كان كاردين سيّدًا لعائلة أرستقراطية تُعَدّ الأرفع مكانة في الإمبراطورية، وهي العائلة التي طالما ساندت العرش.
ولم يكن رجلًا عاديًا يمكن لشخص مثل ليفيا – وهي ابنة لعائلة سقطت مكانتها – أن تقترب منه.
فكاردين لا يثق بالآخرين، ويُفضِّل الوحدة على كثرة الصحبة. ثم إن شخصيته المثالية جعلته يثقل نفسه بكل صغيرة وكبيرة، فلا يهدأ له بال حتى يُشرف على أدق التفاصيل بنفسه.
لهذا، كان الاقتراب منه أشبه بمحاولة الصعود إلى جبل شاهق.
وبينما كانت ليفيا تفكّر في ذلك، خطرت لها فجأة فكرة لمعت في ذهنها:
لقد سمعت من قبل أن دوق مرسيدس يبحث عن معلمٍ مقيم لابنه!
بل إنها شخصيًا كانت قد تلقت عرضًا قبل وفاة والدها بأيام قليلة، ليس من الدوق فقط، بل من أسر عديدة. لكنها رفضتها جميعًا، لأن دخل المعلّمين الخصوصيين ضئيل، ولا يقارن بما تريده هي من مال.
صحيح أن مهنة المعلّم شرف كبير، إذ يقوم بتربية قادة المستقبل، لكن ليفيا لم تكن تبحث عن الشرف… بل عن المال.
والآن، لم يتبقَّ أمامها أي خيار آخر. صحيح أن العرض قد مرّ عليه أسبوعان، لكن ما الذي يمكنها أن تفعله؟
لم تتردّد لحظة. صعدت العربة وأمرت السائق بحزم:
“إلى قصر دوق مرسيدس!”
وانطلقت العربة بسرعة، فيما كانت ليفيا تحدّث نفسها بعزمٍ داخلي:
انتظر أيها الشرير… أنا قادمة.
في الجانب الآخر، كان ونستون، كبير خدم قصر مرسيدس، يقف تحت سماء ملبّدة بالغيوم، شارد الذهن.
لكن على غير العادة، لم يكن يشعر بالقلق كما في السابق.
الحمد لله، لقد وجدتُ معلمًا أخيرًا.
لقد عانى طويلًا وهو يبحث عن المرشّح المناسب لتعليم وريث الدوق، حتى ظفر أخيرًا بمعلّم جديد بدا عليه الإصرار والحماس.
لكن ما لبث أن تذكّر الصبي الذي أقلقه كثيرًا:
فينسنت مرسيدس، ابن الدوق بالتبنّي، الذي أتم العاشرة من عمره.
كان فينسنت يدرس في الأكاديمية، لكنه فجأة رفض الذهاب إليها.
لم يشأ ونستون أن يتركه بلا تعليم، فاستقدم أفضل النخب ليدرّسوه داخل القصر. وظنّ في البداية أن الأمر سيكون أكثر فائدة.
غير أن حساباته انهارت سريعًا:
المعلّم الأول طُرد بعد أيام.
المعلّم الثاني صمد أربعة أيام فقط ثم هرب صارخًا بعجزه.
والبقية تبعوه… جميعهم لم يكملوا شهرًا واحدًا داخل القصر.
هكذا شاع في الإمبراطورية لقب “الأمير الشيطان الصغير” يُطلق على فينسنت، حتى توقف أي معلّم عن التقدّم لتلك الوظيفة.
وأصبح ونستون يغرق في القلق: وريث الدوق الوحيد بلا تعليم، وكلما طُرد المعلّمون ازداد الأمر سوءًا.
لكن فجأة، ظهر أمل جديد:
معلّمة شابة متخرّجة من الأكاديمية الإمبراطورية، بدرجات طيبة، والأهم أنها وافقت على التدريس حيث فرّ الآخرون!
تنفّس ونستون الصعداء، وتمنّى أن تصمد هذه المرّة.
وما كاد ينصرف حتى ركض إليه أحد الخدم قائلًا:
“يا سيدي… هناك ضيفة!”
عبس ونستون وقال بصرامة:
“ضيفة؟ لم يكن من المفترض أن يأتي أحد اليوم.”
ارتبك الخادم ثم تمتم بخجل:
“إنها تقول إنها جاءت للتقدّم كمعلمة مقيمة…”
عندها صُدم ونستون، وتذكّر أنه لم يُعلن بعد عن إغلاق باب التقديم.
تنفّس بعمق وقال:
“أدخلها غرفة الاستقبال… وقدّم لها شايًا ساخنًا.”
دخلت ليفيا غرفة الاستقبال، فإذا بها تغرق في الفخامة والترف: جدران مرصّعة، أرضية من رخام أبيض لامع يخلو من ذرة غبار، وأثاث يفيض بالثراء.
إذن… هذا هو قصر دوق مرسيدس.
لم يكن غريبًا أن يُقال إن الإمبراطورية تقوم على ثلاثة أعمدة: العرش، المعبد، ودوق مرسيدس.
فهو البيت الوحيد الذي يجرؤ أن يضع نفسه في مواجهة الإمبراطور ورجال الدين.
لكن رؤية القصر بعينها جعلتها تشعر بمرارة عميقة:
لو كان لدينا بعضٌ من هذا الثراء… لما مات أبي بتلك الطريقة.
ومع ذلك، مسحت تلك الأفكار سريعًا، وأحكمت قبضتها على نفسها ✨
لم يكن هنالك ما هو أكثر عبثًا من الاستغراق في افتراضات لا جدوى منها، أو اجترار الماضي الذي لن يعود.
بل على العكس…
لن أموت.
هكذا أقسمت ليفيا في نفسها، وقبضت يديها بقوة.
بعد قليل، ومع وصول الشاي، دخل شخصٌ إلى غرفة الاستقبال.
رجل ذو شعرٍ رمادي مائل إلى البياض، وعينين بُنّيتين يعلوهما تجاعيد السنين، يرتدي زيًّا أسود مُكويًا بإتقان حاد الزوايا، في تناقضٍ مع ملامح وجهه الهادئة.
إنه كبير الخدم: ونستون غريغوري.
عرفته ليفيا فور رؤيته.
قال وهو ينحني بانضباط:
“أعتذر لإبقائِك في الانتظار. أنا ونستون غريغوري، كبير خدم دوق مرسيدس.”
حيّاها بتحية كاملة الأدب، فجمدت ليفيا للحظة وهي تحدّق فيه بصمت.
ونستون غريغوري… في القصة الأصلية كان من أقرب المقرّبين إلى كاردين، والمسؤول الأول عن شؤون بيت الدوق.
وليفيا كانت تتوقّع أن يكون هو من يستقبلها.
رغم توترها، ارتسمت على وجهها ابتسامة طبيعية وهي تقول بلطف:
“اسمي ليفيا بيلنغتون. سعدت بلقائك.”
لكن وجه ونستون تبدّل في تلك اللحظة، ارتسمت عليه غرابة لم تخفَ عنها.
ولم يكن ونستون وحده من يُبدي هذا التغيّر؛ أينما ذهبت ليفيا في العاصمة، كانت ترى في أعين الناس ردّ الفعل ذاته حين يسمعون اسمها. بعضهم كان يكتفي بنظرات مرتبكة، وآخرون لم يُخفوا حرجهم.
والسبب معروف… تلك المقالة الفضائحية التي انتشرت في أرجاء الإمبراطورية:
“الكونت بيلنغتون يُنهي حياته بيده… وابنته الوحيدة هي من وجدت جثته.”
عناوين صارخة تصدّرت الصفحات الأولى، نُشرت في كل مكان، تاركةً خلفها وصمة لا تُمحى.
ومع ذلك، وبما أن ونستون هو الرجل الذي يلازم كاردين ويُمثّله، فقد أخفى مشاعره ببراعة ولم يُظهر شيئًا.
شعرت ليفيا ببعض الارتياح؛ على الأقل لم يطالعها بنظرات الشفقة أو الارتياب المعتادة.
انتقل ونستون مباشرة إلى صلب الموضوع، قائلًا بلهجة رصينة:
“لقد علمتُ سبب زيارتكِ يا آنسة بيلنغتون.”
وبدا عليه التردّد قليلًا قبل أن يتابع:
“لكن للأسف… لدينا بالفعل معلّم جديد. وأعترف أن خطئي أنا هو أنني لم أعلن الأمر رسميًا، فتسبّبتُ في مجيئك بلا طائل.”
ثم نهض وانحنى أمامها بصدق:
“سأعوضكِ بالتأكيد عن عناء هذه الرحلة.”
كان اعتذاره صريحًا، لكن معناه واحد: لا مجال للتفاوض.
كنت قلقة من هذا، وها قد حدث فعلًا.
هكذا حدّثت ليفيا نفسها باستسلام.
أطرقت لحظة، ثم نهضت ببطء، وابتسمت بلطف وهي تهز رأسها:
“لا داعي للتعويض، كان عليّ أن آتي في وقت أبكر. لكن الظروف لم تساعدني.”
انعكس في عيني ونستون بريقُ دهشة خاطفة؛ لم يتوقّع منها أن تقبل الأمر بهذه السهولة.
أكان يظن أنها ستحاول التمسّك بالفرصة بأي ثمن؟
نَظر إليها بنبرة أسف، ثم انحنى مرة أخرى قائلًا:
“شكرًا لتفهّمك. سأرافقك إلى الباب.”
قالت بابتسامة هادئة:
“أكون شاكرة لك.”
سارت بخطوات خفيفة متجاوزة إياه، حتى بلغت الباب.
وفي اللحظة التي همّت فيها بالخروج…
طق!
وقع شيء من حقيبتها على الأرض.
انحنى ونستون مسرعًا قائلًا:
“دعيني ألتقطه لكِ…”
لكن حين وقعت عيناه على ما التقطه، جمد مكانه وارتسمت الدهشة العارمة على وجهه.
لقد كانت بيديه شهادة الروبي – الوسام الذي لا يُمنح إلا لواحد فقط: المتخرّج الأول على دفعته من الأكاديمية الإمبراطورية.
أما ليفيا، فاكتفت بابتسامة هادئة وهي تراقب عينيه المتسعتين حتى كادتا تنفجران من الذهول.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 2"