الفصل 202
“لقد عدتَ أسرع ممّا توقّعتُ.”
نهض بهدوء واستدار لينظر إلى إيدن.
كانت ابتسامة ناعمة تعلو وجهه، دون أيّ أثر للتوبيخ أو الانزعاج من اقتحام إيدن المفاجئ أثناء صلاته.
“كنتُ أدعو حاكمة ثيليا من أجل سلامتك. يبدو أنّ حاكمة استجابت لدعاء هذا العبد، إذ عُدتَ إلى أحضاننا مبكرًا هكذا.”
كان سعيدًا بمجرّد عودة إيدن.
لكن وجه إيدن، الذي وقف مقابله، ظلّ متصلبًا دون أن يرتخي.
بعد لحظة، فتح إيدن فمه.
“…أولًا، أعتذر عن عدم احترامي. سأتقبّل عقاب هذا التصرّف لاحقًا.”
“ما الذي يدعو لمثل هذه الحسابات بيننا؟ لا بأس.”
“…لكن، قبل أن أتلقّى العقاب، لديّ سؤال أودّ طرحه على سيادتك.”
“قل ما شئتَ.”
أومأ الكاهن الأعلى برأسه بتعبير لطيف.
شدّ إيدن قبضته.
كان يعرف حالته الراهنة أفضل من أيّ أحد.
‘رأسي لم يهدأ ولو قليلًا.’
منذ عودته من أسفول إلى المعبد، ركض على حصانه وتعرّض للرياح الباردة بكلّ جسده.
بسبب مخاطر انخفاض الحرارة، يجب ارتداء معدّات الوقاية من البرد عند ركوب الخيل في الشتاء.
لكن إيدن لم يرتدِ معدّات الوقاية عمدًا.
على الرغم من أنّ جسده المليء بالقوّة المقدّسة لن يصاب بسهولة بانخفاض الحرارة، إلّا أنّه لم يكن محصّنًا ضدّ البرد.
ومع ذلك، لم يرتدِ معدّات الوقاية لأنّه أراد تهدئة عقله المغلي أثناء توجهه إلى المعبد.
حتّى لا يتصرّف باندفاع.
ليهدّئ الحماس ويفكّر ويتصرّف بعقلانيّة…
“هل كنت على علم بأنّه في أسفول، يتمّ تنفيذ أحكام ذاتيّة بحقّ أناس أبرياء بتهمة ‘التجديف على القداسة’؟”
…لكن كلّ ذلك كان بلا جدوى.
لم يهدأ الحماس ولو قليلًا.
بل على العكس، عندما وقف أمام الكاهن الأعلى، أصبحت المشاهد التي رآها في قبو قلعة أسفول أكثر وضوحًا، مما شدّ أوتار عقله.
انتظر إيدن إجابة الكاهن الأعلى.
كان يأمل من جهة أن ينفي ذلك بشدّة.
أن يقول إنّه لا يعرف، وإنّ لورد أسفول تصرّف بمفرده…
“هل هذا مهمّ بالنّسبة لك، السير أكويليوم؟”
لكن الإجابة التي تلقّاها حطّمت آماله.
ردّ إيدن بدهشة غير معتادة.
“…ماذا؟”
“إذا قلتُ إنّني سمحتُ بمعاقبة أولئك المجدّفين، فما الذي سيتغيّر؟”
وجه الكاهن الأعلى، وهو يتحدّث كما لو كان يناقش الطقس، كان هادئًا بشكل غريب.
هذا التناقض جعل إيدن يشعر بألم أكبر.
أخرج كلماته بصعوبة.
“…إنّهم لم يرتكبوا التجديف على القداسة. لقد كانوا يعيشون حياة عاديّة، ثمّ جُرّوا دون سبب وماتوا ظلمًا!”
حاول أن يهدأ، أن يتحدّث بعقلانيّة.
كان يعتقد أنّه لا بدّ من وجود سوء تفاهم.
لكن عندما تذكّر أولئك الذين عانوا في السجن، لم يستطع كبح غضبه.
‘وعلاوة على ذلك…’
لم يكن الضحايا هم فقط.
“كنتُ أعرف شخصًا.”
تشوّه وجه إيدن بالألم وهو يتذكّر تلك الفترة.
“لم تكن مذنبة بأيّ شيء. ومع ذلك، اختُطفت وجُرّت، وكادت تموت.”
حتّى الآن، كان التفكير في تلك اللحظة يجعل رأسه يدور.
لو لم يذهب إلى هناك، أو لو تأخّر قليلًا، لكانت تلك المرأة، ليفيا بيلينغتون…
شدّ إيدن قبضته وقال:
“إن كان لدى أولئك الناس ذنب، فهو ضعفهم فقط.”
كان ينتظر أن يقول الكاهن الأعلى الآن إنّه سيبدأ تحقيقًا لمعاقبة من أساءوا استخدام سلطة المعبد.
…لا، كان يتوسّل بشدّة أن يقول ذلك.
لكن الكاهن الأعلى لم يعطه الكلمات التي أرادها بقسوة.
“لا، لقد ارتكبوا التجديف على القداسة.”
“سيادة الكاهن!”
صرخ إيدن، لكن الكاهن الأعلى لم يعد ينظر إليه.
استدار وظهره إلى إيدن، ونظر إلى تمثال حاكمة ممدود الذراعين.
حاكمة ثيليا، حاكمة الرئيسيّة والوحيدة في لاغراناسيا.
لكن وجه التمثال كان مغطّى بحجاب، لا يُرى. لقد غطّاه الكاهن الأعلى.
كان السبب أنّه لا يريد حاكمة ثيليا أن ترى نجاسة العالم.
أصيب الكهنة بالذهول، لكن بما أنّه قرار الكاهن الأعلى ووافق عليه كهنة بارزون، بما فيهم القدّيسة، فقد قبلوا به.
“ذنبهم هو عدم إيمانهم . استهزاؤهم باسمه. إنّهم مهرطقون.”
نظر إيدن إلى الكاهن الأعلى بيأس وهو يعدّد ذنوب الضحايا غير الموجودين بنبرة حازمة.
“سيادة الكاهن…”
لا أحد يعرف، لكن الكاهن الأعلى كان بمثابة أب لإيدن.
في طفولته، فقد إيدن والده في حادثة، فأصيب بالصدمة وتوقّف عن الأكل والشرب.
لم يتحمّل أقرباؤه رؤيته هكذا، فأخذوه إلى المعبد.
كانوا يأملون أن يشفي الإيمان جراحه.
رفض إيدن في البداية، لكنّه اضطرّ لمرافقة الكبار إلى المعبد.
ثمّ التقى به.
كالبينور، الذي كان حينها مواطنًا عاديًا.
‘أنتَ إيدن، أليس كذلك؟’
اقترب كالبينور من إيدن، الذي كان مختبئًا بعيدًا عن أعين الكبار، بنبرة ودودة.
اقترب منه ببطء وبلطف، وأزال الظلام من قلب إيدن.
‘إن أردتَ، اعتبرني كأبيك.’
كما قال، اعتبر إيدن كالبينور أكثر من مجرّد كاهن أعلى، بل كأب.
حمى إيدن المعبد، وحماه هو أيضًا.
لكن…
“السير أكويليوم، لا تدع عواطفك الشخصيّة تسيطر عليك. واجبك هو حماية المعبد، وليس حماية المجدّفين.”
“…حتّى لو كان ذلك يعني خيانة إيماني؟”
“إرادة المعبد هي إيمانك.”
كان لطيفًا بلا حدود، لكنّه في الوقت ذاته قاسٍ بشكل مؤلم.
اقترب من إيدن ومدّ يده.
فجأة.
احتضن الكاهن الأعلى إيدن، الذي وقف كالصخر.
ربت على ظهره.
“لطالما كنتَ ضعيفًا أمام الأشياء العاجزة. لطالما شعرتُ بالقلق والأسى تجاه طباعك هذه. إذا ارتدى الشرّ قشرة الضعف، ستتردّد في معاقبته.”
كما حدث هذه المرّة.
“…”
“أعرف سبب ارتباكك. أحيانًا، تهزّ الأمور غير المتوقّعة إيمانك. لذا، كلّ ما عليك فعله هو اتّباع إرادتي. إرادتي هي إرادة المعبد.”
“…أنا…”
اهتزّت عينا إيدن.
في السابق، كان سيُلغي حكمه ويتبع إرادة الكاهن الأعلى.
لكن الآن، لم يكن متأكّدًا.
خاف من الاختيار.
غطّت الغيوم السماء، واختفت الألوان المتعدّدة التي كانت تتسلّل عبر الزجاج الملوّن.
فجأة، غرق المكان الذي يقف فيه الكاهن الأعلى في الظلام.
في الظلام، برقت عيناه البنيّتان بنور بارد.
“السير إيدن أكويليوم.”
خطوة.
عندما اقترب خطوة، تراجع إيدن دون وعي.
توقّف الكاهن الأعلى في مكانه، ونظر إلى إيدن بهدوء.
“…أعتذر.”
أنزل إيدن رأسه.
كان عقله في حالة فوضى.
ماذا يجب أن يتبع؟
هل يجب، كما قال كالبينور، أن يتجاهل أولئك الناس ويركّز فقط على حماية المعبد؟
أم…
“أعتذر حقًا، سيادة الكاهن.”
لم يكن قادرًا على اتّخاذ قرار فوري.
لذا، اختار إيدن…
“…يبدو أنّ العودة إلى الخدمة ما زالت صعبة.”
اختار التأجيل.
كان بحاجة إلى وقت للتفكير.
“…حسنًا، افعل ذلك.”
“شكرًا.”
انحنى إيدن، ثمّ غادر المبنى على الفور.
ثمّ.
هييينگ-
مع صوت الحصان وصوت حوافره، ابتعد بسرعة.
سرعان ما ساد الهدوء.
بعد فترة، فتح الكاهن الأعلى فمه.
“أأنتَ قلق حقًا من تركه يذهب هكذا؟”
فخرج شخص من الظلام.
خطوة خفيفة، خطوة خفيفة.
كانت خطواته خفيفة لدرجة أنّها لم تُسمع.
استدار الكاهن الأعلى.
ظهرت من الظلام شخصيّة صغيرة الحجم.
شعر أبيض كالثلج، وعينان خضراوان زاهيتان كالبراعم.
عينان كبيرتان، وبشرة شفّافة، وذراعان وساقان نحيفتان
ابتسمت سيليستينا بلطف وقالت:
“كان ذلك متوقّعًا.”
انخفضت نظرة الكاهن الأعلى.
كانت سيليستينا على حق.
منذ أن طلب إيدن إجازة مفاجئة، توقّعوا أن يأتي هذا اليوم.
ومع ذلك، عندما واجه الأمر، شعر بالاضطراب.
“هل تتوقّعين أن يعود أكويليوم؟”
━━━━⊱⋆⊰━━━━
التعليقات لهذا الفصل " 202"