2
قبل أن أدرك الأمر، كانت المسافة بيني وبين الأسد قد تقلصت. هز الاسد رأسه بحماس، وعيناه تلمعان. حضوره المهيب جعل ساقيّ ترتجفان.
هل ستنتهي حياتي كابن عرس بري بهذه الطريقة؟ كم هو مؤلم أن اتجسد كحيوان، والأسوأ أن تكون نهاية حياتي هي أن أصبح وجبة لأسد!.
عندما يتجسد الاخرون، يجدون أنفسهم أبطالًا أو حتى شخصيات طبيعية. أما أنا، فقد كنت مجرد ابن عرس. ولدت من جديد في مكان لا أعرفه، وها أنا على وشك الموت جوعًا!.
حتى الآن، لم أحتك إلا بحيوانات عادية أو أشخاص مهجورين. باستثناء بيانكو، لم ألتقِ بحيوان يمكنني التواصل معه طوال عام كامل.
حين فتحت عيني لأول مرة هنا، كان أمامي عالم واسع، لكنني لم أكن قادرة على التحول لشكل بشري.
وبما أنني لم أعرف والديّ ولم يعرفاني، كان من الواضح أنني لست من النبلاء، فالنبلاء لا يعيشون حياة قاسية هكذه!.
في حياتي السابقة والحالية، كان الأمر سواء… رُميت في عالم قاسٍ، ولم يكن أمامي خيار سوى الاعتماد على نفسي.
في النهاية، كنت أخرج للصيد لأعيش، وأبقى مختبئة لأتفادى الحيوانات المفترسة.
هكذا مر عام كامل نجوت فيه من الموت بشق الأنفس، لكنني صمدت.
ولا أريد أن أموت هكذا بلا معنى.
بدأت دموعي تنهمر بحزن. كيف يمكن أن تكون حياة ابن عرس بائسة إلى هذا الحد؟.
‘لماذا أنا دائمًا وحيدة…؟.’
‘أريد العودة!.’
كنت أصرخ في داخلي بهذا التمني المستحيل، بينما بدأت رؤيتي تصبح نصف مغطاة بالدموع.
حينها سقط ظل داكن فوقي. رفعت رأسي بفزع، لأجد نفسي قد أُمسكت بالفعل بين كفي الأسد الأماميتين.
“تشووو!.”
[ساعدوني! ابن عرس في خطر!.]
تدحرجت معه على الأرض، ولحسن الحظ، كانت كفّاه الأماميتان دافئتين بما يكفي لدرجة أنني لم أشعر بالألم.
بل إن الأسد نفسه تدحرج معي وكأنه لا يدرك ما يفعل، لكنه شدّ عليّ جيدًا كي لا أهرب.
‘هل هكذا يشعر الفأر المحبوس في قفص؟.’
أدركت أن الموت قادم وبدأت أبكي.
“تشوو!.”
[لماذا الحياة صعبة هكذا؟ أكرهكم! أكرهكم جميعًا!.]
حدّقت في الأسد بغضب، لكن بدلًا من أن يلتهمني، كان يكتفي بالتحديق في وجهي. عيناه الذهبيتان تتوهجان كالشمس.
قشعريرة سرت في جسدي، لكن حزني كان أكبر.
لا أريد شيئًا بعد الآن… إذا كنت ستقتلني، فافعلها.
حتى الأسد لا يستطيع أن يغلب ابن عرس بري بعد عام من البقاء على قيد الحياة!.
مع اخذ ذلك في الاعتبار، عضضت مخلب الأسد بقوة، معتقدة انه بما انني سأموت على اي حال، فقد يكون من الافضل أن أتذوق فرو الأسد ولو مرة واحدة!.
“تشو! تشووو! تشي!.”
[حتى انا آكلة لحوم! لم آكل أسدًا من قبل، لكنني سأقضم مخالبه على الأقل!.]
كنت أحاول العض بقوة، لكن لم أستطع غرس أنيابي في جلده القاسي.
علاوة على ذلك، كان هذا الشتاء أول تجربة لي كابن عرس ضعيف بلا حماية، فلم أتمكن من الأكل جيدًا، وطاقتي كانت في أدنى مستوياتها.
جلد الأسد كان صلبًا للغاية، لا يُقارن بلحوم الأرانب أو غيرها من الحيوانات، وكأنني أمضغ حجرًا، لم تؤلمني سوى أسناني.
حين بدأت أستسلم من التعب، شعرت أن جسد الأسد يلين فجأة، ثم تحول إلى هيئة صبي وهو يتمتم.
“مثير للاهتمام… لم أرَ ابن عرس كهذا من قبل.”
نظرت إلى يديه، وكما هو متوقع، لم أترك حتى خدشًا بسيطًا. لو أنني عضضته وهو على هيئته البشرية، لكنت سببت جرحًا، لكن هذا يعني أنني سأُؤكل.
وبدلًا من أن يأكلني، اكتفى بالتحديق بي مجددًا.
فضولي بدأ يخبو، لكنني حاولت خطة أخرى، ربما لو لعبت على جانب “اللطف” سيتركني.
ابن عرس لديه مظهر لطيف جدًا.
لكن الأمر كان مجرد وهم.
فجأة، أطلق في وجهي رائحة “فيرمون” قوية جعلتني أتراخى على كفه فورًا.
كان شعورًا أشبه بالتخدير، وكأن جسدي كله استسلم.
“تشو؟.”
[هاه… كيف تستخدم أسلوبًا غشاشًا كهذا؟.]
لقد خفضت حذري وتأثرت بالفيرمونات، لذلك لعنت الصبي الذي بالكاد أستطيع رؤيته خلف رؤيتي الضبابية.
‘كان ينبغي لي أن أعض اصبعه.’
—
حين وصل جيراكيل إلى القلعة، رآه ايفان، الذي كان يتحدث مع مسؤول المخزن، فاقترب منه. يبدو من تعبير وجهه أن شيئًا ما قد حدث في القلعة اثناء غيابه.
“سيد جيراكيل، سمعت أن هناك لصًا في مخزن الطعام.”
“حقًا؟.”
“نعم. بالنظر إلى الطريقة البدائية، ليس ضبعًا. يبدو أنها حيلة حيوان جائع طوال الشتاء. ربما ابن عرس أو غرير.”
“هممم…”
ابتسم جيراكيل ابتسامة جانبية وهو يربّت على جيبه حيث كان يحتفظ بابن العرس.
“يبدو أننا القينا القبض على لص المستودع.”
وفي تلك اللحظة، عضّ المخلوق الصغير إصبعه وهو نائم، ثم أصدر صوت أنين وكأنه انزعج من تربيته عليه.
بدا الأمر وكأنه يعتبرني قطعة لحم. من الواضح أنه لم يتردد في محاولة التهامي سابقًا.
ضحك جيراكيل وهو يتذكر الموقف من وقت سابق.
“بفت.”
“يا سيد جيراكيل؟ ما الذي يضحكك؟.”
أمال إيفان رأسه، فقد كان في منتصف التحقيق بشأن اللص حين قاطعه ذلك الضحك.
كان يعلم أنه حين يبتسم جيراكيل، فالأمر يعني أن شيئًا ما غير عادي يحدث، وشعر بالخوف فجأة.
فتح إيفان عينيه ببطء وسأل بفظاظة.
“هل افتعلت مشكلة أخرى؟ إن كان الأمر كذلك، قل لي فورًا، وسأتولى أنا تنظيف الفوضى.”
“المشكلة ليست مني، بل من هذا.”
أخرج جيراكيل ابن العرس من جيبه.
حول إيفان نظره نحو المخلوق، وقال بدهشة.
“أ… أليس هذا ابن عرس؟.”
كان الأمر مفهومًا، فالمخلوق الصغير كان يعض يد جيراكيل بلا خوف، وحتى وهو نائم، كان يسيل لعابه.
—
داخل غرفة نوم جيراكيل.
‘كيف لفت انتباه جيراكيل…’
وقف إيفان يحدق في ابن العرس الصغير كما لو كان يراه كمخلوق مسكين لا يدرك ما ينتظره.
كان المخلوق غارقًا في النوم، يعض الوسادة التي وضعها له جيراكيل.
وكان ينام بسلام في وسط قفص الاسد. بل كان يركل ويصدر أصواتًا وهو نائم.
‘يا للعجب… حتى عادات نومه غريبة.’
ارتجف إيفان قليلاً، فقد اعتاد رؤية الأسود الضخمة، لا هذه الكائنات الصغيرة.
من خلال الفيرمونات الخافتة، كان من الواضح انه سوين، ولكنه بدا غير قادر على التحول إلى انسان.
ربما كان السبب في ذلك هو افتقاره إلى الفيرمونات الفطرية التي جعلته يواجه صعوبة في التحول إلى انسان.
عادة، تنجح الكائنات في التحول بعد نصف عام من الولادة، لكن أحيانًا يتأخر الأمر أو يفشل كليًا.
وفي هذه الحالات، يُترك الحيوان في البرية ليعيش كأي حيوان عادي. كما حدث مع هذا المخلوق أمامه.
لأنه لا يوجد مكان حيث يتم تطبيق قانون الغاب بصرامة كما هو الحال في عالم السوين.
ربما كان قد تخلّى عنه والداه…
تذكر إيفان بشكل مختصر حواره مع جيراكيل.
“هل هو لص المخزن؟.”
“أعتقد أنه سيتعين عليك أن تسأل هذا الكائن الرقيق.”
“… وماذا ستفعل به؟.”
‘هل ستقتله؟.’
لكنه لم يستطع طرح هذا السؤال. لكن جيراكيل قال بابتسامة منعشة.
“سوف نرى.”
“انت فقط ستنتظر وترى؟.”
“انا أفكر في تربيته.”
التعليقات لهذا الفصل " 2"