7
الفصل السابع
القصة الثانية
<صرة الأرواح>
كان في قديم الزمان في إحدى القرى رجلٌ يُدعى يون بوجا*، وكان من كبار الأثرياء.
موروها. بوجا معناها غني بالكورية
وفي يومٍ من الأيام، سقط حفيده الوحيد مغشيًّا عليه فجأة، وتيبّس جسده كأنما أصابه بردُ الموت
سأل الجدُّ طبيبًا حاذقًا، فقال له الطبيب: “لقد اختطفت إحدى الأرواح الخبيثة روح الغلام، ولا بدّ أن يشرب منقوع عشبة بانهونتشو* قبل أن تنقضي هذه الليلة، وإلا فلن تعود إليه أنفاسه أبداً.”
موروها. عشبة خيالية من الميثولوجيا اسمها يعني حرفيا استعادة الروح.
فما إن سمع الرجل هذا حتى هرع حافي القدمين، يركض هائمًا لا يلوي على شيء.
لقد كان على يقينٍ أنه رأى من قبل عشبة عودة الروح تنبت عند الجدول، غير أنه مهما فتّش لم يجد لها أثرًا.
ظل يتخبط هنا وهناك حتى بدأ ضوء القمر يخبو ويبهت.
وفي تلك اللحظة، لمح عند ضفة الماء امرأةً تحتضن صُرّة منتفخة وتجلس القرفصاء.
فسألها: “ألم تري حولكِ عشبة عودة الروح؟”
فأطرقت المرأة رأسها، وأشارت بصمتٍ إلى ما وراء الضفة.
فرح يون بوجا وهرع بخطوةٍ واحدة يتخطّى الحاجز، فإذا أمامه ظلمةٌ دامسة وماءٌ أسود لا يرى له قرارًا.
عندها أدرك الحقيقة المفزعة: تلك المرأة ليست بشرًا، بل إحدى الغرائب!
وما كانت تضمّه بين ذراعيها لم يكن إلا كيس الأرواح الذي حُبست فيه روحُ ولده.
عاد مهرولًا إلى الموضع الذي كانت تجلس فيه، لكن المرأة اختفت كأنها لم تكن.
ولم يبقَ سوى أثرٌ خافت حيث جلست، وقد تهدلت فيه عشبة بانهونتشو، تلمع في نور الفجر بلونٍ أزرق كئيب.
من كتاب “حكايات ميغوك الليلية”.
————————
اندفعت خلفه شلالات الماء من نافورةٍ في الحديقة، تتناثر كالفضة المذابة.
كان يو دان جالسًا على حافة النافورة في الحديقة العامّة.
لم يكن وحده، بل بصحبة فتاةٍ تجلس إلى جواره.
كانت صاحبة شعرٍ طويلٍ منسدلٍ على كتفيها، ترتدي سترةً بسيطة وتنّورةً محتشمة، وقد وضعت حقيبتها على ركبتيها.
هيئةُ طالبةٍ جامعيةٍ عادية لا تُثير الريبة.
غير أن تلك المظاهر لم تكن سوى قناعٍ مُحكمٍ، تحتمي به لتُخفي عن الناس ما تختلف به عنهم.
فـميا كانت هكذا منذ القدم، تتوقُ أن تحيا حياةً عادية، وأن تصادق أناسا عاديين.
لكن لسوء حظّها، كان يحيط بها دائمًا هالةٌ غريبة، غامضة، لا يُدرك كنهها أحد.
كأنّ ضوءًا أزرقَ باردًا يلازمها أينما حلّت.
وكان يو دان نفسه إذا ما التفت بغتةً فرأى ميا واقفةً خلفه بوجهٍ جامدٍ خالٍ من التعابير، شعرَ ببرودةٍ تسري في صدره.
بعض الفتيات الطيّبات، اللواتي تفيض عندهنّ الرحمة والوقت، كنّ يصادقنها أحيانًا، لكنّهن ما يلبثن أن يُعرضن عنها بعد أن يُصبن بحادثٍ غريبٍ لا تفسير له.
وميا، التي قضت اثنتين وعشرين سنةً دون أن تُكوّن صداقةً واحدة حقيقية، رفعت كوبها عن فمها وقالت:
“أعد القصة.”
قطّب يو دان حاجبيه متبرّمًا.
“أيّ قصةٍ أُعيدها بعد؟! لقد رويتها لكِ ثلاث مرّات! ما قلته هو كل ما حدث!”
“لكنّ الأمر غريب.”
“ما الغريب فيه؟ قلتُ لك إنّ ذلك الشبح حادثني، ففاتحته بالكلام حتى عاد إلى موضعه. هذا كل ما في الأمر!”
“لا، ليس هذا ما أقصد. أقصد أنّهم جميعًا أعجبوا بكِ كثيرًا وتوسّلوا إليك أن تعودي إليهم ثانية.”
تجمّد يو دان في مكانه. ما أذكاها… هذه الفتاة الكئيبة!
قال بنبرةٍ دفاعية:
“اولئك اليوكاي هناك حذرون جدًّا. لا يحبّون أن يقتحم البشر أماكنهم. اضطررتُ أن أرشيهم بالكعك والبسكويت والآيس كريم، حتى كدتُ أُفرغ حسابي البنكي.”
“هه، لا بأس، فأنت على الأقل ذو نفع.”
قاطعها يو دان:
“أنا أرى أكثر من غيري، حتى أكثر منكِ، أليس كذلك؟ كنتِ تقولين إنّ العالم يزداد عُتمةً يوماً بعد يوم؟ ربما لهذا السبب تتكاثر الأمور التي لا ينبغي أن توجد أصلاً… تلك الكيانات الغريبة، ينبغي أن تُعاد إلى أماكنها…”
قالها متمتمًا بكلماتٍ سمعها من يوكاي الثعلبٍ من قبل، ثمّ رفع نظره إلى ما حوله.
كانت الحديقة مكتظةً بالناس، فالسبتُ يومُ راحة.
ناسٌ يفرحون برؤية الأشجار وقد أزهرت من جديد، وأطفالٌ يتعلمون ركوب الدراجات ويضحكون، وصغارٌ يركضون بلا كلل.
كلّهم بدوا سعداء.
قال متمتما”لا، لعلّ هذا العالم… خيرٌ له أن يهلك.”
“هاه، هذا ما كنت أتوقّعه منك.”
رفعت ميا حاجبيها دهشةً واردفت:
“كدتُ أظنّك صرتَ طيّبًا فجأة، أفزعتني!”
“أنا؟ أجنّنتُ؟ متى صرتُ طيّبًا؟ بالكاد أجد وقتًا لألهو!”
“هكذا إذًا؟ هذا يُقلقني. ماذا ستفعل الآن؟”
نظرت إليه نظرةَ شفقةٍ خفيفة وقالت:
“فكّر في الأمر، يا يو دان. لقد نجوتَ من مواجهةٍ مع كيانٍ غريب، ولم تفقد ذاكرتك. أتعلم ما يعني ذلك؟ إنّ من أصابتهم تلك الكيانات سيَرَون فيك مخلّصًا. لأنهم ذاقوا رعبَها ويئسها، سيتشبّثون بك طلبًا للنجاة. وإن لم تُعِنهم، فسيلعنونك وربما يسحبونك معهم إلى قاعِ شقائهم، كغريقٍ يجرّ من حوله إلى الماء.”
اقشعرّ بدنه، لكنه تظاهر بالتماسك.
“هاه، وكأنني سأدع نفسي تُسحب هكذا. سأدبّر أمري بنفسي.”
“حسنٌ إذًا، افعل ما شئت. المهم أنك بخير.”
“أهكذا؟ تمضين الآن؟”
“ولِمَ؟ أهناك ما تريد قوله؟”
“نعم. ما هو الـ’تشونهـو’؟”
“آه…”
ابتسمت ميا وهي تنهض.
“هو ثعلبٌ وُلد متشبّعًا بطاقة النور. ليس كغيره من اليوكاي، بل كان يُستنجد به قديمًا. حتى الملوك كانوا يقصدونه طلبًا للمشورة. له فراءٌ ذهبيٌّ لامع، وسحرٌ عظيم، وقلبٌ رحيمٌ طيّب.”
“كذب! هراء!”
“بل هكذا ورد في الكتب!”
رنّ هاتفها فجأة، والظاهر أنّ الجهة الغامضة التي تعمل لديها استدعتها مجددًا.
أجابت وهي تهرع مسرعة، دون أن تودّعه. كما ظهرت كنسمةٍ، رحلت كنسمةٍ.
تمتم يو دان وهو يرفع علبة الكولا:
“تقولين نخرج معًا قليلاً بدل أن أبقى في البيت، ثم تتركينني وحدي؟”
‘ألم تقل إنها ستدعوني على الغداء؟
لكنها لم تفعل سوى أن تذرّ الرماد في وجهي بكلماتٍ شؤم.’
شرب ما تبقّى من الكولا وتنهّد.
وبينما كان جالسًا هكذا بلا مقصد، تذكّر ما قاله له الثعلب اليوكاي ذات مرّة:
‘هذا العالم متاهةٌ خطيرة، لا أحد يدري ما الذي ينتظره عند المنعطف القادم.’
لكن وهو ينظر إلى الحديقة المشمسة، شعر أن تلك الكلمات لا يمكن أن تكون صادقة.
الناس يبدون آمنين، سعداء، مطمئنين.
غير أنّ عيناه وقعتا على زوجين معهما طفلٌ صغير، لا يتجاوز السابعة، يسيران مبتسمين.
توتّرت أعصابه بلا سبب.
‘الحقّ أنني أكره عطلة نهاية الأسبوع… لعلّ الأفضل أن أعود إلى البيت.’
حلَّ وشاحه عن عنقه، ثم أعاد لفَّه بعنايةٍ ونهض.
وحين بلغ ممرَّ العبور، انقلب الضوء إلى الأحمر.
كره الانتظار، فاستدار نحو الجسر العلوي.
ولمّا كاد يبلغ آخر السلّم الطويل، اضطربت رؤيته، وارتجّ صدى غريبٌ في أذنيه.
‘ما هذا؟’
رفع يو دان يده، يغطي بها عينه اليمنى.
ومن بين العابرين على الجسر…
وقعت عيناه على فتاة.
كانت تنورةُ زيِّها المدرسي ترفرف بعنفٍ تحت وطأة الريح، زيٌّ يعود لمدرسة البنات المجاورة.
لم تعبأ بشَعرها المنفوش، بل كانت تحدّق في الأسفل، إلى طريقٍ سحيقٍ تندفع فيه السيارات، بنظرةٍ شاردةٍ كأنها ستسقط في أية لحظة.
‘ما الذي تفعله؟ ما بها هذه؟’
في تلك اللحظة، رفعت الفتاة رأسها.
تاه بصرها في الهواء، ثم لمحته، فاهتزّت دهشةً.
“أنت…”
غمر عينيها الخاويتين بريقٌ غريب، وتحركت شفتاها الشاحبتان ببطءٍ كأنهما تنزفان كلامًا.
غير أنّ هدير السيارات غطّى صوتها وابتلعه.
قال يو دان:
“ما الذي قلتِه؟”
“أنا… خائفة.”
كررت الفتاة بصوتٍ خافتٍ كأنّه يخبو كلّ لحظة.
“خائفة… أخاف أن أعود إلى البيت. لا أدري ما الذي يحدث لي.”
“ما الأمر؟ ما الذي جرى؟”
“أنت تعلم… أنت قادر على مساعدتي، أليس كذلك؟”
تلألأت عيناها بوميضٍ غير طبيعي.
‘هل هذا ما أظنّه؟ أيمكن أنها واقعةٌ تحت سحرِ كيانٍ غريب؟ أهذا اكتشافٌ جديد؟’
حينها، برز في ذهنه تحذير ميا:
‘قد تُسحب كالغريق، إلى بؤسهم الأسود.’
ساوره شعورٌ مقيت، نذيرُ شؤمٍ خفيّ.
تردّد لحظة، ثم استدار عنها.
لكنّ الفتاة صاحت خلفه:
“أنت قاسٍ! أتترك شخصًا يستغيث بك من غير أن تسمع حديثه حتى؟!”
تجمّدت قدماه.
‘ألستُ أنا نفسي من نطقتُ بهذا يوم كدتُ أُطرَد من عند تو شي؟’
وانبعثت فيه تلك الحسرة القديمة.
التفت إليها وقال:
“لكنني لا أعلم شيئًا مما تقولين.”
وفي تلك اللحظة، مالت الفتاة فجأة، وكادت تهوي من فوق الجسر!
مدّ يو دان يده مذهولًا، لكنها لحسن الحظ لم تسقط.
تعلّقت بالسياج ووجهها شاحب، تحدّق فيه بعينين خاليتين من الوعي، كأن عقلها لم يُدرك أنها كانت على وشك الموت.
لم يكن في رأسها إلا فكرٌ واحد:
“أنقذني… أخي لم يبقَ منه سوى قشرٍ فارغ… بسببي أنا…”
كان وجهها كوجه من يتشبّث بالحياة من حافة الهاوية.
‘حقًّا يا لي من أحمق، في النهاية…’
تنهّد يو دان ولحق بها.
‘لا يمكنني إنقاذ الجميع، ينبغي أن أختار بحذر.’
كان منظرها من الخلف مرتبًا، لولا شعرها المنفوش.
والآن وقد هدأ، أدرك أنها جميلة الملامح، نظيفة الثياب، نظّاراتها ذات الإطار الأسود تُكسبها هيبةً جادّة، لا تُشبه الفتيات اللواتي يثرن معه حديثًا عابرًا.
ومع ذلك، ها هي تتوسّل إليه أن يرافقها إلى بيتها، وتقول إن أخاها لم يبقَ منه إلا قشرٌ!
“ماذا تعنين؟ فسّري أكثر.”
“لا أعلم…”
قالت ذلك وهي تدخل به إلى مجمّعٍ سكنيٍّ قريب، بنبرةٍ أشبه بالهذيان.
“أخي لا يزال في الخامسة. مشاغبٌ مزعج أحيانًا، لكنّي لم أكرهه يومًا…”
قالت إن والديها سافرا لحضور مؤتمرٍ علمي، وإنها كانت قد عادت من معهدها ولم تخلع زيّها بعد، حين أخذ أخوها يُلحّ عليها أن تخرج معه إلى ساحة اللعب.
ضاقت به ذرعًا، وفكّرت —فقط فكّرت— بقلقٍ: ‘لو أستطيع إيقافه كما تُطفأ آلةٌ… كأن أضغط زرًّا فيهدأ!’
“لكنني لم أفعل شيئًا… كان مجرّد خاطرٍ عابر!”
تردّدت قليلًا أمام باب الشقّة قبل أن تفتحه.
كان واضحًا ما تفكّر فيه:
‘ليت هذا لم يكن حقيقة… ليت كل شيء يعود كما كان، حتى لو عدّوني مجنونة أو كاذبة…’
لكن ما إن فتحت الباب حتى انقضّ عليها هواءٌ خانقٌ ثقيل، كأن الغرفة نفسها تأنّ.
لم يتحقّق أملها.
نظر يو دان إلى الطفل الجالس على المائدة.
شَعرٌ مجعّد، وجهٌ طفوليٌّ ضاحكُ الملامح، لكن جسده مشدود، ساكنٌ كتمثالٍ من شمع، عيناه جامدتان لا رمشَ فيهما.
اقترب يو دان، فرأى على ركبته لاصقًا أصفر، لعلّ أخته وضعته له بنفسها.
قالت الفتاة بصوتٍ مبحوح:
“كان هادئًا جدًّا، فخرجت أنظر، فوجدته هكذا.”
وسقطت جاثيةً أمامه.
“انهض… أرجوك، انهض! سأصطحبك إلى الملعب، كلّ يومٍ إن أردت، فقط افتح عينيك، أرجوك!”
لكنّ الصبي لم يتحرّك، ولا حتى رمشَ.
‘غريب… بل مُرعب.’ تلك الكلمة خطرت بباله.
قالت الفتاة بصوتٍ متهدّجٍ كمن يُخاطب الفراغ:
“أنفاسه أخفّ من البارحة… ماذا أفعل؟ سيعود والدانا قريبًا، ماذا أقول لهما؟”
ثم همست:
“كلّه بسببي. لم يكن ينبغي أن أفكّر بتلك الطريقة… لم أقصد… لم يكن قصدي حقًّا، أبدًا…”
كان صوتها ينزف من صدرها وجعًا.
مدّ يو دان يده ولمس وجه الصبي، فشعر كأنه يمسّ ورقةً جافة.
‘الآن أفهم لماذا قالت إنه مجرد قشرٍ.’
تفحّص المكان بعينيه.
الهواء مشحونٌ بإحساسٍ غامضٍ كريه، لكن الغرفة عادية: أدوات طعام مبعثرة، ألعاب هنا وهناك، شقّةٌ كغيرها.
غير أنّ نافذة المطبخ الصغيرة كانت مفتوحة.
“هل فتحتِ تلك النافذة بنفسك؟”
رفعت رأسها تتبع نظره، ثم هزّت رأسها ببطء.
“لا.”
اقترب منها، ووضع يده على عينه اليمنى ونظر بتأنٍّ.
حول النافذة آثارٌ داكنة.
ليست بقعًا بل أشبه بطبعاتِ أقدامٍ سوداء.
وما إن رآها حتى تسلّل إلى صدره شعورٌ خانقٌ من النفور.
“دخل أحدهم من هنا، هو من جعل أخاك هكذا، ثم رحل.”
“من؟!”
“لا أدري.”
خفضت الفتاة رأسها مجددًا، وارتجفت كتفاها، تحاول كبح دموعها، لكنّها انسابت قطرةً بعد أخرى على تنّورتها المدرسية.
‘وماذا بعد؟ البكاء لن يُغيّر شيئًا.’
نظر يو دان إلى تلك الآثار السوداء بتوجّسٍ عميق.
أحسّ بما يشبه النظر في قاعِ ماءٍ مظلمٍ لا يُرى له نهاية.
‘هذا… خطر.’
‘ينبغي أن أخرج فورًا.’
لكنّ شيئًا في داخله منعه.
لم تكن ميا على حقٍّ في كلّ شيء؛ فالناس لا يلعنون من لا يساعدهم دائمًا.
هذه الفتاة منهارة، عاجزة حتى عن الوقوف.
لو تركها ومضى، لما تبعته، بل لبقيت تبكي وحدها حتى تنكسر تمامًا.
لهذا لم يستطع أن يغادر.
تنفّس بعمق وقال:
“سأسأل عن الأمر.”
—
كان ضوء العصر ذهبًا باهتًا.
وفي غرفةٍ قديمةٍ تملؤها رفوفُ الكتب الخشبيّة، انتشر عبيرُ الحبر القويّ.
يوكاي الثعلب كان جالسًا يكتب.
وأما يو دان فجلس يرقب الحروف السوداء تتكوّن سطرًا بعد سطرٍ فوق الورقة البيضاء.
وفي الجانب الآخر، كان التوأم يخدمانه، أحدهما يصبّ الماء في المحبرة، والآخر يفرك الحجر ليُعدّ الحبر، وهما يرمقان يو دان بنظراتٍ جانبية.
قال أحدهما مبتسمًا:
“يا للعجب، قلبك في الأصل طيّب يا سيدي. رأيت فتاةً في كربٍ فما لبثتَ أن هرعتَ إلينا تسأل عنها.”
“ماذا؟!”
انتفض يو دان:
“ليس كذلك! كنتُ فقط مارًّا في الطريق، فسألتُ عنها من باب الفضول! هي التي أصرّت عليّ حتى جئت!”
قالت الأخرى ضاحكة:
“ها، لا تُغضب أخاك يا تشاي وو، لا تُمطره بكلماتٍ عن طيب القلب والإحسان.”
“آه، نعم، لعلّي زللتُ بلساني… على كلٍّ، سننتهي سريعًا. متى فرغ سيّدي من كتابة تعويذة الرعد هذه، سندفعها للمرأة، فيهدأ شأنها.”
حوّل يو دان نظره إلى ركن الغرفة.
منذ البداية كان ذلك الركن يثير فضوله؛ فهناك امرأةٌ جالسةٌ تُدير ظهرها لهم، ترتدي هانبوك ورديًّا أنيقًا، وقد أسدلت شعرها الطويل.
وسمع أنّها جاءت من بركة الحديقة الرطبة.
قال التوأم الآخر:
“تقول إن ظلًّا غريبًا أخذ يظهر فوق مياه البركة ويُقلقها، وهي الآن حامل، وستلد قريبًا، فلا يجوز ترك تلك الشرور تعبث حولها.”
“صحيح! فلنلتزم الهدوء، فالسيد يخطّ الآن تعويذةً مهمة!”
وفي تلك اللحظة، دوّى صوتُ الفرشاة وهي توضع جانبًا على الطاولة.
فتجمّد الجميع في أماكنهم.
Chapters
Comments
- 10 - القصة الثانية: صرة الأرواح⁴ منذ يوم واحد
- 9 - القصة الثانية: صرة الأرواح³ منذ يوم واحد
- 8 - القصة الثانية: صرة الأرواح² منذ يوم واحد
- 7 - القصة الثانية: صرة الأرواح منذ يوم واحد
- 6 - دفع البلاء ⁶ والأخير 2025-08-30
- 5 - دفع البلاء ⁵ 2025-08-30
- 4 - دفع البلاء ⁴ 2025-08-30
- 3 - دفع البلاء ³ 2025-08-30
- 2 - دفع البلاء ² 2025-08-30
- 1 - الحكاية الأولى: دفع البلاء¹ 2025-08-30
التعليقات لهذا الفصل " 7"