لم يُبدِ كبير الخدم فيلوس أي دهشة من كلام ديريك المفاجئ، وأجاب:
“نعم. فالأمر لا يمكن أن ينتهي بعقوبة بسيطة كهذه.”
ثم أضاف بصوت بارد:
“على كل حال، اسمعني وأنت في طريقك. لقد أرسلتُ ‘ذو العين الحمراء’ إلى الملحق، فلن يفوتك شيء إن استمعت ثم تحركت.”
كان ديريك يعلم مسبقًا أن سولتيرا قد حرّكت فرسان الظل ‘ذو العين الحمراء’، ولذا أدرك على الفور أن ثمة أمورًا أخرى يجهلها، فغمره الإحباط.
وبينما كان يسير نحو الملحق، ظل يستمع إلى تقرير فيلوس، فيما أطلق من جسده هالة قاتلة جعلت أنفاس كل من حوله تنحبس.
حينها، ظهرت خادمة من بعيد، متحملة ضغط هالته القاتلة، واقتربت على عجل وانحنت بعمق وقالت:
“تمّت السيطرة على الموقف.”
فقال فيلوس:
“أحسنتِ، روز.”
كانت تلك روز، من تنظيم ‘ذو العين الحمراء’، متنكرة في زي خادمة.
والمهمة التي أُنيطت بها، هي مراقبة خادمات الملحق عن قرب، ثم السيطرة عليهن وأسرهن عند الحاجة.
بعد أن أتمت مهمتها، أضاف فيلوس إليها:
“عودي.”
لكن روز سرعان ما تداركت وقالت على عجل:
“الآنسة لم تستفق بعد. الطبيب يتابعها، لكنها ما زالت فاقدة الوعي.”
“اللعنة.”
قبل أن تنهي روز كلامها، اندفع ديريك بجنون نحو الملحق، وما كان من فيلوس إلا أن تبعه.
***
“اتركوني! أيها الأوغاد! ألا تعرفون من أنا؟ أنا الخادمة الكبرى التي تخدم الآنسة من قرب في الملحق!”
ما إن وطئت قدما ديريك الملحق، حتى اخترق صراخ لورا أذنيه.
فتقدم بخطوات سريعة نحوها وهي تعيث فوضى، فأجبرها الجنود على الركوع أرضًا.
“أغ!”
ودون رحمة، وضع ديريك قدمه فوق يد لورا التي كانت تستند إلى الأرض، ونطق بكلمات تقطر هالة قاتلة:
“سأتأكد أنك ستعيدين كل ما سرقتِه من ابنتي.”
تصلّبت أنفاس لورا تحت ضغط هالته المخيفة، فلم تستطع أن تفتح فمها بكلمة.
وهي ترتجف وتزداد شحوبًا، تمتم ديريك بصوت منخفض محذّرًا:
“إلى أن يحين ذلك الحين، ستتمنين الموت، لكنك لن تجديه.”
تقلص حلقها حتى كادت تختنق، ثم فجأة انفرج الخناق عن أنفاسها، فشهقت بحدة:
“هاه… هااه…!”
نظر ديريك إلى تلك الخادمة التافهة التي بدت كأنها ستسقط مغشيًا عليها من الرعب، ثم هز قدمه كأنه تخلص من قذارة، وواصل صعوده إلى الغرفة.
أما لورا، التي استجمعت قليلًا من وعيها، فقد نظرت إلى فيلوس وقالت بصوت متحشرج:
“ك… كبير… الخدم… أقسم… أقسم أنها م… مجرّد سوء فهم… لقد عملت بكل جهدي من أجل الآنسة، أنت تعرف ذلك… أنت أكثر من يعلم!”
كان فيلوس، بالنسبة للورا، الأمل الوحيد كي يستمع إلى تبريراتها ويبرئها من الظنون.
فأخذت تزحف على الأرض وهي مقيدة من الجنود محاولة الاقتراب منه.
لكن فيلوس لم يبدُ عليه سوى السخرية، وقال مبتسمًا:
“لم يمض وقت طويل منذ أن قبلتك خادمة دنيا… متى تحولتِ إلى كلبة لا تعرف قدرها؟”
وما إن انخفضت شفتاه عائدة إلى مكانها بعد ابتسامة باردة، حتى أحسّت لورا وكأن قلبها سقط من مكانه.
‘هذا ليس رد الفعل الذي توقعته.’
ومع ذلك، تابع فيلوس وهو يحدّق إلى لورا الملتصقة بالأرض بازدراء:
“أرسلتك إلى الملحق لأن لديك عقلًا يعرف كيف يعمل، فكيف تجرؤين على أن تعضي يد سيدتك؟”
استفاقت لورا على وقع الإهانة والرد القاسي، فاندفعت تكاد تتوسل وهي تنكبّ على الأرض قائلة:
“ك… كبير الخدم يعلم أنني عملت بجد حتى صرتُ خادمة كبرى. لقد خدمت في كاتيلوس ما يقارب العشر سنوات، فهل يُعقل ألا أتعرف على سيدتي؟ ك… كله سوء فهم.”
ثم أتبعت كلامها بابتسامة رثة، متوسلة بإلحاح أن يعيد النظر:
“لقد قدّر كبير الخدم جهودي حتى منحني خادمتين إضافيتين، أليس كذلك؟ أنتم تعلمون أنه لا أحد غيري يستطيع الاعتناء بالآنسة بهذا القدر.”
نعم. في هذا القصر لم يكن ثمة بديل كفؤ لرعاية الآنسة سواها.
استحضرت لورا تلك الفكرة لتكبح ارتجافها وتتابع القول:
“لقد كنتُ الوحيدة التي اعتنت بالآنسة التي لم يكن يلتفت إليها أحد. كنت أحذرها من الخروج إلى الخارج لأنه خطر، وغيّرت نظامها الغذائي لأن الأطعمة الدسمة لا تهضمها بسهولة…”
غير أن ملامح فيلوس تقطبت وهو يستمع إلى ثرثرتها، وقال ببرود:
“إنها نباح كلب.”
وبإيماءة من عينيه، فتم وضع كمامة في فم لورا.
ثم أمر:
“ديزي. عدّدي لها ما اقترفته.”
كانت ديزي، المنتسبة الأخرى إلى ‘ذو العين الحمراء’ والمتخفية في هيئة خادمة، هي المسؤولة عن جمع المعلومات في هذه العملية.
فأخذت تسرد على لورا واحدًا تلو الآخر ما استخلصته من اعترافات خادمات الملحق بعد أن أغرتهن بالخمر في ساعة متأخرة.
الحبس ونظام غذائي ناقص.
حبوب منومة دسّتها خفية في الطعام ليلة وصول الطبيب.
تقرير كاذب قدّمته إلى فيلوس والطبيب تؤكد فيه أن لا مشكلة صحية لدى الآنسة.
وأخيرًا: جريمة اختلاس وسرقة كل ما كان مخصّصًا لكليريا في الملحق.
“أااغغغ!! أااااغغغ!!”
صرخت لورا محتجة بعنف، لكن فيلوس رفع سيفه.
بَـق.
هوى بكعب السيف على مؤخرة عنقها فسقطت فاقدة الوعي. أعاد سيفه إلى غمده المثبّت على خاصرته، وقد تبيّن أن احتياطَه لم يكن بلا جدوى.
“تخلّصوا منها.”
وجُرّت لورا المغشيّ عليها وسُحبت إلى السجن السفلي.
“وماذا عن بقية الخادمات؟” سألت ديزي.
فأجاب فيلوس:
“عامليهن مثلها.”
كان الحكم قاسيًا لا رحمة فيه: جميعهن إلى السجن السفلي. لكن ديزي انحنت مطيعة وكأنها توقعت ذلك مسبقًا.
***
اندفع ديريك بخطوات سريعة إلى غرفة كليريا، فجلس عند طرف السرير وهو يراها نائمة كالميتة.
قال الطبيب ألبيرو بعدما أنهى فحصه:
“يبدو أنها مرّت بنوبة حمى وهدأت بعدها. لا توجد إصابات أو مشاكل عضوية خاصة، لكن نوبات الحمى المتكررة أنهكت جسدها، ولهذا لم تستفق بعد.”
أسرع ألبيرو يوضح حالة الآنسة للسيّد الصامت:
“عدم توازنها الغذائي لم يكن بسبب ضعف الامتصاص بل بسبب قلّة ما تتناوله. إن استيقظت وتناولت الطعام بانتظام فستستعيد عافيتها أسرع من ذي قبل.”
ثم أضاف، مستحضرًا ما أخبرته به ديزي:
“الخادمة قالت إن الآنسة ربما التقطت بعض الثمار الزينة في الحديقة وأكلتها.”
“ثمار؟”
أدار ديريك رأسه نحو ألبيرو وقد بدا عليه الذهول من خبر لم يسمعه من فيلوس.
قال الطبيب:
“لا سُمّ فيها، لكنها غير صالحة للأكل. الإكثار منها قد يسبب صدمة، لذا أسقيناها دواءً يسيل من شفتيها لنتدارك الأمر، فلا داعي للقلق.”
“ولِمَ تأكل ثمارًا غير صالحة؟”
قطع ديريك كلامه، وكأنه أدرك السبب بنفسه.
تابع ألبيرو مترددًا:
“الخادمة قالت إنها لم تكن تتناول وجبات منتظمة، فكانت تأكل تلك الثمار لتسُدّ جوعها…”
أسدل الطبيب صوته مدركًا خطورة الوضع.
وحين خرجت هذه الحقيقة على لسان ألبيرو، انهارت ملامح ديريك.
لقد أدرك أن طلب ابنته للخروج لم يكن سوى لأنها أرادت سدّ جوعها بثمار الحديقة.
قبض كفّه بقوة وقال منتحبًا:
“هاه… اللعنة.”
أدرك ديريك أخيرًا مدى اليأس الذي كانت عليه الطفلة حين توسّلت إليه، فشعر كأن قلبه يحترق.
لم يكن يعلم شيئًا حتى تدهورت الأمور إلى هذه الدرجة.
‘كيف لم أدرك ذلك حتى الآن…’ شعر ديريك بأن أنفاسه تنقطع عند مواجهة الحقيقة.
وبعد أن أنهى الطبيب الخاص تقريره لديريك، غادر مسرعًا ليُعِدّ الدواء.
ترك وحده مع ابنته في الغرفة، جلس ديريك ينظر إلى كليريا الممدّدة كأنها نائمة، بنظرات مذنب.
“آسف. أنا… أنا… كل هذا بسببي…”
امتلأت عيناه الجافتان بالدموع في لحظة واحدة.
“لأنني عاجز… جعلتك تصلين إلى هذه الحال.”
جثا ديريك على ركبتيه تحت سرير كليريا كمن ينهار. وكان الشاهد على ذلك فيلوس، كبير الخدم، الذي عاد تواً بعد أن أنهى التعامل مع المذنبين.
وبينما كان يقترب من ديريك، خطر لفيلوس أن مستقبل المذنبين الذين أُرسلوا إلى السجن السفلي سيكون أشدّ بؤسًا مما توقع.
“اعتذارك تؤجّله حتى تستيقظ الآنسة. أما الآن، فعليك أن تتولّى ما أهملته وتراجعت عنه طوال هذا الوقت.”
نظر ديريك إلى فيلوس الذي تجرأ وتحدث بصراحة تامة، وفهم بسهولة المعنى الذي قصده.
تذكّر كلام والدته قبل أيام، وهما عائدان من مسابقة الصيد:
“كفّ عن التسكع في الخارج وادخل إلى القصر. لقد شخت كثيرًا أنا أيضًا.”
وكان ذلك يعني أنها تطالبه بالاستعداد لوراثة منصب رئيس العائلة ولقب الدوق.
لكن ديريك رفض حينها على الفور، إذ كان ما يزال أمامه ما يجب أن يفعله من أجل ابنته.
غير أنه أدرك الآن أن ما ينبغي فعله حقًّا من أجل كليريا هو أن يوفّر لها قصرًا آمنًا.
أن يرسّخ مكانته بحيث لا يجرؤ أحد على المساس بها.
“لا بد أن أذهب لرؤية والدتي.”
قال ديريك وهو قد عقد عزمه، ثم التفت إلى فيلوس:
“ابقَ هنا حتى أعود.”
“أجل، تفضل بالذهاب.”
غادر ديريك الملحق بخطوات ثقيلة بالكاد استطاع رفعها.
***
وصل ديريك إلى القصر، ولم يتوقف لحظة، بل توجه مباشرة إلى مكتب سولتيرا.
طرق الباب.
“سأدخل.”
“ادخل.”
كانت سولتيرا منشغلة بأعمال عاجلة، لذا لم تتمكن من الذهاب سريعًا إلى كليريا. وبمجرد أن رأت ديريك، بادرت بالسؤال:
“سمعت أن نفايات الملحق قد أُزيلت. ماذا عن كليريا، هل هي بخير؟”
“إنها في غيبوبة بعد أن ارتفعت حرارتها.”
“ماذا؟ الفتاة مريضة ولم يقدّم أحد تقريرًا؟! ها؟ أوغاد…! كانوا يتصرفون هكذا طوال الوقت إذن؟! كيف تجرؤ تلك الأوغاد على المساس بحفيدتي الغالية!”
وبعد أن سمعت من فيلوس تقريرًا مبسطًا، ثم استمعت إلى كلام ديريك، أدركت سولتيرا أن خادمة الملحق كانت تقدّم تقارير كاذبة طوال تلك الفترة.
“الطبيب الخاص فحصها وذهب ليُعِدّ الدواء. حياتها ليست في خطر.”
قال ديريك وهو ينظر إلى سولتيرا التي أطلقت ألفاظًا نابية غاضبة.
“أما التفاصيل فستسمعينها من كبير الخدم. والذين أُلقوا في السجن السفلي… لا تدعيهم يموتون بسهولة.”
لمّا رأت سولتيرا نظرات ديريك المجنونة، أدركت مدى خطورة الموقف. فانفلت من فمها شتائم أقسى من قبل.
عندها قال ديريك:
“لذلك أقول… حتى وإن كانت والدتي ما تزال بخير، فإن منصب رئيس العائلة لا بد أن أتولاه أنا.”
كانت كلماته أقرب إلى إعلان حرب موجّه مباشرة إلى سولتيرا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات