الفصل 03
بعد امتحانات القبول الجامعي، أخذني جي تشوان إلى جامعة بكين.
في إحدى قاعاتها الواسعة، شاهدتُ الغروب أربعًا وأربعين مرّة.
كان جي تشوان قد استخدم الشيفرة لابتكار الأداة، واستعان بالنماذج لصنع المؤثّرات الخاصّة.
قال إنّه لن يعلّمني بعد الآن.
“لماذا؟”
“لقد انتهت امتحانات القبول الجامعي.”
“جي تشوان، إنّي أحبّك.”
امتحانات القبول قد انتهت، غير أنّ مشاعري نحوه لم تنتهِ.
“أنتِ ما زلتِ صغيرة. لم تري بعدُ العالم الخارجي.”
فهمتُ.
مثل سائر الناس، لن يُعجب جي تشوان بوحشٍ صغير مثلي.
“جي تشوان، لستُ غبيّة. إن لم تكن تحبّني، فبإمكانك أن تقول ذلك مباشرة. لكن لا تُنكر مشاعري.”
نادرًا ما كنتُ أتحدّث بهذه الجديّة.
لم أكن أحبّ الكلام بصوت مرتفع، لكن ذلك لا يعني أنّه لم تكن لي أفكاري الخاصّة.
أُصيب جي تشوان بالذهول.
كنتُ أعلم أنّ كثيرين يُعجبون بـ جي تشوان.
كنتُ أستطيع أن أتعرّف إلى نظرة المرء حين ينظر إلى من يحبّه.
لكن جي تشوان لم يستطع قراءة نظراتي إليه، فأنكر مشاعري.
لم يكن يعلم أنّي لم أسمح إلا له، وله وحده، بالدخول إلى عالمي.
إن لم يشأ أن يدخل، فلا بأس.
لم أعد أتحدّث مع جي تشوان.
مهما قال، فلن أستمع.
إن أردتُ، أستطيع أن أحجب جميع الأصوات الخارجيّة، وأعيش في عالمي وحدي.
حين كنتُ أصغر سنًّا، لم أكن أفهم ما يقوله الناس، ولا أستطيع الخروج من عالمي.
لم أفهم لماذا كانت أمّي تبكي أمامي.
وبعد أن رحلت، لم أشعر بشيء على وجه الخصوص.
إلا أنّه بعد وقت طويل من العلاج، تعلّمتُ كيف أُخرج نفسي من عالمي.
مع أنّي ما زلتُ لا أفهم المشاعر المعقّدة جدًّا في معظم الأحيان.
غير أنّي علمت أنّ الدموع تعني الحزن.
وأمّي لم تكن ترغب حقًّا في التخلّي عنّي.
بعد أن التقيتُ جي تشوان، أدركتُ أيضًا ما معنى أن يُعجب المرء بآخر.
أن تُعجب بشخصٍ يعني أن ترغب في أن تُشاركه عالمك، أن تبقى معه، وأن تشعر بالسعادة ولو لم تفعل شيئًا البتّة.
حين كنتُ أبوح لـ جي تشوان بأفكاري الغريبة، كان يُفكّر فيها بجدّية قبل أن يُجيبني.
مع أنّ أجوبته لم تكن دائمًا ما أريد سماعه، كنتُ أحبّ ردوده.
إنّه لم يُهملني أبدًا.
بعد أن رفضني، أوصلني جي تشوان إلى باب منزلي، وسألني، “ألن تتحدّثي إليّ مجدّدًا؟”
بما أنّه لا يُحبّني، فلِمَ يُبالي بأفكاري؟
لكنّي أومأت بصدق.
“ألا يمكن أن نظلّ أصدقاء؟”
“لكنّي أحبّك. إن لم تُحبّني، فسأحزن.”
“وإن أحببتَ شخصًا آخر وكنتَ معه، فسأحزن أيضًا.”
“لذلك، لا أستطيع أن أكون صديقة لك.”
إنّه ليس صديقي، بل هو من أحببت.
سأضع جي تشوان في ركنٍ خفيّ من قلبي، وأجعل مشاعري نحوه شيئًا أتحمّله وحدي.
إن رغب يومًا في الدخول إلى عالمي ثانية، فسأدعوه إلى ذلك.
لكن جي تشوان لزم الصمت.
لم أدرِ بماذا كان يُفكّر.
وما إن هممتُ بالرحيل، حتّى أمسك جي تشوان بمعصمي.
قال، “لا أريد أن أجعلكِ حزينة.”
بدأتُ أواعد جي تشوان.
كان كما عهدته من قبل. يُرسل إليّ الرسائل كلّ يوم، ويتّصل، ويحكي لي القصص، ويأخذني إلى الخارج.
ركبنا معًا العجلة الدوّارة الكبيرة، وشاهدنا الدلافين.
وحين كنتُ أخاف، كان يُمسك بيدي.
شيئًا فشيئًا، احتلّ مساحة أكبر فأكبر في قلبي.
كنتُ أريد أن أبقى مع جي تشوان إلى الأبد. كنتُ أريد أن أشمّ رائحة غسيله العطرة، أن أعانقه، أن أُقبّله….
لقد أحببتُ جي تشوان حقًّا.
لكن أبي اكتشف الأمر، ومنعني من لقائه.
قال أبي إنّه فقير، وإنّه لا يُواعدني إلا ليخدع عائلتي ويسلب مالها.
لم أعرف كيف أشرح، فاكتفيتُ بتكرار، “لا، لا، لا….”
جي تشوان لم يكن كذلك.
“إنّه يحبّني، وأنا أيضًا أحبّه.”
قال أبي، “أتعلمين أصلًا ما معنى أن تُحبّي أحدًا؟ إنّه شخصٌ عادي؛ فكيف يمكن أن يُحبّك؟ إنّه يراكِ سهلة الخداع! ما كان ينبغي لي أن أستأجره مُدرّسًا لكِ!”
“لا! لا! لا!”
“جي تشوان لم يخدعني!”
“أنا أعلم ما يعنيه أن تُحبّ أحدًا!”
“أنتِ لا تعلمين شيئًا! إنّكِ مخدوعة وحسب!”
“أعلم!”
“أعلم حقًّا!”
“آه!”
لم يُبالِ أحدٌ بصراخي.
أبي حبسني في غرفتي، ومنعني من رؤية جي تشوان.
في يومٍ ماطر، وقف جي تشوان خارج بوّابة فيلّتنا، رافضًا أن يغادر.
كنتُ أصرخ في غرفتي بأعلى صوتي، حتى تألّم حلقي، غير أنّ أبي لم يسمح لي بالخروج.
“انتظري جي تشوان.”
فقط انتظري قليلًا بعد، امنحيه بعض الوقت؛ سيُصبح جي تشوان رائعًا يومًا ما.
إنّه لم يكن يطمع في مال عائلتي.
لقد أحبّني حقًّا.
عدتُ إلى عالمي الخاص، كففتُ عن الكلام مع أبي، كففتُ عن الأكل، ولم أرد سوى أن أرى جي تشوان.
قال أبي، “ما دمتِ تواصلين العلاج وتشفين، فسأدعكِ ترينه.”
“لنبقى معًا.”
لم يكن يكفيني أن أراه فحسب، بل أردتُ أن أكون معه.
“حسنٌ، حين تُصبحين بخير، سأدعكما معًا.”
ذهبتُ إلى المستشفى النفسي، وتناولتُ الأدوية كلّ يوم.
وغالبًا لم أكن أستطيع النظر إلى العالم الخارجي إلا من خلال النافذة.
ظللتُ أنتظر، وأنتظر حتى أصير طبيعيّة، لأكون مع جي تشوان.
مع أنّي لم أكن أعلم ما معنى أن أكون طبيعيّة.
كنتُ أستطيع إنهاء جميع أوراق امتحانات القبول الجامعي والحصول على درجات عالية، لكنّهم لم يسألوني عن تلك الأسئلة؛ كانوا يسألونني أصعبها فقط.
“ما الذي تعتقدين أنّه يعنيه حبّ شخصٍ ما؟”
“هل تستطيعين أن تفهمي مفهوم الحب أو الزواج؟”
لزمتُ الصمت.
وذات يوم، وصلت مريضة جديدة إلى المستشفى النفسي.
الممرّضة ذكرت أنّها كانت قد أخفت تاريخها النفسي، ثم اعتلّت بعد الزواج، فأرسلها زوجها إلى هنا.
وقالت أيضًا إنّها خطر على نفسها وعلى الآخرين.
“المرض النفسي وراثي.” قالت الممرّضة. “ذلك الرجل لا بدّ أنّه نادم على أنّه أحبّها يومًا، فضلًا عن أنّه تزوّجها.”
فجأة، شعرتُ بالخوف.
تبيّن أنّ مجرّد حبّ شخصٍ ما لا يكفي لنكون معًا.
وحتى إن كنا معًا، فقد نندم.
ربّما كانوا على حق. ربّما لم أفهم شيئًا أصلًا.
لقد متُّ منذ عشر سنوات، وما زلتُ لا أفهم.
لماذا، لمجرّد أنّي أحببتُ جي تشوان، كان عليّ أن أُحبس في مستشفى نفسي للعلاج؟
لماذا لم يُصدّق أحد أنّي كنتُ أحبّ جي تشوان حقًّا؟
يتبع في الفصل القادم.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات