الفصل 18 – 18
مع إغلاق أبواب القصر الملكي خلفي، شعرتُ بثقلٍ ينزاح عن كاهلي. كانت الأمسية مُرهقة، مليئةً بالمجاملات الزائفة والابتسامات المُصطنعة. مرّ أسبوعان على المأدبة الملكية التي حضرتها مع عائلة ستراثمور، ومع ذلك شعرتُ وكأنها حدثت بالأمس فقط.
تنهدت بهدوء وأنا أدخل غرفتي، وأغلق الباب خلفي قبل أن أقف أمام المرآة، أُحدّق في انعكاسي. منذ أن تجسدت في هذا العالم، لطالما شعرتُ بالغربة في هذا الجسد، لكن مع مرور الوقت، اعتدتُ عليه حتى أصبح مألوفًا لي كما لو كان ملكي منذ الأزل.
أمالَت أروا رأسها قليلًا، تتأمل ملامحها الحادة والآسرة في آنٍ واحد – بشرة بيضاء كالحليب، وشعر بلاتيني طويل ينسدل كضوء القمر، وعينان زرقاوان فضيتان تلمعان ببريق بارد. أضفت عليها شفتاها الممتلئتان سحرًا ساحرًا. ضحكت ضحكة خفيفة، وهمست لنفسها:
“لو كان هذا هو مظهري في عالمي الأصلي، لما كنت بحاجة إلى جراحة تجميلية.”
أدارت ظهرها للمرآة قبل أن ينغمس جمالها في أعماقها. ثم خرجت من غرفتها متجهةً إلى مكتب والدها، الدوق عثمان فاليسكا، الرجل المعروف بسلطته ونفوذه في الإمبراطورية.
“مساء الخير يا أبي.”
رفع الدوق بصره عن الأوراق التي أمامه. وما إن التقت عيناه بعينيها حتى ابتسم ابتسامة دافئة.
“آه، لقد جاءت طفلتي الجميلة أخيرًا لزيارة والدها!” قال مازحًا وهو يضع قلمه جانبًا.
“لقد جئت لمساعدتك في إنهاء عملك حتى أتمكن من أخذك في نزهة في الحديقة.”
أطلق الدوق ضحكة عميقة وهو ينهض من مكتبه.
“أوه، ابنتي الصغيرة المدللة، ليس لدي الكثير من العمل اليوم على أي حال.”
راقبت أروا والدها وهو يقترب منها. كان متوسط الطول، لكن هيبته جعلته يبدو أطول بكثير. بشعره الأبيض الناصع وعينيه الزرقاوين الفضيتين، بدا كتمثال منحوت بدقة. كان يرتدي قميصًا أبيض وبنطالًا أسود – خياره الدائم، وكأن اللون يعكس جزءًا من شخصيته الغامضة.
“ماذا عن ركوب الخيل، عزيزتي؟”
كانت عيناها تتألقان بالإثارة.
“ما أجمل هذه الفكرة يا أبي!”
“ثم استعد.”
استدارت لتغادر، لكنه أضاف بحرارة:
“أحضروا حفيديّ، سيلتر وسيلفستر. سيكون من الرائع أن نُقدّم للأطفال بعض الترفيه.”
ابتسمت أروا وأومأت برأسها.
“يبدو هذا ممتعًا. يحتاج الأطفال إلى بعض الهواء النقي.”
مع ذلك، انطلقت نحو جناح الأطفال، بينما كانت أشعة الشمس الذهبية تتدفق عبر نوافذ القصر، معلنة عن يوم هادئ… أو ربما عاصفة في الأفق.
—
سارت أروا بهدوء عبر ممرات القصر الطويلة، المُضاءة بثريات الكريستال. رقصت الظلال وهي تمر أمام النوافذ الشاهقة، حيث صبغ غروب الشمس السماء بدرجات من الأرجواني والذهبي.
لم يكن قصر فاليسكا مجرد مقر إقامة نبيل، بل كان تحفة معمارية تُجسّد إرث سلالة امتدت قرونًا. وقفت جدرانه الشامخة، المزينة بنقوش دقيقة تُجسّد أمجاد الماضي، شاهدًا صامتًا على ميلاد وصعود أعظم دوقات الإمبراطورية.
وفي قلب هذا القصر الفخم يقع جناح الأطفال، الذي يقع في القسم الشرقي، وتحيط به حدائق زهور معلقة وشرفات تطل على بحيرة فيروزية تحتضن القصر.
فتحت أروا باب الجناح برفق، فوجدت الصبيين في وسط الغرفة الفسيحة. كانت الأرضية مغطاة بسجاد سميك منسوج بنقوش ذهبية وزرقاء، بينما زُيّنت الجدران بلوحات تصور مشاهد من أساطير قديمة.
“سيلتر، سيلفستر، استعدا! سنذهب في رحلة على ظهور الخيل مع جدكما.”
رفع سيلتر رأسه على الفور، وعيناه الياقوتيتان تتسعان. بملامحه الملائكية وشعره البني المموج، كان يشعّ بسحرٍ بريء. قفز منتصبًا بحماس.
“حقا؟! يا إلهي، لقد مر وقت طويل منذ آخر مرة ركبنا فيها!”
في هذه الأثناء، ظل سيلفستر جالسًا عند النافذة، متكئًا على كرسيه في لمح البصر. إلا أن عينيه الزرقاوين اللامعتين كشفتا عن اهتمامه الخفي. كان يشبه والده بشكل لافت، بشعره الأسود الفاحم ونظرته الباردة الغامضة. ومع ذلك، لم يستطع إخفاء إعجابه العميق بجده وعمته أروا.
“هل سيكون الجد معنا؟” سأل بصوت هادئ، وكأنه يحاول أن يبدو غير مهتم.
ابتسمت أروا، واقتربت منه وربتت على رأسه بلطف.
“نعم، وقد طلب منكما شخصيًا. ألا تريدان الذهاب؟”
أدار رأسه بعيدًا للحظة قبل أن يقف أخيرًا، ويطوي يديه خلف ظهره ويتمتم:
“إذا أراد الجد ذلك، فسأذهب.”
ضحكت أروا بهدوء عندما سحبها سيلتر من يدها بلهفة.
“هيا بنا إذن! لا أريد أن أتأخر قبل غروب الشمس!”
—
بينما كانوا يركضون على طول الطريق الوعر والمثير، شعرت أروا بالريح تداعب شعرها، والهواء البارد يلسع وجنتيها. لم تكن هذه مجرد رحلة بسيطة، بل كان شعورًا بالحرية، شيءٌ كانت تتوق إليه منذ أن وُلدت في هذا العالم.
ولكن في منتصف رحلتهم، توقفوا جميعًا فجأة عند سماع صوت غريب قادمًا من الغابة القريبة.
“ما هذا؟” همس سيلتر وهو يشد قبضته على لجام حصانه.
حدّقت أروا نحو مصدر الضجيج. لم يكن مجرد ريح أو حيوان عادي. كان هناك شيء آخر… شيء غير طبيعي.
ضيق الدوق عينيه على الأشجار الكثيفة قبل أن يتجه نحو أحفاده، محاولاً تخفيف مخاوفهم.
“ابق خلفي. ربما يكون مجرد ذئب ضال.”
لكن أروا شعرت بأن الأمر أهم بكثير. تسلل إليها شعور غريب، كما لو أن قوة خفية تناديها.
أمسكت بسيلفستر وسحبت حصانها إلى الخلف. وبينما كانت على وشك النزول، ظهر ظل داكن من بين الأشجار، يتحرك ببطء.
كان هناك شيء يراقبهم…
وقفت الخيول متجمدة، أنفاسها ثقيلة. أمامها، وسط أوراق الشجر الكثيفة، لاح في الأفق شكل ضخم، يخرج من الضوء الخافت.
حفيف الأوراق ووقع الأقدام الثقيلة أرعباهم. كان المخلوق دبًا عملاقًا، فراءه البني الداكن متشابك، وعيناه الصغيرتان تعكسان ضوء الشمس الخافت بتوهج غريب.
امتطت أروا حصانها بسرعة، ممسكةً بلجامه بإحكام. في هذه الأثناء، ظل الدوق عثمان ساكنًا، ناظرًا إليه بثبات، وكأن مواجهة مثل هذه التهديدات أمرٌ طبيعيٌّ بالنسبة له.
“لا تتحرك”، أمر، وكان صوته هادئا ولكن حازماً.
لكن الشاب سيلتر تشبث بيد أروا وهمس بخوف:
“العمة… الدب…”
“أنا هنا. لا تقلق.” طمأنته، مع أن يديها كانتا ترتجفان – ليس خوفًا من الوحش، بل من فكرة إصابة الأطفال.
قبض سيلفستر على لجام حصانه بقوة، وكانت عيناه الياقوتية واسعتين، ومع ذلك ظل صامتًا.
مدّ الدوق يده من خلف ظهره وأخرج بندقية سوداء طويلة لامعة. وبحركة سريعة، صوّبها نحو الدب.
“أيها الوحش، عد إلى الغابة قبل أن أفجر رأسك.” كان صوته منخفضًا، ولكنه قاتل.
تردد الدب، وكأنه أدرك التهديد. أطلق زئيرًا عميقًا لكنه لم يتراجع.
أطلق الدوق رصاصة في الهواء. دوى صوت الرصاصة في الغابة كالصاعقة.
فزع الدب، وزأر غاضبًا، لكنه أدرك في النهاية أنه تفوق عليه. بعد لحظة تردد، استدار واختفى بين الأشجار.
“أروا، خذي الأطفال وابتعدي إلى الوراء،” أمر الدوق، ولم يرفع عينيه أبدًا عن المكان الذي اختفى فيه الدب.
على مضض، أخذ أروا الأولاد وقاد خيولهم بعيدًا ببطء.
وفي تلك اللحظة، وصل حراس الدوق المسلحون.
“يا سيدي، سمعنا إطلاق نار! هل أنتم بخير؟”
—
وفي وقت لاحق من تلك الليلة، جلست أروا في مكتبة القصر، غارقة في أفكارها.
أمامها، مرر الدوق عثمان رسالة مختومة نحوها.
“وصلت هذه اليوم. إنها من الإمبراطور نفسه.”
كان قلبها ينبض بقوة عندما فتحته.
لقد كان عرض زواج… إلى كايل ستراثمور.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 18"