الفصل 13
حين أخرجت نقود الفضة وسلمتها له، ابتسم سقّاء الإسطبل ابتسامة عريضة وقال:
“آه. لا تقلقي يا سيدتي. حالما يصل السيد الصغير سأبلغه الأمر كما هو.”
“حسناً.”
“نعم نعم. رافقتك السلامة.”
خرجت لورا مسرعة من الإسطبل فور أن أنهت غرضها، كي لا يعلق الغبار بثيابها.
وباستثناء اضطرارها للمرور على الإسطبل، كانت لورا راضية تماماً بهذا العمل.
فمجرد أن توكل إليها مثل هذه المهمات، إنما كان ذلك دليلاً على ثقة السيد الصغير بها.
وهذا سيجعل عودتها إلى منصب كبيرة خادمات القصر أمراً يسيراً.
وفي طريقها نحو الملحق، خطرت ببال لورا فجأة الكلمات التي سمعتها اليوم في متجر الأعشاب:
“هل قصدتِ ساق نبتة الفير وزهرة الجلسوني المجففة؟ إن مزجتِهما معاً فلن يصلا إلى حدّ الجرعة القاتلة، لكنهما يُنتجان سماً. فانتبهِي.”
ترددت لورا للحظة فيما إذا كان عليها أن تنقل هذا الكلام إلى سقّاء الإسطبل، لكنها هزت رأسها.
فالسيد الصغير كان دائماً يبتاع الأعشاب باهظة الثمن ويوزعها على الفرسان المحتاجين، لذا لن يكون هناك مجال لأن تُستعمل معاً.
ثم أسرعت لورا نحو الملحق الذي ظلّ خالياً لعدة أيام، بعد أن وصلها خبر مفاجئ بأن الطبيب الخاص سيزور غداً. وكان أمامها الكثير من الأمور لترتيبها قبل وصوله.
‘قبل أي شيء، عليّ أن أروض تلك الفتاة أولاً.’
ارتسمت ابتسامة راضية على شفتي لورا وهي تستحضر في ذهنها صورة كليريا التي كانت دوماً تحتها في المرتبة، مهما حاولت المقاومة.
***
قبل موعد العشاء.
بلا سابق إنذار، اقتحمت الخادمات غرفتي. كانت لورا على رأسهن، وما إن دخلن حتى شرعن في ترتيب الغرفة.
صحيح أن في الملحق بعض الخادمات، لكن لم يحدث أن دخلت إحداهن إلى غرفتي.
كان الأمر دائماً على هذا النحو: الخادمات يأتين وينظفن الغرفة. وكان ذلك دائماً من نصيب الخادمات العاملات تحت إشراف لورا.
“فتشن كل زاوية. كل شيء.”
“نعم.”
وكالعادة، وقفت لورا متكئة على ذراعيها المتشابكتين، تتصرف بتعجرف وتكتفي بتحريك لسانها بالأوامر.
وبأمر منها، كانت الخادمات ينظفن ما نُظف من قبل ويعدن الترتيب من جديد.
‘ما الداعي لكل هذا الصخب الفارغ؟’
فالغرفة كانت قد خضعت لتنظيف شامل منذ أيام قليلة، وما زالت نظيفة تماماً.
أن يقلبن الغرفة رأساً على عقب مجدداً لا بد أن وراءه سبباً وجيهاً.
سبب تافه ربما يخص الخادمات أنفسهن، كشخصية ما ستزور الملحق، لكنه لا يتعلق بي.
‘من القادم يا تُرى؟’
من المؤكد أنها ليست جدتي التي لا تزورني، ولا أبي الذي ظل يتردد عليّ لأيام متواصلة.
‘عادةً بعد مثل هذه التحركات يكون الطبيب الخاص هو القادم… لكنه زارنا منذ وقت قريب أليس كذلك؟’
وبما أنه لا يزور سوى مرة في الشهر، فلا يمكن أن يكون هو. لذلك لم أستطع فهم سبب هذا السلوك المفاجئ من الخادمات.
‘كل شيء مقبول، لكن لماذا بالذات الآن؟’
تجاهلتُ كلام لورا حين طلبت مني الانتقال إلى المكتبة، وبقيت جالسة على الكرسي أسفل النافذة قرب الطاولة.
‘صندوقي… يجب أن يبقى سالماً.’
ذلك الصندوق تحت سريري، والذي يحوي الثمار والأزهار التي جمعتها بعناية، وبذور المِلين التي أهداها لي أبي.
وبينما كنت أراقب الخادمات وهن ينظفن، وقعت عيناي على خادمتين غريبتين لم أرهما من قبل.
“هاتان خادمتان لم أرهما من قبل؟”
سألت، فردت لورا بلهجة متكاسلة:
“ديزي، روز. تعاليا وقدّما التحية للآنسة.”
اقتربت خادمة خضراء الشعر وأخرى حمراء الشعر وانحنتا بأدب شديد.
تفاجأت بعض الشيء من تصرفهما المنضبط والمهذب، فمثل هذا السلوك لم يكن يُرى أبداً عند خادمات الملحق.
“إنهما خادمتان جديدتان. أُرسِلتا من القصر لأن الملحق يعاني من نقص في الأيدي.”
أضافت لورا بابتسامة:
“لقد أرسلهما كبير الخدم خصيصاً، خوفاً من أن أُرهق.”
كان في كلامها إيحاء بأنها تحظى بمعاملة مميزة.
ويبدو أن مخاوف ليلي لم تتحقق، فاستدعاء فيلوس لم يكن سينتهي بعقوبة في الملحق.
‘هذا مؤسف بعض الشيء.’
لم أكد أنهي هذا الشعور السريع حتى لاحظتُ أن وجهي الخادمتين الجديدتين قد تجمدا.
‘هل هما خادمتان جُلبتا من خارج القصر؟’
فمن ملامحهما كان واضحاً أنهما لا تعرفان شيئاً عن الملحق.
أن تُقال لهما إنني سبب تعب الآخرين، وإن القصر أرسل خادمات لأجلها، وتُقال هذا مباشرة أمامي… لم يسبق أن رأيت خادمة تتحدث بمثل هذه الوقاحة إلى سيدتها.
ويبدو أن وقع الصدمة كان شديداً، فقد أظلمت وجهيهما.
وبينما كنت أحدّق بهما بصمت، رفعت لورا صوتها قائلة:
“أتفهمين يا آنسة؟”
نظرتُ إليها بدهشة، فأردفت بلهجة متعالية:
“على الآنسة أن تكفّ عن إثارة المتاعب وتلتزم الهدوء، حتى لا يقلق السيد الصغير.”
كأنها توحي أن كثرة مشاكل الملحق بسببي. مع أنني لم أُحدث أي مشكلات، وأعمال الملحق أصلاً شبه معدومة.
وفوق ذلك، فلورا عادت اليوم فقط من إجازة، فما كان لها أن تتفوه بمثل هذا. لم أملك إلا أن أكتم ضحكة ساخرة.
‘هراء.’
هكذا لخصت الموقف بكلمة واحدة، ثم أسندت وجهي إلى كفي وقلت بنبرة ساخرة:
“في الملحق أنا وحدي، ويبدو أن ثلاث خادمات لم تكُن كافية؟”
ألم تكوني أنتِ سيئة في عملك؟
تحوّل ما تباهت به لورا أمام فيلوس على أنه معاملة خاصة، إلى مجرد رقابة مشددة، فارتسمت على وجهها ملامح الانزعاج. لكنها ما لبثت أن مالت بشفتيها بابتسامة متكلفة، ثم استأنفت التنظيف.
وكأنها تُظهر أنها تتغاضى.
‘تثير الاشمئزاز.’
راحت لورا تعبث بالغرفة بعنف أكبر.
أما أنا، فلم أكترث، بل ركّزت عيني على ما حول السرير.
فمن المستحيل أن تخفض لورا المتكبرة ظهرها وتفتش تحت السرير بنفسها، لذلك راقبت الخادمات الأخريات.
عندها انحنت الخادمة خضراء الشعر تحت السرير. أظن أن اسمها ديزي.
‘اللعنة.’
رأيت يد ديزي تمتد نحو الصندوق. كنت على وشك أن أندفع، لكنني توقفت فجأة.
إذ خرجت من تحت السرير ويدها فارغة، ثم انتقلت بهدوء لتُكمل تنظيفها في مكان آخر.
‘هل يُعقل… هل أخفت الأمر عن عمد؟’
بينما كنت أراقب ديزي بتمعن، دوّى صوت لورا الحاد:
“ما كل هذا يا آنسة؟”
كانت الخادمات الأخريات قد أخرجن أشياء من هنا وهناك، وهي نفسها الهدايا التي كان أبي قد منحني إياها، والتي كنت أحفظها في صناديق.
وبين تلك الأشياء، التقطت لورا عباءة كبيرة مقصوصة على مقاسي، ولوّحت بها قائلة:
“أليست هذه ثوب السيدة نفسها؟ لقد سرقتهِ وأتلفتِه أيضاً؟”
كانت العباءة تحمل شعار العائلة الذي يُطرَّز عادة على ملابس جدتي.
“إنها هدية من جدتي.”
“هذا الثوب الممزق كله؟”
قهقهت لورا ساخرة وقالت:
“لا تقولي إنك التقطتِه من القمامة؟”
كان في صوتها استهزاء واضح.
“…….”
ربما صحيح أن جدتي كانت ستتخلص منه، وربما أمرت بقصه وإعطائه لي.
لذلك لم أستطع أن أنفي الأمر، فبقيت صامتة كمن كُشف سره.
حدجتني لورا بنظرة متعالية وقالت بازدراء:
“وهذا أيضاً… من أين سرقتِه؟”
وأشارت إلى بقية الهدايا التي تركها أبي.
“لقد كان أبي من أعطاني إياها.”
“أليس أنه تخلّص منها فحسب؟”
“ماذا؟”
صحيح أن والدي، الذي لم يكن حتى يبحث عني، لم يكن من المنطقي أن يقدم لي هدايا.
لكنها لم تكن أشياء تخلّص منها، بل أعطاها لي ليحصل بالمقابل على ما يريد.
فأوضحت من جديد حتى لا يُساء الفهم:
“لقد كان يأتي كل يوم ويترك لي هذه.”
فقالت لورا ساخرة:
“كل يوم في غيابي كنتِ تخرجين، أليس كذلك؟ هذه الأشياء… لم تسرقيها من مكان ما؟”
حين واصلت لورا ملاحقتي بلا أي دليل، بدأت أشعر أن صبري بلغ نهايته. والسبب الوحيد الذي جعلني أجيب عن أسئلتها السخيفة منذ البداية كان واحدًا لا غير.
لكي لا تعثر على الصندوق المخفي تحت السرير.
لقد انشغلت لورا بالهدايا التي وصلتني إلى درجة أنها كادت تقلب الغرفة رأسًا على عقب بحثًا عن الصندوق. لذلك حاولت أن أصرف نظرها بالهدايا حتى لا تكتشف مكانه.
‘لقد تجاوزت حدّها بالفعل.’
عند هذه المرحلة، بدا لي أن حجة التنظيف لم تكن سوى ستار، وأنها في الحقيقة جاءت لتستولي على كل ما في غرفتي من هدايا.
‘هل أسحقها فحسب؟’
في تلك اللحظة تكلمت ليلي قائلة:
“تلك الهدايا… السيد كان يأتي بنفسه يوميًّا ويتركها.”
ارتسمت على وجه لورا ملامح امتعاض حاد إثر كلام ليلي، التي كانت تتولى أمري خلال الأيام الماضية.
وبدا أن الغضب استولى عليها، فأخذت ترفع الأشياء من الصندوق واحدًا تلو الآخر وهي تصيح:
“مثل هذه الفساتين الضيقة تضر بالصحة. سيد القصر لم يراعِ حالة الآنسة الصحية وأحضر أي شيء على غير هدى.”
وانطلقت بعدها تزدري كل الهدايا، ووصفتها كلها بأنها لا تناسبني ولا أحتاج إليها، قبل أن تتوقف.
وخلاصة قولها كانت واضحة:
أبي ألقى في وجهي قمامة لا حاجة لي بها.
عندها انقطع خيط صبري.
“أنهيتِ كلامك الفارغ؟”
رفعت رأسي وحدّقت في وجه لورا الممتلئ بالطمع. فأجابتني بلهجة متعالية:
“ألم أخبرك من قبل أن تكفي عن الألفاظ السوقية؟”
“أفعالك أنت هي السوقية بعينها.”
أشرت بذقني إلى صناديق الهدايا التي عبثت بها.
“ذلك الوصف يليق بك تمامًا. أليس كذلك؟”
بُهتت لورا من كلامي غير المتوقع، فقبضت كفها وارتجفت غيظًا، ونظرت إليّ بعينين مليئتين بالتهديد.
‘ستضربني بعد قليل على ما يبدو.’
ولأن الموقف أضحكني، لم أجد إلا أن أحدق فيها بازدراء.
وفجأة دخلت خادمتان جديدتان إلى المشهد، ووقفتا بجانب لورا عن يمينها ويسارها، واتخذتا وضعية غريبة، أشبه بمحاولة السيطرة عليها.
‘هل ستمنعانها إن حاولت ضربي؟’
لكن ما إن استدارت لورا صوب كومة هدايا أبي حتى عاد وقوفهما طبيعيًا، مما جعلني أتساءل:
‘هل تخيلت الأمر؟’
كنت أراقبهما عن كثب حين ارتفع صوت لورا الواثق:
“سأعيد كل هذه الأشياء إلى السيد القصر.”
التفتُّ فرأيتها تأمر الخادمات بجمع الهدايا.
‘هل جنّت حقًا؟’
رفعت حاجبيّ وأطلقت أمرًا تحذيريًا:
“توقّفن. لا تلمسن أشيائي.”
لكن لورا تجاهلتني كأنها لم تسمع، وقالت للخادمات دون أن ترمش:
“ماذا تنتظرن؟ اجمعنها بسرعة.”
فترددت الخادمات في مكانهن بين أمري وأمرها.
فقمت من مجلسي بخطوة حاسمة، واتجهت نحو لورا حتى وقفت أمامها، ثم رفعت رأسي لأنظر إليها.
صحيح أنني ما زلت في جسد طفلة في الثامنة، مما يجعلني أقصر بكثير من الكبار، لكن ذلك لم يمنعني من قول ما يجب قوله.
حدّقت في لورا التي تتصرف وكأنها صاحبة الكلمة وقلت باستياء:
“من تكونين حتى تعصي أمري؟”
ثم أملت برأسي قليلًا وأضفت:
“ومن تكونين حتى تقيّمي قيمة هدايا والدي؟”
ضحكت لورا ساخرًة: “ها، آنستي…”
لكنني قاطعتها بصوت عال:
“أنتِ لست سوى…”
رأيت فمها ينغلق وقد عقدت حاجبيها، فرفعت صوتي ساخرًا:
“خادمة تافهة لا غير.”
اقتربت منها أكثر وقلت بنبرة منخفضة وحادة:
“ما عدتُ أحتمل طمعك في ما أملكه.”
ثم أشرت إليها بإصبعي وأردفت بلهجة معلمة:
“أنتِ الخادمة التي أخضعها لأوامري.”
ثم أشرت إلى نفسي وتابعت بصرامة:
“وأنا… سيدتك.”
أتفهمتِ الآن؟
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 13"