تنزيل التطبيق
الفصل 8 – 8
مشى ريفت بخطوات واثقة، وكانت نظراته تعكس مزيجًا من المرح والتصميم بينما التفت إلى ريري وقال:
حسنًا، يا آنسة ريري، بما أنك لا تتذكرين أي شيء، فلنصنع ذكريات جديدة… ذكريات تجعلك تتذكريني إلى الأبد.
لكن ريري لم تكن في مزاجٍ مناسبٍ لألعابه. رمقته بنظرةٍ حادة، وعيناها تشتعلان غضبًا من جرأته، ثم استدارت وقالت ببرود:
“لا، سأذهب إلى المنزل.”
ولكن ريفت لم يكن ليسمح لها بالهروب بسهولة.
هذه أول مرة تخرج فيها وحدك. لا تكن عنيدًا هكذا.
لم يُتح لها فرصةً للنقاش. أمسك بيدها بقوةٍ لكن برفق، وسحبها معه بينما كان يمسك حقيبتها بلا مبالاة، كما لو كان يفعل ذلك مراتٍ لا تُحصى من قبل. نظرت إليه بدهشة، لكن تعبيره ظلّ هادئًا، كما لو أن الأمر ليس مطروحًا للنقاش.
“سأريك جمال الإمبراطورية.”
ورغم أنها أرادت المقاومة، إلا أنها لم تكن تملك الطاقة لمحاربته.
ساحة الوردة البيضاء
عندما وصلوا إلى الساحة، شعرت ريري وكأنها دخلت عالمًا آخر – عالمًا لم تره من قبل. كانت الساحة الواسعة مغطاة بسجادة طبيعية من الورود البيضاء المتناثرة، تتلألأ ألوانها الناعمة تحت ضوء الشمس اللطيف.
وفي وسطها وقفت نافورة ضخمة، كانت مياهها المتدفقة تتلألأ مثل خيوط فضية، وكانت محاطة بمقاعد رخامية أنيقة.
وعلى مشارف الساحة، عرض الفنانون لوحاتهم الفنية، بينما كان عازف الكمان يعزف لحنًا ناعمًا يتداخل مع ضجيج السوق وهمسات الزوار المارة الخافتة.
حدّقت ريري في المشهد بدهشة. كان أشبه بجنةٍ أبدعها روائيٌّ بارع، لم يُخلّف تفصيلاً واحداً ينقصه الكمال.
“إنه أمر مذهل…” همست دون أن تدرك ذلك.
نظر إليها ريفت بابتسامة صغيرة، وكأنه كان يتوقع هذا الرد منها.
“لا يزال هناك العديد من الأماكن التي لم ترها بعد، ولكن لدينا محطة أخيرة قبل أن ننهي جولتنا اليوم.”
نظرت إليه متسائلة، لكنه لم يكشف عن أي شيء آخر.
مطعم كراون روز
“الساعة الآن الثالثة… ما رأيك أن نتناول الغداء؟” قال ريفت وهو ينظر إلى ساعته.
ريري، التي لم تلاحظ مدى سرعة مرور الوقت، ابتسمت أخيرًا.
“ولم لا؟”
“ماذا تشعر بالرغبة في الأكل؟”
“أي شيء لذيذ.”
ضحك ريفت بخفة. “هناك مطعم رائع قريب. أعتقد أنه سيعجبك.”
عندما وصلوا إلى مطعم The Crown Rose، شعرت ريري، للحظة، وكأنها أميرة تدخل قصرها الخاص.
كان المكان خلابًا، إذ تتدلى الثريات الكريستالية بأناقة من السقف، وينعكس بريقها الناعم على الجدران المزهرة بالورود الحمراء المخملية. ورُتبت الطاولات بعناية فائقة، ومُغطاة بأغطية فاخرة.
“حسنًا… أظن أنني أصبحتُ أميرةً اليوم.” همست ريري، وهي تُعجب بمحيطها.
ألقى ريفت نظرة عليها من زاوية عينه وابتسم بسخرية قبل أن يقترب منهم النادل.
“ماذا يريد السيد والسيدة أن يطلبوا؟”
ألقى ريفت نظرة على ريري قبل أن يقرر،
“سنتناول لحم العجل مع صلصة الكمأة وسلطة الفطر البري.”
التفتت إليه ريري بمفاجأة.
“أنت تطلب لي؟”
هز كتفيه بلا مبالاة. “قلتِ ‘أي شيء لذيذ’، وأضمن لكِ أن هذا هو الأفضل.”
هذه المرة، لم تتمكن ريري من كبح ابتسامتها.
ربما لم يكن الأمر سيئًا للغاية أن أذهب مع التدفق لمرة واحدة.
ربما – ربما فقط – كانت هذه بداية الذكريات التي لن ترغب أبدًا في نسيانها.
تسللت رائحة الطعام الدافئة إلى حواسي كأغنية همس بها الجوع في أذني. أثارت رائحة اللحم المشوي الممزوجة بنكهة الكمأة الشهية، فمددت يدي والتقطت قطعة.
في اللحظة التي وضعتها في فمي، رقصت النكهات على لساني – عصائر طرية تمتزج بسلاسة مع الكمأة، كما لو كان الطعم نفسه ينسج قصة، حكاية لا تشبه أي شيء عرفته من قبل.
دون وعي، ابتسمت وهمست:
– “لذيذ…”
لم أُدرك أنني انتهيت من الطبق حتى رفعت رأسي، لأجد ريفت يحدق بي في صمت. لم يكن يأكل، بل كان يراقبني فقط، كما لو كنت لغزًا لم يحله بعد، وكأن كل حركة مني تخطف أنفاسه.
كانت عيناه تتبع كل قضمة، كل رشفة، كل تنهد غير مقصود أفلت مني.
رفعت حاجبي في استفهام، وقلت مازحا،
– “لماذا لا تأكل يا سيد ريفت؟”
ارتجف كما لو أن كلماتي صفعته. للحظة، بدا كطفلٍ متلبسٍ بالجريمة، ثم تلمس شوكته بسرعة، متلعثمًا،
– “أنا-أنا آكل الآن!”
راقبته وهو يأخذ قضمة، لكنه بالكاد مضغها. ابتسمت، على وشك التعليق.
ولكن فجأة…
اهتزت الطاولة بعنف تحت وطأة يد غير مألوفة.
تجمد الهواء حولي. رفعت نظري فورًا.
وقف رجلٌ طويل القامة، ملامحه حادة كشظايا الجليد، وعيناه تشتعلان غضبًا عارمًا. كان كعاصفةٍ هبت على المطعم، نظراته خالية من الرحمة أو التردد.
لم أكن بحاجة إلى أن أسأله من هو.
– “كيف تجرؤ أيها الوغد؟!”
صوته شق الهواء مثل شفرة حادة.
أمسك ريفت من ياقته، وسحبه من مقعده كما لو كان فأرًا وقع في فخ. شهقتُ، وتجمدتُ من الصدمة للحظة، بينما كان ريفت يكافح ليتحدث بثبات.
– “صاحب السمو، من فضلك… لقد حصلت على إذن والدها.”
لكن إلياس لم يكن يستمع. شد قبضته، وعيناه تشتعلان غضبًا. في لحظة، أطلق سراح ريفت والتفت إليّ، ممسكًا بمعصمي بقوة لم أتوقعها.
– “ماذا تعتقد أنك تفعل؟!” قلت بغضب.
لكنه لم يُجب. بل سحبني من مقعدي كما لو كنتُ دميةً خرقةً لا حول لها ولا قوة. اعترضتُ، وحاولتُ التحرر، لكن قبضته كانت قويةً جدًا – أقوى مما كنتُ أتخيل.
لم يكن هذا مجرد غضب، بل كان شيئًا آخر… شيئًا لم أفهمه بعد.
جرّني خارج المطعم، متجاهلاً صراخي ونظرات المارة المذعورة. وقبل أن أستوعب ما يحدث، انفتح باب سيارة سوداء أنيقة، ودُفعتُ إلى الداخل دون أن أنبس ببنت شفة.
انغلق الباب خلفي بقوة مع صوت قوي، تمامًا كما شق صوته الحاد الهواء:
– “إلى العقار.”
شهقت، وتسارعت أنفاسي، وارتجفت يداي في قبضته – لم يتركني بعد.
– “العقار؟!”
التفتُّ إليه، إلى تعبير وجهه الثابت، كما لو كان ما فعله طبيعيًا تمامًا. وكأن اختطافي بهذه الطريقة لا يحتاج إلى أي تفسير.
ولكن السؤال الحقيقي لم يكن حول التركة…
كان الأمر يتعلق بالطريقة التي كان ينظر إليّ بها – كما لو كنت أنتمي إليه.
كما لو أنني كنت… قطعة مفقودة من حرب لم تبدأ بعد.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 8"