الفصل 19 – 19
الطرف الثالث لا يريد أن يحب مرة أخرى
تسللت خيوط الفجر الأولى إلى الغرفة، لكن أروى لم تنم طوال الليل. كانت عيناها مثبتتين على السقف، غارقتين في متاهة من الأفكار المتشابكة. لا تزال رسالة الإمبراطور محفورة في ذهنها، كما لو أنها محفورة في قلبها لا مجرد ورقة.
همست لنفسها بصوت بالكاد يُسمع: “هل سأحقق هدفي أخيرًا منذ تناسخي في هذا العالم…؟ ولكن، هل سيقبلني كايل؟”
تسلل الشك إلى عقلها، فخفق قلبها قلقًا. رفعت إصبعها لتعضه محاولةً كبت توترها، ثم زفرت في إحباط ودفنت وجهها في الوسادة، كأنها تحاول التخلص من دوامة القلق. لكن أخيرًا، غلبها النوم، وأغمضت عينيها مع بزوغ خيوط ضوء الصباح الأولى التي ملأت الغرفة.
في مكان آخر…
جلس كايل بهدوء، يرتشف قهوته المعتادة، وهو يتأمل انعكاس صورته في السائل الداكن داخل الكوب. كان شعره الأشقر الأشعث لا يزال رطبًا، وقطرات الماء تتساقط على رقبته بعد الاستحمام. لفّت منشفة بيضاء حول رقبته، تمسح ما تبقى من الرطوبة – مشهد هادئ ولكنه مهيب.
وفي خضم الصمت، سمعنا صوت طرق على الباب.
رفع رأسه قليلًا وتحدث بصوته الرجولي العميق، “تفضل بالدخول”.
انفتح الباب ببطء، كاشفًا عن رجل في الخمسينيات من عمره. كانت ملامحه تحمل نبل الأرستقراطيين، وحضوره المهيب يفرض الاحترام حتى قبل أن يتكلم. كان يرتدي قميصًا أبيض ناصعًا وبنطالًا بنيًا أنيقًا، مع ربطة عنق زادت من هيبته. عيناه البنيتان، اللتان تُحيط بهما نظارة سوداء، تحملان نظرة حادة واثقة.
ابتسم كايل بهدوء. “صباح الخير يا أبي.”
رد دينيس بصوت هادئ: “صباح الخير يا ابني. كيف حالك اليوم؟”
—
كان الصباح هادئًا في القصر، وتسلل النسيم العليل عبر النوافذ الواسعة، حاملًا رائحة أوراق الشجر المبللة بالندى. في الغرفة الفسيحة ذات الجدران المزخرفة، جلس كايل خلف طاولة خشبية داكنة، يصبّ قهوته السوداء في فنجانين من الخزف مزخرفين بنقوش ذهبية. تصاعد بخار المشروب الساخن في الهواء كما لو كان يشارك في رقصة صامتة بينه وبين والده.
ناول كايل والده الكأس. “تفضل يا أبي.”
ابتسم دينيس بهدوء. “شكرًا لك يا بني.”
راقب دينيس ابنه بعينين تحملان وطأة الزمن – مزيج من الحكمة والقلق. ورغم أن تعبير كايل ظلّ هادئًا، إلا أن عينيه الخضراوين كانتا تحملان ظلالًا داكنة، كندوب لم تلتئم بعد.
أخذ دينيس رشفة من قهوته، ثم أعاد الكوب بلطف إلى الطاولة، وضم يديه معًا، وتحدث بنبرة جادة:
سأدخل في صلب الموضوع يا بني. بالأمس، تلقيت اتصالاً من عمك، ثيودور.
رفع كايل حاجبه قليلاً، وأخذ رشفة بطيئة من قهوته قبل أن يرد بنبرة غير مبالية، “وماذا يريد عمي، الإمبراطور؟”
تنهد دينيس بعمق، كما لو كان يختار كلماته بعناية قبل الرد بنبرة ثقيلة،
“قال لي أن الوقت قد حان لتتزوج. أنت لم تعد شابًا يا كايل.”
توترت يد كايل على الطاولة، وضغطت أصابعه حول الكأس لبرهة وجيزة قبل أن يفتح شفتيه للرد – فقط ليقاطعه والده، الذي بدا وكأنه يتوقع اعتراضه.
اسمعني جيدًا يا كايل. كلنا نمر بتجارب في الحياة، بعضها ناجح وبعضها مؤلم. لكن لا يمكننا أن نبقى أسرى للماضي. التجربة التي مررت بها قبل ثماني سنوات كانت فاشلة، وأعلم جيدًا كم عانيت بسببها. لكن لا يمكنك أن تقضي بقية حياتك حبيسًا في حب لم يعد موجودًا.
كان صوت دينيس حازمًا، لكن دون قسوة. حملت كلماته عطفًا أبويًا، محاولةً منه لإعادة ابنه إلى الطريق الصحيح – الطريق الذي انحرف عنه منذ سنوات.
المرأة التي أحببتها تزوجت وأنجبت طفلين. بنت لنفسها حياة جديدة، بينما أنت عالق في الماضي يا بني. حان وقت المضي قدمًا – مع امرأة تستحقك، مع شريك يقف بجانبك بصدق.
ساد الصمت بينهما، وكان الصوت الوحيد في الغرفة هو صوت دقات الساعة البطيئة، وكأنها تعلن عن بداية شيء جديد – أو ربما نهاية شيء قديم.
رفع كايل نظره إلى والده، وعيناه كغابة مظلمة تخفي عاصفة خفية. ثم سأل بصوت هادئ يحمل في طياته غضبًا متقدًا:
“وما دخل عمي بزواجي؟”
كان صوته باردًا كالثلج، لكن دينيس لم يكن من النوع الذي ينخدع بهدوء ظاهري كعاصفة تلوح في الأفق. كان يعلم أن ابنه غاضب، لكنه اختار ألا يُقر بذلك، واكتفى بالمراقبة في صمت، منتظرًا ما ستؤول إليه الأمور.
كان يعلم أن هذه المحادثة لن تنتهي بسهولة. في الواقع، قد تكون مجرد بداية لعاصفة أكبر بكثير، عاصفة قد تُعيد تشكيل حياة كايل بالكامل.
كان كايل لا يزال ممسكًا بفنجان قهوته، لكن دفئه لم يعد يصل إليه. البرودة التي تتسرب إلى روحه كانت أقوى بكثير من أي حرارة خارجية. جلس مقابل والده، وملامحه مشبعة بسخرية لاذعة واستياء واضح، بينما ضاقت عيناه الخضراوان، يكافح لاحتواء الغضب الذي يغلي في داخله.
“إذا كنت سأتزوج، فهذا القرار يخصني وحدي!” قال بحدة، ووضع كوبه على الطاولة بقوة طفيفة، مما أحدث صوتًا ناعمًا حمل وزنًا أثقل من صوته.
أجاب دينيس بصوت هادئ ولكن حازم: “لقد رتب عمك ثيودور الخطوبة بالفعل. وهذا الآن واقع يجب أن نواجهه”.
شد كايل فكه وهو يحدق في والده بذهولٍ مُصغّر، ممزوجٍ بلمحةٍ من السخرية. كيف يُمكن اتخاذ قرارٍ بهذا القدر من الخطورة دون مُشاركته؟
“حقيقة؟” تمتم ببطء، كأنه يتذوق مرارة الكلمات، ثم أطلق ضحكة قصيرة خالية من الفكاهة. “ومتى كان من المفترض أن أُبلّغ؟ هل كنتم تنتظرون أن أعثر بالصدفة على دعوة زفافي على مكتبي؟”
لم يكن الغضب وحده هو ما استحوذ عليه، بل كان شعورًا عميقًا بالخيانة. كأن حياته أصبحت مجرد رقعة شطرنج، يحرك الآخرون قطعها كما يحلو لهم.
ولماذا أنا آخر من يعلم؟ هل أنتم من تعيشون حياتي، أم أنا من يجب أن أعيشها؟
لم ينتظر جوابًا، فصار صوته داكنًا وهو يُكمل: “هل عمي يتحكم بمستقبلي الآن؟ ليس من حقه اتخاذ مثل هذه القرارات نيابةً عني، حتى لو كان الإمبراطور نفسه.”
ظل دينيس صامتًا لعدة لحظات، كما لو كان يعطي كايل مساحة للتعبير عن غضبه، قبل أن يتحدث أخيرًا بنبرة أكثر هدوءًا، “يا بني، لا أحد يجبرك على أي شيء، ولكن-“
قاطعه كايل بحدة، “لكنك فعلتَ ذلك بالفعل! وماذا عن هذه المرأة؟ ألا تظلمها أيضًا؟ لن أحبها أبدًا، وإذا تزوجتها، فسأحكم عليها بحياة بائسة. هل هذا ما تريده لها
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 19"