انتشرت أخبار تبرع ليليانا، الابنة الكبرى لعائلة إيميلديا، بمبلغ 100,000 ذهبة في المعبد كالنار في الهشيم عبر دوائر النبلاء في إمبراطورية هيرسن. كان من المألوف أن يتبرع الملوك والنبلاء بمبالغ ضخمة كهذه عند ارتكابهم جرائم كبيرة، سعيًا لتهدئة الرأي العام واستعادة سمعتهم، لكن أن تتبرع ليليانا، ابنة عائلة نبيلة مفلسة، بهذا المبلغ الهائل؟ كان ذلك أمرًا يفوق التصور ويثير الدهشة والريبة في آن واحد. بدأت التكهنات تنتشر كالوباء بين النبلاء، مثل موجات متلاطمة في بحر من الفضول والشك. البعض زعم أن عائلة إيميلديا لا تزال تحتفظ بثروة سرية مخبأة بعناية، بينما همس آخرون بأن ليليانا قد أصبحت عشيقة سرية لأحد النبلاء الأثرياء. وكانت هناك شائعات أكثر قتامة، تقول إنها ربما اشتركت مع زوجة أبيها هيلين في عملية احتيال معقدة، أو أن المال مسروق. كلها افتراضات بلا دليل أو مصدر موثوق، لكنها كانت كافية لإشعال النميمة في الأوساط الاجتماعية.
نفذت ليليانا تعليمات زوجة أبيها كما أُمرت، لكن بدلاً من أن يهدأ الوضع، بدا أن الأمور تزداد تعقيدًا وتتشابك كخيوط عنكبوت متشابكة. ما إن دخلت ليليانا المعبد لحضور صلاة الصباح حتى بدأت الهمسات تتصاعد من حولها كزئير الرياح قبل العاصفة. كانت الإهانات مألوفة، لكن هذه المرة كانت مختلفة. في السابق، كان النبلاء يعاملونها كأنها شبح غير مرئي، يتجاهلون وجودها ببرود. أما الآن، فقد أصبحوا يتجنبونها بصراحة، كما لو كانت تحمل مرضًا معديًا يخشون الاقتراب منه. شعرت ليليانا بثقل النظرات المتربصة، وكأنها متهمة في محاكمة علنية. جلست على كرسيها في المعبد، منحنية الرأس كمن يحمل وزر جريمة لم ترتكبها، وشعرت بثقل الاتهامات يضغط على كتفيها.
بدأت الشكوك تعاودها مجددًا بشأن نوايا زوجة أبيها. هل كانت هيلين تخطط لتدميرها هي وأخواتها الثلاث بشكل نهائي؟ لكن، مهما فكرت ليليانا، لم تجد سببًا منطقيًا يدفع هيلين لفعل ذلك. كانت هيلين امرأة أنانية، لا تتردد في جعل الآخرين بؤساء لضمان سعادتها الخاصة، لكنها لم تكن من النوع الذي ينفق المال بلا هدف فقط لإيذاء الآخرين. كانت دائمًا محسوبة في تصرفاتها، وهذا ما جعل ليليانا في حيرة أكبر. لكن، رغم طبيعتها الهادئة والمتسامحة، بدأت ليليانا تشعر بحدود صبرها تنهار تحت وطأة الاتهامات العلنية التي تصورها كمجرمة ارتكبت أفعالًا غير قانونية.
***
في قصر إيميلديا، حول مائدة الإفطار، سألت هيلين بنبرتها المعتادة: “كيف تسير زياراتك للمعبد هذه الأيام؟”.
كان الطعام الذي أعدته هيلين، كعادته، شهيًا بشكل لا يقاوم. اليوم، كان الطبق يُسمى “بيبيمباب”، خليط من الأرز والخضروات الطازجة المتبلة بنكهة غنية ومنعشة. لكن ليليانا، التي كانت عادةً تتحمل كل شيء بهدوء، لم تستطع أن تأكل أكثر من ملعقتين. كانت قد وصلت إلى حافة الانهيار، ولم تعد قادرة على التظاهر بأن كل شيء على ما يرام.
توقفت جينا وإبريل، المذهولتان، عن الأكل. لم يريا أختهما الكبرى بهذه الهشاشة من قبل، وكانتا في حيرة من أمرهما، لا تعرفان كيف يتفاعلان مع هذا المشهد النادر. في تلك اللحظة، نهضت هيلين من مقعدها بحركة مفاجئة، كأنها كانت تنتظر هذه اللحظة بالضبط.
“جينا، أنا آسفة، لكن هل يمكنكِ غسل الصحون اليوم؟” قالت هيلين بنبرة حاسمة.
“ماذا؟” ردت جينا بدهشة.
لكن هيلين توقفت فجأة، كأنها تذكرت شيئًا. عادت إلى كرسيها، وأخذت وشاحًا أسود من الكشمير، لتضعه على كتفيها كعلامة على الاحترام والوقار قبل التوجه إلى المعبد.
“ليليانا، تقدمي. لنذهب إلى صلاة الصباح معًا.”
***
في المعبد، كانت أسباب كراهية النبلاء لليليانا متعددة ومعقدة، كأوراق شجرة متشابكة. كانوا يزدرونها لارتدائها فستانًا قديمًا، بعيدًا عن الموضة، لكنه نظيف ومرتب بعناية، ويستاؤون من خشوعها الظاهر أثناء الصلاة، وكأنها تتحدى سقوطهم الأخلاقي بإيمانها الصادق. كانوا يعتقدون أن ابنة عائلة غارقة في الفضائح لا يحق لها أن تشاركهم في قدسية المعبد. لكن أكثر ما أثار غضبهم كان تبرعها بمبلغ 100,000 ذهبة. كيف تجرأت ابنة عائلة مفلسة على التفوق عليهم في التبرع بمبلغ يفوق ما يقدمه معظمهم؟ كان ذلك إهانة مباشرة لكبريائهم.
الدوقة ديفيس، التي كانت لا تزال تحترق من الغضب بسبب خسارة رهانها، قادت حملة لجمع توقيعات لطرد ليليانا من المعبد. كانوا يزعمون أنها استخدمت أموالاً مشبوهة، ربما حصلت عليها من أفعال غير مشروعة، وأن وجودها في المعبد يدنس قدسيته. حتى النبلاء الذين لم يكونوا يكرهون ليليانا وجدوا أنفسهم مضطرين للتوقيع على العريضة، خوفًا من خسارة علاقاتهم الاجتماعية.
أما الكهنة والقساوسة، فكانوا يقدرون ليليانا كواحدة من المؤمنين القلائل الصادقين، لكنهم كانوا عاجزين عن حمايتها. كان المعبد يعتمد على تبرعات النبلاء، وأي محاولة للدفاع عن ليليانا ستثير غضبهم وتهدد استقرار المعبد. كل ما استطاعوا فعله هو الصلاة لإله الشمس كي ينتهي هذا الصراع بسلام.
حتى الدوقة الكبرى ليفلاديان، التي تولت دور سيدة القصر الإمبراطوري بعد وفاة الإمبراطورة، شعرت بالرغبة في مساعدة ليليانا، لكنها لم تستطع تجاهل الشكوك حول مصدر المال. أفضل ما استطاعت فعله هو رفض التوقيع على عريضة طرد ليليانا.
كان النبلاء يخططون لمواجهة ليليانا بعريضتهم أمام الجميع، متوقعين إذلالها علنًا. كانوا ينتظرون وصولها بفارغ الصبر، متخيلين لحظة إهانتها. لكن فجأة، بدأت همهمات الجموع ترتفع كموجة عاتية، وشعر الجميع بحضور ليليانا. لكن هذه المرة، كان الضجيج أكبر من المعتاد، حتى أن رئيس الكهنة اضطر للتدخل.
“ما هذا الهرج؟ هذا معبد! احترموا قدسية إله الشمس!” صاح رئيس الكهنة بنبرة غاضبة نادرة.
ساد الصمت فجأة، لكن الأنظار تجمعت في اتجاه واحد. كان رئيس الكهنة نفسه مذهولًا، عاجزًا عن إغلاق فمه. أمامه، وقفت هيلين، “الساحرة الحمراء”، لكنها لم تكن كما اعتادوا رؤيتها. لم تكن تسير بغطرسة، تدفع الناس بكتفيها لإبراز جمالها. بل كانت خطواتها رزينة، مهيبة، كأنها سيدة نبيلة تحمل وقارًا لم يروه من قبل. كل عين في المعبد تتبعت خطواتها، وكأنها تمشي على مسرح ينتظر الجميع عرضه.
‘مسرحيتي هي التي ستحدد كل شيء’، فكرت هيلين. لم تكن لديها خبرة في التمثيل في حياتها السابقة، لكنها شاهدت ما يكفي من الدراما المثيرة لتعرف كيف تؤدي دورًا يأسر القلوب. كانت قد أنفقت 100,000 ذهبة لهذا اليوم، وتحملت ليليانا كل تلك الإهانات من أجل هذه اللحظة. سارت هيلين كعروس تقترب من المذبح، خطوة بخطوة، حتى وقفت أمام تمثال إله الشمس.
ثم، برزانة، ركعت على ركبتيها، ولمست عينيها بيديها – اليدين اللتين قطعت بهما البصل في الصباح – لتبدأ دموعها بالتدفق.
“يا إله الشمس! أنا مذنبة حقيرة! لقد أضعت ثروة إيميلديا في القمار والترف، وسرقت مستقبل بناتي الثلاث اللواتي يعشن حزن فقدان والدهن!” صرخت هيلين، ثم ألقت بنفسها على الأرض، تبكي بصوت عالٍ يتردد في أرجاء المعبد. “ليليانا كانت تصلي من أجلي، تحاول إنقاذي! لولاها، لكنت ظللت غارقة في خطاياي الغبية! يا إله الشمس، لا تعف عني… لا تعف عني!”.
ساد صمت مطبق، كأن المعبد تجمد في لحظة واحدة. ألقت هيلين نظرة خفية على الحضور، ورأت الجميع مأخوذين بأدائها المسرحي. في عالم خالٍ من وسائل الإعلام والعروض الدرامية، كان أداؤها المبالغ فيه شيئًا لم يروا مثله من قبل.
“لا تعف عني… أنا ساحرة خبيثة، زوجة أبٍ شريرة! أرجوك، عاقبني!” كررت هيلين، وهي تتأوه بصوت مسموع.
بعد أن كررت توسلاتها أكثر من عشر مرات، استعاد الكهنة وعيهم أخيرًا، واقتربوا ليرفعوها من الأرض. كانت ركبتاها تؤلمانها من الركوع الطويل، لكنها لم تكترث. وقف رئيس الكهنة أمامها، عيناه تلمعان بالتأثر.
“هيلين إيميلديا، إله الشمس لا يرفض من يطلب المغفرة بصدق. أنتِ الآن واحدة منا.”
وضع يده على رأسها، مباركًا إياها بنعمة إله الشمس. استمرت هيلين في البكاء، مواصلة أدائها المثير، بينما بدأ النبلاء، واحدًا تلو الآخر، يقفون ويصفقون لهيلين وليليانا. كانت هذه اللحظة التي تحولت فيها هيلين، “الساحرة الحمراء”، إلى امرأة تائبة بفضل إيمان ليليانا الصادق.
من الآن فصاعدًا، من سيجرؤ على التحدث بسوء عن ليليانا إيميلديا؟ لقد درست هيلين كتب إله الشمس ليالٍ طويلة، وكانت تعلم أن جوهر الديانة يكمن في “الحب والمغفرة”. لقد غفرت ليليانا لزوجة أبيها التي دمرت عائلتها، وأنقذتها بحبها، مما جعلها قصة مثالية ستبقى محفورة في تاريخ الديانة لأجيال.
بدأ النبلاء الذين كانوا ينظرون إليها بازدراء يرتدون أقنعتهم الاجتماعية مرة أخرى. هرعت الدوقة ديفيس لتمزيق عريضة طرد ليليانا وإخفائها خلف شريط فستانها، ثم تظاهرت بالإعجاب بليليانا، مدعية أنها فخورة بها لتحملها زوجة أبٍ مثل هيلين وإنقاذها. لكن وسط هذا البحر من الرياء، كانت هناك عيون صادقة. الدوقة الكبرى ليفلاديان، التي صفقت بهدوء، كانت تنظر إلى ليليانا بابتسامة رقيقة، مليئة بالإعجاب الحقيقي.
لاحظت هيلين، بعينيها الحادتين كالصقر، نظرة الدوقة الكبرى. ارتفع زاوية فمها قليلاً، في ابتسامة خفية تنم عن انتصار صامت. كانت خطتها قد نجحت، وكانت تعلم أن هذه اللحظة ستغير كل شيء.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"