الفصل 12
تلاشت ذكريات الماضي شيئًا فشيئًا، ولم يبقَ واضحًا في ذهن لورا سوى جملة واحدة تملأ رأسها بإلحاح.
“كان ينبغي أن تكوني رئيسة الخادمات القصر… يا للأسف.”
في لحظة واحدة، اشتعل الغضب حتى وصل إلى قمة رأس لورا، وتذكرت فورًا السبب وراء كل هذه المصائب.
تلك الطفلة المحبوسة في الجناح الملحق.
تلك الفتاة التي أُدخلت إلى القصر دون أن يتحقق أحد حتى مما إذا كانت حقًا ابنة السيد الشاب الحقيقية، والتي تعيش وكأنها ميّتة.
“آه!”
سارت لورا طويلًا، لكن غضبها لم يهدأ ولو قليلًا، فتمتمت مع نفسها:
“يجب أن تعرف حدودها. حدها.”
لا بد أن تلك الفتاة هي من أخبرت كبير الخدم عن الحبس وما إلى ذلك.
لم يكن يجب أن تُرسل إلى القصر قبل أيام. لقد حدثت هذه الكارثة بينما كانت في إجازة، وغادرت مكانها على عجل.
قررت لورا ألا تسامح تلك الفتاة التي شوهت الثقة التي بنتها حتى الآن.
‘سأجعلها لا تنطق بكلمة.’
ومجرد أن تذكرت كيف كان كبير الخدم يتعامل مع تلك الفتاة وكأنها عبء لا يعرف كيف يتصرف به، ارتسمت على شفتي لورا ابتسامة ماكرة.
‘صحيح. لقد دللتها أكثر من اللازم في الآونة الأخيرة.’
الآن هو الوقت المناسب لتتدخل هي، وهي الماهرة.
لم يكن من الصعب عليها أن تجعل تلك الفتاة، التي كانت تثير إزعاج الجميع في القصر، في حالة لا تسبب أي مشاكل.
ضحكت لورا بجنون، ثم أسرعت في خطواتها قبل أن تتوقف فجأة.
لكن من كان ذلك الشخص الذي قال لي ذلك؟
من كان صاحب الصوت الذي كان يواسيني قائلًا إنني كان يجب أن أصبح رئيسة حادمات القصر؟ لم تستطع تذكره، مما جعلها في حيرة.
“…….”
شعرت بقشعريرة باردة، لكنها سرعان ما هزت رأسها بخفة لتطرد هذا الإحساس، وأسرعت في خطواتها.
فالمهم لم يكن ذلك أصلًا.
***
“أنا مرهقة. يجب أن أستلقي.”
بعد أن جمعت بعض الثمار والزهور من الحديقة وعدت إلى الجناح الملحق، كنت في طريقي إلى الغرفة كي أستريح.
“آنسة! صباح الخير!”
لو لم يكن هذا الصوت البعيد، لكنت واصلت سيري مباشرة إلى الغرفة.
التفتُ ورأيت شخصًا ينحني بزاوية تسعين درجة ويهتف بصوت عالٍ.
من؟
“آه. يسعدني لقاؤك لأول مرة! أنا طاهٍ الجناح الملحق، باروف.”
طاهٍ الجناح الملحق؟
هذا أول مرة أسمع بهذا. عن قرب، بدا الشاب فعلًا مرتديًا زي الطهاة.
‘لم أسمع أبدًا بوجود طاهٍ للجناح الملحق.’
“آه…….”
عادت إلى ذهني وجباتي السابقة: خبز قاسٍ وحساء خفيف.
فالشخص الذي كان يطهوها ويوصلها هو-
“-طاهٍ الجناح الملحق؟”
“نعم! يشرفني مقابلتك! أنا باروف.”
انحنى باروف مجددًا ليحييني.
وحين رفع رأسه عاليًا بعد انحناءة طويلة، تجمدت وأنا أنظر إلى وجهه.
‘تبتسم؟ بعد أن كنت تطهو لي طعامًا بهذا السوء؟’
كان باروف يبتسم ببراءة مبالغ فيها.
ونظرت إليه بريبة، متسائلة عما قد يخفيه هذا الوجه المشرق. ثم أجبت بجفاف:
“……هكذا إذن.”
كنت أود أن أوبخه قائلة: على الأقل اطبخ طعامًا صالحًا! لكن……
‘قد يرسل إليّ طعامًا أسوأ، لذا سأصمت.’
على أية حال، لم يكن الطعام أثمن من حياتي أو حياة تايل.
“سأُعِدّ لكِ العشاء اليوم بما تحبين تناوله.”
“……؟”
ما الذي يقصده؟
أيعني أنه سيعطيني خبزًا أكثر قساوة من المعتاد ساخرًا مني؟
لكن على وجه الطاهي المشرق ارتسمت ملامح غريبة من الترقّب.
حين رأيت ذلك، ألغيت قراري السابق بالسكوت. حتى لو لم يكترث لكلامي، كان علي أن أقولها.
“أتمنى فقط ألا يكون قاسيًا كما في المرة السابقة.”
فجأة صُدم الطاهي، واتسعت عيناه وهو يقول:
“هاه! هل كان قاسيًا؟! بما أنكِ تناولتِه كله، لم أكن أعلم، آه…… لم تقولي شيئًا حتى لا تُحرجيني، صحيح……!”
إذ بدأ يسأل ويجيب نفسه، اجتاحني تعب أكبر.
بالإضافة إلى ذلك، كيف لم يعلم أن الخبز الذي قدمه كان قاسيًا؟
‘يا للغرابة. أهذا ما يسميه عذرًا؟’
وبينما كنت أنظر إليه بعيونٍ مليئة بالتهكم، ضم باروف يديه معًا وقال:
“هذه المرة سأُحضّر لكِ طعامًا لينًا بعناية فائقة. ثقي بي، أرجوكِ.”
قد يظن من يسمع كلامه أنني طلبتُ لحماً.
لكنه يتفضل عليّ وكأنه يصنع لي معروفاً لمجرد إعطائي قطعة خبز طريّة واحدة وطبقاً من الحساء الدافئ؟
بينما كنت أستمع إلى كلام باروف، تذكرتُ مجدداً وضعي في هذا الجناح الملحق.
“حسناً.”
ومع ذلك، ربما يعطني خبزاً قاسياً آخر وحساءً لا يُؤكل، أو حتى يعبث بالطعام.
كنتُ أشك في تصرّف الطاهي، لكن التعب بلغ ذروته، فاكتفيتُ بهز رأسي.
‘الطعام الآن لن يكون أسوأ مما هو عليه. فليكن ما يكون.’
وبعد أن وضعت الصندوق الذي بيدي في مكان آمن، صعدتُ إلى غرفتي.
***
بعد أن عادت الآنسة إلى غرفتها، بقي الطاهي وحيداً، يتمتم كأنه يعاهد نفسه:
“عليّ أن أتمرّن مجدداً على طبق الستيك الذي تحبه. لقد انشغلت كثيراً بأطباق المأكولات البحرية، فأصبحت غير معتاد على التعامل مع اللحوم.”
كان باروف طاهياً مبتدئاً، تخرّج من الأكاديمية بمرتبة الشرف في فنون المأكولات البحرية.
ولأن الجميع توقّع له مستقبلاً زاهراً، فقد كان أوّل مكان يعمل فيه محل اهتمام الجميع. ورغم وجود عروض جيدة أخرى، إلا أنّه اختار الانضمام إلى قصر كاتيلوس.
ورغم أن العاصمة كانت بعيدة عن الجنوب حيث نشأ، إلا أنها كانت المكان الذي طالما حلم به.
أن يكون الطاهي الرئيسي في مطبخ دوقية بالعاصمة! صحيح أنه اقتصر على جناح ملحق، لكن……
لم يستطع باروف أن يفوّت الفرصة، فقبل العرض على الفور والتحق بجناح كاتيلوس. وكان ذلك قبل بضع سنوات.
“الآنسة لا تفضل أطباق المأكولات البحرية، بل تميل أكثر إلى أطباق العاصمة مثل الستيك.”
كادت كلمات كبيرة الخادمات أن تحبطه، لكنه بدأ على الفور بتعلّم كيفية التعامل مع اللحوم والتمرّن على طهيها.
“لقد تناولتِ كل الطعام دون أن تتركي شيئاً.”
ومنذ أن سمع تلك العبارة من كبيرة الخادمات، بدأ باروف يكتسب ثقة كبيرة ويبرع في إعداد أطباق متنوعة من اللحوم.
لكن المرة الأخيرة كانت مخيبة للآمال. قيل إن الطبق كان قاسياً. لقد كان طبقي التجريبي الجديد، لكن يبدو أنه لم يكن بالمستوى المطلوب.
“مع ذلك، تناولته بسخاء. لا بد أن أبذل جهدي أكثر لأعدّ لها لحوماً طرية.”
اشتعل شغف باروف بالطهي أكثر من أي وقت مضى.
***
ما إن دخلت غرفتي حتى سارعتُ إلى إخفاء الصندوق في أعمق مكان تحت السرير.
فحتى لو سألني أحد، فلن أرغب في الإجابة، ثم إنني لو قلت إنني التقطتُ شيئاً ما، فسوف يأمرونني فوراً بالتخلص منه.
بعد أن وضعتُ الصندوق في مأمن، قررت أن أستريح قليلاً. فبعد أيام قليلة سيبدأ الحُمّى.
“كل الاستعدادات قبل المرض جاهزة، وهذا المساء سيكون الموعد، أليس كذلك؟”
بخفقان قلب جلستُ على السرير وفتحت كتاباً سميكاً بعنوان <كل شيء عن الزواحف>.
حتى الخادمات اللواتي كنّ يمنعنني من أي شيء، لم يجرؤن على الاعتراض إذا قلت إنني أقرأ كتاباً.
في الجناح مكتبة ضخمة مليئة بالكتب، وكنت أحب أن آخذ منها لأقرأ.
وما إن أمسِك بكتاب، حتى تمرّ الساعات سريعاً.
وكان الأمر دائماً كذلك……
في الأيام الأخيرة، ربما لأنني خرجت إلى الخارج فجأة، كنت ما إن أعود حتى يغلبني النعاس بشدة. مثل الآن تمامًا.
كنت أترنح بين النوم واليقظة عندما أفزعني فجأة صوت طرقٍ على الباب.
“نعم! لا، آه! أجل!”
“آنسة، السيد الشاب قد جاء لزيارتك. هو الآن في غرفة الاستقبال.”
استيقظت دفعةً واحدة من كلام الخادمة الذي جاء من خلف الباب.
“أبي؟”
منذ الحديث الذي دار مع جدتي قبل عدة أيام، صار أبي يزورني ثلاث مرات في اليوم.
لا أعلم حقًا لماذا يأتي، لكنه دائمًا ما كان يزورني بعد وجبات الطعام ويعطيني شيئًا قبل أن يرحل.
وفوق ذلك، لم يأتِ إلى غرفتي مباشرةً أبدًا، بل كان يستدعيني إلى غرفة الاستقبال، وهذا منحني قليلًا من الوقت لأستعد حتى لو كنت أغفو.
“سأخرج حالًا، قولي له أن ينتظر قليلًا.”
رتبت شعري سريعًا أمام المرآة، ثم توجهت إلى الطابق الأول. وعندما دخلت الغرفة الصغيرة المخصصة للاستقبال، رأيت والدي هناك.
“أتيت يا أبي؟”
تأملني من رأسي حتى قدمي ثم تمتم بصوت منخفض:
“الجو بارد، ولم ترتدي شيئًا يقيكِ.”
ويبدو أنه لم يكن ينتظر مني جوابًا، إذ بادر مباشرةً بسؤال آخر:
“هل يؤلمك شيء؟”
“لا، كما ترى، أنا بخير.”
كان يكرر هذا السؤال نفسه ثلاث مرات كل يوم تقريبًا، ويعطيني هدية ثم يغادر.
“خذي.”
“شكرًا لك.”
كنت قد أدركت خلال الأيام الماضية أن رفض الهدايا لا طائل منه، لذلك تلقيتها بسرعة.
لكن والدي، الذي توقعت أن يغادر مباشرةً كعادته، ظل واقفًا يحدق بي مطولًا.
“…… سأستخدمها جيدًا.”
حتى بعد شكري، لم يتغير تعبيره. بدا كأن نظره معلق بالصندوق…؟
‘آه، هل يريدني أن أفتحه؟’
وضعت يدي مسرعةً على شريط الصندوق.
“همم.”
ومع سعالٍ خفيف خرج منه بارتباك، تأكدت من أن تخميني صحيح. شددت الشريط بسرعة وفككته، ثم فتحت الصندوق.
“هاه؟ هذا…”
كنت أظنها مجرد قطعة زينة صغيرة كالمعتاد، فارتبكت. الهدايا السابقة كانت دائمًا فساتين أو معاطف أو قبعات أو أوشحة، أشياء من هذا القبيل.
لكن هذا… لا يمكن!
“إنها بذور ميلين.”
“……!”
تلك البذور النادرة، التي رفضتُها من قبل عندما عرضت جدتي أن تحصل عليها لي، كانت الآن بين يدي.
“ح… حقًا؟ لماذا…؟ واو…”
غلبت دهشتي كل أسئلتي، وارتسمت على وجهي ابتسامة عفوية.
“لم أستطع أن أجد شيئًا آخر في الوقت الحالي سوى هذه.”
قال أبي ذلك وكأنه محرج من أن الصندوق لم يحوِ سوى بذرة واحدة.
لكنها بذرة من عصر السحر القديم، والحصول على واحدة فقط يُعد أمرًا مذهلًا.
“شكرًا لك. إنها حقًا ثمينة للغاية.”
قلت بصدق وأنا مثبتة بصري على البذرة.
“همم، وذاك الـ ‘فيرسيون’؟ سأحضره لك في المرة القادمة.”
“يكفيني هذا، حتى لو قلتها فقط… هذا وحده أكثر من كافٍ…”
كنت سأقول إنها هدية مبالغ فيها، لكنني تاهت في تأمل البذرة فاندثرت بقية الجملة.
‘إنها مطابقة تمامًا للرسم الموجود في الموسوعة… تبدو كحبّة بطيخ ضخمة عن قرب.’
“لا، لست أمزح. سأحضره حقًا.”
“عذرًا؟”
كنت غارقة تمامًا في التفكير بالبذرة حتى إنني لم أسمع كلامه بوضوح.
“ارتاحي الآن.”
“آه… نعم!”
عدت إلى غرفتي بسرعة، وأخرجت البذرة من الصندوق ولففتها بعناية بمنديل، خشية أن يُلقى بها عرضًا.
“سأضعها هنا إذن.”
وضعتُها في الصندوق الذي كنت أحفظ فيه الزهور والثمار، ثم خبأته جيدًا.
وبعد أن ضمنت حفظ البذرة بأمان، برز السؤال الذي تجاهلته منذ البداية:
“لماذا يظل أبي يهدي لي كل هذه الأشياء الثمينة؟ ولماذا صار يزورني باستمرار فجأة؟”
فكرت مطولًا حتى وصلت إلى استنتاج واحد:
“لابد أنه يريد مني شيئًا.”
وإلا فلا سبب لهذه الزيارات المفاجئة والهدايا الغالية.
“لكن… ماذا عساه يكون؟”
مهما فكرت، لم أجد جوابًا.
ومهما كان، فلا بد أنه أمر بالغ الصعوبة ليطلبه مني، فالهدايا كلها كانت باهظة الثمن.
أما المشكلة فهي:
‘هل أستطيع حقًا إنجاز ذلك الأمر الكبير؟’
كان ذلك ما أقلقني.
لكنني كنت متعبة من خروجي، وكلما فكرت ازداد صداع رأسي.
“آه، لا يهم. سأفعل ما أستطيع فقط. خصوصًا بعد أن أخذت البذرة.”
وبحثًا عن راحة من الصداع، أقنعت نفسي بهذا الجواب البسيط، ثم تخلصت من كل الأفكار واستلقيت على السرير.
وسرعان ما غلبني النوم.
***
بعد أن أنهت حديثها مع كبير الخدم، كانت لورا في طريقها إلى الجناح الملحق، لكنها كالعادة غيرت اتجاهها فجأة لتسلك طريق الإسطبل.
وكما اعتادت دومًا، سلمت لورا حزمة صغيرة إلى السائس.
“حين يأتي السيد الصغير توسكان ليمتطي جواده، سلمه هذه.”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 12"