2
━━━●┉◯⊰┉ الفصل 2 ┉⊱◯┉●━━━
لستُ من مُحبِّي رواياتِ تربيةِ الأطفالِ.
ولكن كانَتْ لي صديقةٌ تعشقُ هذا النوعَ
من الروايات عشقًا لا يُضاهى.
كانت تُلِحُّ عليّ إلحاحًا شديدًا وهي تقولُ: ‘اقرئيها، جرِّبيها!’ حتى أثقلتْ مسامعي بحديثها المتكرّر.
وفي نهايةِ المطافِ، نجحَتْ في إقناعي بقراءةِ إحدى الرواياتِ.
بسبب إلحاحِها الدائمِ، قرأتُها مرارًا وتكرارًا، بل واستمعْتُ إلى تفاصيلِها مراتٍ لا تُحصى.
حتّى بلغَ الأمرُ بي أن حفظْتُها عن ظهرِ قلبٍ تقريبًا.
وفي يومٍ من الأيامِ، فتحتُ عينَيّ لأجدَ نفسي داخلَ عالمِ تلك الروايةِ.
لِمَ بحقِّ خالقِ السماءِ أنا هنا؟
‘لماذا لم تُصبْ هذه المصيبةُ صديقتي بدلاً منّي؟!’
صرختُ في داخلي، ولكن يبدو أنَّ إلحاحَ صديقتي الشديدَ جعلَ جسدي يحفظُ القصةَ عن ظهرِ قلبٍ.
“ركّزي جيّدًا يا سيّدة بيونا.”
تنهّدتُ في سرّي، ورفعتُ بصري إلى الأمامِ.
‘هذه هي المرةُ الرابعةُ بالفعلِ.’
في حياتي الأولى، وُلِدتُ هنا بالفعلِ.
وبعد وفاتي، عدتُ إلى عمرِ الثالثةِ.
وفي كلّ مرةٍ أفتحُ فيها عينَيّ، أجدُ نفسي في ذاتِ المكانِ المظلمِ.
‘كم هذا مملٌّ ومثيرٌ للسأم!’
قصةُ تربيةِ أطفالٍ بأسلوبٍ شرقيّ بعنوان:
「الصيدلانيّةُ الصغيرةُ ماهرةٌ في الطهي!」
بطلةُ الروايةِ آيان كانت تمتلكُ قدرةً فريدةً تمكّنها من علاجِ الناسِ من خلالِ الطهي.
كانت تختارُ المكوّناتِ بعنايةٍ فائقةٍ، وبفضلِ موهبتِها العبقريةِ، تمكّنت من شفاءِ وإبهارِ عددٍ لا يُحصى من الناسِ بطبخِها.
بل إنّها استطاعت لاحقًا شفاءَ والدِها من مرضٍ عُضالٍ، مما جعلها ابنةً بارةً عظيمةً.
لكنّ السرّ وراءَ قدراتِها العلاجيةِ كان في الواقعِ…
“قبلَ الاختبارِ، سنتعرّفُ بإيجازٍ على بعضِ التاريخِ.”
صوتُ الطرقِ على السبورةِ الصغيرةِ لم
يكن مريحًا على الإطلاقِ.
أخذتُ أنظرُ حولي.
كنّا في أحدِ المباني التي تمتلكُها العائلةُ، وكانَ مهجورًا قبلَ أن يمتلئَ اليومَ بالمرضى الذين جُلبوا قسرًا من الأحياءِ الفقيرةِ.
كان المرضى يئنّون، بعضُهم مستلقٍ على أقمشةٍ باليةٍ، وآخرون يحتضنون أطفالَهم، يرمقون المعلّمةَ بنظراتٍ ملؤها الخوفُ.
أن تتلقّى تعليمًا في غرفةٍ مليئةٍ بالمرضى كان أمرًا غريبًا للغايةِ.
“تنقسمُ القارّةُ إلى قسمَين: القارّةِ الشرقيةِ والقارّةِ الغربيةِ. أجدادُ عائلتِنا العظيمةِ، عائلةِ ‘هايك’، جاؤوا من القارّةِ الشرقيةِ، حيثُ يحميهم التنّينُ ويعبدونَ السماءَ والطبيعةَ.”
مرت الشروحاتُ المملّةُ التي أعرفُها مسبقًا مرورَ الكرامِ على مسامعي.
“سيخضعُ الجميعُ هنا لاختبارٍ بسيطٍ لمعرفةِ ما إذا كانوا قادرين على استخدامِ قوّةِ العائلة.”
كانَ هذا هو الاختبارَ الرابعَ بالفعل.
تنهيدةٌ.
لكي أشرحَ سببَ تكرارِ هذا الاختبارِ، يجبُ أن أوضحَ بإيجازٍ عن هذا العالم.
ينقسمُ هذا العالمُ إلى القارّةِ الشرقيةِ والقارّةِ الغربيةِ.
القارّةُ الشرقيةُ تعبُدُ السماءَ، الرياحَ، الطبيعةَ، والماءَ.
أمّا القارّةُ الغربيةُ فتُقدّسُ الأرضَ والنارَ، وقد تطوّرت عبرَ الحروبِ.
ونتيجةً لذلك، أصبحت القارّةُ الغربيةُ مليئةً بالمحاربين بشكلٍ يفوقُ الحاجةَ.
‘اللعنة! نحتاجُ إلى أطباء! أطباء!’
‘استدعوا الصيادلة! نحتاجُ إلى صيادلة!’
بسببِ الحروبِ المستمرّةِ، ازدهرتِ العلومُ الطبيةُ والصيدلانيةُ بشكلٍ كبيرٍ.
وهكذا، تأسّست أمبراطوريةٌ تُدعى بايهو حيثُ يحتلُّ الأطباءُ والصيادلةُ مكانةً مرموقةً.
بدأت هذه الأمبراطوريةُ على يدِ إمبراطورٍ عظيمٍ دعا إلى حمايةِ الأطباءِ والصيادلةِ وتنميتهم، مما جعلها تزدادُ قوّةً وازدهارًا.
ولكن، ذاتَ يومٍ، تفشّى وباءٌ مجهولٌ في البلاد، ولم يتمكّنِ الأطباءُ المشهورون في القارّةِ الغربيةِ من التصدّي له.
عندها، ظهرَ فجأةً أشخاصٌ من القارّةِ الشرقيةِ، أناسٌ يمتلكون قدراتٍ استثنائيةً ترتبطُ بالطبيعةِ، ويحظَونَ بحمايةِ التنّينِ.
كانَ من بين تلكَ القدراتِ الفريدةِ قدرتهم على علاجِ الأمراضِ والجروحِ، وهي موهبةٌ كانتِ القارّةُ الغربيةُ في أمسِّ الحاجةِ إليها بسببِ الحروبِ المستمرّةِ.
حيث أن الشرقيّونَ الذينَ هاجروا إلى الغربِ وجدوا طريقَهم للاندماجِ والتأقلمِ بسهولةٍ.
ومن بين هؤلاء، كانت عائلةُ ‘هايك’ التي أنقذت مؤسّستها، ‘هايك آوا’ حياةَ إمبراطورِ بايهو منَ الوباءِ، ونالت بذلكَ لقبًا نبيلًا واستقرّت في هذه البلادِ.
لكنْ، حتّى بعدَ مرورِ مئةِ عامٍ على هجرتِهم، لا تزالُ عائلةُ هايك تكافحُ للتأقلمِ معَ واقعِ التمييزِ المستمرِّ ضدَّ الشرقيّينَ.
‘هلْ سيستمرّونَ دائمًا في الترويجِ لهذا الفكرِ عبرَ دروسِ التاريخ؟ حيث يدّعونَ أنَّ الشرقيّينَ هم الأفضل؟’
انتهتْ محاضرةُ التاريخِ التي نقلتُ فيها كلَّ تلكَ الأفكارِ بدقّةٍ.
ثمَّ سُمعتْ التعليماتُ:
“حسنًا، ركّزوا الآنَ على الماءِ الذي أمامَكم!”
فنظرتُ إلى كوبِ الماءِ بنفورٍ.
“ليسَ بالضرورةِ كوبَ الماءِ فقط، يمكنكم استخدامُ مروحةٍ، أو حتّى الأحجارِ. سيقومُ الخدمُ بتوزيعِها عليكم وتحديدِ المرضى الذينَ ستتعاملونَ معهم.”
“آآآه!”
“أمّي! لا أريدُ ذلك!”
“إنّه مخيفٌ لا اريد علاجه!”
يا إلهي، مَن يصرخُ أمامَ المرضى هكذا؟
وضعتُ يديَّ على أذنيَّ، متفهّمةً ما يحدثُ إلى حدٍّ ما.
بالطبع، حتّى لوْ كانوا أبناءَ أطبّاءِ وصيادلةٍ، فإنَّ رؤيةَ المرضى في هذا العمرِ الصغيرِ أمرٌ مخيفٌ.
‘فالمرضى الحقيقيّونَ ليسوا هادئينَ، خاصّةً المصابينَ بحالاتٍ حرجةٍ…فهمْ أحيانًا كالحيواناتِ البريّةِ.’
غالبًا ما يكونُ المرضى الحرجونَ حسّاسينَ تجاهَ الألمِ، ويصدرُ عنهمْ روائحُ كريهةٌ.
قادني أحدُ الخدمِ بلا تعبيرٍ على وجهِه إلى مريضٍ يعاني بشكلٍ واضحٍ.
‘يا لهُ منْ مريضٍ شديدِ المعاناة.’
على الأرجحِ لمْ يكنْ مصابًا بالوباءِ، لكنَّهُ كانَ يعاني منْ قروحِ الفراشِ التي تغطّي ظهرَهُ وأردافَهُ، حيث تنبعثُ منها رائحةُ قيحٍ نفّاذةٍ.
حدّقتُ في الماءِ بينَ يديَّ.
‘لنفكّرْ…يبدو أنّهمْ استخدموا هذهِ المرّةَ ماءً نظيفًا على غيرِ المعتادِ؟’
نظرتُ إلى الماءِ باهتمامٍ.
على الرغمِ منْ أنّني خضتُ هذا الاختبارَ في كلِّ دورةٍ بعدَ عودتي، إلا أنّ الموادَّ المقدّمةَ كانتْ تتغيّرُ أحيانًا.
في مرّةٍ سابقةٍ، أعطونا مروحةً لاستخدامِ الرياحِ، وفي أخرى كانَ هناكَ حجرٌ معدنيٌّ يبعثُ شررًا كهربائيًّا.
كانتْ عائلةُ هايك التي بلغتْ ذروتَها ذاتَ
يومٍ، تتلاشى تدريجيًّا نحوَ السقوطِ.
‘العائلةُ بحاجةٍ إلى عبقريٍّ يقودُها!’
جدّتي الحاليةُ، هايك موران وهي رئيسةُ العائلةِ، تُبذلُ كلَّ جهدِها للعثورِ على طفلٍ يمتلكُ قدراتٍ عبقريّةً داخلَ العائلةِ.
حاليًّا، هذا الاختبارُ يتمثّلُ في معرفةِ ما إذا كانَ بالإمكانِ استخدامُ ‘قدراتِ العلاجِ’.
يتمُّ سرًّا جمعُ مرضى الأحياءِ الفقيرةِ في مكانٍ واحدٍ، ثمَّ يُحضَرُ الأطفالُ لمعرفةِ مَنْ يستطيعُ العلاجَ.
حتى الأطفالُ المعزولونَ في أماكنَ نائيةٍ، مثلي، يتمُّ استدعاؤهم، بسببِ النقصِ الحادِّ في المواهبِ.
‘آهٍ…كمْ هو مزعجٌ هذا الضجيجُ.’
نظرتُ حولي بنظرةٍ جامدةٍ، أراقبُ ما يدورُ.
“حسنًا، الآن ركّزوا جيّدًا. كلّما بكيتمْ، أصبحَ التركيزُ أصعبَ. إذا كنتمْ تريدونَ العودةَ إلى المنزلِ، فعليكمْ أن تركّزوا!”
رغمَ ذلك، كانَ أغلبُ الأطفالِ عاجزينَ عنِ التزامِ الهدوءِ.
“لا أريدُ هذا! أريدُ أمي!”
“أبي! أبييي!”
الموجودونَ هنا، باستثنائي، هم أبناءُ العائلات الفرعيةِ أو المولودونَ خارجَ إطارِ الزواجِ.
أطلقوا علينا ما يُسمّى بـ ‘مجموعةِ المهملينَ’.
على عكسِ أولئكَ الذينَ يتلقّونَ تعليمًا نخبويًّا منذُ ولادتِهم، فإنّ هذه الاختباراتِ تُستخدمُ لاختيارِ الأطفالِ ذوي القدراتِ الفريدةِ من مجموعةِ المُهملينَ هذه.
وقفتُ منْ مكاني، فاعترضَ طريقي
أحدُ الخدمِ بوجهٍ جامدٍ قائلاً:
“يجبُ ألا تقفي. اجلسي في مكانِك.”
في تلكَ اللحظةِ، مدَّ المريضُ يدَهُ نحوي، بنظراتٍ ملؤها الرجاءُ.
ثمَّ، بينما التقتْ أعينُنا، ابتسمَ ابتسامةً خفيفةً كما لو أنّهُ يرى فيَّ شيئًا جميلًا.
نظرتُ إلى يدهِ الملفوفةِ بالضماداتِ، وشعرتُ بغضبٍ مفاجئٍ يتملّكني.
‘هؤلاءُ البشرُ منْ هذه العائلةِ الملعونةِ، كمْ أكرهُهم!’
استخدامُ المرضى للعثورِ على شخصٍ يمتلكُ قدرةَ العلاجِ كانَ أمرًا يثيرُ اشمئزازي دائمًا.
لكنَّ أكثرَ ما كانَ يُغضبني هو:
‘عليَّ أن أعيشَ مثلَ هذا الوضعِ لعشرينَ عامًا إضافيّةٍ؟’
حينها قالَ الخادمُ بحدّةٍ:
“اجلسي فورًا…”
قاطعتُهُ قائلةً:
“كلُّ ما أحتاجُهُ هو إنهاءُ هذا الاختبارِ، أليسَ كذلك؟”
نظرتُ إليهِ بوجهٍ متجهمٍ وأضفتُ:
“إذا كانَ الأمرُ كذلكَ، فلننتهي منهُ.”
وضعتُ إصبعي في الماءِ النظيفِ الذي أمامي، وفي اللحظةِ ذاتها:
“ششششش!”
انبثقتِ المياهُ منْ جميعِ أكوابِ الأطفالِ.
“أوه! أمييي!”
“آآآه! الماءُ! ما هذا؟”
كنتُ أعلمُ بالفعلِ الأمراضَ التي يُعاني منها المرضى هنا.
إنّها الحمى الوبائيّةُ، وهذه هي المرّةُ الرابعةُ التي أواجهُها، لذا أصبحتُ أعرفُ كيفيةَ التعاملِ معها.
‘المكوناتُ الطبيّةُ موجودةٌ هناكَ.’
تحرّكتِ المياهُ في جميعِ الاتجاهاتِ، وجمعتِ المكوناتَ الطبيّةَ في داخلِها، حيثُ ذابتْ، وبدأتْ بالتداخلِ والانصهارِ، لتكوّنَ مزيجًا بديعًا منَ الألوانِ.
وأخيرًا، تحوّلتِ المياهُ إلى دواءٍ أصفرَ اللونِ.
بدأتِ المياهُ بالتحرّكِ برفقٍ، تضعُ المرضى في وضعيّةٍ مريحةٍ، ثمَّ تسكبُ الدواءَ في أفواهِهم.
“يا إلهي…”
همسَ أحدُهم بذهولٍ، بينما كانَ الضوءُ الخافتُ المنبعثُ منَ المياهِ يتلاشى.
عندما انتهى كلُّ شيءٍ، لمْ يكنْ أيُّ مريضٍ يعاني منَ المرضِ.
لقدْ عالجتُهم جميعًا.
“هلْ انتهى الأختبار الآن؟”
اسمي هايك بيونا.
أنا ابنةُ عمِّ البطلةِ الأصليّةِ في القصةِ، العبقريّةُ الخفيّةُ في هذه العائلةِ، وصيدلانيّةٌ موهوبةٌ.
ومنَ الآنَ فصاعدًا…
لنْ أعيشَ حياتي متخفّيةً بعدَ اليومِ.
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"