5
أخرج يو-دان من درج مكتبه حبلاً، ووضعه في حقيبته مع المقص.
كان في قلبه شيءٌ من القلق، غير أنّه كما قال بايك-ران، لم يرَ أحدٌ جيوون. بل إنّ من حدّق فيه قليلًا، سرعان ما انزلقت عيناه عنه وكأنّ شيئًا لم يكن. فاستعاد يو-دان شيئًا من الثقة بنفسه.
أخرج الحبل والمقص، وربط جايوونغ ربطًا محكمًا إلى جانب طاولته في المدرسة.
وقال له: “إيّاك أن تعبث. اصبر قليلًا حتى تظهر الحفرة.”
تمايل جايوونغ محاولًا الإفلات، لكنّه لم يستطع التحرّك قيد أنملة من شدّة الربط. فكان ذلك مريحًا أيّما راحة، حتى إنّ يو-دان ندم أنّه لم يفكّر في الأمر منذ البدء.
فتح كتابه المدرسي.
ولكن، مع أنّه أعدّ العدّة كلّها، فإنّ حفرة الألم لم تظهر قطّ حتى انتهى الدرس.
وهَنَت عزيمته. فوقف عند النافذة يتأمّل الجهات الأربع، فلم يرَ ما يريب.
‘أترى أنها قد تلاشت هكذا؟ لو أنّه قد ذهب، لكان من الخير.’
غير أنّ الأمر لم يكن مطمئنًا، فاستقرّ في نفسه أن يعود إلى بانولدانغ ليسأل.
أعاد جايوونغ الخامل إلى الحقيبة، وكان التعب قد هاجمه من طول الصراع مع تلك الدمية القشية.
وكانت ساحة الرياضة عند الغروب قد صبغتها الحمرة صبغًا.
وهو يمشي مترنّحًا، التقى بعض زملائه. فحيّوه قائلين:
“أإلى البيت تذهب؟”
قال: “نعم…”
لكنّ عينيه لم تكونا إليهم بل إلى جوارهم.
[أيّها الإخوة… أتلعبون معي كرة القدم؟]
كان ثمّة صبيّ غارق في الدماء، يحمل كرة. وقد سمع يو-دان من قبل أنّ صبيًّا كان يلعب كرة القدم في هذه المدرسة فجرًا، فاصطدم به أستاذ لم يره، فمات.
[أتلعبون معي كرة القدم… أليس كذلك؟ أيّها الإخوة… لنلعب معًا…]
ثمّ قبض الصبيّ على طرف ثوب أحدهم، فظهرت كفٌّ حمراء مطبوعة على زيه المدرسي. وكانت الدماء تقطر من الكرة فتغمر ساحة الرياضة. فأشاح يو-دان بوجهه إذ لم يحتمل النظر.
أمّا الصبية، فلم يعلموا شيئًا، بل ظلّوا يثرثرون:
“جائعون نحن. ألا نشتري طعامًا في الطريق؟”
“آه، عليّ أن أستعمل قسيمة البرغر بالجبن.”
“إذا اشترينا واحدًا صرنا اثنين، وإذا اثنين صرنا أربعة. وأنت، أكلت معنا؟”
فجأة التفتت وجوههم كلّها إلى يو-دان. فارتبك وقال: “أنا؟”
وإذا بشيء يقشعرّ له البدن، وصوت غريب يرنّ في أذنه.
صَك!
ارتاع والتفت.
فإذا بالحقيبة قد فُتحت، ويد جيوونغ قد خرجت منها، ممسكةً بالمقص. وكان في اليد الأخرى خصلة من شعر قصّها في الحين، وأخذ يدسّها في فمه بجنون.
“لااا!”
ارتدّ صوته يتردّد كالصدى. فانقلب العالم من حوله. الألوان والأشكال التوت واختلطت كمرآة كُسرت، فأحسّ بدوار وخرّ على الأرض.
قال الصبية مذعورين: “ما بالك؟”
لكنّهم التفّوا لا ناحية يو-دان، بل ناحية جيوونغ.
وكان قد انتفخ حتى صار يو-دان نفسه.
فقال بصوته: “لا بأس. فلنذهب. أنا أيضًا أحبّ البرغر بالجبن.”
‘هذا محال!’
فوثب يو-دان ليمسكه، لكنّ يده اخترقت كتفه كما لو كان هواءً. وكأنّه غدا شبحًا.
وظلّ يحدّق مذهولًا بجيوونغ وهو يمشي مع الصبية ويضحك بينهم.
‘ليس ذاك أنا! لست هكذا!’
فاستدار جيوونغ، على صورته، وقال:
“الآن أنا أنتَ وأنتَ أنا. انظر، كلّهم يحبّونني أكثر. لم يعد لك موضع هنا.”
قال يو-دان: “لا!”
قال: “فأجبني إذن! هل حفظتَ مكانك وصنتَه حقًّا؟”
“…”
“أرأيت؟ لا عذر لك إن سُلبت مكانك! هاهاها!”
وإذ بالأرض تهتزّ وتتشقق أمامه. وانفتحت هوّة تبتلع الساحة، ثمّ البنيان، ثمّ السماء.
فصرخ جيوونغ: “ادخلْ يا متلقّي الألم عني!”
فإذا بالوسم على جبينه يحترق كالنار. حاول أن يتحرّك فما استطاع، إذ خرجت سلاسل من الظلمة وشدّت ساقيه.
وتحوّل العالم إلى عجلة مسنّنة هائلة تجرّه ببطء لتبتلعه. وكانت العجلة تصدر صريرا يصم الآذان.’
‘إذن هذه هي نهاية متلقّي البلاء منذ الأزل… منذ ما قبل الميلاد… مشاعر توارثتها الأمهات مع الدم واللحم…’
شعور خانق، خوف من الشرّ الماورائي.
اختنق صوته فلم يستطع الصراخ. وظلام دامس غطّى بصره.
لكن، فجأة، اخترق البصرَ نورٌ حاد. ففتح عينيه مدهوشًا.
‘فراشة…؟ لا، بل تعويذة!’
عشرات التعويذات كانت تتطاير نحوه، فتحوّلت في لمح البصر إلى عجلة ذهبية عظيمة صدمت العجلة المسنّنة.
ارتجّ سمعه بصوت المعدن يتكسر. وتناثر الشرر في الأفق. فتوقّفت العجلة التي تبتلعه بتأوّه وصليل.
وانطلق صوت بارد مألوف:
“سيشق النور عنان هذا الظلام، العجلة الذهبية هي عجلة العدالة والنور”
استدار يو-دان، فإذا الثعلب قائم خلف غشاوة من شرر ذهبي متساقط.
ولكن، كيف خُيّل له في النهار أنّه إنسان مألوف؟ لقد كان وجودًا ليليًّا يختفي في الضوء ويبرق في الظلمة.
شَعرُه وعيناه اللذان بديا في النهار عسليَّين، كانا الآن ذهبًا لامعًا. مزيجٌ غريب مع ريحٍ باردةٍ من طاقة اليوكاي.
قال بايك-ران بصوت قاسٍ: “قلتُ لك أن تحذر.”
ورأى يو-دان بيده رمحًا من ذهب متشعّبًا إلى تسعة فروع، مهيبًا عظيمًا.
قال بايك-ران: “لا تظنّ أنّني جئت لأجلك. جئت لأبيد ذاك لا غير.”
قال يو-دان: “آه، عذرًا، أنا…”
قال بايك-ران: “لا. العذر لي. توهّمت أنّ الأمر هيّن، وأهملت أنّ في الناس من لا يحفظ أبسط الوصايا. قصّرتُ، فاعذرني.”
أحسّ يو-دان أنّ لو شتمه لكان أهون. فاحمرّ وجهه ولم ينبس.
قال: “فما العمل الآن؟”
قال بايك-ران: “ذاك أمرٌ…”
ولوّح برمحه، فانكشفت طرق من مخلوقات اليوكاي التي أخضعها.
“إيّاك أن تحدّق كثيرًا. هذه هي وحوش أخضعتها وأستعين بها كما يُقاوَم السمّ بالسمّ. لكن، الألم لا يُباد. إنّه وجد ليلتصق بإنسان، لا ليُفنى. لا يُؤكل ولا يُطهّر ولا يُكسر. لا بدّ من أن يحمله أحد.”
وفي لمح البصر، قفز الظلام وابتلع جيوونغ. فانفجر شيء مروّع.
فقال يو-دان: “لقد ازداد ضخامة!”
قال بايك-ران: “. جيوونغ قد فسد فلم يعُد يصلح. فحفرة الألم غضِبت من أن تخدع ثانية.”
عاد بايك-ران يلوّح برمحه، فصرخت الوحوش صرخة أصمّت الأذن.
ثم قال: “أنا يوكاي، وهذه العجلة مجرّد تقليد بتعويذات. ليست الحقيقة، فلذلك لن تصمد طويلًا… وها هو أجلها قد نفد.”
وانشطر طرف العجلة، وتناثرت التعويذات كشرر يحترق.
قال بايك-ران ملتفتًا: “لا بدّ من حلّ آخر.”
فأطرق يو-دان وقال: “قالت أختي: أنا الذي جرّرت البلاء. لا ألوم أحدًا. كان موتًا أستحقّه. لكن… شكري لك أنّك أعنتني.”
فأخرج بايك-ران تعويذة سوداء، وأشعلها على جبينه.
فصرخ يو-دان: “لمَ تحمله عنّي؟ لا داعي لتفعل هذا لأجلي!”
فقال بايك-ران وهو يصدّه: “لستُ أفعلها لك، بل لنفسي. لا أقبل الفشل.”
وتذكّر يو-دان كلام دوك-شي وهوك-يو في بانولدانغ: لا تطلب العون من الأقوياء بلا حساب. فقد كان ذلك يعني أن تُثقل كاهلهم. وها هو الثعلب يحمل العبء ببرود، لا يعلّله بإنقاذ الآخرين، بل كما لو أنّه أمر محتوم.
فصرخ يو-دان: “لكن هذا جَور!”
ودفع الثعلب، وانغمس هو في هاوية الظلام.
‘إن كان أحدٌ يتحمّل، فهو أنا. أنا الذي سرقت الجوهرة أول الأمر.’
فالتفّت الظلمة عليه واحتضنته. وشعر بكلّ الآلام التي جُمعت.
كان ذلك يومًا صغيرًا، مجرّد ألم يسير. لكنّه إذ لم يجد من يحمله، تضخّم من الوحدة.
قال يو-دان هامسًا: “أفهم شعورك.”
فقد تذكّر طفولته، يوم كان يرى ويسمع ما لا يراه الناس. وحين قال ما رأى، نفروا منه ووسموه بالغرابة، فصار بلا موضع بينهم.
وامتلأت عيناه بالدمع.
‘أنا وأنت سواء. لا جدوى من المقاومة. فلنجد طريقًا آخر.’
فمدّ يده إلى الظلام.
‘تعال.’
واندفع نحوه. فضمّه ومسح عليه
‘لا بأس. استرح.’
وفجأة، أضاء الظلام نورًا ساطعًا.
وتفتّت إلى آلاف الشُعل، تناثرت كالفوانيس في الليل.
قال يو-دان مذهولًا: “ماذا حدث؟”
فقال بايك-ران وهو يتأمّل المشهد: “لقد فني.”
قال يو-دان: “لكنّك قلت إنّه لا يفنى!”
قال: “لمّا وجد لأول مرّة من يفهم حزنه، لم يطق أن يُحمّلكه. فانقلب على نفسه وفنى بذاته.”
وامتلأ الأفق بأشكال من نور، فاتنة الجمال.
—
صدقوني أنا شخصيا مش فاهمة، المفروض في المانهوا كانت بنت مجروحه من تجاهل الناس بس هنا ما وضحوا.
+الله يصبرني على الغاز ران
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 6 - دفع البلاء ⁶ والأخير 2025-08-30
- 5 - دفع البلاء ⁵ 2025-08-30
- 4 - دفع البلاء ⁴ 2025-08-30
- 3 - دفع البلاء ³ 2025-08-30
- 2 - دفع البلاء ² 2025-08-30
- 1 - الحكاية الأولى: دفع البلاء¹ 2025-08-30
التعليقات لهذا الفصل " 5"