مفاجئًا، لم يكن هناك طعم ولا رائحة لليمون. كان مجرد طعم ثمرة حلوة.
“عجيب.”
‘لهذا السبب لا يعرف أحد طريقة التصنيع.’
‘لقد أدركتُ مجددًا أن المعرفة التي اكتسبتُها من الاندماج والعودة بالزمن هائلة بالفعل. فبفضل تلك المعرفة التي لا يعرفها سواي، استطعت علاج تايل.’
“على الأقل، هذا أمر يدعو للارتياح.”
‘لأنني بفضل العودة أُتيح لي أن أعيش من جديد… وأُنقذ تايل أيضاً.’
انحلّ التوتر الذي كان يقيّد قلبها منذ أيام، بسبب فكرة أنه يجب عليها إنقاذ تايل.
بدأ جسدها يثقل بفعل تأثير الدواء، وجفناها يثقلان شيئًا فشيئًا.
“آه… أظن أن بإمكاني النوم الآن. تايل… لا تتألم، واستفق لنلتقي من جديد.”
بعد أن ألقت نظرة أخيرة على تايل، ارتمت على السرير.
‘بما أنني تناولت ثمرة ذات مفعول مسكّن، فسيكون جسدي أقل ألمًا. وعندما أستيقظ ستنخفض الحمى، وسأكون بخير.’
تمتمت بذلك ثم راحت تغرق في النوم ببطء.
***
‘آه… لقد نمتُ جيدًا بعد وقت طويل.’
تمطّى السحلية التي استيقظت من نوم عميق لم تعرفه منذ زمن. تحرك بحيوية ناسياً أنه مجرد سحلية.
ثُق.
‘آخ!’
غير أنه تدحرج إلى مكان ما، وهناك تذكّر.
‘آه، لم أعد بعد إلى جسدي البشري.’
تذكر أن أطرافه الآن أقصر بكثير مما كانت عليه حين كان إنسانًا.
السحلية البيضاء لم يبدُ عليها الذعر هذه المرة، بل راحت تتفحّص ما حولها.
‘سرير؟’
تأهّب للحذر أمام المنظر الغريب.
‘أين أنا؟’
آخر ما يتذكره كان فوق شجرة، وهو يفرّ من وابل الأسهم في مسابقة الصيد. وبناءً عليه، فإن وجوده في هذا المكان كان غاية في الغرابة.
وبعينين يقظتين أخذ يفتش المكان حتى لمح أحدهم.
‘شخص يعرف حقيقتي؟ أم هو الذي أطلق عليّ الأسهم؟ أم ربما اختطفني؟’
‘…لكن يبدو صغيرًا جدًا لذلك.’
كان بجواره مباشرة طفلٌة في مثل عمره تقريبًا، نائمة ببراءة وكأنها لا تعرف شيئًا.
‘ما الذي يحدث هنا؟’
عيناه المرتبكتان راحتا تجولان على وجه الطفلة من دون تركيز.
شَعرٌ وردي يتمايل مع أنفاسها الهادئة، ووجه ناعم غارق في نوم عميق بدا من خلاله.
وجه شاحب البياض، هزيل كوجهه هو نفسه.
ومع ذلك، فإن الملامح الدقيقة والرموش التي كانت ترتعش ببريق مختلف جعلته يبدو مغايرًا له.
خطرت له فجأة فكرة غامضة: ‘أريد أن أرى عيني هذه الطفلة…’ وفي اللحظة نفسها، ترددت في أذنه نبرة رقيقة مرتعشة:
“لا تقلق… لا تخف… سأساعدك من دون أن تتألم.”
‘هل صاحب هذا الصوت الذي أذكره بصعوبة هي هذه الطفلة؟’
حينها فقط أدرك السحلية البيضاء أن حال جسده أفضل مما توقع.
‘ظننت أن إصابتي بعدة سهام ستجعل شفائي أبطأ.’
فرغم أن جسده يتمتع أصلاً بقدرة عالية على التجدد، إلا أنه كان يعتقد أن الأمر سيستغرق عدة أيام، لأن إصاباته كانت قاتلة.
لكن حين استيقظ وجد جسده خالياً من أي جرح.
‘ما هذا؟’
لمح شيئًا يابسًا عالقًا على جسده.
شمّ رائحته.
فإذا برائحته نفسها تفوح من فمه أيضًا. حينها ضاقت حدقتاه الطوليتان فجأة.
‘أهو دواء إذن؟ أم… سمّ؟’
لقد كان تايل، الذي اعتاد تناول السموم أكثر من أي أحد آخر، يشمّ رائحة ما بسرعة وهو يتبع الأثر.
شم… شم…
وما وجده كان يد الطفلة النائمة التي ربما أطعمته السم. من أطراف أصابعها المتصبغة بالحمرة كان ينبعث نفس العطر الذي وجده على جسده.
‘ليست أعشابًا طبية. رائحة حلوة… ثمرة؟ هل هناك ثمرة يمكن أن تُصنع منها السموم؟’
لكن تايل، عندما يكون في هيئة سحلية، لم يكن يثق بحاسة التذوق لديه.
ولهذا لم يستطع أن يخمّن نوع الثمرة التي ابتلعها، فعاد ليتتبع رائحته بحاسة الشم من جديد.
شم… شم…
وهذه المرة قادته الرائحة إلى وجه الطفلة. وبالتحديد إلى فمه، حيث فاحت منه الرائحة الحلوة.
أثار ذلك شكوكه: ‘هل حاولت قتلي، ثم قررت أن تموت هي أيضًا؟’
لكن حين اقترب ليتأكد من أنفاس الطفلة، أدرك الحقيقة.
‘إنها حية. إذن لم يكن سمًّا… هل كان حقًا علاجًا؟’
جسد تايل كان يملك قدرة طبيعية على تحييد السموم، ومع ذلك كان لا بد أن تظهر عليه بعض الأعراض الجانبية كلما ابتلع السم.
فتفقّد جسده بعناية، لكنه لم يجد أي أثر لتلك الأعراض.
‘إذن لا بد أنه علاج حقًا.’
رفع رأسه، وألقى نظرة حوله. عندها لمح مياه المطر المتجمعة داخل الشرفة المفتوحة.
ثم عاد ببصره نحو الطفلة، فلاحظ أن شعره وملابسه مبتلّة قليلًا.
‘الوضع يوضح كل شيء… لقد سقطتُ من الشجرة إلى داخل هذه الشرفة، وهذه الطفلة عثرت عليّ واعتنت بي.’
عندها ارتخت عيناه المضيقتان، وتألقت بنظرة امتنان نحو الطفلة.
‘ليتني أعرف اسمها على الأقل… فإذا عدت لطبيعتي يمكنني أن أجازيها.’
لكن تايل سرعان ما هزّ رأسه. ‘يكفيني أنني ما زلت محتفظًا بوعيي في هذه الهيئة، فهذا بحد ذاته حظ كبير.’
فهو يعلم جيدًا أن ما إن يعود إلى جسده البشري، سينسى تمامًا ما مرّ به في هيئة السحلية، ولن يتبقى في ذاكرته سوى حقيقة أنه “كان قد تحوّل إلى سحلية.”
‘…شكرًا لك.’
ألقى في داخله بتحية امتنان، وهمّ بأن يرحل. لكنه توقّف فجأة.
لقد رأى وجه الطفلة ينقبض بتألم وهي نائمة.
‘هل ترى كابوسًا مخيفًا؟’
لم يستطع تايل أن يدير ظهره، فالدين الذي في عنقه كان عظيمًا.
اقترب من الطفلة الذي راحت ملامحها تتلوى أكثر فأكثر، ثم رفع أحد مخالبه ووضعه بخجل على رأسها، في محاولة لمواساتها.
لكن ما إن لمس جسدها، حتى شهق من الدهشة.
‘جسدها… مشتعل! إنها تحترق من الحمى!’
ارتبك وراح يحاول إيقاظها مرارًا، لكن الطفلة لم تستفق. عندها أخذ يبحث بجنون عن مخرج.
‘الشرفة!’
قفز تايل نحو الشرفة، وترك جسده يتبلل بمياه المطر الباردة. ثم عاد مسرعًا إلى الداخل، وألصق جسده البارد بجبهة الطفلة.
وحين بدأت حرارته ترتفع ثانية، هرع إلى الخارج تحت المطر ليبرد جسده من جديد، ثم عاد ووضعه على جبهة الطفلة.
‘أنت أنقذتني… إذن سأرد لك الجميل وأحميك بدوري.’
كان بإمكانه أن يسحب الحبل المعلّق بجانب السرير لاستدعاء الخدم، لكنه لم يفعل.
‘وجه هزيل… تناول ثمرة لتتحمل الألم وهي تتوقع مرضها… كل هذا يكفي لأفهم وضعها.’
إهمال.
‘إنها تمرّ بما لا يختلف كثيرًا عمّا أعيشه أنا نفسي.’
ومع تلك القناعة، بذل تايل كل ما بوسعه ليخفض حرارة الطفلة.
‘لا تتألمي… حتى لو لم أستطع فعل شيء آخر، سأحرص على أن تنخفض حرارتك.’
وبقي على هذه الحال حتى بزغ الفجر، حيث لاحظ أخيرًا أن الحمى قد تراجعت.
عندها فقط شعر بالطمأنينة، وأسند جسده المنهك بجانب الطفلة وغفا.
***
“أعتذر، لكن آنسة كليريا قالت إنها تودّ أن ترتاح اليوم أيضًا.”
قالت خادمة الملحق، التي لم تظهر منذ أيام، لَديريك الجالس في قاعة الاستقبال منتظرًا كليريا.
كان بالأمس أيضًا قد أُخبر أنها نامت مبكرًا فلم يتمكن من أن يهديها هديته، وها هو هذا الصباح يواجه ذات الحرمان من رؤية ابنته.
“الآنسة طلبت أن أسلّمك هذا.”
قدّمت الخادمة ورقة صغيرة. كان مكتوبًا عليها بخط مألوف.
خلال خروجه المتكرر إلى ساحة المعارك، كانت كليريا قد تعلمت الكتابة، ومنذ بضع سنوات وهي ترسل إليه رسائل صغيرة عبر الخادمة.
وعلى الرغم من أن عدد المرات التي عاد فيها إلى القصر كان قليلًا ويُعدّ على أصابع اليد، إلا أنه كان سعيدًا أنه حتى لو لم يرَ وجه ابنته، يستطيع على الأقل أن يتلقى منها ورقة بخط يدها.
لقد جمع كل تلك الرسائل واحتفظ بها جميعًا، ومع ذلك ظل من الصعب عليه أن يرى ابنته وجهًا لوجه. وكالعادة، حملت الورقة هذه المرة نفس الكلمات المعتادة:
[لا أحتاج إلى شيء، لذا أرجوك لا تأتِ إلى الجناح الملحق. حين تأتي يا أبي لا أستطيع أن أرتاح. لبعض الوقت… لا أريد أن أراك. أرجوك.]
تذكّر ديريك أنه في الأيام الأخيرة كان يزورها كثيرًا، فشعر بالوخز في صدره. لكن سرعان ما تبع ذلك شعور ثقيل بالريبة.
قبض على الورقة، التي لم تحمل سوى كلمات باردة، وطواها بعناية وكأنها شيء ثمين.
“إذن… عُد بخير.”
قالت خادمة الجناح الملحق ذلك بانحناءة طبيعية، وكأن الأمر اعتيادي تمامًا.
لم يكن تصرفها مختلفًا عن كل مرة، ومع ذلك أزعجت ديريك تلك الألفة الزائدة في سلوكها.
تجمّدت ملامحه وعُقد جبينه وهو يخرج من قاعة الاستقبال. ومن خلفه سمع وقع خطوات الخادمة تختفي بسرعة وبلا حذر.
“هي إذن…”
تمتم بصوت بارد، مستعيدًا كلمات ابنته.
“أردت أن أذهب لرؤية أبي، لكن الخادمة منعتني.”
ترددت في أذنه كلمات أخرى وهو يسير دون أن يخفي قتامة نظراته.
“أرجوك اسمح لي بمغادرة الجناح… لا تحبسني.”
‘من يجرؤ على حبس ابنتي؟’
لقد كانت كليريا تتفوه بكلمات غير معقولة وكأنها أمر بديهي.
الأمور لم تكن مترابطة.
ابنة ترسل رسائل ترفض قدومه، وابنة تهرع إلى الخارج كي تراه.
تضاد صارخ لا يفصله سوى وجود خادمة الجناح الملحق.
كان ديريك يعرف جيدًا وضعه؛ فهو مضطر إلى العودة قريبًا إلى ميدان القتال. وكان أفضل ما يستطيع فعله في أثناء إقامته القصيرة في القصر أن يعيش كمن لا وجود له تقريبًا، كي لا يفسد حياة ابنته اليومية.
ولو اقتحم جناحها من دون تفكير، لكان على كليريا أن تتحمل تبعات ذلك وحدها بعد رحيله.
ولهذا السبب بالتحديد، لم يجرّ كل خادمات الجناح إلى ساحة التعذيب، بل اكتفى بمراقبة المكان متكررًا، متفحّصًا إن كان هناك ما يثير الشك.
لقد راقب الجناح عشرات المرات، غير زياراته القليلة ليرى ابنته.
ولو كان الأمر بيده، لما وطئت قدماه جناحها أبدًا، خشية أن يزيد عزلة ابنته المنغلقة أصلًا على نفسها.
لم يزر غرفة كليريا نفسها حتى لا يزعجها، لكنه تفقد كل مكان آخر، ولم يجد أي شيء يثير الريبة.
ومع ذلك ظل شعوره باللاطمأنينة قائمًا، حتى عادت تلك الخادمة التي أزعجته بشدة.
***
قبل بضعة أيام.
عاد ديريك من ساحة المعركة، وكعادته توجه مباشرة إلى جناح ابنته كليريا. لكن الذي استقبله لم يكن سوى رسالة رفض جديدة.
في اليوم التالي، أراد أن يراها ولو من بعيد، فتوجه إلى حديقة الجناح. من هناك يمكنه أن يرى نافذة غرفتها، وربما لمحة من وجهها.
وحدث ذلك فعلًا. ظهرت كليريا عند النافذة.
كانت قد وضعت كلتا قدميها على حافة الإطار.
في تلك اللحظة نسي ديريك كلماتها التي قالت إنها لا تريد رؤيته، وانطلق راكضًا. وبالفعل، كما توقّع، سقطت من النافذة، لكنه أمسكها بحذر بين ذراعيه.
لقد كانت هيئة ابنته التي لم يرها منذ وقت طويل هزيلة للغاية. بعد تشخيصها بمرض عضال، كان قد طلب من والدته أن تعيّن طباخًا خاصًا للجناح ليعتني بها.
فهل كانت كل التقارير التي تقول إنها تأكل جيدًا وتعيش بصحة جيدة مجرد أكاذيب؟
ومنذ تلك اللحظة، تحطّم إيمانه الذي كان يسنده طوال الوقت: ‘أن ابنته بخير، وأنها تعيش حياة كريمة بلا نقص.’
***
خطا ديريك بخطوات واسعة وسريعة، وداخل رأسه تتقاطع صورة ابنته، وكلماتها، والرسالة التي ناولته إياها الخادمة المريبة.
“هاه…”
لم يكن هناك شك… الخادمة هي التي كانت تعبث في الخفاء.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات