شعرتُ بارتباكٍ شديدٍ لدرجة أنني لم أعد أتذكّر حتى اسم الآنسة الذي سمعته قبل لحظات. وفي تلك اللحظة، بدأت أسمع مجددًا صوتها الداخلي في رأسي.
(لماذا تحدّق بي هكذا؟ هل لأن هذه النونا جميلةٌ أكثر مما توقّعت؟)
أيّ نوعٍ من النساء هذه؟
كان ذلك شعورًا غريبًا، انزعاجًا لم أختبره من قبل في حياتي. اختفى تمامًا كل ما خطّط له في البداية — خطّته لاختبار نوايا الإمبراطور من خلال قراءة ما يدور في خاطرها.
‘ماريون، أيّها الوغد! أأرسلت إليّ امرأةً كهذه؟’
رغم أنّه كان إمبراطورًا، إلا أنّه لم يمنع نفسه من شتم ابنِ عمّه ماريون في سرّه.
وفي خضمّ ذلك، بدأت عضلات وجهه تتصلّب من الابتسامة المصطنعة التي كان يرسمها مجاملةً، حتى خُيّل إليه أنّ وجنتيه توشكان أن تصابا بالتشنّج من شدّة الألم.
أما تشيريشي، التي لم تكن تعلم شيئًا عن الزلزال العاطفي الذي اجتاح صدر ماكسيميليان، فقد أدّت تحيّتها بأقصى درجات الاحترام.
قالت وهي تنحني قليلًا: “تشرفت بلقائك يا صاحب السمو الدوق. اسمي تشيريشي ليلشتاين.”
كان عليه أن يردّ بشيء، بأيّ شيء، غير أنّ الكلمات أبت أن تخرج. شعر بارتجافٍ في شفتيه قبل أن يتمكّن أخيرًا من التكلّم.
“أ… آسف. ما كان اسمكِ مجددًا؟”
“تشيريشي ليلشتاين.”
ابتسمت له تشيريشي ابتسامةً خفيفة، دون أن تدري أبدًا ما الذي كان ينتظرها لاحقًا…
***
قال ماكسيميليان بوجهٍ مصدوم: “إذًا… استمتعي بوقتكِ قدر ما تشائين.”
نظرت إليه تشيريشي باستغراب، لكنّ استغرابها لم يدم طويلًا، إذ أطلقت زفرةَ ارتياحٍ خفيفة.
“كنتُ قلقة بلا داعٍ.”
لقد كان صاحب سمعةٍ سيّئة، فشعرت ببعض التوتّر قبل لقائه، لكنّه في الواقع لم يكن بذلك السوء. بل إنّه، إن نظرَت إلى ملامحه فحسب، كان أقرب إلى ذوقها في الرجال.
صحيح أنّ الانطباع الأوّل الذي كوّنته عنه كان «لعوبًا»، لكن ذلك لم يكن إلا لأنّ الكاتبة وصفته بتلك الصورة في الرواية الأصلية.
‘يبدو حقًّا أنّه يشبه ابن عمّه ماريون.’
تأمّلته تشيريشي، فتذكّرت ماريون — بطل الرواية الأصلي — الذي ظهر على الغلاف، ذو الملامح الجذّابة. لكن ماكسيميليان بدا كنسخةٍ منه تحمل لمسةً أكثر جرأةً وإغراءً، فيها شيءٌ من الفساد الجميل.
ومع ذلك، انتهى انطباعها عنه عند هذا الحدّ. استمرّت الحفلة، لكنها لم تكن تعرف أحدًا، فلم تجد ما يشغلها. فصعدت إلى غرفتها متذرّعةً بالتعب.
‘لكن متى سيُظهرون لي شاطئ ميستيكو؟’
فكّرت وهي تقف على الشرفة تنظر إلى البحر الليلي. كان ذكرُ ميستيكو يملؤها بمشاعر مختلطة — سعادةً لأنها ستراه أخيرًا بعد طول انتظار، وحزنًا لأنّ ذلك يعني أنّ وقت عودتها إلى عالمها الحقيقي قد اقترب.
ومع ذلك، لم تكن تنوي البقاء هنا. فهي بطبعها لا تهدأ حتى ترى النهاية بعينيها. كانت على وشك إنهاء مشروعها وإطلاقه رسميًّا في العالم الحقيقي، مشروع “روبوت النادل” الذي عملت عليه لسنوات. كانت تريد أن ترى بأمّ عينيها ذلك الروبوت يتجوّل بين طاولات المطعم كما خطّطت له تمامًا.
وحين تأمّلت المشهد الليلي البديع، داهمها حنينٌ مفاجئ إلى والديها.
‘اشتقتُ إليهما فجأة… لو أنهما كانا هنا معي.’
نذرت في نفسها أنه عندما تعود، ستأخذ والديها في رحلةٍ إلى جزيرة جيجو، على أن تتولّى هي جميع الترتيبات — من الإقامة إلى التنقّل.
‘كانت عطلة صيفٍ رائعة بحقّ.’
حتى هذه اللحظة بدت كافية لتسميتها عطلةً مثالية، رغم أنّها لم ترَ بعد شاطئ ميستيكو.
‘بعد عرض الألعاب النارية الأخير، سأعود إلى عالمي بسلام.’
وبهذا الأمل، استلقت على السرير تنتظر آخر ليلةٍ من عطلتها.
***
بينما كانت تشيريشي تغطّ في نومٍ عميق، كان ماكسيميليان مستيقظًا في سريره، يتقلّب دون أن يغمض له جفن.
‘لعوب؟ أنا؟!’
كانت تلك الكلمة الواحدة عالقةً في رأسه لا تغادره. نهض فجأة من سريره، وسار بخطواتٍ غاضبةٍ نحو المرآة. رأى وجهه المألوف في الظلام — الوجه ذاته الذي طالما منحه شعورًا بالرضا. كان الإعجاب بنفسه أمرًا طبيعيًا بالنسبة له، بل سهلًا كتناول الطعام.
‘في أيّ شيءٍ يشبه وجهي وجوه اللعوبين؟!’
قطّب حاجبيه ورفع ذقنه، يتفحّص ملامحه من كل زاويةٍ ممكنة. لم تُخفّف ملامحه الوسيمة من غضبه قيد أنملة، فعضّ شفته السفلى بعنف.
‘تشيريشي ليلشتاين، أليس كذلك؟’
لم يستطع نسيان عينيها الحمراوين اللتين تلألأتا بلون الكرز.
من تكون هذه المرأة بالضبط؟ وأيّ جرأةٍ جعلتها تخاطبه في سرّها بهذا الشكل وتذكر حتى الإمبراطور؟
جلس على الأريكة متشابك الذراعين، ساقٌ فوق ساق. في أعماقه، راوده خاطرٌ غاضبٌ أن يطرد جميع أفراد أسرة ليلشتاين من أرضه، بل ويبعث إلى الإمبراطور برسالةٍ تفيض سخريةً وازدراءً.
‘إهانةٌ… ما أشدّها!’
شعورٌ غريبٌ اجتاحه — لم يسبق له أن ذاق طعم الإذلال أو الخيبة في حياته. لم يعرف كيف يتعامل مع هذا الغليان في صدره، فاكتفى بإخراج أنفاسٍ حادّةٍ من أنفه.
‘سأقابلها غدًا مجددًا. ربما كنتُ قد سمعتُ خطأ.’
حاول أن يقنع نفسه بأنّ ما حدث لم يكن سوى خللٍ في قدرته الخارقة، بأنّ صوتها الداخلي الذي سمعه لم يكن موجهًا إليه أصلًا، بل انحرف في الطريق بطريقةٍ ما.
‘سيتّضح كلّ شيءٍ غدًا.’
قالها محاولًا تهدئة نفسه، ثم استلقى في السرير مجددًا. كان الفجر قد بدأ يلوح في الأفق، ومع ذلك ظلّ يتقلّب دون أن ينام.
***
حين حلّ وقت العمل في الصباح، دخل صاموئيل إلى مكتب الدوق كعادته، لكنه لم يستطع إخفاء دهشته حين رأى وجه سيده.
“يا للعجب! يا سيدي، ما الذي أصابك الليلة الماضية؟!”
اقترب بسرعة يتفحّص ملامحه — وجنتان نحيفتان، عينان غائرتان، وهالات سوداء تمتدّ حتى ذقنه. لم يكن ذلك وجه الدوق الذي يعرفه.
“هل أنت مريض؟ أستدعي الطبيب فورًا؟”
“لا حاجة.”
أجابه ماكسيميليان بصوتٍ هادئٍ لكن حازم. كان صوته خاليًا من التعب، بل مشعًّا بحدةٍ غريبة. أدرك صاموئيل حينها أنّ سيده ليس مريضًا، رغم أنّ شيئًا فيه قد تغيّر. فبدأ بعرض جدول الأعمال اليومي.
“صباح اليوم لدينا…”
“ألغِ كلّ المواعيد.”
قاطعه الدوق بلهجةٍ قاطعة.
“عفوًا؟”
سأل صاموئيل بذهول.
“أرسل إلى ضيفة الأمس.”
“ولكن يا سيدي الدوق…”
كان ماكسيميليان رجلًا مشغولًا للغاية. نجاح دوقيّته كان ثمرة جهوده وحده. كان يدير مشاريع عديدة لتطوير الإقليم، وهناك أماكن تنتظر زياراته، وملفّات تنتظر توقيعه.
وقف صاموئيل في حيرة، متسائلًا ما الأمر العاجل الذي يستحقّ إلغاء يومٍ كاملٍ من أعماله. فجاءه الجواب:
“بلّغ الآنسة الثانية من ليلشتاين أنني سأعرّفها بنفسي على جنوب الدوقيّة.”
“الآنسة الثانية من ليلشتاين؟”
“نعم. ورد في رسالة الإمبراطور أنها مهتمّة جدًّا بأراضينا، وسأُلبّي رغبتها بنفسي.”
:وماذا عن بقيّة الضيوف؟”
«لا شأن لي بهم. أريد تلك الفتاة بالذات — تشي… ري… شي… ليل… شتاين.”
نطق اسمها ببطءٍ وقوّة، كلّ مقطعٍ منه يقطر غيظًا. بدا وكأنّ ظلالًا داكنةً تتسرّب من فمه مع كلّ حرف. كان هذا وجهه المظلم الذي لم يُرَ منذ زمنٍ طويل.
شعر صاموئيل بقطرات العرق تتجمّع في ظهره وهو يهمّ بالمغادرة.
بعد دقائق، كانت رسالة الدوق قد وصلت إلى جناح ليلشتاين.
***
“عزيزي، ما خطّتنا لليوم؟”
سألت بيلاتريشيه زوجها في الصباح الباكر. فبعد وصولهما إلى الجنوب، كانت ترغب في التجوّل مع ابنتهما، لكنّهما لم يضعا بعد أيّ جدولٍ محدّد. سكبت فنجاني قهوة، وقدّمت أحدهما لزوجها قبل أن تحتسي رشفةً من الآخر.
قال زوجها، الماركيز ماركوليشيه، متنهّدًا: “حقًّا لا أدري… يبدو أنّ استقبال الدوق لنا كان فاترًا.”
كان هو الآخر منزعجًا من برود تصرّف ماكسيميليان. فقد انتظرا منه في حفلة الحديقة أن يتحدّث عن برنامج اليوم التالي، لا سيّما أنّ الإمبراطور نفسه هو من أوصى بهما إليه.
كان يعلم أن وحده ماكسيميليان قادر على فتح بوّابة شاطئ ميستيكو المنيع، ولذلك لم يجرؤ على التصرف من تلقاء نفسه.
“أترانا سنُخطئ إن زرناه أولًا من تلقاء أنفسنا؟”
أجابها بالصمت، مكتفيًا بالتحديق في فنجان القهوة الفارغ. وبينما هما على تلك الحال، طرق أحدهم الباب. تبادلا النظرات بسرعة، وقد لمع الأمل في عيونهما.
قالت بيلاتريشيه بفرحٍ خافت: “يبدو أنّ الدوق أرسل إلينا رسولًا.”
فتحت الباب على عجل، فوجدت خادمًا يحمل صينيّةً من المخمل البرتقاليّ، تعلوها رسالةٌ بيضاء ناصعة.
“رسالةٌ من الدوق ماكسيميليان، يا سيدتي.”
“شكرًا لك.”
تناولت الرسالة بلهفةٍ، وعادت بها إلى طاولة الجلوس حيث كان زوجها ينتظر. ناولته الخطاب بانحناءةٍ بسيطة.
تسلّم الماركيز الرسالة بابتسامةٍ متحفّظة، وفتح الظرف ليقرأ محتواه بعناية، فيما كانت عين زوجته تلمعان شوقًا لمعرفة ما بداخله.
“ما الذي كُتب فيها؟”
سألته وهي تحدّق به، لكنه ما إن أنهى القراءة حتى تغيّر لونه.
“ما الأمر؟ ماذا هناك؟”
زفَر بعمقٍ وهو يقول: “هاه… يا للعجب.”
وخطفَت الرسالة من يده بفضولٍ متزايد، ثم قرأتها بصوتٍ مرتفعٍ مفعمٍ بالدهشة:
“سيكون هو بنفسه دليلنا الشخصيّ؟!”
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"