– زوجة الأب مستمرة بسرقة الأبطال الذكور.

الفصل السابع والثلاثون

ربما بسبب تجربته مع الأطفال الأربعة السابقين، أصبح تشي الآن يشعر ببعض الاعتياد على هذا الأمر. كان من المحظوظ، إن جاز التعبير، أن الأطفال الخمسة الذين وجدهم في جميع أنحاء العالم كانوا جميعًا من عائلات فقيرة.

‘إذا كان ذلك سيقلل من عدد الأفواه التي يجب إطعامها في الأسرة…’.

هكذا كانت عقلية بعض العائلات. بعضهم أعطى موافقته على الفور، غير مبالين بما سيحدث لأطفالهم، بينما كان هناك من قبلوا بضع عملات ذهبية مقابل السماح بأخذ أطفالهم. عندما رأى تشي قصر الكونت من بعيد، شعر بالقلق لأنه افترض أن الأسرة تنتمي إلى الطبقة الأرستقراطية، لكن عندما اقترب، لاحظ أن القصر كان متداعيًا ومتهالكًا. هذا جعله يعتقد أن الأمر لن يكون صعبًا هذه المرة أيضًا.

اقترب تشي من امرأة بدت وكأنها والدة الطفلة وسألها: “مرحبًا، هل أنتِ والدة هذه الفتاة؟”.

استعادت هيلين وعيها بعد صدمتها الأولية. كان مشهد تحول النسر إلى إنسان مفاجئًا ومخيفًا، لكنها تذكرت أنها في عالم روايات الفانتازيا الرومانسية، حيث يوجد السحر. نظرت بحذر إلى الرجلين اللذين بدا أنهما سحرة، وأجابت بنبرة مليئة بالحيطة: “نعم، وماذا في الأمر؟”.

اختبأت إبريل خلف ظهر هيلين، وهي ترتجف من الخوف. بشكل غريب، عندما أدركت هيلين خوف إبريل، تلاشى خوفها الخاص. لم يعد هناك شيء يخيفها الآن.  

“لا داعي للقلق!” قال الساحر ذو العيون الكبيرة بثقة مفرطة، “ابنتكِ هي سليلة ساحر قديم ولديها قوة سحرية هائلة! نود أن نأخذها إلى برج السحر لتدريبها كساحرة. هل تسمحين بذلك؟”.

كان نبرته واثقة، وكأن الموافقة أمر مفروغ منه. شعرت هيلين فجأة أن هذا الساحر ذو العيون الكبيرة يشبه مديري التوظيف في الشوارع في حياتها السابقة، أولئك الذين يقولون: “وجه ابنتكِ جذاب للغاية!”.

“لمَ لا تجربين اختبارًا أمام الكاميرا؟”.

كانت هيلين تظن أن مثل هذه الأمور لا تحدث إلا في القصص، لكن يبدو أن الفرص تأتي فعلاً كالقدر لأولئك الذين يملكون موهبة. إذن، إبريل لديها موهبة في السحر؟ لم تكن مجرد ذكية فحسب؟ نظرت هيلين إلى وجه إبريل، التي بدت بدورها مرتبكة وغير مدركة لما يحدث.

“ألا يفترض بكم أن تُعرفوا بأنفسكم أولاً؟ أليس هذا من الأدب؟” قالت هيلين بحزم.

ضرب الساحر ذو العيون الكبيرة جبهته وقال: “أوه، أعتذر! أنا تشي، ساحر من برج السحر، وهذا هو لوكايل، سيد برج السحر.”

سيد برج السحر، أو باختصار “سيد البرج”. كانت هيلين، بفضل شغفها بروايات الفانتازيا الرومانسية في حياتها السابقة، تعرف جيدًا ما يعنيه هذا اللقب. وبالفعل، كان لوكايل يمتلك مظهرًا يليق بسيد برج السحر: شعر فضي طويل يتدفق كنهر، وعينان رماديتان شفافتان تضفيان عليه هالة غامضة. لكن هيلين لم تكن تتوقع أن يكون برج السحر حقيقيًا في هذا العالم. كانت تظن أن البرج مجرد أسطورة، شيء لا يظهر حتى على الخرائط، ويُعتقد أنه اختفى منذ زمن طويل. لكن ها هو سيد البرج نفسه يقف أمامها الآن.

“أنا هيلين، وهذه ابنتي إبريل,” قالت هيلين وهي تضع يدها على كتف إبريل بحنان. ثم سألت: “إذا ذهبت إبريل إلى برج السحر، هل ستصبح ساحرة على الفور؟”.

لم يستطع تشي الإجابة بصراحة، لكنه رد بمكر: “أن تصبح ساحرة أمر صعب للغاية، لكن مع موهبة ابنتكِ، فإن الاحتمالات مرتفعة جدًا.”  

في الحقيقة، لم يكن تشي مقتنعًا بفكرة لوكايل باختيار خليفة من بين البشر. حتى الأطفال المولودين من آباء سحرة كانوا غالبًا يصبحون سحرة من الدرجة الدنيا، فكيف يمكن لأطفال من عالم البشر العادي أن يصبحوا سحرة؟ لكنه لم يجرؤ على معارضة قرار سيد البرج العظيم.

“إذن، إبريل ولدت بموهبة السحر،” قالت هيلين وهي تنظر إلى إبريل بإعجاب.

كلمة “ساحرة” كانت تحمل وقعًا خاصًا. في هذا العالم، كما في حياتها السابقة، كانت المهن التي تنتهي بـ”ـة” مثل الطبيبة، القاضية، أو المدعية، تُعتبر مرموقة. لكن الساحرة كانت أعلى من ذلك بكثير، مهنة النخبة الأكثر احترامًا. هذا كان انطباع هيلين عن السحرة. أن يأتي سيد برج السحر بنفسه ويعرض تدريب إبريل كساحرة؟ هذا يشبه أن يأتي رئيس وكالة مواهب شهيرة لاختيار موهبة بنفسه!.

لكن على عكس هيلين، كانت إبريل تشعر بالغربة والخوف من هذا الموقف. اختبأت مرة أخرى خلف ظهر هيلين، وجسدها الصغير يرتجف. هل يمكن أن تكون خائفة إلى هذا الحد من رجل وسيم يشبه القزم ورجل نحيف ذو عيون كبيرة؟.

فجأة، سمع صوت ضحكة خافتة، وظل لوكايل يقترب من إبريل حتى غطى جسدها الصغير.

“مثير للاهتمام، أنتِ تستطيعين قراءة القوة السحرية، أليس كذلك؟” قال لوكايل. 

لاختبارها، عزز لوكايل قوته السحرية عمدًا. كانت إبريل الطفلة الثانية التي تستطيع إدراك ذلك. في تلك اللحظة، قرر لوكايل أنه يجب أن يأخذ هذه الفتاة مهما كان الثمن.

“هل يمكنني التحدث مع إبريل على انفراد للحظة؟” سأل لوكايل.

أمسكت هيلين بيد إبريل وسحبتها خارج الغرفة، بعيدًا عن أذني لوكايل وتشي، لتتحدث معها بصراحة.

‘أن تصون كساحرة…!’ فكرت هيلين. كانت تعلم أن السحر هو أصعب وأغلى المواد التي تُدرس في الأكاديمية. لو كانت هي مكان إبريل، لقبلت العرض دون تردد، لكن إبريل ربما تفكر بشكل مختلف. على الرغم من أن هيلين لم تكن خبيرة في التربية، إلا أنها كانت تعتقد أن رأي الطفل هو الأهم عندما يتعلق الأمر بمستقبله. لم تشعر هيلين أنها مؤهلة لتكون وصية إبريل، لكنها كانت الوحيدة الموجودة الآن، وكانت إبريل بحاجة إلى شخص يدعمها.

سألت هيلين بحذر: “إبريل، أعلم أن هذا الموقف مفاجئ ومحير، لكن هل تفكرين في أن تصبحي ساحرة؟”.

كانت إبريل تعتقد دائمًا أنها مختلفة. كانت قادرة على حفظ كل شيء بمجرد رؤيته مرة واحدة. تعلمت القراءة قبل جينا، وتجاوزت تقدم ليليانا في دراستها عندما كانت في الثامنة، بينما كانت ليليانا في الثامنة عشرة. منذ سن السابعة، بدأت تقرأ الكتب القديمة في مكتبة والدها، التي كان يحتفظ بها “للمظهر فقط”، كما كان يقول. من بين تلك الكتب، كانت هناك كتب عن السحر.

سمعت إبريل أن معظم السحرة يرثون دماء السحرة، وأنه بدون قوة سحرية فطرية، لا يمكن لأحد أن يصبح ساحرًا. على الرغم من إدراكها أنها لا تستطيع استخدام السحر، كانت إبريل غالبًا تحلم بأن تصبح ساحرة. كانت تظن أنها مجرد أحلام عادية تحلم بها أي فتاة صغيرة. لكن الآن، ظهر سحرة حقيقيون يعرضون أخذها إلى برج السحر لتدريبها كساحرة، وأحدهم هو سيد البرج نفسه! شعرت إبريل فجأة وكأن أنفاسها تختنق.

“… لا، لا أريد!” صرخت إبريل.

عاشت إبريل طوال حياتها في قصر الكونت. ذات مرة، تسللت بعيدًا عن أختيها بدافع الفضول لزيارة القرية، لكن الأطفال هناك، عندما عرفوا أنها من عائلة إيميلديا، رموها بالحجارة وشتموها، قائلين: “النبلاء الساقطين”، “إميلديا المتسولة”. عادت إبريل إلى القصر وهي تجري، ولم تخرج منه مرة أخرى. قررت أنها لا تحتاج إلى أصدقاء في سنها، فأختيها ليليانا وجينا كانتا كافيتين بالنسبة لها. طمأنت نفسها بأنها لا تحتاج إلى أحد غيرهما.

لذا، فكرة مغادرة هذا المكان والذهاب إلى مكان لا توجد فيه أختيها جعلتها تشعر أنها لن تستطيع النجاة بمفردها. كانت يداها ترتجفان من الخوف.

على الرغم من قول إبريل إنها لا تريد، أدركت هيلين أن الخوف هو ما يحركها. لاحظت أن الكتب التي تحتوي على كلمة “سحر” في مكتبة إبريل كانت مهترئة من كثرة قراءتها. كيف يمكن ألا ترغب إبريل في أن تصبح ساحرة؟.

“هل أنتِ متأكدة أنكِ لن تندمي؟” سألت هيلين.

في حياتها السابقة، كانت هان يينا، اسم هيلين السابق، محرومة من تعلم ما تريد. أحبت الرسم، وأرادت تعلم الموسيقى، لكنها لم تُمنح الفرصة أو البيئة المناسبة. كانت تلوم والديها بالتبني، لكنها كانت تعلم أيضًا أنها لم تمتلك موهبة خاصة. لكن إبريل مختلفة. رأت هيلين موهبتها، وشعرت أن واجبها هو مساعدة إبريل على تنمية هذه الموهبة، كما لو كانت موهبة نجمة سينمائية أو رياضية. كان من الظلم أن تُحرم إبريل من فرصة أن تصبح ساحرة، خاصة وأن هان يينا نفسها لا تزال تشعر بالأسف على أحلامها التي لم تتحقق.

“أنا… لا أعرف،” قالت إبريل.

كان حلمها أن تصبح ساحرة، لكنها لم تفكر يومًا في ذلك كواقع. والآن، عندما أصبح الواقع، لم تشعر بالفرح أو الحماس، بل بالخوف فقط.

“لا أريد أن أترك أختيّ!”.

مجرد التفكير في الانفصال عن أختيها جعل إبريل تشعر وكأن قلبها يتمزق. كانتا ليليانا وجينا كل شيء بالنسبة لها: أختين، أم وأب، والعالم بأسره.

أدركت هيلين الآن سبب تردد إبريل. كانتا ليليانا وجينا بالنسبة لإبريل ليستا مجرد أختين، بل عائلتها الوحيدة. بعد فهم مشاعرها، أصبح من الصعب على هيلين أن تحثها على قبول العرض دون تفكير. لكن… .

“حتى لو لم تصبحي ساحرة، هذا لا يعني أنكِ ستبقين مع أختيكِ إلى الأبد،” قالت هيلين.

“كيف تقولين ذلك؟!” ردت إبريل بصدمة.

“العالم مليء بأشخاص مثلي. ألم تكوني أنت وأختيكِ على وشك الانفصال عدة مرات بسببي؟”.

كانت هيلين معتادة على لعب دور الشريرة. في حياتها الحالية وفي حياتها السابقة، لم تكن في موضع يسمح لها بقول كلام طيب. كانت هان يينا، في حياتها السابقة، تحصل على راتب زهيد يتضمن تحمل الإهانات نيابة عن رؤسائها.  

حاولت إبريل منع دموعها، فتحدقت بعيون واسعة وأغلقت فمها بقوة. كانت غاضبة من كلام هيلين، لكنها لم تستطع الرد.

“إذا أصبحتِ ساحرة، لن يكون هناك من هو مثلي قادر على مواجهتكِ،” قالت هيلين بنبرة بدت، للحظة، دافئة بشكل غريب.

نظرت إبريل إلى هيلين. هل كانت تخطئ في سماع تلك النبرة الرقيقة؟. 

“إذا أصبحتِ ساحرة، ستملكين القوة لحماية من تحبينهم. ألم تكوني ترغبين في الانتقام مني؟”

‘كيف تقول كلامًا كهذا بنبرة لطيفة؟!’ فكرت إبريل، وعيناها الخضراوان تلمعان بالدموع. مسحت دموعها بسرعة بظهر يدها. كانت كلمات هيلين قاسية وواقعية، لكنها، بطريقة ما، جعلتها تشعر بالفرح.

‘إنها حقًا امرأة غريبة،’ فكرت إبريل. لكنها أدركت أن هيلين محقة. لم تعد تريد أن تكون تحت رحمة أشخاص مثلها. لقد حان الوقت لتصبح قوية، لتصبح بالغة رائعة.

بعد تفكير عميق، اتخذت إبريل قرارها.

“سأصبح ساحرة عظيمة!” أعلنت بثقة.

~~~

لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!

حسابي انستا:  roxana_roxcell

حسابي واتباد: black_dwarf_37_