تنزيل التطبيق
الفصل 6 – 6
لقد مرت ثلاثة أشهر منذ أن تجسدت في هذا العالم الجديد،
كأن الزمن شقّ لنفسه طريقًا مختلفًا هنا. شعرتُ كأنني ورقةٌ لا وزن لها تحملها الريح في حديقةٍ لم أزرها من قبل، محاطةً بأشجارٍ غريبة، ومع ذلك، تمتد جذورها إلى عالمي القديم.
أغدق عليّ والداي، الدوق عثمان فاليسكا والدوقة إليانور فاليسكا، رعايةً لا تشوبها شائبة. لم يكن ذلك مجرد واجب عائلي، بل كان دفئًا يمتد كضوء شمعة في ليلة عاصفة، يغمرني بحنان لم أتوقعه قط.
لكن كايل… لم أقابله مرة أخرى.
المحادثات القليلة التي أجريتها كانت مع والده، العم دينيس،
كان يبدو كامتدادٍ لابنه. كان اهتمامه الصادق يظهر كلما تأخرتُ في التواصل، وعندما لم أبادر، كان يتصل بأبي ليسأل عني.
لقد كان هذا الرجل طيبًا بطريقة يصعب وصفها، وكأن العالم لم ينجح أبدًا في تلويث قلبه.
الممرات الصامتة والقصور الفخمة
على مدار الأشهر الماضية، توطدت علاقتي بأبي. كنت أراقبه عن كثب، أدرس كل حركة وكل نظرة، كما لو كنت أحاول فك رموز الرجل الذي كان يتربع على عرش إحدى أقوى العائلات في إمبراطورية لومينارز.
كان قصرنا ضخمًا، ليس فقط في حجمه، بل في هيئته الآسرة. قيل إنه كان الأجمل في الإمبراطورية، فاستحق لقب “قصر البجعة الفضية” لجماله الملكي وأناقته النادرة.
كان مكتب والدي في الطابق الأرضي، قرب قاعة الضيوف، منعزلاً كحصنٍ منيعٍ وسط بحرٍ من الممرات الرخامية. وجدتُ راحةً غريبةً في التجول في تلك الممرات الهادئة، وكأن الأحجار المصقولة بعنايةٍ همست لي بأسرارها القديمة.
في ذلك الصباح، قررتُ مفاجأة والدي بشيء بسيط. حضّرتُ له قهوته بنفسي – ليست مثالية، بل من صنع يدي. دخلتُ مكتبه بخطوات خفيفة، كأنني أدخل إلى عالمٍ مقدس، ورحّبتُ به بحرارة قبل أن أضع الكوب أمامه.
“أبي، هذه قهوتك. لقد صنعتها بنفسي.”
نظر إليّ للحظة، ثم ابتسم – ابتسامة نادرة، نادرًا ما رأيتها، ولكن عندما ظهرت، أضاءت وجهه، واخترقت صرامته المعتادة.
“هل قررت التنافس مع الخدم في مهاراتهم؟” سأل مازحا، على الرغم من أن نبرته كانت تحمل اللطف.
“ربما،” أجبت بخفة، ثم التقطت كومة من الأوراق الموضوعة على مكتبه، وبدأت عيناي تفحص السطور بدقة متناهية.
لقد كنت جيدًا في مثل هذه المهام في عالمي القديم، لذا فإن القراءة لم تعد تتعلق بالنظر إلى الكلمات فحسب، بل تتعلق أيضًا بفهم التعقيدات العميقة للإدارة والسياسة.
“أبي، هل أساعدك؟”
رفع حاجبه قليلاً، وكأن الفكرة لم تخطر بباله قط. “وهل ابنتي الصغيرة خبيرة في الإدارة أيضًا؟”
ابتسمتُ بثقة، وسحبتُ الأوراق نحوي، وعيناي تفحصان التفاصيل. من بين الوثائق، لفت انتباهي تقرير ضريبي بارز، يحمل ختم مكتب الإيرادات الملكي.
“أبي، هذه ضريبة استثمار، أليس كذلك؟”
رفع رأسه عن أوراقه، واهتمامٌ يتلألأ في عينيه. “أجل، ولكن كيف عرفتَ ذلك؟”
بدأتُ بشرح التفاصيل وكأنني درستُ النظام الضريبي لسنوات. وتحدثتُ عن كيفية فرض هذه الضريبة لتوجيه الأموال نحو المشاريع الخيرية، وكيف أن الاستثمار في بناء دور الأيتام والمستشفيات يمنح المستثمرين نسبةً معينةً من الإعفاء الضريبي.
“هذا الاستثمار الملكي لا يتعلق فقط بدفع المال؛ بل هو وعد بإعادة بناء حياة الناس التي تحطمت تحت وطأة الفقر”.
راقبني والدي في صمت، وعيناه تلمعان بشيء لم أستطع فهمه تمامًا – هل كان دهشةً؟ فخرًا؟ ربما مزيجًا من الاثنين.
وبعد لحظة تنهد وقال بصوت هادئ: عزيزتي متى تعلمت كل هذا؟
ضحكتُ بهدوء، مُتظاهرًا بالبراءة. “شاهدتُك تعمل، وبدا الأمر سهلًا.”
“سهل؟” كرر وهو يهز رأسه بابتسامة مرحة. “لو كان الأمر بهذه السهولة، لما قضيت سنوات في إتقانه.”
ألقى نظرة على الوثائق، وأضاف بصوت منخفض: “بفضل مهاراتك، لقد جعلت عملي أسهل بكثير اليوم – ربما أكثر مما تدرك”.
انتشر فيّ شعورٌ دافئ. كان هذا الاعتراف البسيط يعني لي أكثر مما أستطيع التعبير عنه.
«إذا كنت ستشرف على الضرائب، فاحرص على اختيار مساعدين أكفاء»، قلتُ بجدية. «وإلا، فقد نخسر ثروة».
“بالتأكيد يا عزيزتي. الإدارة ليست لعبة، في النهاية.”
عملنا معًا لأكثر من ثلاث ساعات، ومر الوقت سريعًا دون أن نشعر. كان هناك سحرٌ يكاد يكون ساحرًا في تلك اللحظات – التعاون، والفخر الذي يشعّ في عينيه، والشعور بالانتماء إلى هذا المكان، إلى هذه العائلة.
ربما، وربما فقط، بدأت أجد مكاني في هذا العالم.
ألقيتُ بنفسي على السرير وأنا أتنفس بصعوبة. كان اليوم طويلاً ومرهقًا… حتى أنني شعرتُ وكأن جسدي أصبح أثقل مما ينبغي. لم أكن أدرك قط أن إمساك القلم وتحليل مستندات الضرائب قد يُرهقني إلى هذا الحد.
أغمضت عيني لبضع لحظات، وسمحت لنفسي بقيلولة قصيرة، ولكن لم يمض وقت طويل قبل أن أسمع طرقًا خفيفًا على الباب ينتشلني من نعاسي.
– سيدتي، الهاتف لك.
رمشت ببطء، محاولًا استيعاب كلماتها وسط ضباب النوم الذي لا يزال يخيم على ذهني. تقلبتُ بكسل، وهمستُ بصوتٍ ناعس:
– “نقله إلى خط غرفتي، من فضلك.”
– “كما تريدين سيدتي.”
في الغرفة المُزينة بأناقة، كانت الستائر الحريرية تتمايل برفق مع النسيم، سامحةً لأشعة الشمس المُرشّحة بالرقص على جزيئات الغبار المُتطايرة. لم تكن الساعة قد دقت الثانية بعد الظهر، ومع ذلك بدا اليوم طويلاً للغاية.
نهضتُ، وشعرتُ وكأنني أحملُ همومَ الدنيا على كتفي، ومددتُ يدي إلى الهاتف. جلستُ على الكرسيّ في وضعيةٍ مُريحة، وأرجعتُ رأسي إلى الخلف، وأصابعي تلوي سلك الهاتف الملفوف ببطء.
– “مرحبا، من هذا؟”
جاء صوت مونيكا البهيج، حاملاً حماسها المعتاد.
– “كيف حالك يا فتاة؟”
ابتسمت بشكل ضعيف، لأنني كنت أفتقر إلى الطاقة التي تتناسب مع حماسها.
– “أنا بخير وأنت؟”
– “أنا بخير! لكن أخبرني، هل قرأت رسالتي الأخيرة، أم تركتها تذبل في درجك كالعادة؟”
توقفت للحظة، وتوجهت عيناي نحو الدرج الذي بجانبي.
لم أفتحه بعد. ربما لأنني لم أشعر بالحاجة لذلك، أو ربما لأنني كنت خائفًا مما يحتويه.
– “لا، لم أقرأه… ولكن بما أنك ذكّرتني، سأفعل ذلك الآن.”
– “حسنًا! لكن اسمع، لديّ شيء آخر لأخبرك به. استعد للغد – سنذهب في رحلة إلى العاصمة! سيأتي ريبيت وخطيبي ويليام أيضًا. نحن الأربعة! ستكون رحلة ممتعة، كمغامرة صغيرة.”
لقد ترددت.
— “لا أعرف… عليّ أن أسأل والدي أولًا. أنت تعلم كم يقلق بشأن أي شيء يخصني.”
— “لا تقلق بشأن ذلك! لقد حصلت على موافقته مُسبقًا! لذا، لا أعذار! ولا تنسَ قراءة الرسالة!”
قبل أن أتمكن من الرد، كانت مونيكا قد أغلقت الهاتف بالفعل.
تنهدت، وأنا أفرك وجهي بيديّ الناعمتين. لماذا لا تسير الأمور كما أخطط لها؟
ببطء، مددت يدي نحو الدرج، وأخرجت الرسالة المختومة. أخيرًا، فتحتها. لم أكن أعلم ما ينتظرني في الداخل.
بعد فتح الرسالة، بدأت بالقراءة.
إلى ملاكي السماوي، أورورا،
“لم أكن أبدًا رجلًا يتبع عواطفه بشكل أعمى، لكنك يا أورورا، قلبت عالمي رأسًا على عقب منذ اللحظة الأولى التي وقعت فيها عيناي عليك…”
لقد تجمدت.
تابعت عيني الكلمات، لكن قلبي هو الذي بدأ ينبض بإيقاع غير مألوف.
كان ذلك اليوم عاصفًا، وأتذكر كيف انسلّ ضوء النهار من النوافذ، منعكسًا على شعركِ الأبيض البلاتيني كضوء القمر على الثلج. كنتِ هشة بين ذراعيّ، ووجهكِ الشاحب كلوحة خزفية، وعيناكِ – يا لهما من عينين – تلك الزرقة السماوية التي لم أرَ مثلها قط، كما لو كنتُ أنظر من خلالها إلى عالم آخر، عالم أنقى بكثير من الذي نعيش فيه.
ارتجفتُ قليلاً وأنا أُمسك الورقة بين أصابعي. لم أكن أعلم أن ريبيت يكنّ لي مثل هذه المشاعر. كان هذا مفاجئًا… ولم يكن شيئًا أرغب به.
عندما فقدتِ وعيكِ في منزلنا، حملتُكِ بين ذراعيّ وشعرتُ بشيءٍ لم أختبره من قبل – تلك الرغبة العميقة والجارفة في حمايتكِ، في إبقائكِ قريبةً مني، كما لو أن يداي خُلقتا لهذا الغرض وحده. كنتِ ضعيفةً في تلك اللحظة، ومع ذلك، حتى في ضعفكِ، كنتِ أجمل من أي لوحةٍ عُرضت في قاعات القصور الفخمة.
انقبض قلبي. كنت أعلم أن شقيق مونيكا يهتم بي، لكن ليس إلى هذا الحد… ليس بهذه الدرجة.
أورورا، إن اعترفتُ، فلن أستطيع إنكار ما يجول في خاطري. أنتِ لستِ مجرد حضور عابر في حياتي، بل أنتِ النور الذي أضاء أركانها الخافتة. وإن جمعنا القدر، فليشهد القمر – لن أدعكِ تغادرين عالمي أبدًا.
ارتجفتُ للحظة، ثم أغلقتُ الرسالة ببطء. هذه الكلمات لا تخصني… لا ينبغي أن تخصني.
نهضتُ من مقعدي وتوجهتُ نحو الشمعة، وعيناي مثبتتان على اللهب المتلألئ أمامي. لم أُرِد أن أكون جزءًا من هذه المشاعر. لم أُرِد أن أكون سببًا في سقوط شخص آخر في هاوية الحب التي لا مفر منها.
وبدون تردد، رميت الرسالة في النار وشاهدتها وهي تتحول إلى رماد.
– “هذه الكلمات الرومانسية لا تلائمني يا سيد ريبيت…” همست لنفسي، وكان صوتي بالكاد مسموعًا.
شاهدتُ الرماد يتناثر، ومع ذلك ظلَّ ثقلٌ غريبٌ يثقل صدري. شعرتُ كما لو أنني خنتُ مشاعري، كما لو أنني، دون وعي…
كنت لا أزال غريبًا عن هذا العالم، ومع ذلك، تلقيت اعترافًا.
ولكن في النهاية، شيء واحد بقي مؤكدا…
“لن أخون كايل أبدًا، مهما حدث… حتى لو قضيت حياتي كلها أشاهده فقط، فلن أشعر بأي ندم.”
لكن… هل كانت هذه الحقيقة؟ أم كنتُ أخدع نفسي فحسب؟
في تلك اللحظة، تسلل نسيم المساء عبر النافذة، يلعب بشعري الأبيض البلاتيني – تمامًا كما أثارت كلمات ريبيت شيئًا عميقًا في داخلي، شيئًا لم أكن مستعدًا لمواجهته بعد.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل "1"