حين كانت تشيريشي تُطلق زفرةً وهي تُغلق خزانتها، طرقَتِ الخادمة آنا الباب.
“نعم؟”
“آنستي، أنا آنا.”
“آه، ادخلي.”
احمرّ وجه تشيريشي كمن ضُبِط وهو يفعل أمرًا مشينًا، إذ لم ترد أن يُكتشف انشراحها بعد أن أدّت أمام أسرتها دور الفتاة المنكسرة قبل قليل.
جلست على السرير في هدوء، متسائلة في نفسها: كيف كانت تشيريشي الأصلية تتصرف عادة؟ وبحسب الذكريات المتزامنة التي في ذهنها، فقد كانت غالبًا ما تتمدد على السرير. تكلمت آنا وهي ما تزال تراقب وجه سيدتها بحذر:
“لقد تلقّيتُ أمرًا بإعداد كل شيء لتسافري غدًا صباحًا.”
“ماذا؟ غدًا صباحًا؟”
“نعم.”
وبينما كانت تشيريشي تحدّق بدهشة، بدأت آنا بسرعةٍ في حزم الحقائب.
في لحظةٍ، بدا أن قلقها السابق حول كيف ستُحضّر رحلتها قد غدا بلا معنى. من الأجواء السائدة بدا أنّه لا شيء عليها أن تفعله بنفسها؛ فكل شيء، من وسيلة السفر إلى مكان الإقامة والطعام، بل وحتى الملابس التي ينبغي أخذها، كان يُرتّب تلقائيًا.
وحين خرجت آنا حاملةً الحقائب، كانت الاستعدادات للرحلة قد اكتملت فعلاً، من غير أن تفعل تشيريشي شيئًا سوى أن ترمش بعينيها. جلست في الغرفة الخالية مجددًا، وقالت بصوتٍ شارد:
“ما هذا؟ … بهذِهِ السُّرعة؟”
أتراني راحلة فعلًا؟ تمددت على السرير بذهول، ونظرت إلى الثريّا المتدلية من السقف، فبدت لها غير واقعية.
“هيه!”
انفجر ضحكها المكبوت فجأة.
“هيهيهي.”
ارتجفت زاويتا فمها وارتفعَت وجنتاها. حاولت أن تُغلق فمها بيديها، لكن الضحكة كانت تتسرب رغمًا عنها.
“ما هذا؟ أحقًا سأذهب؟”
جلست فجأة وهي تحدث نفسها. كان كل شيء يسير بسرعةٍ مدهشة، بشكلٍ يكاد يُرعب.
“يا إلهي، ما هذا؟ ما شأن هذه العائلة العجيبة؟”
تمتمت وهي تنظر إلى جسدها، فلو رآها أحد الآن لظنّها مجنونة. شعرت كأن حظًا يفوق الوصف قد انهمر عليها دفعةً واحدة. كل شيء يجري على هواها، ما عدا كون أسرتها ترافقها.
“لماذا أشعر بهذه السعادة الممزوجة بالقلق؟”
في خضمّ الفرح، تسللت إليها ومضة من الاضطراب.
“أيمكن أن…؟”
تذكّرت ماكسيميليان فجأة.
‘هل من الممكن أن نذهب ثم يرفض أن يُرينا المكان بحجة أنه ملكيةٌ خاصة؟’
كلّ شيء بدا كاملًا تمامًا. الرحلة إلى الجنوب تتكفّل بها العائلة، وفي يدها رسالةُ تكليفٍ كتبها الإمبراطور نفسه.
فتحت الرسالة لتتأكد مجددًا. كان على المظروف الأبيض ختمُ وردةٍ ذهبيةٍ متفتحةٍ من راحة اليد، رمزَ العائلة الإمبراطورية الذي رأته مرارًا في الرواية الأصلية.
“ماكسيميليان.”
همست باسمه بهدوء. كان في الرواية شخصيةً ثانويةً بالكاد تُذكر؛ هو ابن عمّ بطل الرواية، الإمبراطور ماريون، ولم يكن له دور يُذكر.
في بدايات القصة، حين كان ماريون وليًّا للعهد، وُصف ماكسيميليان بأنه شاب طائش لا همَّ له إلا اللهو، ليُبرز تباينًا مع جدية وليّ العهد.
‘لن يحدث شيء غريب، أليس كذلك؟’
استعادَت تشيريشي المقطع الذي ظهر فيه، فتسلّل إلى قلبها قلقٌ خافت.
‘كأن الرواية قالت إنه رجلٌ يُفتن به الناس لجمال وجهه…’
والحق أنها كانت قارئةً تهيم بالوسامة. ألم تُقدِم في دورتها الثانية على التقمّص كلّه فقط لتُشاهد أبطال الرواية بأعينها؟
استحضرت تلك الذكرى وضحكت في نفسها، ثم تجاهلت قلقها وتكوّرت على السرير. لم يبقَ إلا ليلةٌ واحدة لتُسافر إلى ميستيكو، الهدف الذي جاءت من أجله.
“حسنًا، ما الذي يمكن أن يحدث؟”
أغمضت عينيها في رضا، مقنِعةً نفسها بأن قلقها لا مبرر له.
***
في صباح اليوم التالي، وما إن فتحت عينيها حتى ساعدتها آنا على التأنّق، ثم نزلت إلى الطابق الأول حيث كانت أسرتها تنتظرها على الأرائك.
“يا للجمال!”
“لقد تغيرتِ كليًا يا تشيريشي.”
“ما كنتُ لأعرفكِ لو لم أركِ بعيني.”
انهالت كلمات الثناء من الأم والأخت والأب، فشعرت تشيريشي بالحرج.
لم تكن الرحلة التي تخيلتْها لنفسها رحلةً فردية، لكن مرافقة أسرتها المحبة بدا أمرًا لطيفًا على غير توقّع. خرجت تتبعهم وصعدت إلى العربة.
لو كنتُ وحدي، لكنتُ الآن أبحث عن وسيلة نقل… أو أتصفح طريقة حجز الفنادق.
شعرت بالامتنان لأن الرحلة بدأت بهذه السهولة. وما إن تحركت العربة حتى التفتت إلى والديها وسألت باستغراب:
“وأين أختي؟”
لم يكن في العربة سوى ثلاثةٍ، دون روزالين.
“روزالين مشغولة بأعمالها، لن تتمكن من المجيء.”
“آه…”
ابتسم الماركيز معتذرًا، فأومأت تشيريشي وقد ارتسم على وجهها مزيج من الخيبة والتصنّع لطمأنته.
لم تكن تحمل تجاه روزالين أي مشاعر حقيقية، سوى ألفةٍ داخلية من كونها رأتها في الرواية، لكن بدا أن التبلّد الزائد سيكون قسوةً، فاختارت إظهار القليل من الأسف. وما إن انتهت تنهيدتها القصيرة حتى انطلقت العربة بسرعة، وبدأت المشاهد تتغير من حولها.
يا إلهي!
كانت الطرقات أشبه بشوارع أوروبية مذهلة الجمال. ولأنها منذ تقمّصها لم تغادر المنزل، فقد تدفقت الدهشة من صدرها كطفلةٍ ترى الدنيا لأول مرة.
كانت المدينة تشبه ما رأته في تقمّصها الثاني، لكنها الآن أنظف وأكثر ترتيبًا. في نفسها امتدحت الإمبراطور ماريون والملكة هيولت على حسن إدارتهما. ومع تأملها في الشوارع الهادئة، أحست بالرضا لأنها اختارت هذه الرواية بالذات لتعيش فيها، وتسلّل إلى قلبها حماسٌ لما ينتظرها في الجنوب.
هل سنذهب مباشرةً إلى ميستيكو؟
رغم أن معها رسالة الإمبراطور، لم تكن تعرف تفاصيل الجدول أو المحطة التالية. ولم تشأ أن تبدو فضولية فتسأل عنها صراحةً.
حسنًا، ستسير الأمور كما ينبغي.
لم تكن هي من خطط للرحلة، ولم يكن عليها سوى أن تجلس مثل قطعة أمتعةٍ تتبع أسرتها.
كان الجو دافئًا مريحًا، فبدأ النعاس يتسلل إليها. وما إن غفت للحظة حتى كانت العربة قد وصلت إلى الجنوب.
“لقد أوشكنا على الوصول.”
استفاقت تشيريشي على صوت الماركيز، ورفعت رأسها لترى من النافذة صفوفًا من أشجار النخيل.
“واو!”
انفتح فمها انبهارًا. كان الجنوب مختلفًا عن العاصمة تمامًا؛ فإذا كانت العاصمة تحمل مزيجًا من أجواء أوروبا العتيقة والحداثة، فإن الجنوب بدا كشاطئ وايكيكي نابضٍ بالحياة.
ملاحظة : شاطئ وايكيكي هو شاطئ شهير موجود في هونولولو
كما هو متوقَّع، النخيل هو سمة الجنوب.
حين رأت الشوارع تصطفّ بالنخيل الكثيف، شعرت فعلاً أنها وصلت. ولأنها لم تزر حتى جزيرة جيجو في حياتها السابقة، أثار فيها المشهد إحساسًا غريبًا بالدهشة.
لقد أحسنتُ الاختيار فعلًا، يا لي من عبقرية!
فهي الآن تزور في بلدٍ واحد مكانين يشبهان أوروبا وهاواي معًا. فتحت النافذة قليلًا، فهبت إليها رائحة الفواكه الاستوائية الحلوة، فخفق قلبها بفرحٍ طفولي. ظلت العربة تسير مسافةً أخرى حتى توقفت أخيرًا أمام مبنى بدا أشبه بمنتجعٍ حديث.
ترجلت تشيريشي مع والديها، تتلفت بعينيها الواسعتين.
“يا له من قصر رائع!”
“إنها زيارتي الأولى أيضًا، لكنه يبدو مكانًا ممتازًا.”
من حديث والديها، بدا أن هذا هو قصر الدوق ماكسيميليان.
أهذا قصر؟ إنه أقرب إلى فندقٍ من فئة الخمس نجوم!
كاد فمها ينفتح في دهشة وهي تنظر إلى المبنى المهيب.
“أكان الدوق يستثمر قصره كمكانٍ للإقامة؟”
“إنه رجل ذكي بحق. في البداية ظن الجميع أنه يُبالغ في البناء، لكن من كان يتوقع أنه يرسم خطةً بهذا الحجم؟”
تابع الوالدان حديثهما وهما يسيران.
هذا المبنى الضخم الذي يشبه فندقًا فاخرًا هو ملكٌ لماكسيميليان؟
شعرت بالدوار وهي تستوعب ثراءه المفاجئ.
أكنتُ أظنه طائشًا بلا نفع؟ يبدو أنني كنتُ مخطئة تمامًا.
تذكرت كيف وصفته الرواية؛ حين كان وليّ العهد ماريون يجتهد في الدراسة ويحمل الكتب الثقيلة إلى المكتبة، كان ماكسيميليان يُرسم وهو ممدّدٌ في حديقة الأزهار ينام بين الفراشات، تحيط به فتيات المجتمع الراقي كما النحل حول الرحيق.
لم تذكر الرواية ما آل إليه بعد ذلك، لأنه لم يكن من الشخصيات الرئيسية، لكن أن يكون قد حقق في إقطاعه إنجازًا كهذا… جعل فروة رأسها تقشعر.
في الرواية كان مجرد كسولٍ غارقٍ بين النساء، وها هو الآن رجلٌ آخر تمامًا!
بدأت شرارة فضولٍ تتقد في قلبها نحوه، حين اقترب منهم رجلٌ يضع نظاراتٍ ويبدو كأمينٍ رسميٍّ أو سكرتير.
“لقد تعبتم من السفر الطويل. صاحب السمو أمرني أن أرافقكم جيدًا. تفضلوا من هنا.”
ماذا؟ صاحب السمو؟
أهي ستقابل ماكسيميليان الآن؟ خفق قلبها بعنف.
***
“واااه!”
وضعت يديها على فمها وهي تتقدم إلى الشرفة. كانت تظن أنها ستلتقي بالدوق مباشرة، لكن الأمر لم يكن كذلك.
اتبعَت الرجل ذا النظارات إلى غرفةٍ مخصّصة لها، تطلّ نوافذها على البحر. غرفةٌ بإطلالةٍ بحريةٍ كاملة، كغرف الـ Ocean View في عالمها السابق. ولم تكن تشاركها مع أسرتها؛ فقد ذهب الماركيز وزوجته إلى غرفٍ أخرى، تاركينها وحدها تقريبًا في عطلةٍ مصغّرة.
وقفت أمام الزجاج اللامع، تحدق في البحر الأزرق الممتد بلا نهاية، في الرمال البيضاء، في الأمواج المتمايلة، في النخيل الأخضر اللامع. كان المشهد نسخةً حيّة من الجنة التي حلمت بها.
“يا للجمال… حقًا مذهل.”
شعرت بشيءٍ يشبه الدموع في عينيها من شدة التأثر، وظلت تتأمل المشهد تكرارًا. الهواء داخل الغرفة باردٌ منعش كأن مكيّفًا يعمل في الخفاء. خرجت إلى الشرفة، فاندفع نسيمٌ حارّ إلى وجهها، لكنها استقبلته بسرورٍ غامر، مستمتعةً بكل ذرةٍ منه.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 7"