8
الحلقة الثامنة
“قد تم الأمر.”
طوى بايك ران الورقة إلى النصف، ثم عاد فطواها مرة أخرى، ووضعها في كيس حريري صغير. تناول تشاي وو ذلك الكيس من يده وقدّمه إلى السيدة.
فانحنت السيدة أمام بايك ران بانحناءة عميقة تفيض بالاحترام، ثم أخذت التميمة، وما لبثت أن اختفت من المكان كأنها تلاشت في الهواء، تاركةً خلفها بضع حراشف فضية، سرعان ما اضمحلّت بدورها حتى غابت تمامًا.
قال التوأمان خافتًا:
“إذن، سنخرج قليلًا…”
ثم انسحبا لغسل مِحبرة الحبر. وما إن أُغلِق الباب، حتى قال يو دان:
“آه، كنتُ في طريقي حين صادفتها على الجسر العلوي…”
قال بايك ران وهو يرفع رأسه:
“لستَ بحاجة إلى أن تسرد القصة من بدايتها، فقد سمعت كل شيء بوضوح حين تحدّثت آنفًا. لا حاجة إلا لتأكيد أمرٍ واحد.”
“وأيّ أمرٍ ذاك؟”
“قلتَ إن النافذة كانت مفتوحة، أليس كذلك؟”
أومأ يو دان برأسه.
“نعم. بدا لي كأن شيئًا ما جاء وغادر، لكني لا أعلم ما هو بالضبط. حين نظرتُ بعيني اليمنى، لم أرَ سوى آثارٍ باهتة تشبه الخطى.”
قال بايك ران وهو يقطّب حاجبيه:
“عجيبٌ هذا. الكائنات من ذلك النوع تميل بفطرتها إلى طمس آثارها. تركُ نافذةٍ مفتوحة أمرٌ لا يُتصوَّر. ومع ذلك، فإن بقاء النافذة على حالها مفتوحة يعني…”
رفع نظره نحو يو دان، وانعكس في عينيه ضوء الشمس حتى بدا لون بؤبؤيه أقرب إلى الذهب.
“ذلك سيكون دليلًا حاسمًا. لِمَ لم يُغلق النافذة؟”
قال يو دان ساخرًا:
“لعلّه نسيها مفتوحة!”
فقال بايك ران بنبرة هادئة:
“الجواب الذي تبني عليه حالك لا يُعيننا كثيرًا. في هذه الحالة، لم يكن قادرًا على الإغلاق، لا ناسِيًا بل عاجزًا. فلا بُدّ أن أمرًا ما قيّده. ربّما لم تكن يداه حرّتين.”
“ولِمَ تكون يداه مشغولتين؟”
“لأنه كان يحمل شيئًا بيديه. ومن ذلك يمكننا أن نخمن هويته. فهو لم يمتصّ روح الصغير ولا أفناها، بل… وضعها في صرّة وحملها معه.”
“صرة؟”
“صرة الأرواح.”
أخرج بايك ران من تحت مكتبه كتابًا سميكًا وفتحه، وكان هو كتاب غرائب الأحاديث في قديم والحديث، الذي جُمعت فيه كل المعارف عن الكائنات الغامضة.
قال وهو يقرأ:
“سارق الأرواح ينتزع الروح من جسد الإنسان الحي، ثم يخبّئها في صرةٍ ويفرّ بها.”
سأله يو دان:
“ولِمَ يفعل ذلك؟”
أجاب بايك ران مبتسمًا بخفة:
“ألستَ تسألني كأنني ذاك السارق نفسه؟ لا أعلم، غير أني أظنّه يفعلها لأنه يريد امتلاكها، لا أكثر.”
ثم ناوله صفحةً من الكتاب، فيها رسومٌ قديمة الطراز.
قال يو دان وهو يتأملها:
“هذا… أبٌ وابنه؟”
“نعم. حين اختطف الكائن روح الابن، وصف الطبيب – ويُظنّ أنه كان صاحب دراية بالفنون السحرية – علاجًا يقتضي أن يُغلى عشب استرجاع الروح ويُسقى للصبي قبل انقضاء تلك الليلة. والعشب المذكور ليس من أعشاب البشر، بل من نباتاتٍ ذات قوى روحية حقيقية، تُعيد الروح التي سُلِبت من جسدها.”
قلب بايك ران الصفحة التالية:
“خرج الأب باحثًا عن ذلك العشب، لكنه لم يعثر على الموضع الذي رآه فيه من قبل. ومع اقتراب الفجر، استبدّ به القلق. هنالك، التقى امرأةً جالسةً على الأرض، تحتضن صرةً صغيرة، فسألها هل رأت عشب استرجاع الروح. فأشارت إلى مكانٍ بعيد، لكنه حين ذهب إليه وجد العدم.”
قال يو دان:
“خدعته إذًا.”
“نعم. فقد كانت المرأة نفسها هي الكائن الغريب. سرقت روح الطفل، ولما رأت أباه يقترب، ضمت الصرة بقوة وجعلت تجلس فوق عشب استرجاع الروح لتخفيه، ثم دلّته على طريقٍ زائف.”
تأمل يو دان صورة المرأة وهي تخفي وجهها وتضمّ الصرة إلى صدرها بشدة، فشعر بقشعريرةٍ خفيفة.
قال بايك ران:
“سارقة الأرواح لا تفرّط بما نالته قط. تجوب الأرض باحثة عن ضحيةٍ تنتزع منها روحها، فإن ظفرت بها، تشبّثت بها كالمجنونة.”
قال يو دان ببطء:
“أيعني ذلك أنّ أمنية الفتاة القوية هي التي استدعتها؟”
“الغالب ذلك. صدقها من عدمه لا يهمّ سارقة الأرواح في شيء.”
“والطفل الذي تُسرق روحه… يموت؟”
“إذا تسرّبت منه بقية حيويته، فمصيره الموت لا محالة.”
“هكذا إذًا.”
قطّب يو دان جبينه وقال:
“حسنًا، عرفنا من الفاعل، فكيف نحلّ هذا؟ عشب استرجاع الروح… أعلينا أن نحصل عليه؟ وأين السبيل إليه؟”
أجاب بايك ران وهو يشيح بنظره إلى فناء الدار:
“هو عندي.”
ثم أردف بهدوء:
“غير أن الأمر لا ينفع الآن. انظر في هذا النصّ: يجب أن يُسقى العشب للطفل قبل انقضاء تلك الليلة. وسارقة الأرواح سريعة الحركة، فما إن تمضي الليلة الأولى حتى تعبر حدود عالم الأحياء إلى عالم الكيانات السفلى.”
قال يو دان بعناد:
“فلتهرب! نلاحقها ونستعيد الروح. لدينا كثير من أدوات الاستدعاء والأرواح التابعة، أليس كذلك؟ يمكننا الإمساك بها!”
“الإمساك بهل ممكن، ولكن المشكلة في روح الطفل نفسها. فحين تُنتزع الروح من الجسد، يصبح الجسد بلا وعاءٍ حامٍ لها. الروح حينها ضعيفة هشّة، وأي تماسٍّ بينها وبين طاقة يوكي مثل طاقتي، يجعلها تتلوّث وتتحوّل سريعًا. حتى لو أعدناها إلى الجسد، فلن تعود روح إنسان، بل مخلوقًا مشوّهًا بين البشر والعفاريت. لقد توسّل إليّ قومٌ من قبل أن أفعل ذلك، وقالوا: ’ليكن ما يكون، المهم أن تعود الروح!‘ لكن نهاياتهم كانت وخيمة لا تُحتمَل. لذلك، آثرت ألا أتدخّل في مثل هذه الأمور ما استطعت.”
أغلق بايك ران الكتاب بهدوء وقال:
“مؤسف حقًّا. جئتَ إليّ… أو بالأحرى، مررتَ بي في نزهتك حول المكان، ثم ضيّعت وقتك سدى.”
قال يو دان محتدًّا:
“تمهّل! أتراك ستتخلى عن الطفل هكذا؟ لمَ؟ لا بدّ من إنقاذه، فهو حيٌّ بعد! أنفاسه تخفت شيئًا فشيئًا!”
قال بايك ران بأسى:
“أعلم ذلك، ولكن ما باليد حيلة.”
صمت يو دان هنيهةً ثم قال:
“قلتَ إن روح الطفل تفسد حين تتعرض لليوكي، أي طاقة اليوكاي، أليس كذلك؟ إذًا لو ذهب إنسانٌ إلى هناك بدلًا من يوكاي… لعلّ الأمر يكون آمنًا، أليس كذلك؟”
قال بايك ران ببطء:
“من حيث النظرية، نعم. لكن أيّ بشري يجرؤ على دخول عالم الكيانات السفلى؟ إن كُشف أمره، فستمزّقه تلك المخلوقات في لحظة، لا تُبقي منه حتى العظم. مَن ذا الذي يستطيع أن يُخفي هويته بين تلك الوحوش، ويخوض غمار المخاطر ليجد سارقة الأرواح ويستعيد ما سُلب؟ من ذا القادر على ذلك؟”
“لا أدري عن ذلك…”
تمتم يو دان قائلاً:
“هل يوجد هنا أحد غيري؟”
“لا يجوز.”
قال بايك ران بصرامة قاطعة.
“ثم إنّ عيوناً كثيرة تراقبني أصلًا. إن ساءت العاقبة فسأقع في ورطةٍ عظيمة. أن يُدخِلَ المرءُ حيًّا إلى عالم الأرواح ثم لا يعود، أيُّ تبعةٍ أثقل من تلك؟ لا أستطيع أن أسمح بذلك. ثم إنك لا تعرف تلك الفتاة، بل التقيت بها مصادفة، أليس كذلك؟ مؤسفٌ حقًا أن يفقد أحدهم شقيقه فجأة ، لكن…”
“فقدان؟ لكن الصبي لم يمت بعد! “
احتجّ ثم تدارك نفسه:
“إذًا فالمسألة أنك تستطيع إرسالي إلى هناك، لكنك لا تفعل لأنك تخشى العواقب، أليس كذلك؟”
“عجيب، في هذه النقطة بالذات تكون ثاقبًا!”
ثم أردف، “على أي حال، لا يجوز. مثل هذه الأمور لا تُحلّ بالعناد.”
“عناد؟ أتراني راغبًا في الذهاب؟ لقد علمتُ بالأمر، فكيف أتغافل كأن لم أسمع؟ لا رغبة لي في دخول ما تسمّونه عالم الأرواح، ولكن أن أقف مكتوف اليدين أسوأ! يمكنني الذهاب ثم العودة حيًّا، أعدك!”
“وما قيمة الوعد؟ ليس في الدنيا ما هو أقلّ شأنًا منه. إن وُجد الإيمان فلا حاجة للوعد، وإن كان لا بدّ من وعد فذلك دليل على غياب الإيمان، فلا قيمة له.”
“أيّ طبعٍ ملتويٍ هذا الذي فيك؟!”
“على أية حال…”
هزّ الثعلب كتفيه بخفة وقال:
“حسنًا، ما دمت ترجوني هذا الرجاء، فلا حيلة لي. سأفتح لك الطريق.”
“متى توسّلتُ؟!”
قطّب يو دان وجهه. شعر كأنه انساق إلى فخٍّ خفيّ. كيف صار، وهو صاحب عين الحقيقة التي يستدلّ بها بايك ران على الكائنات، هو من يستجديه العون؟ بل وليس الأمر حتى من شأنه!
“لكن عليك أن تضع في بالك أن عالم الأرواح ليس كعالمنا. كلّ شيءٍ فيه مختلف، من أوّله إلى آخره. فكيف يستطيع إنسان أن يتجوّل هناك دون أن يُكشف أمره؟”
“ربما إن اختبأ جيدًا؟”
“سؤالٌ عقيم.”
قال بايك ران وهو ينهض ليفتح درجًا في الخزانة.
ولم يكن يو دان مخطئًا حين ظنّ سابقًا أن الدرج لا نهاية له. كان يمتدّ امتدادًا لا يُرى منتهاه. أراد أن يعرف ما في داخله، لكن الظلال الملتوية والأصوات الغريبة التي خرجت منه جعلته يتراجع خطوة.
“ثَمَّة قاعدة تُذكَر في أسطورةٍ من جزيرة جيجو تُدعى تشيونجيوان بونبولي. تقول إنّ الناس والأرواح قد يتشابهون حتى يصعب التمييز بينهم، فيُعرف الفرق بالوزن. فمن وُزن بمئة غُنٍ فهو إنسان، ومن نقص عن ذلك غُنًا واحدًا فهو روح. فإذا أنقصنا من الإنسان غُنًا واحدًا، أمكن أن نخدع الأرواح فيظنّوه واحدًا منهم.”
“حقًّا؟”
“أتراني أعبث؟”
مدّ بايك ران يده في الدرج وقال:
“أستطيع أن أترك لك حقّ الاختيار.”
“أيّ اختيار؟”
رمقه بعينٍ تتفرّس فيه وقال:
“أتريد أن أقطع يدك؟ أم رجلك؟ أيّهما تختار؟”
“ماذا قلت؟!”
تراجع يو دان مذعورًا.
“انتظر! ما الذي أخرجته؟!”
التفت الثعلب بابتسامةٍ رائقة:
“دعابة لا أكثر.”
وكان في يده شبكة صغيرة تُستعمل في صيد السمك.
—
“هو ينكر ذلك بكلّ قوته…”
قالت تشاي سول بوجهٍ يعلوه القلق.
“لكنه أخفّ وزنًا من الناس أصلًا بمئة غرام، فهل يُعقل أن ننقص منه غُنًا آخر؟ لن يبقى منه شيء!”
“أما زلنا ننتظر؟ أسرعوا!”
زمجرت هيّوك يو وقد بدت على وشك الانفجار.
“لقد تركتُ المتجر خاليًا وجئت! حياتك شأنك، أمّا أرباح المتجر فلا شأن لك بها، ولن أصفح إن تضرّرت!”
وفي زاويةٍ بعيدة وقف تو شي، يداه في جيبيه، يراقبهم من بعيد.
“أما أنا، فلا حاجة لي بالمشاركة، أليس كذلك؟ إنّ رسغي يؤلمني من كثرة نقل الجرار هذه الأيام.”
قال تشاي وو ضاحكًا:
“نحن الثلاثة لا نستطيع بمفردنا. ومتى سنُتاح لنا مثل هذه الفرصة مجددًا؟ تعال وشاركنا، للمتعة على الأقل.”
راقب تشاي وو بعناية الشبكة الصغيرة المعلّقة فوق رأس يو دان وقال:
“ها قد تمّ. أيها العجوز، تَقَدَّم.”
تقدّم تو شي متذمّرًا.
“واحد، اثنان، ثلاثة!”
رفع الأربعة الشبكة دفعة واحدة، فانطلقت منهم صيحاتٌ متفرّقة:
“أوه!” “آخ!” “إيه!”
قال تو شي وهو يفرك رسغه:
“كما ظننت. غُنٌ واحد من القلب يزن أكثر من جبل. أثقل ما في الإنسان قلبه.”
أما يو دان، فبقي مذهولًا لا يدرك ما جرى.
إذ لم يُنقَص شيءٌ من جسده، بل أُخذ شيءٌ من قلبه، من ذاته. قالوا له إنّ الروح وحدها هي التي تذهب إلى عالم الأرواح، لا الجسد.
والشبكة الآن غدت ثقيلة كأنها تحمل صخرة. أخذ بايك ران ما فيها ـ وهو شيء لا يُرى ـ ووضعه في قارورةٍ صغيرة، ثم ختمها بإحكام ووضعها في درجٍ من أدراج مكتبته، وألصق عليها حرزًا. سُمع صوت طَقّ كأن شيئًا انغلق من الداخل.
“سأعيده إليك عند رجوعك.”
هزّ يو دان رأسه في حيرة:
“لكنّي لا أشعر بتغيّرٍ قط. ما الذي أُخذ مني؟”
قال بايك ران همسًا:
“الـ…”
“ماذا؟ لم أسمع.”
“ومن الطبيعي ألا تسمع، لأنك لا تدري ما هي الـ… أصلاً.”
ثم التفت تشاي وو نحوه وقال بحماس:
“الآن حان دورك لتتنكّر بهيئة روح. لا بدّ من إخفاء وجهك البشري. اخترتُ لك شيئًا يليق بك خصيصًا.”
أزاح الغطاء الأبيض، فظهر قناعٌ أحمر قاتم، عيناه واسعتان بيضاوان مشقوقتان، وسطحه مليء بالنتوءات والبقع البيضاء. كان مرعبًا حتى لمَن اعتاد رؤية الوحوش.
“ما هذا؟! إنه بشع!”
“بطبيعة الحال، إنه قناع الأرواح الوبائية.”
“قناع الوباء؟! الذي تلبسه الأرواح الناشرة للطواعين؟ هذا ما رأيتَ أنه يليق بي؟!”
قالت هيّوك يو ساخرة:
“ما الفرق؟ وجهك الحقيقي ليس ألطف منه.”
وأضافت ضاحكة:
“ضعه حالًا! ألم أقل إن الثعلب مشغول؟ دعني ألبسك إيّاه… يا للعجب! إنه مثاليّ عليك! لم أرَ في حياتي وباءً بهذا القبح المهيب!”
تراجع يو دان وقال بغضب:
“كفّي عن النظر إليّ! سأعديكم بنظرة واحدة!”
قالت تشاي سول متهكّمة:
“مرعب حقًا، هذا الوباء لا تشفيه حتى جذور الجِنسنغ السحري. قد يُفني قرية بكاملها.”
قال تشاي وو مزهوًّا:
“ألم أقل إنّي اخترتُه بعناية؟ إنه يليق بك تمامًا!”
أحسّ يو دان بالغيظ وقال:
“أنتم قساة!”
ضحك بايك ران وقال:
“ليس بيدي حيلة. حتى وإن تنكّرتَ، فستتصرف كإنسان. لا بدّ من قناعٍ يصرف أنظار الأرواح عنك. وما من شيءٍ أقدر على ذلك من قناع الوباء.”
قال تشاي وو مطمئنًا وهو يصلح القناع على وجهه:
“لا تقلق، لن يُكشف أمرك. ستستعيد روح الفتى وتعود سالمًا. بالمناسبة، ما اسم المخبز الذي تشتري منه الكعك عادة؟”
“أهذا وقته؟ لا تقل إنك تظنني لن أعود؟!”
“لا، لكن العجوز هو من طلب أن أسأل.”
قال تو شي، “أنا؟! لا أريد سوى ألا أفقد زبونًا دائمًا يساعدني في تصريف البضاعة الراكدة. وإن حدث مكروه… فهل أستطيع أخذ محفظتك كتذكار؟”
قالت هيّوك يو فورًا:
“اتفقنا أن تكون لي! عليّ سداد فواتير متأخرة!”
تمتمت تشاي سول بأسى:
“قسوة… قسوة لا تحتمل. أن يكون آخر ما أسمعه في الدنيا هو شجار على تركةٍ لم تمت بعد… أرحمه يا رحيم وأجعل وفاته بلا آلام…”
صرخ يو دان:
“كفى! لا تدعي عليّ بالموت!”
كان شعوره غريبًا منذ أن وضع القناع. كأن طبقةً غريبة غطّت جسده كله، كأنه غدا مخلوقًا آخر.
“كفى تشاؤمًا! أروني الطريق بسرعة! قلتِ إنك سترسلين دليلاً، أليس كذلك؟”
قال بايك ران بعد لحظةٍ من التردد:
“كنتُ أنوي ذلك، لكنّي غيّرت رأيي بعد أن رأيت حالك. لن ينفعك دليلٌ عادي، فالضباب المنسيّ وأرواح التائهين ستجعلك تضل الطريق لا محالة. وحينها سأكون في موقفٍ بالغ الحرج. لذا، لا بدّ أن أصحبك بنفسي.”
فتح بايك ران صندوقًا من حريرٍ ناعم، فإذا هو مملوء بريشٍ متلألئ بألوانٍ خمس. أخذ قبضةً منه، وقال:
“المسافة بين عالمنا وعالمهم تُقدّر بثلاثة آلاف ليّ إلى الغرب، ولكن…”
نثر الريش في الهواء.
“على جناح طائر الدي-بُوْنغ* العظيم، الذي يقطع تسعين ألف ليٍّ في يومٍ واحد، ستبلغها في لمح البصر.”
موروها. طائر في الميثولوجيا الشرقية مأخوذ من الفلسفة الطاوية الصينية.
ارتفعت الريشات في الهواء وتألّقت حتى صارت جسورًا من نور، تخترق جدار المكتبة وتمتدّ إلى فضاءٍ لا يُرى منتهاه.
Chapters
Comments
- 10 - القصة الثانية: صرة الأرواح⁴ منذ يوم واحد
- 9 - القصة الثانية: صرة الأرواح³ منذ يوم واحد
- 8 - القصة الثانية: صرة الأرواح² منذ يوم واحد
- 7 - القصة الثانية: صرة الأرواح منذ يوم واحد
- 6 - دفع البلاء ⁶ والأخير 2025-08-30
- 5 - دفع البلاء ⁵ 2025-08-30
- 4 - دفع البلاء ⁴ 2025-08-30
- 3 - دفع البلاء ³ 2025-08-30
- 2 - دفع البلاء ² 2025-08-30
- 1 - الحكاية الأولى: دفع البلاء¹ 2025-08-30
التعليقات لهذا الفصل " 8"