– زوجة الأب مستمرة بسرقة الأبطال الذكور.
الفصل السادس
قال كبير الخدم، وهو رجل عجوز يحمل هيبة العمر: “تفضلي، سأرافقكِ إلى الداخل.” خرج لاستقبال هيلين خارج القصر، لكن الصمت الذي سبق كلامه كان ملحوظًا، كأنه يعكس توجسه من سمعتها المشينة في الإمبراطورية.
أدركت هيلين سبب هذا الصمت، لكنها لم تُعلق، واكتفت بمتابعته بخطوات واثقة إلى داخل القصر. كان القصر تحفة معمارية بكل المقاييس، ينافس روعة قصور الإمبراطورية. حديقته الشاسعة كانت لوحة حية، مزروعة بأزهار نادرة من كل بقاع العالم، من الورود الملكية إلى زهور غريبة لا تُرى إلا في قصص المسافرين. تنتشر بينها أشجار عتيقة مستوردة من بلدان بعيدة، تضيف إلى المكان سحرًا غامضًا. كانت الحديقة واسعة جدًا، حتى أن المسافة من البوابة إلى المبنى الرئيسي استغرقت وقتًا، لكن هيلين كانت منبهرة بالجمال لدرجة أنها لم تشعر بطول الطريق.
داخل القصر، كانت الأرضيات الرخامية البيضاء تعكس صوت كعب حذائها، معلنة وصول زائرة غريبة. الجدران كانت مزينة بلوحات فنية نفيسة وتماثيل نادرة، كأن القصر متحف يحتضن كنوز العالم. شعرت هيلين بانكماش لا إرادي أمام هذا العرض الفاخر، وهي تدرك أنها في عالم بعيد عن واقعها. لولا خبرة كبير الخدم في التنقل عبر الممرات المتشابكة كالمتاهة، لضلت طريقها بسهولة. أخيرًا، توقف أمام باب غرفة كبيرة، طرق عليه وقال بنبرة رسمية: “لقد وصلت ضيفة.” تجنب ذكر اسمها أو لقبها عمدًا، وهو ما بدا كإهانة خفية من رجل خبير يعرف جيدًا سمعة هيلين.
عندما فُتح الباب، ظهر بلين واقفًا، متكئًا قليلاً على مكتبه الضخم المصنوع من خشب الماهوغاني. حتى في هذه الوضعية المريحة، كان طوله اللافت واضحًا، وهيبته لا تُخفى. ذراعاه المعقودتان بإحكام عكستا قوة شخصية تليق بلقب أغنى رجل في العالم، مع لمحة من الغطرسة التي تتناسب مع مكانته. شعره البني الداكن، الممزوج بخصل رمادية، تحرك بلطف مع نسمة خفيفة تدخل من النافذة. ملامحه الوسيمة، التي تجمع بين الدقة والحدة، كانت تكتمل بعينين زرقاوين كالجليد، تنمان عن برود عاطفي ونفور من العواطف. كان وجهه كالقناع، لا يظهر أي ترحيب أو انفعال.
قالت هيلين بنبرة هادئة تحمل لمحة من الجرأة: “سيدي الوصي، لقد مر وقت طويل.” كان لقاؤهما الأخير كارثيًا، حين تسببت هيلين في مشاكل قانونية له، مما جعله يتردد في اختيار كلماته. أراد أن يسألها مباشرة عن سبب زيارتها، لكنه، كرجل نبيل يحترم تقاليد الأرستقراطية، لم يرد أن يظهر فظًا. ومع ذلك، لم يكن ليقدم تحية زائفة بالترحيب. قرر أن يستمع إليها بصمت، متوقعًا أن تكشف عن نواياها بسرعة.
رد بلين بنبرة باردة: “لم أتوقع أن نلتقي مجددًا، سيدة هيلين.” أجابت هيلين بثقة: “أعتذر عن خرق وعدي بعدم الظهور أمامك، لكن أؤكد لك أنك لن تندم على هذا اللقاء.” كانت هيلين، في الماضي، امرأة نفد صبرها بسرعة، تتودد بكلمات معسولة لكنها تنفجر إذا لم تحصل على ما تريد. توقع بلين أن تثور كعادتها، وكان مستعدًا لاستدعاء الحراس إذا لزم الأمر.
بدأت هيلين: “أنت لست فقط رجل أعمال ناجح، بل مستثمر مشهور. سمعت أن رجال الأعمال في الإمبراطورية يتهافتون على لقائك لدعم مشاريعهم.” رد بلين بحذر: “هذا صحيح، لكنني لا أستثمر بسهولة، ولا أمنح ثقتي لأي كان.” لم يكن مفاجئًا أن تأتي هيلين كواحدة من التجار المتطفلين الذين يسعون لاستغلال شهرته. بدت كمن يحاول بوقاحة استمالتها بفكرة تجارية واهية. أضافت هيلين: “بالطبع، ولهذا أنت ناجح. لكن، ألا تجد فكرة مشروعي مثيرة للاهتمام؟”.
رد بلين بجفاء: “آسف، ليس لدي وقت أو اهتمام الآن.” كان الرفض جزءًا من روتينه اليومي كرجل أعمال، لكن رفضه لها دون حتى سماع تفاصيل مشروعها كان بمثابة إهانة قاسية في عالم التجارة. توقع بلين أن تنفجر غضبًا، لكنه فوجئ عندما قالت بهدوء: “حسنًا، إذا غيرت رأيك، تواصل معي في أي وقت.” كان استسلامها السريع غير متوقع، مما أربك خططه لاستدعاء الحراس. شعر بالإحباط، متسائلاً إن كانت قد أضاعت وقته الثمين لهذا السبب البسيط. كاد ينهي المحادثة قائلاً: “إذن، انتهى الأمر…”.
قاطعته هيلين: “ماذا عن هذا؟” أخرجت من حقيبتها صندوقًا مغطى بالمخمل الأحمر، كشفت عن تاج مرصع بالزمرد الأسطوري المعروف باسم “نفس الإلهة”. كان هذا التاج كنز عائلة إيميلديا، تتوارثه نساء العائلة عبر الأجيال، يرتدينه في حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية الكبرى. كان الزمرد يتلألأ بضوء ساحر، كما لو كان يحمل سحر إلهة الأرض الأسطورية التي تُعمي العيون بجمالها. كان التاج رمزًا لتاريخ العائلة العريق، وكل نظرة إليه كانت تحمل ذكريات أيام المجد.
تساءل بلين في نفسه، مصدومًا: ‘كيف وصل هذا إليها؟’ لكنه تذكر أن هيلين، رغم كل شيء، كانت الزوجة التي اختارها راؤول. كان التاج آخر ورقة لها، كانت تحتفظ به كخطة احتياطية لهروب محتمل إذا أغرقتها ديونها. تذكرت هيلين وصية راؤول الأخيرة وهو على فراش الموت، وجهه شاحب كالأشباح: “احتفظي به جيدًا وورثيه لبناتي…” على الرغم من أن هيلين استولت على ملابس ومجوهرات زوجة راؤول الراحلة بسهولة عند دخولها القصر، إلا أنها لم تستطع استعمال هذا التاج، شعورًا منها أنه يحمل قدسية لا تخصها.
صاح بلين بنبرة غاضبة، وهو يفقد رباطة جأشه للحظة: “أتجرئين على بيع هذا؟” كان قد التقى بأشخاص سيئين في عالم الأعمال، لكنه لم يرَ أحدًا بقسوة هيلين. بالنسبة لها، عائلة إيميلديا لم تكن سوى وسيلة لتحقيق مكاسب مادية. كان يعلم أنها تقدم التاج له لأنها تعتقد أنه، بسبب هوسه بشراء أصول إيميلديا المتدهورة كجزء من ارتباطه العاطفي براؤول، سيدفع أعلى سعر. أراد بلين تجنب التورط معها، فسحب دفتر شيكاته وقال بحزم: “حسنًا، كم تريدين؟”.
كان يأمل أن ينهي هذا الأمر نهائيًا، متخيلًا أن امتلاك “نفس الإلهة” سيضمن عدم رؤيتها مجددًا. لكن هيلين أجابت: “100 آلف قطعة ذهبية.” فوجئ بلين. كان المبلغ متواضعًا بشكل صادم مقارنة بقيمة التاج، التي يمكن أن تجلبها بسهولة من دار المزادات. هل كانت تجهل قيمته؟ بدأ يكتب الشيك بسرعة، لكنه توقف عندما أضافت: “لكن لدي شرط. إذا عدتُ خلال ستة أشهر ب200 ألف قطعة ذهبية، أعد بيع التاج لي.”
توقف بلين، مرتبكًا. كان هذا الشرط غريبًا وغير متوقع. شعر أن هيلين تلعب لعبة أكبر مما يستطيع استيعابه. قالت بنبرة تحمل تهديدًا خفيًا، وعيناها الحمراوان تلمعان كالنار: “إذا لم تشتريه، سأذهب مباشرة إلى دار المزادات.” كان بلين يعلم أن التاج، إذا بيع هناك، قد يُقطع إلى أجزاء ويُباع متفرقًا، وهو ما كان كابوسًا بالنسبة له. كان هوسه بجمع أصول إيميلديا، من المناجم إلى الأراضي، ينبع من ارتباطه العاطفي العميق براؤول، الرجل الذي أنقذه يومًا من الشوارع. كان التاج رمزًا لتلك العائلة التي أعطته فرصة جديدة في الحياة.
سأل بلين، غير قادر على كبح فضوله: “حسنًا، لكن ما هو هذا المشروع الذي تتحدثين عنه؟” ابتسمت هيلين، شفتاها الحمراوان ترسمان قوسًا ماكرًا، وقالت: “زراعة الأبناء.” ارتبك بلين تمامًا. الكلمتان، “الأبناء” و”الزراعة”، بدتا غريبتين ولا تناسبان هيلين بأي شكل. أدرك أنها تعني الأخوات الثلاث، وأنها تخطط لتزويجهن من أثرياء لتكسب المال، وهي خطة نمطية للنبلاء المفلسين الذين يائسون من استعادة مكانتهم. سخر في نفسه: ‘بالطبع، هذه هي هيلين.’
لكنه لم يستطع إنكار أن خطتها قد تنجح، فقد نجحت هي نفسها في الزواج من راؤول بجمالها ودهائها. تذكر بلين النبيلات في الحفلات الاجتماعية، يتوددن إليه بطرق مبتذلة، يرتدين فساتين براقة ويحاولن لفت انتباهه بحركات مبالغ فيها. قال: “حسنًا، سأدفع 200ألف قطعة ذهبية، وعندما تعودين، سأبيع التاج بنفس المبلغ.” كتب شيكًا جديدًا، وسأل بسخرية: “هل 200 ألف قطعة ذهبية ستكفي لجعل الأخوات جذابات بما يكفي للفت أنظار الرجال؟”.
ضحكت هيلين بصوت عالٍ ومبتذل، مما أثار استياء بلين أكثر. كانت ضحكتها طويلة ومستفزة، كأنها تسخر منه. بعد أن هدأت، انتزعت الشيك من يده بثقة وقالت: “من يدري؟ إذا أصبحت مهتمًا بمشروعي، تعال إليّ هذه المرة، يا سيدي الوصي.” وضعت التاج على المكتب وخرجت بثقة، تاركة بلين في حيرة. حدسه الحاد كرجل أعمال أخبره أن هيلين لن تعود لإزعاجه مجددًا، لكن شيئًا في تصرفاتها جعله يشعر أنها تخطط لشيء أكبر مما يستطيع استيعابه. كان التاج، الموضوع على المكتب، يتلألأ كرمز لتحدٍ جديد بينهما.
~~~
هان خطيرة وذكية، قدرت تجيب منه فلوس عشان تستفيد منها ورح يكون التاج سليم معاه وتقدر ترجعه لو نجحت خططها
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
التعليقات لهذا الفصل " 6"