“عندما كان صغيرًا، كان شكله جميلًا كفتاة، حتى إنني ألبسته فساتين. كان يشبهكِ تمامًا، والفرق الوحيد كان لون الشعر.”
ثم تمتمت بامتعاض:
“كم كان لطيفًا… يا الأسف ما الذي حدث له حتى اختفى ذلك اللطف حين كبر؟”
قال أبي وهو يرتجف انزعاجًا:
“لماذا تقولين هذا أمام الطفلة؟”
“ولِم لا؟ كان جميلًا جدًا. كلما أزعجني الآن، أخرج تلك الرسوم التي رسمتها له في طفولته لأتذكر كم كان بريئًا. أفهمتَ، يا هذا؟”
“آه، تخلصي من تلك الرسوم، أرجوك!”
“لن أفعل. بما أنك لا تريَني إلا نادرًا حين تكون في ساحة المعركة، فسأنظر على الأقل إلى تلك الرسوم.”
“ولِم لا تحتفظين باللوحات التي رسمتُها بعد أن كبرت؟ لماذا تتمسكين بتلك الرسوم الغريبة فقط؟!”
تمتم أبي غاضبًا:
“تُلبسينني الفساتين وتحتفظين برسومي، لكنكِ لا تفعلين شيئًا كهذا لابنتك!”
ردّت الجدة بلا مبالاة وهي تنظف أذنها بإصبعها:
“هذا لأن إيريكا لا تحب التزين أصلًا.”
وأضافت بضحكة خفيفة:
“إيريكا منذ صغرها تفعل ما يحلو لها، وأنت أيضًا منذ أن كبرتَ لا تفعل إلا ما يحلو لك. الوحيد الذي يتظاهر على الأقل بأنه يسمع كلامي هو بارتون.”
استمعتُ إليها وفكرت في داخلي:
‘لم أتوقع أن تكون الجدة راضية عن بارتون إلى هذا الحد.’
واصلت الجدة وأبي الجدال قليلًا حول مسألة “التخلص من الرسوم” و”الاحتفاظ بها”، لكن النتيجة كانت لصالح الجدة، فهي المالكة لها في النهاية.
راقبتُ والدي وهو يتحدث بحيوية أكثر من المعتاد بجانبها، فابتسمت بسعادة.
وفجأة، راودتني رغبة في رؤية تلك الرسوم التي يكرهها أبي.
“جدتي… هل يمكنني رؤيتها لاحقًا؟ بما أنكِ قلتِ إنها تشبهني…”
“بالطبع، بالتأكيد يمكنكِ ذلك.”
قلت ذلك بتردد وأنا أراقب أبي، لكنه لم يُعلّق بشيء، بل اكتفى بزفرة استسلام وهو ينظر نحو النافذة المغطاة بالستائر.
“ليس الرسوم فقط، بل هناك شيء آخر يربطكِ بديريك أيضًا.”
“وما هو؟”
نظرت إليّ الجدة وقالت:
“عيناكِ.”
“ماذا؟ لكن عينَيّ لونهما بني…”
نظرت إليهما بحيرة، إذ كانت أعينهما حمراء، فابتسم أبي قائلًا وكأنه يسترجع الماضي:
“حين وُلدتِ، كانت عيناكِ حمراء زاهية، تتلألآن كحجر الإسبينيل.”
كانت هذه أول مرة أسمع بذلك.
وأضافت الجدة:
“نعم، عندما كنتِ صغيرة، كنتِ نسخةً طبق الأصل من ديريك.”
لكن أبي رفض كلامها بحزم:
“لا، لم تكن مثل عينَيّ على الإطلاق. كان لون عينيكِ الأحمر فاتحًا، ساطعًا بشكل مذهل، لم أر مثله من قبل، لونٌ رائع لا يُقارن.”
قالت الجدة مبتسمة:
“هذا صحيح، لا يمكن لعينيك أن تُقارن بعيني صغيرتنا ريا.”
“صحيح تمامًا.”
وبينما كانت الجدة تقلّل من شأنه وأبي يوافقها من دون تردد، لم أعد أعلم إن كانا يتشاجران أم يتبادلان المزاح.
تمتمت الجدة وكأنها تتذكر:
“ما زلت أحتفظ بالصورة التي أرسلها لي والدكِ آنذاك. إن أحببتِ، سأريكِ إياها لاحقًا مع تلك اللوحة التي يظهر فيها مرتديًا الفستان.”
قالت وهي تومئ لي بعينها مبتسمة، ثم أضاف أبي بعد زفرة خفيفة:
“على أي حال، منذ أن بدأتِ بالمشي، بدأ لون عينيكِ يتحول تدريجيًا إلى البني.”
استمعتُ بتركيز إلى هذه القصة التي بدت كأنها حكاية غامضة عن ميلادي، لكنني شعرت ببعض القلق، فسألت بخفوت:
“…هل خيّبتُ أملكم؟ لأن لون عينَيّ تغيّر إلى البني؟”
كان سؤالي نابعًا من فضول صادق، لكن بما أنني لا أملك الشعر الذهبي الذي يرمز إلى عائلة كاتيلوس، وفقدت كذلك لون العينين الأحمر، فقد ظننت أنهما ربما شعرا ببعض الأسف.
لكن أبي قال بحزم:
“أيًّا كان لون عينيكِ أو شعركِ، وأيًّا كان مدى شبهك بي، فذلك لا يهمّني أبدًا.”
وأضافت الجدة بتأكيد:
“نعم، المظهر لا قيمة له.”
بدتا وكأنهما قرآ أفكاري، وكانت نبرتهما حاسمة وواثقة، خالية من أي أثرٍ لخيبة أمل.
“بغضّ النظر عن كل ذلك، أنتِ ابنتي العزيزة.”
“وأنتِ حفيدتي وعضو من عائلة كاتيلوس.”
حين سمعت إجابة عائلتي الحاسمة بصوتٍ دافئ، أدركتُ الأمر بوضوح.
لقد كان تفكيري الذي حكمتُ فيه بأن المظهر هو ما يحدد الانتماء للعائلة خاطئًا تمامًا.
“آه…”
إذن العائلة الحقيقية هم أولئك الذين يحبونك كما أنت، دون أي شروط.
وبينما كنتُ في ذهول، أضاف والدي قائلًا:
“قد لا يكون الأمر مهمًا كثيرًا، لكن عينيك بعد أن تحوّل لونهما إلى البني ظلّتا تومضان بحمرةٍ خفيفة تحت أشعة الشمس.”
لم أشكّ في لون عينيّ طوال تسعة عشر عامًا، منذ ولادتي وحتى الآن.
وكانت كلمات الخادمات دومًا مليئة بالسخرية من لون عينيّ.
「”كيف لا تملكين شيئًا من ملامح الكاتيلوس؟ حتى لون عينيكِ مجرد بني عادي. هيه هيه.”
“أليس السيد توسكان أيضًا يملك عينين بنيتين؟”
“هذا مختلف، فهو يملك شعرًا أشقر وسحرًا أحمر أيضًا. لهذا يبدو السيد بارتون متعجرفًا رغم أنه بلا سحر.”
“صحيح. عيناكِ ليستا سوى بنّيتين عاديتين منتشرتين في كل مكان. سمعت أنه لا يملك سحرًا تقريبًا بسبب مرضه، هل هو حقًا من الكاتيلوس؟”」
كانت الحقيقة التي اكتشفتها فجأة صعبة التصديق ما لم أتحقق منها بنفسي.
“أتودين أن تتأكدي بنفسك؟”
عند كلمات جدّتي، أومأت برأسي.
شَررررر.
جلس والدي أمام النافذة بحذر، وسحب الستار قليلًا. كانت الأمطار قد توقفت، وأشعة الشمس قد اندفعت لتملأ المكان.
“آه…!”
كان الضوء ساطعًا للغاية. لسع عينيّ بشدّة حتى أغمضتهما لا إراديًا.
وفي تلك اللحظة أدركت.
‘غرفتي كانت دائمًا أظلم من هذا الضوء.’
لم تكن عيناي معتادتين على الضوء الساطع. والآن حين أتذكر، حتى في الأيام التي زرت فيها جدّتي أو حين كنت أجمع الثمار، كانت السماء ملبّدة بالغيوم دائمًا.
‘لم أُدرك ذلك قط.’
عندما كنت أدخل غرفتي داخل القصر، كانت عيناي تشعران بالتعب فجأة، لكني لم أعر الأمر اهتمامًا، فقد اعتدت أن أُرجعه إلى ضعف جسدي لا أكثر.
ثم كنت أنشغل بالنظر إلى الحديقة عبر النوافذ الكبيرة وأنسى الأمر سريعًا.
“هل أنتِ بخير؟”
“سأغلق الستائر مجددًا.”
شعرت بظلٍ قريبٍ من عينيّ المغمضتين، ففتحتُهما بحذر.
وبينما كنتُ أرى جدّتي ووالدي يحدّقان بي بقلق، لم أستطع منع نفسي من الابتسام.
“أنا بخير. إن انتظرتُ قليلًا فسأعتاد على الضوء. هل تبقيان هنا أمامي حتى ذلك الحين؟”
عند سؤالي، أومأ كلٌّ من جدّتي ووالدي بلا تردد.
“هذا جيد، لكن الأهم الآن ألّا تتضرر عيناكِ.”
أشار والدي إلى أحد الخدم، فسحب الستار الشفّاف الأبيض المصنوع من الشيفون.
بفضله، بات الضوء اللطيف الذي يتسلل من خلاله مريحًا للنظر.
“شكرًا لك.”
ابتسم والدي برفق ثم تناول شيئًا من يد الخادم.
“هاكِ، انظري بنفسك.”
كان مرآة. نظرتُ إليها، فرأيت وجهي ينعكس تحت ضوء الشمس، وعينيّ اللتين بدا لونهما واضحًا لأول مرة.
“هاه؟”
كانت عيناي البنيتان تشعّان من المركز بلونٍ أحمرٍ ساطعٍ يمتد للخارج.
لم تكن حمراوين تمامًا، لكن اختلاط الحمرة بالبني جعلها تبدو كأنها عينان حمراوان من النظرة الأولى.
“الآن صدّقتِ؟ من الذي تشبهينه؟”
عندها فهمتُ أن حديث جدّتي عن لون عينيّ كان لتطمئني.
كانت عيناي تشبهان عينيها وعيني والدي تمامًا.
ورغم أن جدّتي ووالدي قالا إن المظهر ليس مهمًا، فإن إدراكي أن لون عينيّ يشبه لونهما منحني راحةً عظيمة.
كيف أصف الشعور؟
كأنني صرت أملك الثقة لأقول بلا تردد حين يسألني أحدهم ‘لماذا تختلفين عن عائلتك؟’، “ماذا تعني؟ أنا أشبههم كثيرًا!”
“نعم! شكرًا لكما.”
ابتسمتُ بحرارة وأنا أومئ بحماس.
“يمكنني أن أحكي لكِ مثل هذه القصص في أي وقت. تعالي إليّ متى شئتِ، لديّ الكثير من الحكايات القديمة الممتعة.”
“رجاءً، كُفي عن إخراج تلك الحكايات الغريبة القديمة.”
اعترض والدي بانفعال، لكن جدّتي تجاهلته تمامًا، بينما ظلّ هو صامتًا، يبدو عليه بعض الانزعاج.
نظرت إليّ جدّتي بصوتٍ يحمل شيئًا من الأسف قائلة:
“حين تبتسمين، تبدين أجمل بكثير… سأحرص على أن تبتسمي كثيرًا من الآن فصاعدًا.”
مسحت رأسي برفق وأردفت بصوتٍ هادئ:
“لم أكن أُمًّا حنونًا لأطفالي من قبل، فقد كنت مشغولة بإدارة شؤون العائلة.”
رفع والدي كتفيه مستنكرًا وقال بنبرة حادة:
“لقد أهملتنا تقريبًا. لكن لماذا تقولين هذا الآن، فجأة، وفي هذا المكان؟”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات