الفصل 12 – 12
الفصل الثاني عشر
لكن كان هناك شخص واحد أدركت أروى أنها بحاجة لفهمه بعمق أكبر: إيناس، زوجة إلياس، التي بدت دائمًا هادئة ومنطقية. وبينما كانت أروى تشعر بالراحة مع الجميع، ظلت إيناس لغزًا في قلبها.
عندما دخلت إيناس الغرفة، كانت ترتدي فستانًا ورديًا بسيطًا وأنيقًا. كان القماش خفيفًا، ينسدل برشاقة حول قوامها الطويل، مع تطريز رقيق يُزيّن الأكمام والياقة. أبرز شعرها البني المنساب بشكل طبيعي على كتفيها جمال عينيها الخضراوين، اللتين تحملان في داخلهما حكمة عميقة.
“كيف حالك اليوم يا أروى؟” سألت إيناس بابتسامة لطيفة.
نظرت أروى إلى الملابس البسيطة والفاخرة التي كانت ترتديها إيناس وأجابت: “أنا أشعر بتحسن، شكرًا لك”.
في تلك اللحظة، بدت أروى وكأنها ملائكية، بشعرها الأبيض اللؤلؤي المنسدل على ظهرها وعينيها الزرقاوين الفضيتين اللتين بدتا كأنهما تنقلان أي شخص إلى عالم آخر. كان زيها بسيطًا، لكنه حمل سحرًا هادئًا. ارتدت فستانًا أزرق فاتحًا لامعًا، بتفاصيل دقيقة على طول حاشية وأكمامه، مشدودًا عند الخصر بحزام رقيق. ينضح الفستان بأناقة رشيقة، مع لمسات بيضاء رقيقة أبرزت نقاء ملامحها.
“وكيف حالك؟” سألت أروى بفضول، وهي تشعر بشيء غامض في عيني إيناس – شيء مخفي تحت تعبيرها الهادئ.
ترددت إيناس قليلًا قبل أن تجيب: “أنا بخير… لكن لم تكن الأمور هكذا دائمًا”. اختفت الابتسامة من شفتيها، وعاد إليها أثر التوتر.
“هل ترغب في أن تخبرني؟” سألت أروى بحذر، وهي تشعر أن هناك قصة مؤلمة وراء تلك الكلمات.
في تلك اللحظة، اتكأت إيناس على الكرسي القريب وأخذت نفسًا عميقًا. “كنت متزوجة من قبل. تزوجت في سن مبكرة، ولكن للأسف، انتهت تلك العلاقة بالطلاق بعد سنوات من المعاناة والتحديات.”
جلست أروى بجانب إيناس وهي تشعر بالارتياح، وقالت بهدوء: “والآن تزوجت إلياس. كيف حدث ذلك؟”
ابتسمت إيناس، وعيناها تخفيان ذكريات كثيرة. “دخل إلياس حياتي في وقت لم أتوقعه. بعد الطلاق، كنت أبحث عن السلام الداخلي. ثم جاء إلياس – قويًا بما يكفي ليساعدني على الوقوف مجددًا. جئت إلى هذا القصر كشخص جديد، وأعتقد أنه فعل الشيء نفسه.”
فكرت أروى في كلمات إيناس لفترة طويلة قبل أن تقول بابتسامة ناعمة: “أنت قوية يا إيناس. لا أعرف إن كنت سأستطيع أن أكون قوية مثلك”.
لكن مع استمرار حديثهما، حدث أمر غير متوقع. نشأ سوء تفاهم بسيط عندما عرضت إيناس مساعدة أروى في الاعتناء بنفسها. لكن أروى أساءت فهم العرض، ظنًا منها أن إيناس تعتقد أنها بحاجة إلى الراحة فقط. رفضت العرض بشدة. “لا أريد أن أكون عبئًا عليكِ يا إيناس. أستطيع الاعتناء بنفسي.”
شعرت إيناس، التي تفاجأت للحظة من الرفض، بشيء من الحرج. كانت تنوي المساعدة فقط، لكن أروى فهمت الأمر بشكل مختلف وتراجعت خطوة إلى الوراء.
بعد صمت قصير، تحدثت أروى بصوت أكثر هدوءًا، “أعلم أنك كنت تحاول المساعدة فقط. لكن… لا أحب أن أشعر بأنني عبء.”
ابتسمت إيناس بلطف، ثم أمسكت بيد أروى وقالت: “أنتِ لستِ عبئًا يا أروى. أعتقد أنني فهمت سوء الفهم الآن. نحن جميعًا في هذا معًا، ونحن هنا من أجلك.”
بابتسامة رقيقة، خفّ التوتر بينهما، وشعرت أروى بموجة من الارتياح – لم تكن وحدها. بدأت علاقتهما بشكل خفي، لكنها كانت بداية صداقة حقيقية.
في هذا القصر الفخم، قصر البجعة البيضاء، الموطن الأصلي لعائلة فاليسكا لأجيال، كان كل شيء يتغير. كان إلياس وأروى يُعيدان بناء حياتهما، مُدركين كل يوم أن لا شيء يُمكن أن يُعيق وحدة العائلة. وفي خضم هذا التحول، كان القصر، بتفاصيله الملكية وألوانه الهادئة، يُجسد كيف يُمكن للحياة أن تتغير – لكن ما يُهم حقًا هو وجود شخص بجانبك يُقويك ويُعينك على الصمود.
وفي خضم هذا التحول، وجدت أروى وإيناس نفسيهما أقرب إلى بعضهما. وبدأت صداقة حقيقية تزدهر بينهما، رغم التحديات التي واجهتها كل منهما.
حفل الشاي الملكي
في قصر البجعة البيضاء، حيث يتجلى التراث والأناقة خلف كل جدار، اجتمعت السيدات في إحدى قاعات الشاي المذهبة. تراقصت أشعة الشمس على فناجين الشاي الخزفية ذات التصميم المتقن، بينما تسلل نسيم الربيع العليل عبر النوافذ الواسعة، مُطلاً على حدائق شاسعة تنبض بألوان زاهية.
كانت السيدة إليانورا، زوجة الدوق عثمان فاليسكا، المضيفة المُوقّرة لهذا اللقاء الراقي. جلست برشاقة على رأس الطاولة، مُزيّنةً بفستان حريري عاجي مطرز بخيوط ذهبية رقيقة. كان شعرها الرمادي الفضي مُصفّفًا بتسريحة كلاسيكية، مُضفيًا عليها هالة من الجلالة والوقار.
على يمينها جلست إيناس، زوجة إلياس، مرتدية ثوبًا أرجوانيًا أنيقًا، بينما كانت تجلس بجانبها أروى، التي بدت شبه خيالية بشعرها الأبيض الناصع وفستانها الأزرق البسيط، تشبه شخصية من قصة خيالية.
وكان الطفلان سيلفستر وسيلتر يلعبان على الشرفة القريبة تحت أعين خادمات القصر، بينما كانت السيدات منخرطات في محادثات حول الأسرة والمجتمع.
إيناس، ما زلتِ جديدة بعض الشيء على تقاليد هذا القصر. كيف تجدين الحياة بيننا؟ سألت الليدي إليانورا وهي ترتشف شايها برشاقة.
ابتسمت إيناس بهدوء وقالت: “الحياة هنا… مختلفة عما اعتدت عليه، ولكنها أكثر دفئًا مما كنت أتوقع”.
ضحكت السيدة إليانورا بخفة وقالت، “الدفء؟ إذن لم ترَ بعد صرامة الدوق!”
انضمت أروى إلى الحديث بابتسامة مازحة. “أمي، لا تُفسدي انطباعات إيناس عن أبي. لا تزال لديها أوهام جميلة عنه!”
ضحكت السيدات، بينما رفعت إيناس حاجبها مستمتعًا وأجابت مازحة: “لا تقلقي يا أروى. أعتقد أنني رأيت ما يكفي لأحكم بنفسي”.
انحنت إحدى السيدات النبيلات، وهي ضيفة في التجمع، بفضول وقالت: “إيناس، سمعت أنك كنت متزوجة سابقًا. كيف انتهى بك الأمر هنا؟”
ساد الصمت الغرفة لفترة وجيزة قبل أن تبتسم إيناس بأدب وترد: “في بعض الأحيان، تعتقد أن حياتك قد تم رسمها بالفعل … ثم يأتي شخص ما ويعيد رسم المسار الكامل لمصيرك”.
ألقت نظرة ذات معنى على أروى، التي أومأت برأسها قليلاً رداً على ذلك.
لكن قبل أن يهدأ الحديث، اقتربت خادمة وهمست في أذن الليدي إليانورا. رفعت الدوقة حاجبها بدهشة قبل أن تعلن: “حسنًا، يبدو أن لدينا زائرًا غير متوقع”.
في تلك اللحظة، انفتحت أبواب الصالون، ليظهر كايل ستراثمور.
وقف عند المدخل بثقة، مرتديًا معطفًا طويلًا بلون الفحم. كان شعره الأشقر الفاتح أشعثًا بعض الشيء بفعل الرياح.
لكن المفاجأة لم تكن في وصوله، بل في تجمد تعبير إيناس. ارتجف فنجان الشاي في يدها قليلاً قبل أن تعيده بهدوء إلى الطاولة.
تركزت نظرة كايل على إيناس، وكأن الزمن نفسه توقف بينهما.
“لم أتوقع أن أقابلك هنا”، قال بصوته العميق الذي يحمل ثقل الذكريات القديمة.
لاحظت أروى التحول في سلوك إيناس، فنظرت من كايل إلى إيناس، وكأنها تحاول فك رموز اللحظة المتوترة بينهما.
استنشقت إيناس بعمق قبل أن تتحدث بصوت هادئ، “كايل… لم أتوقع رؤيتك مرة أخرى.”
ساد الصمت المطبق الغرفة. لم يكن هذا مجرد لقاء صدفة، بل بدا كما لو أن ماضٍ لم يُحلَّ يصطدم بحاضرٍ غامض.
السيدة إليانورا، بثباتها الدائم، تدخلت بلهجة دبلوماسية لتهدئة التوتر. “كايل، أهلاً بك في قصر البجعة البيضاء. هل أتيتَ إلى أروى؟”
لم يُشيح كايل بنظره عن إيناس، بل أجاب بهدوء: “في الحقيقة، جئتُ لأسأل عنها”. تردد قليلًا قبل أن يضيف: “مع أنني، بصراحة، كنتُ أمرّ من هنا فقط. طلب مني والدي أن أحضرها – يريد رؤيتها”.
لكن نظرته الجريحة كانت تحمل قصة مختلفة. كان الأمر كما لو أنه يسأل حبيبته السابقة بصمت: لماذا فعلتِ بي هذا؟
تصلبت أروى قليلاً، عندما أدركت أن هذه القصة لم تنته بعد – وأن هناك فصولاً لم تقرأها.
أما إيناس فقد أغمضت عينيها لحظة عابرة، وكأنها تحاول أن تمتص ثقل هذه اللحظة.
وفي تلك اللحظة، فهمت أروى أن هذا لم يكن مجرد مصادفة.
كانت هذه نقطة تحول، لحظة ستغير كل شيء.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 12"