1
كانت الأوقات في قصر الدوق كاتيليوس تشهد حركة شديدة.
“من الذي سيأتي اليوم؟”
توقفت إحدى الخادمات لالتقاط أنفاسها للحظة، ثم تحدثت وهي تنظر حولها.
“ألا تعرفين؟ إنه من عائلة الدوق الأكبر. يقال إن الدوق الصغير هو من دعاهم.”
“ربما جاء السيد بارتون ليهنئه بمنصبه الجديد كدوق صغير.”
“هذا محتمل. إذا كان من عائلة الدوق الأكبر، فلا بد أنه هو.”
“آه آه. الذي قيل إن الآنسة مخطوبة له؟”
“هذا بيننا فقط… إنها خطوبة بالاسم فقط. هل تعتقدين أنهما حتى التقيا؟”
“لكنها مع ذلك كاتيليوس. النبلاء يتزوجون فقط من أجل العائلة، أليس كذلك؟”
“أشعر بالأسف على وريث الدوقية. كيف يتزوج من شخص تخلت عنها عائلتها، وتحتضر؟”
“يا! قد تُعتقلين بتهمة إهانة النبلاء إذا تحدثتِ هكذا.”
“الجميع يقول ذلك. الإشاعات منتشرة.”
“آه. لا أعرف، ولا أريد أن أعرف. بغض النظر عن خطوبة النبلاء وزواجهم… سأموت من التعب. كم ساعة مرت على هذا الحال؟”
كانت جميع الخادمات اللواتي عملن بجد منذ الفجر لاستقبال الضيوف لعدة أيام عابسات.
“… إذا استمريتنّ في الثرثرة هكذا، ستُطرَدن.”
سقطت كلمات خادمة اقتربت فجأة من بعيد كالبرق.
“حرّكن أيديكن وأقدامكن! أسرعن!”
تحت ضغط زميلتهنّ ذات الخبرة الطويلة في القصر، بدأت الخادمات العمل مرة أخرى، لكنهن لم يتوقفن عن الكلام.
“هل سيُطرد خدم القصر حقًا لمجرد استراحة قصيرة؟”
“صحيح. للقصر سمعته، بعد كل شيء.”
تنهدت إحدى الخادمات بينما كانت تراقب زميلاتها وهن يعملن ببطء ولامبالاة.
“لن تُطردي من القصر بسبب هذا.”
ثم أضافت بسرعة:
“لكنكِ قد تُنقلي إلى الجناح الملحق… مثل رئيسة الخادمات.”
وفي النهاية، ستُجبرين على الاستقالة ومغادرة القصر بقدميكِ، أليس كذلك؟
عند سماع ذلك، تجمدت الخادمات وكأنهن تلقين ضربة قوية على رؤوسهن، ثم تفرقن بسرعة للعثور على العمل.
* * *
الجناح الملحق، بعيداً عن قصر الدوق.
لم تطأه أقدام الخدم. على عكس صخب القصر، ساد الجناح الملحق هدوء قاتل.
في غرفة صغيرة لا تصلها الشمس،
كان هناك شخص مستلقٍ في الظلام كالميت.
كليريا كاتيليوس.
الكاتيليوس الوحيدة التي لم تحضر مأدبة الدوق.
الحفيدة الوحيدة لعائلة دوق كاتيليوس.
للأسف، كانت تسحب حبل الجرس بلا جدوى الذي لا يجيبها أحد في الغرفة الخالية منذ ساعات.
“من فضلك… كحة… أيًّا شخص… كحة كحة.”
لم يتبقَّ أي حياة في صوتها المبحوح واليائس.
محتضرة.
هل هناك كلمة أخرى تصف حياتها المنتهية بهذه البساطة؟
كما هو متوقع من حياة قريبة من الموت، لم يتبقَّ لها وقت طويل. وهي التي أدركت ذلك بحدسها، سحبت حبل الجرس بكل ما لديها من قوة.
ففي وسط استنزاف كل قواها الحيوية، لم يكن لديها ما تفعله سوى ذلك.
“لا أحد… يأتي… كحة كحة.”
انزلق الحبل من بين يديها، كحبل النجاة الذي فقدته.
كليريا، التي كان يُفترض أن تُنادى بأنها السيدة النبيلة الثانية بعد الأميرة الإمبراطورية، عاشت حياةً بائسة لا تليق بمكانتها.
في التاسعة عشرة من عمرها، ولم تطأ قدمها عالم الأحداث الاجتماعية قط، كان حلمها الوحيد هو العائلة.
عائلة عادية تحب وتهتم ببعضها.
لكن للأسف، كانت عائلة كليريا بعيدة كل البعد عن العادية.
بل يمكن القول إنها النقيض تمامًا.
كليريا، العاجزة عن مغادرة الجناح الملحق.
وعائلتها، التي لم تزورها قط.
عادةً ما يُطلق على مثل هذا الوضع اسم ‘الإهمال والحبس’، لكن كليريا لم تستسلم. كما هو الحال الآن.
‘رغم ذلك، إذا كنتُ على وشك الموت، ألن يأتِ أفراد عائلتي ليروني للمرة الأخيرة؟’
* * *
كانت يد كليريا البيضاء الهشة التي ظلت تسحب حبل الجرس لساعات طويلة، تحمل الآن علامات حمراء واضحة.
وكأنها ختم يؤكد أن لا أحد سيأتي.
انهار ذلك الأمل الضئيل الذي تمسكت به، واضطرت كليريا أن تعترف بالحقيقة مرة أخرى:
عائلتها قد تخلت عنها.
لن يحزنوا حتى لو ماتت.
وبقلب محطم لم يعد فيه مكان للحزن أو خيبة الأمل، كل ما فعلته كان إيماءة صغيرة برأسها.
‘يبدو أن الشائعات صحيحة… العار الحقيقي لعائلة كاتيليوس.’
ضحكت كليريا بسخرية بينما كانت تلهث بصعوبة.
في عالم الأحداث الاجتماعية التي لم تطأها قدمها، كانت هناك تفسيران لوضعها:
إما أنها جوهرة كاتيليوس الثمينة التي تحظى بحماية مفرطة من العائلة،
أو أنها مجرد طفلة مجهولة النسب أحضرها الابن الأكبر (ديريك) من ساحة المعركة، فأصبحت عارًا على العائلة وحُبست في القصر.
لكن التفسير الثاني كان الأرجح، رغم عدم وجود إجابات واضحة.
فالابن الأكبر ديريك كان دائمًا في ساحات القتال، أما رئيس العائلة (سولتيرا) وباقي الأفراد كانوا ينهون أي حديث عنها بعبارة: “إنها مريضة جدًا”.
وهي حقيقة لم تنكرها كليريا، فقد كانت حالتها الصحية سيئة لدرجة أن بقاءها حية حتى الآن كان يُعتبر معجزة.
ولهذا السبب، كانت دائمًا مستثناة من كل مناسبات العائلة. وحتى اليوم، ظلت وحيدة.
حتى في مأدبة خطوبتها، لم يزعج أحد نفسه لزيارتها.
‘لا بأس… انتهى كل شيء الآن.’
بين أنفاسها المتقطعة، كانت عيناها تحسبان لحظات الموت بهدوء. وفجأة، عبست بينما فقدت بصرها تركيزه.
اخترق شعاع من الضوء الظلام فجأة مع فتح الباب.
من بين ذلك الضوء، امتدت يد ما وألقت سلة صغيرة قبل أن تختفي بسرعة.
قبل أن يُغلق الباب، بذلت كليريا ما تبقى من قوتها وصاحت:
“لح… لحظة! كحة كحة… انتظر… كحة!”
بوم! صوت إغلاق الباب بقوة!
لم يسمع أحد صوتها المنقطع، وأُغلق الباب بشدة دون أن يفتح مرة أخرى.
“كحة كحة… كر كك كك. كح كح….”
لم تتوقف نوبات السعال إلا بعد وقت طويل. كانت يداها مبللتين بالدماء.
‘ما الذي أتوقعه حقًا؟ من عائلة تخلت عني بالفعل.’
وهي تستسلم تمامًا، تذكرت كليريا ما حدث بالأمس.
ذكريات الأمس…
“كليريا، رئيس العائلة أرسلني، يقول إنكِ قدمتِ طلباً سخيفاً. استعيدي رشدكِ قليلاً.”
في مساء الأمس،
من دخل الغرفة فجأة ودون موعد مسبق هو ابن عمها توسكان، الذي كان الممثل الوحيد للعائلة الذي كان يأتي لزيارتها. وبّخ كليريا أمام خادمة الجناح الملحق
“غدًا… في المأدبة… كحة… أبي… كحة…”
“نعم، مأدبة غدًا مهمة جدًا لعائلة كاتيليوس. لكنك بالطبع لا تفهمين ذلك، لأنكِ عالقة هنا في هذه الغرفة.”
“أبي… كحة… فقط مرة واحدة… كحة…”
“اصمتي! أتريدين نقل عدوى مرضكِ المشؤوم؟”
مرر توسكان أصابعه بعصبية بين شعره الأشقر، مما جعل كليريا تلتزم الصمت.
” قال العم إنه سيأتي، لكن كما تعلمين، هو مشغول، مشغول جداً لدرجة أنه لا يملك حتى وقتًا لرؤية ابنته.”
كانت نبرة توسكان مليئة بالسخرية. أدركت كليريا بسهولة أن طلبها قد رُفض مرة أخرى.
“لذا توقفي عن هذه الطلبات السخيفة وابقَي هنا بهدوء غدًا. لا تزعجيه وهو مشغول.”
عندما أنهى كلامه واستدار للمغادرة، توقف فجأة. طرد الخادمات ثم عاد إلى كليريا.
من دون وعي منها، أمسكت كليريا بغطائها بشدة وتراجعت إلى الخلف قليلًا.
بسبب الشكوك حول عدوى مرضها، كان ارتداء غطاء للوجه (يُخفي كل شيء عدا العينين) إلزاميًا في الجناح الملحق.
تحت ذلك الغطاء، وشعرت بأنها سوف تختنق لمجرد اقترابه منها.
كل ما رأته كان عينيه البنيتين اللتين تحدقان فيها.
مع كل حركة له، تمايلت قطعة القماش الرقيقة تحت عينيه، ومن تحتها خرج صوت ضحكته السامة.
‘مقزز…’
كتمت كليريا شعورها بالغثيان بينما أمسكت سراً بقطعة زجاج حادة التي أخفتها تحت غطاء السرير.
رغم أن حواف القطعة كانت تخترق راحة يدها وأصابعها، إلا أنها لم تفلتها.
“لا… لا تقترب… كحة كحة.”
بلا جدوى، اقترب توسكان أكثر حتى وقف تمامًا حيث أراد.
“توقف… هنا.”
تجاهل توسكان تحذيرها ومد يده نحوها.
أمسك بخصلة من شعرها الوردي الناعم وهمس عمدًا:
“هل فكرتِ في عرضي؟”
انتزعت كليريا شعرها من يده باشمئزاز، بينما أطبقت بقوة على قطعة الزجاج.
بينما كانت تحدق فيه بنظرة مرعوبة، تردد صدى كلماته من الأيام الماضية في أذنيها:
“ما رأيكِ أن تصبحي لعبتي؟ في المقابل، سأنقل طلباتكِ للعائلة. فكري في الأمر.”
“رفضت… كحة… بالفعل. اخرج.”
عندما اقترب أكثر، همت كليريا بإخراج قطعة الزجاج من تحت الغطاء، لكن كلماته التالية جعلتها تريد رميها بعيدًا.
“مهملة هكذا، ومع ذلك ما زال لديكِ كبرياء؟”
ضحك عليها توسكان واستدار نحو الباب،
الذي أُغلق بقوة بعد رحيله، وظل مقفولًا إلا عند إدخال سلة الطعام الصغيرة.
حتى طلبها البسيط برؤية أبيها للحظة واحدة… لم يُسمح به.
* * *
بينما كانت تنظر إلى راحة يدها الملطخة بالدماء، أصبح تركيز كليريا يتلاشى شيئاً فشيئاً.
بينما كانت الجروح التي لا تزال موجودة تبدو باهتة وشعرت بالدوار، ارتميت بلا قوة على السرير.
أمام عينيها، مرت ذكريات سنواتها التسعة عشر عكسًا.
مرت الأوقات التي لم تتغير، مثل كونها في الغرفة وعلى السرير، ثم مرّت طفولتها القصيرة بسرعة.
عندما لم يعد هناك ماضٍ للعودة إليه، عرفت كليريا أن هذه هي النهاية، فاستسلمت لكل شيء.
‘في النهاية، رغم كل شيء، كنت أرغب في رؤية أبي…’.
أغمضت كليريا عينيها بهدوء، بعد أن تخلت حتى عن أمنيتها الأخيرة التي لم تكن تتخلى عنها بسهولة.
لم يكن أحد بجانبها.
* * *
اعتقدت أنه سيكون النهاية إذا أغمضت عينيها.
لكنها أخطأت في اعتقادها أنها ستشعر بالراحة بعد الاستسلام بلا ندم.
فبعد لحظات من موتها، انفتحت أمام عينيها ذكريات مشهد موت “أنا أخرى” كنت أعرفها.
‘إذن… لقد كنتُ مجرد استحواذ؟!’
حياتي كـ كليريا التي تخلت عنها عائلتها وماتت… لم تكن سوى حياة شخصية ثانوية في رواية!
بل والأسوأ… أن عائلتي، عائلة كاتيليوس، كانت العائلة الشريرة التي تضايق البطل ثم تنهار.
الحفيدة المنبوذة للعائلة المنهارة. شخصية ثانوية تحتضر مبكرًا.
كان هذا كله… أنا.
‘هذا غير عادل جداً!’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"