحو التلّ المؤدّي إلى المعبد.
نظرتُ حولي وشعرتُ بالارتباك.
‘أليس هذا واضحًا جدًّا؟’
خلافًا لتوقّعاتي بأنّنا سنتسلّل خفيةً من الخلف، كان ليمون يتقدّم بجرأة نحو البوّابة الرئيسيّة.
“توقّف هناك!”
كما توقّعتُ، أوقفنا فرسان المعبد الذين يحرسون البوّابة.
أبطأ ليمون السّرعة تدريجيًّا.
عندما اقترب فرسان المعبد، ارتجفتُ وعدّلتُ غطاء رأسي ليغطّي وجهي أكثر.
نظروا إلينا وقالوا:
“أثبتوا هويّتكم.”
ارتجفتُ.
عند سماع طلب إثبات الهويّة، اهتزّت كتفاي دون وعي.
وهذا لأنّه…
‘لا يوجد لديَّ ما يثبتها!’
كيف يمكن لكاهنةٍ مزيّفةٍ أن تملك إثبات هويّة؟
نـــبـــض، نـــبـــض.
بينما كان قلبي يكاد ينفجر من التّوتر، تحرّك ليمون.
نظرتُ إليه مذهولةً، ثمّ تجمّدتُ.
كان يرفع غطاء رأسه.
“…”
في لحظةٍ، انكشف مظهر ليمون، فذهل فرسان المعبد.
ابتسم لهم بهدوء، ثمّ أخرج شيئًا من جيبه وقدّمه لهم.
عندما ألقيتُ نظرةً، لم أستطع إخفاء دهشتي.
‘هذا…’
“جئتُ مع فريق التّجهيز لعيد ميلاد جلالة الإمبراطور القادم.”
بصوتٍ سلسٍ ووقاحةٍ، كذب ليمون وقدّم بطاقة هويّة الكاهن.
ناولهم ما يُسمّى “بطاقة الكاهن” وابتسم بلطف.
وهو يفعل ذلك، لم أستطع إلّا أن أُعجب به داخليًّا.
‘يا للوقاحة.’
ويا للروعة.
التّحضير، التّمثيل، كلّ شيء.
لكن، يجب أن يكون بهذا المستوى ليكون سيد نقابة المعلومات رون.
“همم.”
تفحّص الفرسان بطاقة الكاهن التي قدّمها ليمون بعناية.
ابتلعتُ ريقي من التّوتر وحدّقتُ إليهم.
بالأحرى، إلى بطاقة الكاهن المزيّفة التي يتفحّصونها.
عمّ الصّمت للحظات.
ثمّ أومأ أحد الفرسان برأسه، وأعاد البطاقة وقال:
“تعبتم في الطّريق الطّويل.”
“إنّه واجبٌ طبيعيٌّ لخدم حاكمة ثيليا.”
“لكن، من تلك الجالسة خلفك؟”
في تلك اللحظة، اتّجهت أنظار الفرسان نحوي.
تجمّدتُ، فقد كنتُ غافلةً بسبب سلاسة الموقف.
في اللحظة التي أدركتُ فيها أنّ تصرّفي كان غير طبيعيّ،
اقترب ليمون ووضع ذراعه حول كتفي، وجذبني إلى صدره.
توقّفتُ عن التّنفس من المفاجأة. سمعتُ صوت ليمون مليء بالأسى فوق رأسي.
“كما ترون في بطاقة الكاهن، إنّها زميلتي الموفدة من نفس المكان… لكن.”
“لكن؟”
“بسبب عجلتنا في القدوم، حالتها الصحيّة ليست جيّدة.”
تغيّرت ملامح ليمون إلى تعبيرٍ حزينٍ، دون أيّ إحساسٍ بالغرابة.
“آه…”
نظر إليَّ الفارس مجدّدًا بعد سماع كلام ليمون.
ارتجفتُ، ثمّ بدأتُ أسعل متردّدةً.
“كح، كح!”
“يا إلهي.”
لحسن الحظّ، بدا أنّ تمثيلي نجح، إذ أطلق الفارس تنهيدةً آسفة.
تنحّى جانبًا وقال:
“يمكنكم تلقّي العلاج داخل المعبد. ادخلوا بسرعة.”
“شكرًا لكم، أيّها الفرسان.”
أومأ ليمون برأسه، ثمّ هزّ اللّجام مجدّدًا.
طق، طق…
تحرّك الحصان بسرعةٍ معتدلةٍ، متجاوزًا الفرسان نحو البوّابة الرئيسيّة.
“تحمّلي قليلًا.”
سمعتُ صوت ليمون فوق رأسي.
أومأتُ برأسي قليلًا بدلًا من الرّد.
على الرّغم من أنّ المسافة لم تكن بعيدةً، شعرتُ وكأنّها طويلةٌ جدًّا.
رفعتُ رأسي قليلًا لأنظر إلى ليمون.
كان وجهه، الظّاهر من الجانب، مليئًا بالثّقة.
ثقته المطلقة بأنّه لن يُضبط أثرت فيَّ أيضًا.
ربّما بفضله، شعرتُ بارتياحٍ أكبر.
طق.
في تلك الأثناء، اجتاز الحصان البوّابة.
كنتُ أخشى أن نجذب الأنظار عند دخولنا المعبد، لكنّ ذلك كان قلقًا لا داعي له.
‘واه…’
عندما رأيتُ المشهد من حولي، لم أستطع إلّا أن أُعجب به داخليًّا.
وذلك لأنّ…
‘إنّه فوضى عارمة.’
كان الكهنة يركضون بجنونٍ لتحضير الجزء الثّاني من عيد الميلاد القادم، وتنظيف الثّلوج المتراكمة حتّى الكاحلين.
لم يكن ذلك فقط.
أدركتُ أخيرًا معنى كلام ليمون.
‘الثّلج سيُخفينا.’
كما قال ليمون بالضّبط.
‘بسبب الثّلج، الجميع يرتدي أغطية الرّأس.’
فضلًا عن ذلك، كان الكهنة الموفدون يختلطون بين الجميع، ممّا جعل من الصّعب تمييز من هو من.
لهذا، لم يبدُ وجودنا غريبًا.
مع هذا الإدراك، استدرتُ لأنظر إلى ليمون.
شعر ليمون بنظرتي وهو يعيد ارتداء غطاء رأسه، فنظر إليَّ.
عندما التقت عيوننا، ابتسم بلطف وهو يحرّك شفتيه.
‘ألم أقل لكِ؟’
أومأتُ برأسي بهدوء.
ثمّ أحكمتُ إغلاق غطاء رأسي، تحسّبًا لأيّ احتمال.
قد لا يتعرّف عليَّ أحد، لكن لا بدّ من الحذر.
و…
‘سيليستينا.’
في مكانٍ ما في هذا المعبد، توجد سيليستينا.
بالنّسبة إليها، أنا مجرّد شخصيّة عابرة بلا أهميّة، لكن…
‘يجب أن أكون حذرة.’
جدّدتُ عزمي واستعدتُ خطّتي مع ليمون.
من خلال خريطة المعبد ومخطّطاته التي حصل عليها ليمون، استنتجنا موقع البرج.
‘البرج المهجور في الطّرف الشّرقي.’
برجٌ تمّ إغلاقه منذ زمنٍ طويلٍ حتّى نُسي وجوده.
بعبارةٍ أخرى، مكانٌ مثاليٌّ لإخفاء شيءٍ ما.
كان ذلك هدفنا اليوم، أنا وليمون.
استدرتُ لأنظر إلى ليمون.
…أو بالأحرى، كنتُ سأفعل.
طق.
“!”
حتّى أمسك أحدهم بمعصمي.
انتفضتُ مذعورةً واستدرتُ.
كانت هناك امرأةٌ تلهث وهي تنظر إليَّ.
من هي؟
كأنّها تجيب على سؤالي الدّاخلي، فتحت الكاهنة فمها.
━━━━⊱⋆⊰━━━━
التعليقات لهذا الفصل " 217"